عقب فوز اليمين المتطرف بانتخابات هولندا.. ماذا ينتظر المسلمين والمهاجرين؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

"لم أكن أتوقع هذه النتيجة حقا.. المسلمون ينتظرون أوقاتا عصيبة"، بهذه الكلمات عبر "محسن كوكتاس" رئيس "هيئة التواصل بين مسلمي هولندا والحكومة"، عن قلقه من النتيجة الصادمة للانتخابات التشريعية الهولندية. 

ففي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، تصدر حزب "الحرية" اليميني المتطرف المناهض للإسلام والمهاجرين بزعامة "غيرت فيلدرز" الانتخابات التشريعية. 

وبحسب استطلاع أجراه معهد "إيبسوس" العالمي المتخصص في استطلاعات الرأي، فقد حصل حزب "الحرية" بقيادة فيلدرز على 37 مقعدا من أصل 150 تتألف منها الغرفة السفلى في البرلمان الهولندي. 

فيما حل في المرتبة الثانية، تحالف "اليسار-البيئيين" بزعامة فرانس تيمرمانز بواقع 25 مقعدا.

أما حزب يمين الوسط فحصد 24 مقعدا، وبذلك تمثل حصة حزب "الحرية" ثقلا وازنا في مجلس نواب مشتت القوى.

ووصفت وسائل إعلام دولية أن نتيجة الانتخابات الهولندية، بمثابة "زلزال سياسي" تصل تداعياته إلى أوروبا المترقبة والمتحفزة. 

خاصة أن "فيلدرز" السياسي المثير للجدل، سيقود محادثات تشكيل ائتلاف حاكم جديد وربما يصبح رئيس وزراء البلاد.

فيلدرز المتطرف

ويعرف فيلدرز، زعيم حزب "الحرية" وعضو مجلس النواب الهولندي، بأنه سياسي يميني شديد التطرف.

اشتهر فيلدرز بمواقفه المعادية للمسلمين والمهاجرين، ونشرت له مقاطع فيديو يسخر فيها مما عده تزايدا في عدد المسلمين بهولندا، إذ قال "إن مشاهدتهم وهم يؤدون الصلاة في طرقات هولندا يهدد بتجريد البلد من هويتها".

وفي 23 نوفمبر نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية مقطع فيديو يظهر فيلدرز وهو يحتفل بالنتائج الأولية التي تظهر تصدر حزبه نتائج الانتخابات، وخلفه العلم الإسرائيلي.

ولفيلدرز علاقة خاصة بدولة الاحتلال، حيث ذهب إلى إسرائيل بعد إكماله تعليمه الثانوي. وقضى فترة من حياته في إحدى مستوطناتها، إذ عمل متطوعا لسنوات في بعض التعاونيات الزراعية المعروفة بـ"الموشاف".

لذلك جاءت علاقته القوية بتل أبيب وتضامنه الدائم معها، حيث يصف نفسه بأنه "صديق حقيقي لها".

على النقيض امتلك فيلدرز تاريخا صعبا مفعما بالإسلاموفوبيا، وقد حوكم عام 2007 بتهمة ارتكاب جريمتي الكراهية والتمييز.

بسبب وصفه الإسلام بأنه "أيديولوجية فاشية"، ثم دعوته إلى حظر دخول الكوريين وترحيل من أطلق عليهم"المغاربة المجرمين". 

وللسياسي الهولندي آراء خاصة تجاه سياسات الشرق الأوسط ففي عام 2010، طالب حكومة بلاده والاتحاد الأوروبي بإلغاء اعترافهما بالأردن.

لأن "الأردن" على  حد زعمه هو فلسطين، وتسمية الأردن فلسطين من شأنها أن تنهي أزمة السلام في الشرق الأوسط بإيجاد وطن بديل للفلسطينيين".

ويشدد في أكثر من مناسبة على أن "إسرائيل يجب أن يكون لها موقع خاص ومميز في العلاقات الهولندية الدولية".

وأكمل مزاعمه قائلا: "لأنها تقاتل نيابة عنا في القدس التي إذا ما سقطت في يد المسلمين فسيأتي الدور على أثينا وروما، لذلك فإن إسرائيل هي الجبهة المركزية في الدفاع عن الغرب الحر ضد بربرية الأيديولوجيا الإسلامية".

وفي عام 2006 عقب فوز فيلدرز بعضوية البرلمان طالب بإلغاء المادة الأولى من الدستور الهولندي التي تنص على عدم التمييز.

كما دعا إلى الحد الفوري لهجرة المسلمين، واصفا إياها بأنها "غزو لهولندا"، ونادى بحظر تعلم "القرآن الكريم" مشبها إياه بكتاب الزعيم النازي أدولف هتلر "كفاحي"، وطالب بتجميد بناء المساجد والمدارس الإسلامية وحظر ارتداء الحجاب.

وفي عام 2008 أطلق الفيلم الشهير "فتنة" ومدته 17 دقيقة، وحوى إساءات للدين الإسلامي والنبي "صلى الله عليه وسلم" والقرآن الكريم، وهو ما أخضعه لمحاكمات قضائية، لكن تمت تبرئته منها جميعا. 

وفي أبريل/ نيسان 2022 قامت شركة تويتر "إكس" حاليا، بحجب حساب فيلدرز، على خلفية تغريدة هاجم فيها الإسلام.

ومنذ عام 2004 يعيش فيلدرز تحت حماية الشرطة بعد تلقيه تهديدات بالقتل، على خلفية حملاته العنصرية ضد الإسلام.  

عدو تركيا والمغرب

ويعد فيلدرز وحزبه "الحرية" من أشد خصوم الهولنديين من أصول مغاربية وتركية، وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 مثل فيلدرز أمام المحكمة بتهمة التحريض على الكراهية والتمييز العنصري ضدهم. 

خاصة وأنه أثناء حملته للانتخابات المحلية عام  2014، طلب بتقليل عدد المغاربة في هولندا (نحو 2 بالمئة من السكان)،

ثم وصفهم بأنهم "حثالة"، وتسببت تلك التصريحات الحادة وغير المسبوقة ضد قطاع من الشعب الهولندي، باستقالات جماعية من حزبه، كما دفعت رابطة الهولنديين المغاربة لرفع دعوى ضده.

وفي 12 مارس/ آذار 2017 دخل فيلدرز في صدام مع رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، وعمدة روتردام أحمد أبو طالب، بسبب المسلمين الأتراك.

وقال فيلدرز: "روته وأبو طالب أين أنتم؟، 500 تركي في روتردام يصرخون الله أكبر، هذا البلد لنا، نظفوا الميادين بسرعة".

بعدها مباشرة نشر تعليقا على صورة لمواطنة محجبة من أصول تركية، تحمل في يدها العلم التركي، ثم قال: "على مدى عقود، والحدود المفتوحة أمام الهجرة الجماعية، والحفاظ على الثقافة، وعدم الحرص على الاندماج، والسماح بالجنسية المزدوجة. هذه هي النتيجة".

ويحمل فيلدرز وحزب الحرية أجندة خاصة تجاه تركيا، وهو ما ظهر عام 2015، عندما نشر تسجيلا مصورا على الموقع الإلكتروني لحزبه قال فيه إنه "لا يمكن لدولة مسلمة مثل تركيا أن تكون جزءا من الاتحاد الأوروبي فنحن لا نريد مزيدا من المسلمين، بل على العكس نود أن ينقص عددهم بيننا".

كل تلك الأمور تتجلى وفيلدرز يستعد للمساهمة في تشكيل الحكومة الهولندية الجديدة، والتي ينتظرها قطاع كبير من المسلمين والمهاجرين في البلاد بقلق وترقب وتساؤلات. 

أوروبا وقطار اليمين 

وعلى المستوى الأوروبي شكلت نتيجة الانتخابات التشريعية الهولندية صدمة لقادة ألمانيا وفرنسا.

حيث تأخد أيديولوجية اليمين المتطرف منحى صعوديا، وتضع فيلدرز في قيادة المحادثات لتشكيل الائتلاف الحاكم القادم وربما يصبح أول رئيس وزراء يميني متطرف لهولندا، وعلى أوروبا أن تتعامل معه.

خاصة وأن برنامج فيلدرز الانتخابي، شمل إمكانية إقامة دعوات لإجراء استفتاء على خروج هولندا من الاتحاد الأوروبي، على غرار بريطانيا.

وسرعان ما هنأ زعماء اليمين المتطرف في أوروبا فيلدرز ما عدوه انتصارا لهم في هولندا. 

وقال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، المعروف بمعاداته الشديدة للمهاجرين والمسلمين، إن "رياح التغيير قادمة! تهانينا لفيلدرز بفوزه في الانتخابات الهولندية".

فيما صرحت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان: "لأن هناك أشخاصا يرفضون رؤية الشعلة الوطنية تنطفئ، فإن الأمل في التغيير لا يزال حيا في أوروبا".

من جانبها رأت شبكة "سي إن إن" الأميركية في 23 نوفمبر 2023، أنه من الممكن أن يسير فيلدرز على خطوات رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني الشخصية اليمينية المتطرفة.

ووصفت ميلوني بأنها لم تعد الشخصية التي كان يخشاها البعض عندما تولت السلطة في عام 2022، إذ تمكن الاتحاد الأوروبي من احتوائها إلى حد ما. 

ولذلك، ينظر إليها الآخرون من التيار اليميني المتطرف على أنها خائنة، وخالفت أجندتها. 

وأكدت الشبكة الأميركية أن إغراء الاتحاد الأوروبي للشخصيات الحاكمة أقوى من أطروحات الخروج والمغادرة. 

وأضافت أن المتشككين في أوروبا في المجمل، لا يريدون مغادرة الاتحاد، بل يريدون إدارته بدلا من ذلك.

لأن الأمر يرجع إلى أنهم يحبون الفوائد الاقتصادية لوجودهم في الاتحاد الأوروبي. وإذا استمروا في تعزيز قوتهم السياسية داخل الكتلة الأوروبية، فسوف يكون لديهم الكثير من الألعاب الكبيرة التي يمكنهم اللعب بها على المسرح العالمي.

وفي كل الأحوال لن يبدأ فيلدرز الصدام بأوروبا في حال استطاع أن يشكل الائتلاف الحكومي، ويصبح رئيسا للوزراء، توضح الشبكة الأميركية.

 


ترامب الهولندي

وبحسب صحيفة "التايم" البريطانية ينظر إلى غيرت فيلدرز، على أنه الممثل الهولندي لنوع الشعبوية التي يناصرها دونالد ترمب أو الرئيس الأرجنتيني المنتخب حديثا خافيير ميلي، حتى إنه لقب من قبل خصومه بـ"ترامب هولندا". 

وأورد موقع "أكسيوس" الأميركي أن الفوز المفاجئ لحزب "الحرية" بمثابة دفعة أخرى للمحافظين اليمينيين في أوروبا، ودليل على أن الشعبوية "الترمبية" لا تزال حية وبحالة جيدة وتنتشر في أقطار العالم. 

وبالحديث عن أسباب تحقيق "فيلدرز" هذا الانتصار رغم أيديولوجيته، وتوجهاته اليمينية الصدامية. 

أجاب عن جزء من هذا التساؤل "ديدريك فان فيك" الخبير في معهد "كلينغينديل" الهولندي للسياسات.

حيث صريح "لوكالة الصحافة الفرنسية" في 24 نوفمبر 2023، أن بقية الأحزاب ارتكبت خطأ إستراتيجيا بعدم تركيزها على الهجرة، الأمر الذي صب في مصلحة حزب الحرية، الذي ناهض الهجرة بقوة.

الأمر الثاني أن فيلدرز استفاد من خبرته السياسية التي تمتد لأكثر من 30 عاما، واحتكاكه بدولاب صناعة القرار في "لاهاي" فسعى إلى تحسين صورته لدى الرأي العام في الداخل والخارج من خلال تعديل بعض مواقفه.

وهو ما ظهر عندما غير من مواقفه العدائية وأكد أن هناك مشاكل أكثر إلحاحا من خفض عدد طالبي اللجوء.

 كما خفف من حدة لهجته المعادية للإسلام، وهو ما برز في ادعاءاته أنه في حال فوزه سيكون "رئيسا للوزراء لكل شخص في هولندا، بغض النظر عن الدين أو الأصل أو الجنس أو أي شيء آخر".

وأكمل أن هناك شقا مهما في البرنامج الانتخابي لفيلدرز، جذب إليه الناخبين بعيدا عن الأيديولوجية وصدامات الهوية، وهو ما يتعلق بالرعاية الصحية.

وهو يقترب فيه من الأحزاب اليسارية، حيث يخاطب المواطن الهولندي العادي ويقرب إليه المشاكل اليومية مثل السكن، والرعاية الصحية.

كما أنه اهتم بدخل المواطنين مقابل الخدمات، حيث ركز على أن المواطن يدفع من جيبه كثيرا ولكن لا يستفيد أي شيء.

مثلا يدفع للحرب في أوكرانيا، ويدفع للاتحاد الأوروبي، ويدفع للتعاون الإفريقي الأوروبي، ولا يستفيد من ذلك. وبالتالي فقد استطاع أن يحقق نصرا يؤسس لديناميكية جديدة في السياسة الهولندية الداخلية والخارجية بالكامل.