حلم الوصول إلى أوروبا عبر ليبيا.. هكذا تحول إلى "كابوس"
"تعرض هؤلاء المهاجرون للتجويع والعطش وتهديدات ببيعهم لتجار الأعضاء البشرية"
تواصل ليبيا سياسة التشدد تجاه المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول إفريقيا والشرق الأوسط، الذين يتخذون من سواحلها نقاط انطلاق نحو أوروبا.
وما تزال الأخبار عن وقوع "انتهاكات جسيمة" في مراكز الاحتجاز سيئة السمعة في ليبيا بحق هؤلاء المهاجرين تتوارد وتثير حفيظة المنظمات الحقوقية.
ظروف قاسية
وجديد ذلك، إطلاق لاجئين سوريين وفلسطينيين محتجزين في سجن “ميناء زوارة” الليبي نداءات استغاثة للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، مطالبين بـ"التدخل العاجل لإنقاذهم من الظروف القاسية التي يعانون منها داخل السجن".
ووفق ما ذكرت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا"، عبر بيان في 4 سبتمبر/ أيلول 2024 فإن اللاجئين في سجن ميناء زوارة "يعانون من الجوع والعطش الشديدين، وأوضاعهم الإنسانية في تدهور مستمر".
ونقلت المجموعة عن مصادر من داخل السجن تأكيدها أن أكثر من 112 لاجئا سوريا، بينهم فلسطينيون و18 امرأة، يعيشون في ظروف قاسية بعد اعتقالهم أثناء محاولتهم الهجرة بحرا من ليبيا إلى أوروبا.
وذكرت المصادر أن اللاجئين يتعرضون لانتهاكات متكررة داخل السجن، في ظل انعدام الرعاية الصحية وسوء التغذية.
ومدينة زوارة التي تبعد 120 كم غرب طرابلس، معروفة بأنها نقطة الانطلاق الرئيسة لقوارب المهاجرين باتجاه أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.
ومدينة زوارة منطقة إستراتيجية قرب الحدود التونسية والمطلة على مياه البحر التي تفصل ليبيا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية
ويتقاسم السيطرة على مدينة زوارة، "المجلس العسكري لزوارة" التابع للأمازيغ، وقوة أمنية تتبع لحكومة الوحدة الوطنية.
بالإضافة مدينة زوارة، هناك مناطق أخرى مثل القرة بوللي وصبراتة والزاوية، التي تكثر فيهم عمليات جلب وتخزين المهاجرين في مخازن أو شقق سكنية، لحين إنزالهم البحر في وقت تحدده عصابات الاتجار بالبشر حسب الأوقات المناسبة.
وتمكن موقع "تجمع أحرار حوران" السوري المعارض، من الحصول على مقاطع فيديو وصور من داخل سجن "ميناء زوارة"، توثق معاناة المهاجرين السوريين الذين تم اعتقالهم بعد هجوم من قبل مليشيات مسلحة خلال محاولتهم الوصول إلى إيطاليا.
وتُظهر مقاطع الفيديو تعرض المهاجرين للتعذيب، فضلا عن النقص الحاد في الطعام والشراب، وانتشار الأمراض بين المحتجزين، وبشكل خاص الجلدية مثل الجرب.
تهديدات مستمرة
وأشار "تجمع أحرار حوران" إلى أن السجناء في سجن زوارة يتعرضون للإهانات والضرب من قبل السجانين، الذين ينتمون إلى جنسيات ليبية وإفريقية، ويعيشون في ظل تهديدات مستمرة إذا حاولوا المطالبة بشيء.
وفي أحد التسجيلات قال ناشر الفيديو إن ما سماها "مليشيات زوارة" خطفت 130 مهاجرا.
ونقل "التجمع" عن محمد السامري (اسم وهمي)، عن أحد الناجين من السجن، قوله إنه دفع 2500 دولار للخروج من السجن، مشيرا إلى أن ظروف الاحتجاز كانت كارثية، حيث ارتفعت درجات الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية داخل الهنغار المكتظ بالمحتجزين.
وأضاف السامري، أنه لم يتمكن من دخول الحمام لمدة خمسة أيام بسبب عدم توفر المياه، مما أثر على حالته النفسية.
وأوضح أن مدير السجن، ليبي الجنسية يدعى "أكرم"، كان يهدد المحتجزين بإطلاق النار إذا لم يدفعوا الأموال للإفراج عنهم.
وأشار السامري، إلى أن المليشيات سلبت أموالهم وهواتفهم ووثائقهم الثبوتية، بما في ذلك جوازات السفر والهويات الشخصية، مضيفا أن أحد المحتجزين، الذي كان يعاني من مشاكل قلبية "كاد أن يفقد حياته بسبب نقص الرعاية الصحية".
ويتعرض السجناء للإهانات والضرب من قبل السجانين، الذين ينتمون إلى جنسيات ليبية وإفريقية، ويعيشون في ظل تهديدات مستمرة إذا حاولوا المطالبة بأي شيء بسيط.
وهناك عدة سجون في ليبيا تديرها مليشيات محلية، فيها مهاجرون مثل سجن "بئر الغنم" وسجن "عين زارة" في طرابلس، حيث يعاني المحتجزون من أوضاع صحية متدهورة ويتعرضون للتعذيب والتجويع، وفق التجمع المذكور.
والكثير من المهاجرين وجدوا أنفسهم عالقين في هذه المدينة الساحلية، غير قادرين على مغادرة ليبيا باتجاه القارة الأوروبية.
وخفر السواحل الليبي، الذي يحصل على دعم وتدريب من قبل الاتحاد الأوروبي، يعترض المزيد من القوارب المتجهة إلى الشواطئ الأوروبية. كما تقدم وكالة مراقبة الحدود الأوروبية "فرونتكس" المساعدة للسلطات الليبية، عبر طائرات بدون طيار لتحديد مواقع القوارب في البحر.
وتعد ليبيا نقطة انطلاق رئيسة للمهاجرين غير النظاميين الفارين من الحرب والفقر في إفريقيا والشرق الأوسط، والراغبين في الانتقال إلى أوروبا.
"خطف مليشياوي"
ويدفع سوريون قادمون من مناطق سيطرة نظام بشار الأسد ما يقرب من 6500 دولار للشخص الواحد مقابل رحلة جوية من مطار دمشق الدولي إلى ليبيا التي سيستقل منها في وقت لاحق مركبا تجاه إيطاليا.
لكن بعض هؤلاء لا يحالفهم الحظ ويتمكنون من عبور البحر والوصول إلى الأراضي الأوروبية على الضفة المقابلة، بل يقعون في ضحية عمليات ابتزاز وانتهاكات جسيمة لحقوقهم.
ولا سيما أن ليبيا الواقعة في شمال إفريقيا وتبعد حوالي 300 كيلومتر من الساحل الإيطالي، لا تزال تغرق في فوضى أمنية متفاقمة، مع انتشار المليشيات المسلحة التي تستغل الانفلات الأمني لتحقيق مكاسب مادية.
وسط هذه الفوضى، تتزايد عمليات الخطف التي تستهدف المهاجرين، وخاصة السوريين، الذين يقعون ضحايا لهذه المجموعات.
ونقل "تجمع أحرار حوران" عن سمير الملان، اسم مستعار لشاب سوري، عن تجربته المروعة مع الاختطاف بعد وصوله إلى أوروبا في يوليو/ تموز 2024 وخلال محاولته مغادرة ليبيا إلى إيطاليا، تعرض للاختطاف في مدينة زوارة على يد مجموعة مسلحة تُعرف بـ"كتيبة عائشة"، ومقرها في مدينة الزاوية.
وأجبر الملان، مع مجموعة من المهاجرين السوريين والمصريين، على الانتقال إلى غرف محصنة ومغطاة بألواح حديدية، وتم إبلاغهم بأنهم "مخطوفون" وعليهم دفع فدية قدرها 4 آلاف دولار لكل شخص، بحسب حديثه للتجمع في 3 سبتمبر 2024.
وأضاف الشاب أنهم تعرضوا للتجويع والعطش خلال خمسة أيام من الاحتجاز، مع تهديدات ببيعهم لتجار الأعضاء البشرية.
وفي الليل، سمع سمير أصوات بكاء أطفال من غرفة مجاورة، ليكتشف لاحقا أنهم أيضا محتجزون من قبل “كتيبة عائشة”.
وأشار سمير إلى استخدام الخاطفين سيارات فاخرة، منها BMW M760، لنقل المخطوفين من منطقة إلى أخرى.
وهذه الشهادات تكشف جانبا من سلسلة الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون السوريون في ليبيا، الذين هربوا من ظروف قاسية في بلادهم بسبب ملاحقات نظام الأسد والوضع الاقتصادي المتردي.
لكن تستغل المليشيات المسلحة في ليبيا، خاصة على الساحل الغربي، الفوضى الأمنية لشن عمليات خطف وابتزاز شبه يومية بحق السوريين وغيرهم من المهاجرين، ساعية لتحقيق مكاسب مادية.
وكانت السفارة الفلسطينية قد أصدرت تحذيرا سابقا للفلسطينيين المقيمين في سوريا بشأن الدخول إلى ليبيا عبر مطار بنينا في مدينة بنغازي، عادة هذا الدخول غير شرعي وفقا لقوانين الهجرة الليبية.
وأشارت السفارة إلى أن المهاجرين الذين يدخلون البلاد بهذه الطريقة “يتعرضون غالبا للابتزاز من قبل عصابات الاتجار بالبشر، مما يزيد من معاناتهم”.
"حلقة مفرغة"
ومنذ عام 2020، قالت منظمة العفو الدولية إن المهاجرين وقعوا في "حلقة مفرغة من القسوة"، وعانوا من الانتهاكات في مراكز الاحتجاز.
ومن بين الانتهاكات التي يتعرضون لها الاعتداء الجنسي والاعتداءات الجسدية والاحتجاز التعسفي.
وقد واجه الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمته إيطاليا، انتقادات شديدة بسبب دعمه وتعاونه مع وحدات خفر السواحل الليبية المتهمة بالتورط في مثل هذه الانتهاكات.
وكان مسلحون مجهولون أقدموا مطلع سبتمبر 2024 على اغتيال قائد معسكر الأكاديمية البحرية الحربية في طرابلس، عبد الرحمن ميلاد، الملقب بـ"البيدجا"، بإمطاره بالرصاص الحي في العاصمة الليبية.
"البيدجا"، من أشهر الشخصيات الأمنية في غرب ليبيا، وتتهمه دول عدة منها الولايات المتحدة وبريطانيا بتزعم عصابة كبيرة للمتاجرة بالبشر لا سيما، وأنه أحد قادة خفر السواحل في الزاوية التي تعد من أهم مناطق انطلاق المهاجرين نحو أوروبا.
وفي يونيو/ حزيران 2018، ورد اسم "البيدجا" في التقرير الصادر عن مجلس الأمن بوصفه "زعيم أخطر عصابة تهريب بشر في ليبيا ومتورطة في تعذيب المهاجرين وارتكاب انتهاكات بحقوق الإنسان". فيما صدرت ضده مذكرة اعتقال من الشرطة الدولية (الإنتربول).
واستغلت شبكات الاتجار بالبشر عدم الاستقرار الذي ساد ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 لتطوير شبكات سرية لنقل آلاف المهاجرين من إفريقيا إلى أوروبا.
وفي وقت تحاول السلطات الليبية إرسال "صورة مرعبة" وفق المراقبين لمن يفكرون في الذهاب إلى ليبيا أملا في الوصول إلى أوروبا فقد اختتم بالعاصمة طرابلس في 17 يوليو 2024 منتدى الهجرة عبر المتوسط، بعد يوم من المناقشات على المستوى الرئاسي والوزاري.
وأكد البيان الختامي للمنتدى على أهمية التعاون والتضامن بين الدول والمؤسسات للبحث عن حلول شاملة لمشكلة الهجرة غير النظامية.
وتضمن التشديد على ضرورة تطبيق إستراتيجيات تتعامل مع جذور مشكلة الهجرة غير النظامية، واضعة في حسبانها قضايا التنمية وحقوق الإنسان.
وفي العام 2023، فُقد أكثر من 3 آلاف مهاجر بعد محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة.
ووفق بيانات رسمية حكومية ليبية، فإن أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا عبر ليبيا هي أكثر من 40 بالمئة من إجمالي الهجرة عبر البحر المتوسط.
وكثيرا ما أثار تمويل الاتحاد الأوروبي قوات خفر السواحل الليبية، حفيظة الكثير من المنظمات غير الحكومية التي تشدد على أن ليبيا ليست مكانا آمنا للاجئين خاصة في ظل تعرضهم لانتهاكات جسيمة في مراكز الاحتجاز سيئة السمعة.