"مزاد رشًاوى" وسفير إيران.. لماذا فشل برلمان العراق بانتخاب رئيس جديد؟
أحدثت الجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد للبرلمان العراقي، مشاحنات وانقسامات داخل قوى الإطار التنسيقي الشيعي، بسبب خلافات حيال المرشحين للمنصب، حتى وصل الحال بنواب الكتل السياسية المنضوية فيه إلى تبادل الاتهامات بالخيانة وتلقي الرِّشا المالية والعينية.
وتأتي مساعي القوى السياسية لاختيار رئيس جديد للبرلمان، بعد إقالة المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية في العراق) رئيسه السابق محمد الحلبوسي، في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، على خلفية قضية "تزويره" طلب استقالة للنائب العراقي ليث الدليمي.
تسريب قاتل
في 13 يناير/ كانون الثاني 2024، عقد البرلمان العراقي جلسة لانتخابات رئيس جديد له خلفا للحلبوسي، إذ تنافس أربعة نواب من المكون السني وآخر شيعي في الجولة الأولى، والتي لم يحصل فيها أحد منهم على أغلبية تمكنه من الفوز بأعلى منصب للسنّة.
ترشح للمنصب: شعلان الكريم عن حزب "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي، وسالم العيساوي عن تحالف "السيادة" بقيادة خميس الخنجر، ومحمود المشهداني وطلال الزوبعي عن تحالف "العزم" برئاسة مثنى السامرائي، وعامر عبدالجبار مرشح شيعي مستقل.
وقبل ثلاثة أيام من جلسة انتخاب رئيس للبرلمان، سُرب على مواقع التواصل مقطع فيديو يعود إلى العام 2016، يظهر فيه شعلان الكريم، وهو ينعى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ويصفه بـ"المجاهد" ويتوعد بالثأر ممن أعدموه والذين نعتهم بـ"الفرس المجوس".
وعلى ضوء ذلك، طالت الكريم عاصفة الانتقادات من نواب شيعة ينتمون إلى الإطار التنسيقي، وفي مقدمتهم النائب يوسف الكلابي، الذي أكد في 12 يناير عبر منصة "إكس" أنهم لن يصوتوا له، وسيتقدّم بشكوى قضائية إلى لإسقاط عضويته في البرلمان.
وفي ظل هذه الأجواء، ساد اعتقاد في وسائل الإعلام المحلية بأن المنافسة ستكون بين المرشحين سالم العيساوي، ومحمود المشهداني، وأن الأخير هو الأقرب إلى تولي المنصب كونه مقربا من نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون، وأحد قادة الإطار التنسيقي.
لكن المفاجأة أظهرت تصويت 152 نائبا لصالح شعلان الكريم، فيما حقق سالم العيساوي 97 صوتا، بينما حصل المشهداني على 48 صوتا، وعامر عبدالجبار 6 أصوات، وطلال الزوبعي على صوت واحد فقط، إضافة إلى 10 أصوات كانت باطلة.
رغم الحملة التي طالت الكريم، لكنه كان بحاجة إلى 5 أصوات فقط للحصول على منصب رئيس البرلمان، إذ يشترط الدستور أن يحقق أغلبية بسيطة من عدد الحاضرين، والذين بلغ عددهم وقت الجلسة، 314 نائبا من مجموع 329، وبالتالي ذهبت الجلسة إلى جولة ثانية لحسم الفائز.
لكن الجولة الثانية جرى عرقلة عقدها بعدما طرح النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي، الذي كان يقود الجلسة بالوكالة، إجراء تعديل على جدول الجلسة، الأمر الذي رفضته القوى السياسية، وخصوصا السنية منها، ما أدى إلى حصول مشادات كلامية أدت إلى رفع الجلسة.
الى النائب شعلان الكريم
بعد الاستماع الى حديثكم بتمجيد الطاغية المجرم المقبور .
اعلن رسميا عدم التصويت لك بل واوصي ضحايا النظام المقبور واصواتهم الوطنية من اعضاء مجلس النواب الى عدم التصويت لك.
بل ساسعى لاقامة دعوى امام المحكمة الاتحادية لاسقاط عضويتكم
د يوسف الكلابي pic.twitter.com/79VfIOzeJ6— يوسف الكلابي _Yousif Al_Kilaby (@Y_B_Alkilaby) January 12, 2024
اتهامات متبادلة
النتائج التي ظهرت في الجولة الأولى خلقت أزمة داخل الإطار التنسيقي، فقد صوتت جميع القوى السياسية الشيعية إلى مرشح الحلبوسي، شعلان الكريم، باستثناء نواب من كتل: "عصائب أهل الحق" و"ائتلاف دولة القانون"، و"حركة حقوق".
ومن كتل "الإطار" التي صوتت للكريم: "منظمة بدر" و"تيار الحكمة" و"سند" ونواب من "ائتلاف دولة القانون". إضافة إلى الحزب الديمقراطي، والاتحاد الوطني الكردستانيين، و"تقدم"، كما صرّح النائب ماجد شنكالي خلال مقابلة تلفزيونية في 14 يناير 2024.
وعقب انتهاء الجلسة دون انتخاب رئيس للبرلمان، كتب النائب عن قوى الإطار التنسيقي، مصطفى سند تعليقا عبر حسابه على "فيسبوك" في 14 يناير، قائلا: "يلا الخونة رجعوا الفلوس"، في إشارة إلى تلقي نواب من الإطار على مبالغ مالية لقاء التصويت إلى الكريم.
وفي السياق ذاته، قال النائب عن "العصائب" علي تركي عبر منصة "إكس" في 14 يناير، إنه "بعد رفع الجلسة على البعض أن يراجع نفسه وخصوصا رؤساء بعض الكتل الذين أغلقوا أجهزة الهاتف والنواب الذين تعهد لهم بعض النواب السماسرة لأننا في الجلسة المقبلة سنعلن المواقف".
وأردف: "شكرا للنواب الشرفاء على مواقفهم رغم قوة البورصة في الكافيتريا. اللهم احفظ العراق من البعث وقاذوراته"، في إشارة إلى المبالغ المالية التي كانت تعرض على نواب من الإطار مقابل التصويت للكريم.
بعد رفع الجلسة على البعض ان يراجع نفسه وخصوصا رؤساء بعض الكتل الذين اغلقوا اجهزة الهاتف والنواب الذين تعهد لهم بعض النواب السماسرة لاننا في الجلسة المقبلة سنعلن المواقف ،شكرا للنواب الشرفاء على مواقفهم رغم قوة البورصة في الكافيتريا
اللهم احفظ العراق من البعث وقاذوراته— علي تركي الچمالي (@AlchmalyLy) January 13, 2024
وفي المقابل، قال فهد الجبوري، القيادي في "تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، أحد قيادات الإطار الشيعي، عن جلسة اختيار بديل الحلبوسي: "تم اتهامنا للتخوين بسبب تصويتنا لشعلان الكريم".
وأوضح الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية في 14 يناير أن تيار الحكمة يعتقد بأن منح المنصب للكتلة السنية الأكبر (تقدم)، هو التزام بمعادلة الحكم التي جرت في العراق بعد عام 2003، وأن مخالفة هذا العرف يهدد مناصب الشيعة وأبرزها رئاسة الوزراء.
وعبرت "منظمة بدر" بزعامة هادي العامري، أحد قادة الإطار التنسيقي، عن استيائها من التصريحات التي جاءت على لسان ما وصفتهم بـ"شركائنا في العقيدة والمسيرة والمخاض السياسي".
وتساءل بيان "بدر" في 14 يناير، بالقول: "أين كان هؤلاء المشنعون عندما أصبح شعلان الكريم نائبا في البرلمان؟ لماذا لم يسألوا هيئة المساءلة والعدالة كيف أصبح هذا الشخص نائبا؟ وكيف وافقت المحكمة الاتحادية على صحة عضويته؟".
وحسب كتلة العامري فإن "أسماء المرشحين لرئاسة البرلمان- وأولهم شعلان الكريم- قد عرضت أمام الإطار التنسيقي وقادته ولم يعترض أحد، لذا فالأجدر بالمتباكين محاسبة قادتهم الذين وافقوا على ترشيح الرجل، لماذا سكتوا ليقع اللوم على نواب بدر؟ وكأن بدر هو الوحيد في قيادة الإطار".
رِشا ضخمة
وبخصوص أسباب الأزمة الحقيقية وراء انشطار قوى الإطار التنسيقي الشيعي، قالت مصادر برلمانية عراقية خاصة، إن "رشاوى مالية ضخمة عرضت على النواب الشيعة، فقرر أغلبهم قبولها، والتصويت لصالح شعلان الكريم بدلا من محمود المشهداني الذي اتفقوا على انتخابه قبل الجلسة".
وأوضحت المصادر البرلمانية لـ"الاستقلال" رافضة الكشف عن هويتها أن "الرشاوى بدأت بعشرات آلاف الدولارات ثم وصلت إلى مئة ألف دولار مقابل الصوت الواحد، وبعدها أضيفت إلى المئة ألف دولار سيارة أميركية نوع (شفروليه تاهو) ويقدر ثمنها أيضا بمئة ألف دولار".
وأكدت أن "نواب الإطار التنسيقي تقبلوا الرشوة المالية على حساب عقيدتهم التي تمنع تولية البعثي أي منصب في الدولة، وبذلك ظهرت الصورة الحقيقية للخلافات في البلاد بأنها صراع مصالح فقط".
وكشفت المصادر أن "نائب رئيس البرلمان محسن المندلاوي تلقى اتصالا من السفير الإيراني في بغداد محمد كاظم آل صادق، واتفق معه على عدم الذهاب إلى جولة ثانية لانتخاب رئيس البرلمان، وبذلك اختلق الأول موضوع إضافة فقرة على جدول الأعمال، لإثارة مشكلة تبرر رفعه للجلسة".
وحسب مقابلة للنائب عن الإطار التنسيقي، يوسف الكلابي، في 14 يناير، فإن "هناك نحو 20 نائبا تلقوا الرشى من خمسة سماسرة بينهم نائبتان خلال جلسة التصويت على رئيس البرلمان".
قاعة البرلمان العراقي قبل إعلان النائب الأول لرئيس المجلس محسن المندلاوي رفع الجلسة إلى إشعار آخر بسبب مشادة كلامية pic.twitter.com/PjAgQILkL5
— عمار العامري����HST���� (@_78iiipjff) January 14, 2024
وعلى إثر تلك التهم، فتحت هيئة النزاهة الاتحادية، باب التحري والتقصي عن قضايا عروض رشى قُدمَت لعدد من النواب بغية التصويت لمرشح مُعينٍ إلى منصب رئيس البرلمان.
وأكد بيان للهيئة في 14 يناير، أنها وجهت دعوة رسمية إلى أعضاء البرلمان: ماجد شنكالي، وأحمد الجبوري، ورعد الدهلكي، وحسين السعبري، وعلي تركي؛ من أجل الحضور إلى مقر دائرة التحقيقات، والإدلاء بمزيدٍ من المعلومات تخص تصريحات أدلوا بها إلى وسائل الإعلام بخصوص الرِّشا.
وأوضحت الهيئة في بيانها أنها تابعت تصريحات هؤلاء النواب، وزعم بعضهم تلقيه عروضا من بعض مُوظفي المجلس، بينما ادعى آخرون اطلاعهم على تلك العروض عبر رسائل "واتساب"، في حين ذكر بعضهم أنه تأكد من حجم المبالغ المزعوم عرضها للدفع.
كما وجه رئيس البرلمان "بالوكالة" محسن المندلاوي، بتشكيل مجلس تحقيقي بالموظف الذي حاول مساومة النواب ودفع رشا لهم لانتخاب أحد المرشحين في جلسة انتخاب رئيس البرلمان.
وحسب وثيقة صادرة من رئاسة البرلمان وموجهة إلى النائب حسين السعبري، طالب المندلاوي باسم الموظف الذي حاول مساومة أعضاء مجلس النواب للتصويت على مرشح معين لرئاسة المجلس من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه.
وحدّد البرلمان العراقي، 27 يناير 2024، موعداً جديداً لعقد جلسة من أجل انتخاب رئيس جديد، في ظل استمرار الخلافات السياسية على مرشح واحد، ما يجعل الجلسة مهددة بالفشل مرة أخرى.
المصادر
- انتخابات أم اتفاقات.. لماذا تأخر اختيار رئيس جديد لبرلمان العراق؟
- مصطفى سند مخاطباً بعض النواب: يلا الخونة..رجعوا الفلوس
- الخلافات تشتعل داخل التحالف الشيعي بسبب "الحلبوسي": وصلت إلى اتهامات بالخيانة
- بديل الحلبوسي يعمق الانشقاق في «الإطار» الشيعي: تهم الرشوة وتمجيد البعث تعقد اختيار رئيس جديد للبرلمان العراقي