احتفال وسط الإبادة.. كيف تتجاهل السعودية مشاعر أهل غزة؟
أطلقت السعودية موسم الرياض في 13 أكتوبر 2024 ويستمر حتى مارس 2025
للعام الثاني على التوالي، تدير السعودية ظهرها لعمليات الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة وتتجاهل معاناة سكانها عبر غياب موقف سياسي وأخلاقي.
فإلى جانب مواقفها السياسية الضعيفة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، نأت السعودية بنفسها وأصرت على إقامة الاحتفالات، في وقت يتعرض فيه الشعب الفلسطيني للإبادة يوميا.
موسم الرياض
وأطلقت السعودية موسم الرياض بنسخته الخامسة، في 13 أكتوبر 2024 ويستمر حتى مارس/آذار 2025، وتقول إنه “سيحول المدينة إلى مركز عالمي للإثارة والمتعة”، حيث يتضمن 11 حفلًا غنائيًا لنجوم عرب.
و”موسم الرياض” هو مهرجان ترفيهي ضخم يقام في العاصمة السعودية بشكل دوري، ضمن رؤية المملكة 2030، التي وضعها ولي العهد محمد بن سلمان بهدف تنويع اقتصاد البلاد، وتنظمه هيئة الترفيه.
وتعد هذه السنة الثانية التي تحتفل فيها السعودية بهذا الموسم بينما يستمر العدوان على غزة، والذي وصل أخيرا إلى لبنان، في تجاهل لمشاعر الشعبين.
وبعد بداية العدوان على غزة بأيام، انطلق موسم عام 2023، واشتعل الجدل وقتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين المنتقدين والمؤيدين لفعالياته.
وانبرى إعلاميون سعوديون للدفاع عن موقف بلادهم منذ ذلك الحين، مؤكدين أن الدولة لن توقف خطط الاقتصاد والترفيه بسبب الحرب على غزة.
وجاء الافتتاح على الرغم من دعوات التأجيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعما لأهل غزة ومراعاة لمشاعرهم، لكن دون جدوى.
وقبل افتتاح فعاليات العام 2024، بيومين، قال تركي آل الشيخ: “بكره بيبدأ موسمين وكلها ممتعة بالنسبالي ... الموسم الأول موسم الرياض اللي بيكون مختلف وإن شاء الله يعجبكم ياغالين ... والموسم الثاني موسم ليش موسم الرياض والمناحه السنوية اللي متعودين عليها”.
وجاءت تغريدة آل الشيخ في إشارة إلى الجدل الذي يثيره الموسم كل عام، بعد أن تحولت السعودية من دولة تمثل صورة الإسلام إلى أخرى تتصدر عناوين الانفتاح التي يقول ناشطون إنها تشمل الانحلال الأخلاقي والعري والخمور وغيرها.
وتشير التغريدة كذلك إلى توقعه التعرض لانتقادات على غرار عام 2023، عندما أصدر مواقف لقيت هجوما واسعا من ناشطين اتهموه بفقدان الضمير وتجاهل معاناة ومشاعر أهل غزة.
إصرار وتبجح
ففي أكتوبر 2023، عندما أطلقت السعودية هذه الفعاليات في ذات الشهر الذي بدأت فيه العدوان على غزة، شن رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ هجوما لاذعا على من وصفهم بـ”مستغلي اسمه واسم موسم الرياض كشماعة لتحويل الأنظار عن حدث آخر”.
وجاء ذلك بعد الجدل الذي أثاره اعتذار الفنان المصري محمد سلام عن المشاركة في عمل مسرحي كوميدي بالموسم، تضامنا مع غزة.
وكتب آل الشيخ عبر حسابه على “فيسبوك” وقتها، مستنكرا المطالبة بإيقاف “موسم الرياض” تضامنا مع شهداء فلسطين، قائلا إنه “خلال حرب 1967 عندما تم احتلال دول عربية لم يتوقف أي شيء".
وأردف: "وعند حرب لبنان لم يتوقف أي شيء وعندما حاربت بلدي 7 سنوات (في اليمن) لم يتوقف فيها شيء ودم السعودي أغلى لدي من أي شيء..”.
وتابع: “لا أعرف متى تنتهي مسخرة استخدام اسم المملكة أو اسمي أو اسم موسم الرياض في أي شيء كشماعة لتحويل الأنظار عن حدث آخر أو وضع آخر".
وأضاف: “لم أر كرة القدم توقفت مثلا وأي وظيفة حرة وشريفة وأي وظيفة سياحية أيضا… أعتقد أن المواطن العربي أصبح ملما وفاهما اسم تركي آل الشيخ يستخدم لماذا ومِن مَن".
وأردف: "لقد أصبح الوضع مكشوفا تماما وبنفس الأدوات وبنفس الصحف ونفس الطريقة ونفس الأشخاص … لكن السعودي وأنا منهم مشغول بتطور بلده ونهضتها ومرحب بكل زائر ومحب”.
ولم يكتف آل الشيخ بذلك، بل روج في خضم حملات مقاطعة عالمية، لمطعم ماكدونالدز المتهم بدعم جيش الاحتلال الإسرائيلي بالوجبات.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، نشر آل الشيخ على إكس مقطع فيديو قال فيه إن "ماكدونالدز" شريك رسمي بموسم الرياض، مقدما عرض "اشتروا وجبة والتانية هدية".
وبعد أن أثار هجوما واسعا عليه، حذف آل الشيخ الفيديو لاحقا، واكتفى بتغريدة بذات المضمون. ووقتها، عد ناشطون ما جرى محاولة من السلطات السعودية لإنقاذ الشركة بعد حملة مقاطعة واسعة.
انتقادات واسعة
وبعد إطلاق الموسم الجديد، انتقد ناشطون على منصة إكس تجاهل معاناة أهل غزة ولبنان الذين يتعرضون لعدوان إسرائيلي متواصل.
وقال المعارض السعودي فؤاد كوثر في تغريدة أرفق معها فيديو لمسابقة صفع الوجوه في موسم الرياض: “باتت عصابة ابن سلمان تتقصد كل نص شرعي للهجوم عليه وعمل ضده لمواصلة انتهاك ثوابت المجتمع وقيمه".
وأردف على منصة إكس: "تركي يهين التوجيه النبوي بهذه المسابقات ومقاطعتها والتشهير بها واجب وطني وشرعي”.
فيما كتبت شهرزاد بريدة: “في غزة والرياض... ليالي حمراء! إحداهما... حمراء من دماء تُراق والثانية... حمراء من فجور وعربدة”.
وعلق الصحفي محمد الهاشمي الحامدي بالقول: “بالزنود العارية تفتتح الحكومة السعودية موسم الرياض الجديد، وللعام الثاني على التوالي يتزامن موسم الفرح والترفيه والفرفشة السعودي مع الابادة الجماعية في غزة، مضافا لها الآن القصف اليومي الوحشي على لبنان”.
ورأى الحامدي في تغريدة على منصة إكس أن “السعودية الجديدة لا تحس ولا تتأثر”.
ويؤكد الكاتب الأميركي البارز توماس فريدمان أن “القادة في السعودية ليسوا متعاطفين على الإطلاق مع حركة حماس، ولن يشعروا بالحزن في حال اختفت من الوجود”.
وتتجاهل السعودية هنا ليس مصير المقاومة الفلسطينية فحسب، ولكن حياة آلاف المدنيين الذين قتلت إسرائيل منهم أكثر من 40 ألفا خلال حرب الإبادة.
وقال فريدمان خلال مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في 12 ديسمبر/كانون الأول 2023 بعد زيارة أجراها إلى المملكة إن قادة السعودية والدول المطبعة في الخليج "ملوا من القول إن عليهم تأجيل أولوياتهم وتركيز طاقتهم واهتمامهم ومواردهم على القضية الفلسطينية".
تغيير الثوابت
فرغم عمليات الإبادة بغزة، ذكر موقع "أكسيوس" الأميركي بعد شهر واحد من العدوان أن "السعودية لا تزال مهتمة" بمحاولة التوصل لاتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وتكررت التقارير التي تؤكد توجه الرياض إلى نفس المنحى خلال الشهور التالية.
ولفت أكسيوس خلال نوفمبر 2023 أن وفدا من الكونغرس الأميركي زار المملكة بعد اندلاع الحرب والتقى ابن سلمان.
وقال مصدر مطلع على المحادثات في السعودية للموقع الأميركي، إن "الرسالة التي سمعها وفد الكونغرس الذي ترأسه السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، من المسؤولين السعوديين، هي أنهم ما زالوا مهتمين بمحاولة التوصل إلى اتفاق تطبيع مع إسرائيل".
وفي سبتمبر 2023، قال ابن سلمان في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الاميركية، إن تطبيع السعودية مع إسرائيل “يقترب كل يوم أكثر فأكثر”.
فيما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من منبر الأمم المتحدة، أن بلاده على "عتبة" إقامة علاقات مع المملكة الخليجية.
ويخالف ابن سلمان بذلك تاريخ أجداده الذين منحوا القضية الفلسطينية والأزمات العربية اهتماما كبيرا، في وقت يتجه ولي العهد نحو التطبيع مع إسرائيل.
فقد تصدرت السعودية في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز الدول التي حظرت تصدير النفط إلى الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.
وجاء حظر النفط في خضم حرب 6 أكتوبر 1973، والتي دارت بين القوات المصرية والسورية من جهة، وجيش الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، وقد اندلعت لأجل استعادة الأراضي العربية التي جرى احتلالها سنة 1967.
وامتد الحظر من 17 أكتوبر 1973 حتى 18 مارس 1974 وتسبب بخسائر كبيرة للاقتصاد الأميركي، الداعم التقليدي والرئيس لدولة الاحتلال.
الدول العربية التي تبنت هذا الخيار هي السعودية والعراق وقطر والجزائر والكويت والإمارات، لكن كانت الرياض هي الفاعل الأول فيها.
واستخدمت السعودية وقتها النفط سلاحا سياسيا لردع إسرائيل وتغيير موازين المعركة، لكن المملكة اليوم ترفض اليوم حتى التلويح بذلك.
وفي نوفمبر 2023، سخر وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح ضاحكا من سؤال حول إمكانية استخدام النفط كسلاح لإيقاف العدوان على غزة، قائلا إن: “الأمر ليس مطروحا على الطاولة”.