موجة لم تنته بعد.. ما مستقبل إفريقيا بعد 8 انقلابات ناجحة في 3 سنوات؟
مع وقوع ثمانية انقلابات ناجحة في القارة السمراء خلال السنوات الثلاث الماضية فقط، يخشى كثيرون انتشارا أكثر لـ"وباء الانقلابات" في إفريقيا.
ومع ذلك، فإن الانقلابات "ليست جديدة في هذه القارة، التي عانت بشكل متقطع من صعود وسقوط الأنظمة العسكرية منذ إنهاء الاستعمار".
فما يقرب من 44 بالمئة من 242 انقلابا ناجحا منذ عام 1950 حدث في القارة الإفريقية.
تأثير العدوى
وقال موقع "ميديل إيست آي" البريطاني بنسخته الفرنسية، إن "عودة الانقلابات أخيرا إلى الظهور من شأنها أن تقوض (الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي) التي اجتاحت قسما كبيرا من إفريقيا في التسعينيات مع نهاية الحرب الباردة".
علاوة على ذلك، يأتي هذا في وقت يشعر فيه المجتمع الدولي بالقلق إزاء "التراجع الديمقراطي".
وأشار "ميديل إيست آي" إلى أن "هذا التراجع يتجلى في التآكل الشامل للمؤسسات الديمقراطية، وصعود الشعبوية وانتشار السلوك المناهض للديمقراطية".
وفي رأي الموقع "ليس من الغريب أنه بعد مرور 60 عاما على الاستقلال، أصبحت الوعود الديمقراطية التي لم يتم الوفاء بها مصدرا للإحباط للحركات والسكان".
فمن مالي إلى الغابون، خرج المواطنون "الذين خاب أملهم إزاء الوضع الحالي للسياسة الديمقراطية، إلى الشوارع بأعداد كبيرة لإضفاء الشرعية على الانقلابات العسكرية والاحتفال بها"، وفقا للموقع.
وهنا يطرح التساؤل: "ماذا أنجزت هذه الأنظمة العسكرية في الماضي وما هي الاحتمالات اليوم؟"
في المقابل، سلط الموقع الضوء على حقيقة أن "عوامل كثيرة تتدخل في قرار الجيش بشأن تدخله في المجال السياسي"، ولكن العامل الأكثر تحديدا هو "ما إذا كان النظام القائم يهدد مصالحه".
على سبيل المثال، حدث انقلاب 2021 في غينيا بعد أسابيع قليلة من قرار الرئيس آنذاك، ألفا كوندي، بإجراء تخفيضات على الميزانية العسكرية.
ولفت الموقع إلى أنه "في نفس الحقبة الزمنية، شهد الجيش السوداني تخفيضا بنسبة 59 بالمئة من ميزانيته قبل الانقلاب في العام نفسه".
ورغم أن الميزانيات العسكرية تزداد بعد الانقلابات، إلا أن مصالح الجيش الخاصة "تتجاوز الأمور المالية"، كما شدد الموقع.
صراع طبقي
وبحسب استطلاعات الرأي، أشارت "ميديل إيست آي" إلى أن "المؤسسة العسكرية تتفوق باستمرار على مؤسسات الدولة الأخرى من حيث الشرعية، وهو الاتجاه الذي يتجاوز أنواع الأنظمة والحدود الجيوسياسية".
وعزا الموقع ذلك جزئيا إلى أن "الجيش يميل إلى أن يكون أكثر تمثيلا للتركيبة السكانية للمجتمع".
وتابع: "ففي معظم البلدان، يكون الضباط في الغالب من الطبقات الوسطى، ولذلك، فإنهم يميلون إلى الحفاظ على مصالح طبقتهم من خلال التحالفات مع قطاعات أخرى من المجتمع".
في المقابل، لفت الموقع إلى أن "أميركا اللاتينية، بحكم تعرضها السريع والمبكر للحداثة، هي إحدى المناطق التي تكون فيها درجة التسييس والتعبئة بين الطبقات الدنيا كافية لتحدي مصالح الطبقة الوسطى والجيش".
ولذلك، يؤدي هذا أحيانا إلى اندفاع الجيش إلى "التنسيق مع الطبقة المحافظة للإطاحة بالائتلافات المنتخبة المؤيدة للطبقة العاملة".
وعلى العكس من ذلك، ذكر الموقع أن "الجيوش في إفريقيا والشرق الأوسط وسعت قواعد قوتها من خلال التحالفات مع الطبقات العاملة ضد القوى الإقطاعية والأرستقراطية".
ونتيجة لذلك، أدى انخفاض مستويات تعبئة الطبقة العاملة وتعرضها لاحقا للحداثة إلى "إضعاف طبيعة الصراع الطبقي".
وهو ما سمح -حسب الموقع- للأنظمة العسكرية في فترة ما بعد الاستعمار بـ"منح امتيازات للطبقات العاملة في شكل إصلاحات للأراضي وإعانات وتأميم نظامي الصحة والتعليم، دون تهديد سياستها ومصالحها الخاصة".
من ناحية أخرى، فسر أن هذه "التحالفات الطبقية" كانت أحد الدوافع الداعمة للانقلابات اللاحقة ضد الائتلافات الإسلامية المنتخبة في الجزائر أوائل التسعينيات، وفي مصر عام 2013.
قوى مزعزعة
بالعودة إلى الواقع الحالي، ربط "ميديل إيست آي" الاحتفالات بالانقلابات العسكرية في منطقة الساحل بـ"الإحباط الشعبي إزاء المآزق السياسية والتنموية"، فضلا عن "انتشار الجماعات المسلحة العابرة للحدود الوطنية التي تهدد أمن الدولة".
ولفت إلى أن "الجديد في هذه المظاهرات، وخاصة تلك التي شهدتها منطقة الساحل، هو الحماس في مواجهة ومعاداة الإمبريالية".
ورأى أن "الوعي المناهض للإمبريالية والوعي الجماهيري بالاستغلال الاستعماري الجديد هما شرطان أساسيان للوحدة".
وبحسب الموقع، "يظهر السكان الأفارقة هذا الوعي، لكن يبقى أن نرى ما إذا كانت الجيوش في وضع يسمح لها باستعادة السيطرة على موارد هذه البلدان ومستقبلها".
وبشكل عام، يُنظر إلى السياسة على أنها "لعبة التحالفات"، كما يقول الموقع.
وذكر "ميديل إيست آي" أنه "يُسمح للنخب العسكرية بالتحايل على الجمود السياسي والمحسوبية المرتبطة بالسياسة الانتخابية لتشجيع التغيير السريع والجذري".
وبشكل خاص، يرى الموقع أن "النخب العسكرية الإفريقية تميل إلى التحرك بسلاسة بين الشبكات المشتركة بحكم تدريبها في مؤسسات مماثلة".
من ناحية أخرى، أشار إلى "وجود أسباب إستراتيجية تدفع الأنظمة العسكرية إلى توحيد قواها، حيث تواجه هذه الأنظمة عداء القوى الإقليمية والعالمية، والتي تعدها الأخيرة قوى مزعزعة للاستقرار ولها آثار سلبية على السلام والأمن والديمقراطية".
وتبعا لتوقعات المحللين السياسيين، أكد الموقع أن "هذه الموجة من الانقلابات لم تنته بعد".
وختم بالقول إن "العلاقات العسكرية والمجتمع المدني تكون بناءة أكثر عندما تركز الجيوش على دورها في حماية السيادة الإقليمية".