وقعت عقدا مع شركة مرتبطة بإسرائيل.. لماذا تناقض الجزائر نفسها بشأن قضية فلسطين؟

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

وجدت السلطات الجزائرية نفسها وسط اتهام بالتناقض بشأن تعاملها مع القضية الفلسطينية، بين خطاب رسمي داعم وسلوك عملي مناقض لهذا الخطاب، بعدما كشفت مجلة فرنسية عن تمويل الجزائر لشركة ضغط مرتبطة بإسرائيل لتحسين صورتها في الولايات المتحدة الأميركية.

يأتي هذا الاتفاق في ظل العدوان الدموي الذي ترتكبه آلة الحرب الإسرائيلية بفلسطين خاصة في قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكذا في ظل منع السلطات الجزائرية للوقفات والمسيرات الشعبية الداعمة للقضية الفلسطينية.

تناقض مفضوح

ونشرت مجلة "جون أفريك" تقريرا بعنوان "في واشنطن.. الجزائر توقع مع شركة لوبيينغ (ضغط) مرتبطة بإسرائيل"، للصحفي الجزائري، فريد عليلات، جاء فيه أن الحكومة الجزائرية وقعت عبر سفيرها لدى واشنطن، عقد (ضغط) مع شركة أميركية.

وأضاف التقرير المنشور في 19 سبتمبر/أيلول 2024، أن "عقد الشراكة هو ممارسة كلاسيكية في الدبلوماسية، إلا أن الشركة المختارة لديها روابط وصلات عديدة مع إسرائيل.. وهو ما يثير الاستغراب والدهشة، نظرا للمواقف الجزائرية بشأن الوضع في فلسطين".

ووفق المجلة، فإن العقد وقعه السفير الجزائري بواشنطن، صبري بوقادوم، بداية سبتمبر 2024 مع مكتب (BGR Group)، وهي مجموعة تأسست عام 1991، وتعد واحدة من أكبر شركات الضغط والاتصالات في واشنطن، وتعمل مع نحو 200 زبون في الولايات المتحدة وحول العالم، وذلك للقيام بعمليات ضغط لصالح الدولة الجزائرية.

وتبلغ قيمة العقد، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 سبتمبر 720 ألف دولار سنويا، ولا يشمل التكاليف الأخرى التي قد ينفقها المكتب في سياق أنشطته.

وبحسب الوثيقة التي وقع عليها بالأحرف الأولى السفير بوقادوم – الذي تم تعيينه سفيرا لدى واشنطن في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وكان قبل ذلك وزيرا للخارجية خلال عامي 2020 و2021– ستقوم مجموعة BGR بتقديم خدمات الشؤون الحكومية والعلاقات العامة نيابة عن الزبون فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والجزائر.

ووفقا لوسائل الإعلام الأميركية، حققت الشركة 41.70 مليون دولار عام 2023، مقارنة بـ39.22 مليون دولار في العام السابق، وبالنسبة للعام 2024، فقد حققت بالفعل إيرادات بقيمة 21.95 مليون دولار.

وأكدت "جون أفريك" أن "ما يثير الدهشة في اختيار السلطات الجزائرية، هو أنه بالإضافة إلى نفوذه في دوائر صنع القرار في واشنطن، فإن مكتب BGR معروف بعلاقاته مع إسرائيل أو مع كيانات إسرائيلية، ومن بين المستشارين الرئيسين، نجد رئيس الوزراء السابق، إيهود باراك".

وذكرت أن شركة الضغط الأميركية "عملت بنشاط خلال عام 2020 على تطبيع العلاقات بين كل إسرائيل والبحرين، في إطار اتفاقيات أبراهام". 

ووفقا للوثائق التي اطلعت عليها المجلة الفرنسية فقد دفعت المنامة 730 ألف دولار عام 2023 لمكتب BGR مقابل خدماته.

وأكد المصدر ذاته، أنه في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، أعلن BGR أيضا عن "دعمه لشعب إسرائيل"، وقدم تبرعات إلى منظمة "نجمة داود الحمراء" (خدمة الطوارئ الرسمية في دولة الاحتلال)، دون الإشارة إلى حجم دعمه المالي.

من جانب آخر، ترى المجلة أنه "ليس من المؤكد أن التمثيل الدبلوماسي الجزائري في واشنطن قد درس بشكل كاف أنشطة مكتب BGR قبل طلب خدماته. فالجزائر التي تدعم القضية الفلسطينية بشكل غير مشروط، تعد إسرائيل عدوا لدودا".

وأشارت المجلة إلى أنه "منذ 7 أكتوبر، تكرر السلطات الجزائرية باستمرار دعمها للشعب الفلسطيني ولحركة حماس، وقد بعث يحيى السنوار، الزعيم الجديد لحماس، برقية تهنئة للرئيس عبدالمجيد تبون بمناسبة إعادة انتخابه لولاية ثانية".

نهج واضح

وسائل الإعلام الجزائرية لم تتحدث عن تقرير المجلة الفرنسية، غير أن موقع "الجزائر الآن"، في 22 سبتمبر 2024، أفردها بمقال للكاتب محمد قادري، رد خلاله على الاتهامات الموجهة لبلاده، وحاول تبرير توقيعها مع شركة الضغط الموالية لإسرائيل.

وقال قادري إن "تركيز المجلة الفرنسية بشدة عن الأسماء الفاعلة في تلك الشركة، محددة بالضبط الصهيوني إيهود باراك، إنما تريد القول بأن الجزائر اتفقت مع هذا الشخص، في سعي واضح منها لمحاولة التضليل على مواقف الجزائر في مجلس الأمن والتي أزعجت الكيان الصهيوني".

ورأى أن "تعاقد الجزائر مع شركة ضغط كبيرة هو ما يزعج أعداءها وخصومها بشكل مباشر".

واسترسل: "الكل يعرف أنه في أعقاب عملية طوفان الأقصى، أعربت أميركا، من الحكومة إلى أعضاء الكونغرس والشركات متعددة الجنسيات والشركات والجامعات، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية، عن دعمهم للكيان الصهيوني".

وتابع: "بالإضافة إلى المساعدات التي قدمتها واشنطن، أعلنت جميع الشركات الأميركية الكبرى عن إرسال تبرعات، لا سيما إلى جمعية نجمة داود الحمراء – أي ما يعادل الهلال الأحمر".

وعليه، رأى قادري أن "مقاطعة الشركات المانحة ستكون مثل مقاطعة شركات بوينغ وجنرال إلكتريك وغوغل وغيرها، التي تبرعت بملايين الدولارات لنجمة داود الحمراء. ومن هذا المنطق، يجب عدم العمل مع الحكومة الأميركية، الحليف الأول للكيان الصهيوني والمورد الرئيس للأسلحة لجيشها".

من جهة أخرى، يردف الكاتب، "فإن المقال المنشور في المجلة الفرنسية، لا يمكن أن يكون بريئا، والمعروف أن هذه المجلة معادية تقليديا للجزائر، كما أن كاتب المقال معروف بمقالاته التخريبية والنقدية المنهجية المستخدمة ضد الجزائر"، وفق تعبيره.

وأردف "ومن نافلة القول التذكير بأن موقف الجزائر ونهجها الدبلوماسي واضحان للغاية ويظهران يوميا، ويكفي متابعة ماذا تفعل الجزائر في مجلس الأمن وفي جميع المحافل الدولية، دون أن ننسى الدعم الفعال من القادة الجزائريين وجميع المواطنين".

وقال قادري إنه "من الواضح أن خوف خصوم الجزائر هو أن نرى جماعات الضغط المعادية بشكل علني لبلدنا في واشنطن تواجه حاليا إجراءات مضادة".

في المقابل، يرى المحلل السياسي والمعارض الجزائري وليد كبير، أن توقيع النظام مع الشركة الموالية للصهيونية "يؤكد زيف موقفه وشعاراته بشأن فلسطين".

وأضاف كبير لـ"الاستقلال"، كما يؤكد أن "قوله إنه مع فلسطين ظالمة ومظلومة أمر للتسويق الإعلامي الداخلي فقط".

وشدد الناشط السياسي والحقوقي على أن هذا التوقيع "هو شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل، مهما حاولت السلطات الجزائرية نفي هذا الأمر أو التنكر له".

ورأى أن "خلفيات هذا الأمر تكمن في سعي النظام لجلب رضى القوى الغربية، خاصة واشنطن، مما يؤكد أنه نظام يمارس النفاق، ولا أدل على ذلك من أنه لا يسمح للمواطنين الجزائريين بالتظاهر أو المسيرات الكبيرة الداعمة لفلسطين".

‏ونبه كبير إلى أن "تجاهل وسائل الإعلام الجزائرية للخبر الوارد بتقرير المجلة، يرجع إلى الحرج الذي وجدوا أنفسهم فيه، وللتناقض الذي خلقه بين خطاب رسمي وآخر سري أو يراد له أن يكون سريا".

استثمار الضغط

التعاون السري بين السلطات الجزائرية وبعض الشركات أو المؤسسات المولية أو التابعة لإسرائيل سبق أن شكل محور تقارير صحفية متعددة. 

وكشفت جريدة "الصحيفة" المغربية، في عددها الورقي لشهر أبريل/نيسان 2024، عن مضامين 82 وثيقة "تُثبت ارتباط العديد من السياسيين الأميركيين، من البيت الأبيض والكونغرس، باللوبي الجزائري الهادف أساسا إلى توجيه الرأي العام وخلق أقصى ضغط ممكن على الإدارة الأميركية".

وأضافت  أن "من بين تلك الوثائق، عقود مدفوعة الأجر مع مؤسسة لها ارتباط بنائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، والمرشحة حاليا للرئاسيات باسم الحزب الديمقراطي، أمام منافسها الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب".

ووفق الصحيفة، فإن الأمر يتعلق بعقود تربط مجمع "سوناطراك" النفطي بمؤسسة (International Policy Solutions) التي تعمل في مجال جماعات الضغط، والتي لها ارتباطات بالعديد من المُشرعين الأميركيين.

وفي وثيقة أخرى، تعود إلى سنة 2019، مدرجة بدورها لدى وزارة العدل الأميركية، استنادا إلى قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، فإنه إلى غاية أغسطس/آب من السنة نفسها، كان العقد الذي يربط الدولة الجزائرية بمؤسسة (keene consulting) ينص على أداء خزينة الجزائر 30 ألف دولار شهريا للمؤسسة الأميركية المتخصصة في “اللوبيينغ”. 

وبالفعل تلقت (keene consulting) ما مجموعه 180 ألف دولار جرى التصريح بها مع الإشارة إلى أن مصدرها الحكومة الجزائرية.

وفي هذه الوثيقة تم الحديث بوضوح على أن من ضمن المهام التي قامت بها المؤسسة ما يتعلق بـ"تنسيق الأنشطة داخل الولايات المتحدة بهدف تقديم صورة حديثة عن الجزائر وحكومتها ودورها في الشؤون الإقليمية والدولية، وإبقاء صناع القرار الأميركيين على اطلاع دائم بتطورها".