خطوات إستراتيجية.. هل تنجح تركيا في أن تكون رائدة بمجال المعادن الحرجة؟
“تركيا سيمكّنها احتياطي المعادن الحرجة من أن تكون لاعبا رئيسا محتملا في سلسلة التوريد العالمية”
أهمية الاحتياطيات مجال المعادن الحرجة في تركيا تدفعها لحركة دبلوماسية مع الدول المعنية الكبرى، خاصة أن هذا المجال مهم لهدف أنقرة لعام 2053 والمتمثل في صافي الانبعاثات الصفرية والكهرباء في القطاعات.
ونشرت وكالة “الأناضول” للأنباء التركية الرسمية مقالا للكاتب، عزّت أري، قال فيه إن أنقرة قررت في مايو/ أيار 2024، إقامة حوار حول الطاقة وتغير المناخ مع واشنطن”.
وفي أعقاب هذا التطور، تم توقيع "مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال تحويل الطاقة" بين تركيا والصين.
وفي ضوء ذلك، من المتوقع أن تتسارع الخطوات العملية التي ستتخذها تركيا في مجال استخدام المعادن الحرجة والعناصر الأرضية النادرة، والتي تعد أمرا ضروريا لتحقيق التحول الأخضر.
وتمثل المعادن الحرجة مثل النيكل والليثيوم والكوبالت والنحاس، العمود الفقري لصناعة الطاقة الخضراء والنظيفة، حيث تدخل في تصنيع بطاريات التخزين وتوربينات الرياح، وغيرها من متطلبات ومدخلات صناعة الطاقة النظيفة عالميا.
التحول الأخضر
وقال الكاتب التركي أري: إن "تركيا تحاول اللحاق بالتغير الحاصل في العالم من خلال عملية التحول الأخضر في مجال الطاقة، حيث تبرز المعادن الحرجة والعناصر الأرضية النادرة كموارد إستراتيجية في استخدام وتخزين مصادر الطاقة المتجددة".
وأوضح أن “المعادن الحرجة هي من بين المدخلات التي لا غنى عنها في تطوير تقنيات مثل تقنيات البطاريات والمركبات الكهربائية والألواح الشمسية”.
وعند النظر إلى استهلاك عنصر الليثيوم، فإن تركيا تستورد كل الكمية التي تحتاجها والتي تقدر بحوالي 1500 طن من معدن كربونات الليثيوم.
ومع اكتشاف المزيد من التطبيقات الجديدة لتقنيات التخزين والطاقة المتجددة في تركيا ستزيد الحاجة إلى المعادن المهمة بشكل كبير، وهذا يدل على أن انتقال الطاقة الخضراء تعتمد بشكل كبير على المعادن الحرجة، وفق الكاتب.
وأضاف أن "تركيا تقوم برسم خرائط لمواردها المعدنية، بما في ذلك المعادن المهمة مثل العناصر الأرضية النادرة والليثيوم والكوبالت".
وفي هذا السياق، تواصل تركيا العمل على تحديث قائمة المعادن الحرجة ومراجعة وضعها الاحتياطي.
وتابع: "من المعروف أن تركيا لديها رواسب مهمة من حيث المعادن الحرجة، وسيمكّنها احتياطي المعادن الحرجة من أن تكون لاعبا رئيسا محتملا في سلسلة التوريد العالمية للمعادن الحرجة".
وأشار الكاتب التركي إلى أن "مفاوضات تركيا مع كل من الولايات المتحدة، التي تمتلك تكنولوجيا متطورة، والصين الغنية بالمعادن الحرجة هي خطوات إستراتيجية للغاية، وقد يؤدي استمرار هذا التواصل إلى تشجيع الاستثمارات الثابتة التي سيتم القيام بها في تركيا.
فمع إنتاج كربونات الليثيوم في شركات إيتي معدن وإسكي شهير وإنتاج مواد أكسيد الأرض النادرة في بيليكوفا، تتخذ تركيا خطوات ملموسة لتلبية احتياجاتها الخاصة وتعزيز مكانتها تجاه البلدان الأخرى.
وبينما يتم إنتاج 10 أطنان من كربونات الليثيوم سنويا في المصنع التجريبي في إسكي شهير، سيتم إنتاج ما لا يقل عن 600 طن من كربونات الليثيوم سنويا عند اكتمال المنشأة الصناعية.
فرصة فريدة
بالإضافة إلى ذلك، فقد اكتشفت تركيا ثاني أكبر محمية للعناصر الأرضية النادرة في العالم في منطقة بيليكوفا بولاية إسكي شهير.
وهذه المنطقة التي تمتلك 694 مليون طن من الاحتياطيات تحتل المرتبة الثانية بعد الصين.
وقال الكاتب إن “شركة إيتي معدن التركية تخطط لمعالجة 200 طن من الخام سنويا في المصنع التجريبي في المرحلة الأولى”.
وبالتالي، ستكون تركيا قادرة على إنتاج بعض العناصر الأرضية النادرة التي تحتاجها، وعلى المدى القصير ستتم معالجة 570 ألف طن من الاحتياطيات سنويا.
بالإضافة إلى ذلك، سيسهم العمل في هذه الرواسب في تحقيق أهداف تركيا بموجب اتفاقية باريس من خلال تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري
وقال أري إن "الموقع الجغرافي الإستراتيجي لتركيا ومواردها المعدنية الغنية يوفر فرصة فريدة للتعاون مع كل من الولايات المتحدة والصين بشأن المعادن الحرجة".
وفي مايو 2024، نظمت تركيا اجتماعا وزاريا مع الولايات المتحدة.
وخلال هذا الاجتماع أصدرت الولايات المتحدة وتركيا بيانا حول إقامة حوار الطاقة وتغير المناخ حول قضايا مثل التكنولوجيا والابتكار والاستثمارات والتعاون والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ويهدف البَلَدان إلى توفير علاقاتهما الإستراتيجية في مجال الطاقة فرصة مهمة لأنظمة طاقة أنظف وأكثر اخضرارا، بالإضافة إلى تعزيز الأهداف الاقتصادية والتجارية الثنائية.
وأشار أري إلى أنه “سيتم تشكيل هذا الحوار الذي تم تطويره بين أنقرة وواشنطن في مجالات مثل الطاقة النظيفة وزيادة كفاءة الطاقة وتعزيز مرونة الشبكة وتعزيز استخدام الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، وذلك من خلال مجموعات عمل التعاون الإقليمي ومكافحة تغير المناخ وتمويل الطاقة النظيفة”.
ويمكن أن يكون تعاون تركيا مع الولايات المتحدة بشأن المعادن الحرجة جزءا من شراكات إستراتيجية أوسع بين البلدين، خاصة في قطاعي الدفاع والتكنولوجيا، حيث تريد الولايات المتحدة تأمين سلاسل التوريد.
دبلوماسية حذرة
وفي أعقاب الاتفاق بين تركيا والولايات المتحدة، عقدت أنقرة اجتماعا مماثلا مع الصين على المستوى الوزاري.
فالشركات التي تنتج خلايا البطاريات والوحدات وأنظمة تخزين الطاقة في تركيا تستورد العناصر الأرضية النادرة التي تحتاجها من الصين.
ويمكن النظر إلى "مذكرة التفاهم بشأن التعاون في مجال تحويل الطاقة" الموقعة بين البلدين على أنها خطوة إستراتيجية من حيث معالجة التعاون والاستثمارات الحالية والمحتملة في مجالات المعادن الحرجة و العناصر الأرضية النادرة بما يتماشى مع هدف تركيا لعام 2053.
وبالنظر إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية وعزمها على تعزيز العلاقات الاقتصادية بين أنقرة وبكين، تريد تركيا الاستفادة من قدرة الصين على الاحتياطيات والتعدين وتقنيات المعالجة في مجال المعادن الحرجة.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتجسد جهود تركيا لرفع مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية مع الصين إلى مستوى إستراتيجي من خلال التعاون في مجال المعادن الحرجة، خاصة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة.
ويتيح الممر الأوسط، وهو أحد ممرات مبادرة الحزام والطريق التي تمر عبر تركيا، فرصة لتعزيز هذا التعاون واستغلال الإمكانات المتاحة.
وذكر أري أنه وبفضل سياستها المتوازنة، ستتمكن تركيا من الظهور كمستفيد في مجال المعادن الحرجة، حيث تواصل مفاوضاتها مع كل من الولايات المتحدة والصين.
فإن مفاوضات تركيا مع كل من الولايات المتحدة التي تمتلك تكنولوجيا متقدمة، والصين الغنية بالمعادن الحيوية، هي خطوات إستراتيجية للغاية، وقد يشجع استمرار هذا التواصل على القيام باستثمارات ثابتة في تركيا.
بالإضافة إلى ذلك، ستكون المعادن الحرجة قادرة على ضمان سلامة البطاريات، والتي تعد الجزء الأكثر أهمية في إنتاج السيارات الكهربائية مثل توغ، فضلا عن احتياجات تركيا المدنية والعسكرية.
وبالتالي، يمكن لتركيا تعزيز علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة والصين في هذا المجال من خلال وضع نفسها كمورد محايد وموثوق للمعادن الهامة.
وقد يتطلب هذا التوازن دبلوماسية حذرة لتجنب التبعية الخارجية والاستفادة من مصالحها الإستراتيجية على المدى الطويل.
ويمكن لتركيا زيادة نفوذها الجيوسياسي من خلال الاستفادة من مواردها المعدنية الحيوية وقدرتها على التواصل بشكل ملموس مع جميع القوى.
ويمكن أن يؤدي تأثير تركيا إلى المشاركة في المنتديات والتحالفات الدولية التي تركز على تأمين سلاسل توريد المعادن الحيوية، والمساهمة في المناقشات العالمية حول إدارة الموارد والاستدامة.
وبهذه الطريقة، يمكن لتركيا أن تأخذ زمام المبادرة في إنشاء "منظمة الدول المصدرة للمعادن الحرجة"، على غرار الدور الذي تلعبه منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في مجال النفط.