مشروع طريق التنمية.. كيف يؤثر على العلاقات بين تركيا والعراق؟
"طريق التنمية" عبارة عن طريق برية وسكة حديد تمتد من العراق إلى تركيا
تثار التساؤلات بشكل مستمر في تركيا عن مدى استفادة البلاد من مشروع طريق التنمية وأهميته الاقتصادية لأنقرة وتأثيره على العلاقات مع دول المنطقة وخاصة العراق.
وترى صحيفة صباح التركية أن المشروع سيغير بشكل إيجابي ليس فقط العلاقات التركية العراقية ولكن أيضاً ديناميكيات المنطقة وسيكون له تأثيرات عالمية.
ومشروع "طريق التنمية" عبارة عن طريق برية وسكة حديد تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، يبلغ طوله 1200 كيلومتر داخل العراق، ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.
وفي هذا السياق، تطرقت الصحيفة في مقال للكاتب "فرحات بيرينتشي" إلى زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى العراق، في أبريل/ نيسان 2024.
وهذه الزيارة هي الأولى للرئيس التركي إلى بغداد منذ 13 عاما، ووصفتها صحف ووسائل إعلام عراقية، بأنها "تاريخية" و"تحمل خارطة طريق"، لتعزيز علاقات البلدين.
ووقع أردوغان والسوداني على "مذكرة تفاهم بشأن الإطار الإستراتيجي" و"اتفاق إطاري للتعاون في مجال المياه" بين البلدين.
كما وقع مسؤولون في البلدين 24 اتفاقية تعاون في مجالات التجارة والسياحة والتعليم والصحة والأمن والعلوم والتكنولوجيا والاستثمار والرياضة وغيرها.
وخلال الزيارة وقعت تركيا والعراق وقطر والإمارات، مذكرة تفاهم رباعية للتعاون حول مشروع "طريق التنمية"، برعاية الرئيس التركي ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
ويرى الكاتب أن أهمية الزيارة تعود إلى توافق تركيا والعراق في العديد من القضايا، بما في ذلك مشروع طريق التنمية.
رد على الممر؟
واستدرك أن مشروع طريق التنمية، الذي جرى تطويره ودعمه بشكل كبير من قبل تركيا، ذو أهمية عالمية وإقليمية بالنسبة لأنقرة.
فمن الناحية العالمية أظهرت جائحة كوفيد-19 واضطراب سلاسل التوريد والمخاطر الواقعة في طرق التجارة التقليدية مع غزو روسيا لأوكرانيا مدى أهمية "التنويع" لجميع الدول.
وأردف الكاتب: أعلن عن خطة الممر الاقتصادي من الهند إلى الشرق الأوسط وأوروبا في قمة العشرين بالهند في 10 سبتمبر/أيلول 2023.
ويهدف الممر الأخير بشكل كبير إلى توفير بديل لمشروع الحزام والطريق الصيني والتغلب على المخاطر المذكورة.
وجرى دعم الممر الاقتصادي من الهند إلى الشرق الأوسط وأوروبا بواسطة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والهند.
ولفت الكاتب التركي النظر إلى أنّ هذا المشروع يتطلب طريقاً طويلاً جدًا ومعقداً للغاية لتنفيذه وجعله مستداماً.
وبناءً على ذلك، كان من المخطط أن تصل البضائع التجارية من الهند إلى الإمارات عن طريق البحر، ثم إلى السعودية، ثم إلى إسرائيل عبر الأردن، ثم مرة أخرى عن طريق البحر إلى اليونان ثم إلى أوروبا، وجرى استبعاد تركيا من هذه الخطة.
من ناحيته أعرب أردوغان عن رد فعله تجاه المشروع الاقتصادي من الهند إلى الشرق الأوسط وأوروبا قائلاً: “لا يمكن أن يكون هناك ممر بدون تركيا”.
وأردف: "تركيا مركز إنتاج وتجارة مهم، يجب أن يمر أفضل طريق لحركة المرور من الشرق إلى الغرب عبر بلادنا".
وبعد وقت قصير من ذلك، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بدء مشروع طريق التنمية.
وتابع الكاتب: يشمل مشروع طريق التنمية بشكل أساسي طريقا وسكة حديد تمتد على مسافة 1200 كيلومتر من خليج البصرة إلى تركيا، بالإضافة إلى إنشاء ميناء كبير في شبه جزيرة الفاو كنقطة انطلاق.
وتشير البدايات الأولى للبنية التحتية لمشروع طريق التنمية الذي شرعت تركيا والعراق في تأسيسه منذ سنوات إلى تحدٍ ملموس.
كما أنها إشارة واضحة للدول المشاركة في الممر الاقتصادي الذي يمتد من الهند إلى الشرق الأوسط وأوروبا دون تركيا، وفق الكاتب.
إذ جاء الإعلان عن مشروع طريق التنمية بعد فترة وجيزة من الإفصاح عن الممر الاقتصادي.
ومع ذلك عند مراعاة القيمة المضافة لمشروع طريق التنمية وتأثيره على العلاقات التركية العراقية، فإن تفسير ذلك فقط على أنه رد على الممر الاقتصادي من الهند إلى الشرق الأوسط وأوروبا سيكون نهجاً سطحياً.
بل إن هذا الأمر هو مجرد واحدة من نتائج مشروع طريق التنمية، بحسب تقدير الكاتب التركي.
آثار إيجابية
وذكر أن أقصر إجابة على سؤال "هل مساهمة بناء طريق سريع وخط قطار من الخليج إلى تركيا وبناء ميناء كبير في شبه جزيرة الفاو مبالغ فيها؟"، مجيبا: "بالتأكيد لا".
ولفت إلى أنه “ستفهم تفاصيل هذه الاستجابة بشكل أفضل مع مرور الوقت، ولكن حاليا من الممكن تفصيلها في ثلاثة أبعاد: الآثار قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى”.
بدءا من الآثار القصيرة، يتطلب مشروع طريق التنمية الذي تدعمه أيضًا الإمارات وقطر استثماراً يفوق 20 مليار دولار.
وعند النظر في إنشاء البنية التحتية للمشروع، فإنه من المحتمل أن تكون الشركات التركية في مقدمة الأمر بناءً على الخبرة والتكلفة.
ويعني هذا أن الشركات التركية التي تمتلك بالفعل استثمارات بقيمة مليارات الدولارات في العراق سيزداد عددها وحجمها.
وستدعم الشركات التركية جزءا كبيرا من المصانع والمنشآت الجديدة التي ستقام على طول المسار المخطط له في إطار مشروع طريق التنمية، والتي تشمل مجموعة متنوعة من المجالات ابتداء من استخدام المياه في العراق إلى التعاون في الإنتاج الزراعي.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون المشروع رافعة مهمة لتطوير العلاقات بين تركيا والعراق وحل بعض المشاكل القليلة الموجودة بينهما.
بعبارة أخرى، إن اتخاذ تركيا خطوات مهمة في مكافحة منظمة حزب العمال الكردستاني المصنفة إرهابية في البلاد، سيزيد من احتمال دعم العراق لهذه العملية أكثر مما كان عليه في السابق.
وفي الواقع، لا يرغب أي من البلدين في وجود أي عنصر يسبب عدم استقرار في علاقاتهما ومشروع طريق التنمية.
ولفت الكاتب إلى أن إعلان العراق بأنّ حزب العمال الكردستاني يعد "منظمة محظورة" هو علامة على ذلك.
واستدرك الكاتب: أما في المدى المتوسط، وعند تشغيل مشروع طريق التنمية سيبدأ البلدان في رؤية الآثار الإيجابية لهذا المشروع.
ولفت إلى أن حجم التجارة بين تركيا والعراق ارتفع من مليار دولار في أوائل الألفية إلى 20 مليار دولار في عام 2024.
وبين أن ذلك يأتي على الرغم من عدم استقرار العراق، مبينا أنه “من المتوقع أن يزداد هذا الرقم بشكل كبير عندما يتم تشغيل الطريق السريع والسكة الحديدية لطريق التنمية”.
وعلى الرغم من أن ميناء الفاو في خليج البصرة يُعرف كنقطة انطلاق لمشروع طريق التنمية، إلا أن تدفق البضائع التجارية لن يكون محصورًا فقط من الجنوب إلى الشمال. وسيكون نفس التدفق سارياً من تركيا إلى أقصى جنوب العراق.
وعند النظر إلى أن مشروع طريق التنمية يمر عبر 11 محافظة عراقية، وأن السبع المتبقية تحيط بتلك المحافظات، من المُتَوَقّع أن تصل البضائع التجارية التركية إلى جميع أنحاء العراق وخليج البصرة بسهولة وبتكلفة أقل من السابق.
وأردف الكاتب التركي: على المدى البعيد، وبالإضافة إلى المساهمات الاقتصادية، يوفر مشروع طريق التنمية استقراراً مهما للعراق.
فعندما يصبح المشروع عملياً سيدرك أصحاب القرار في العراق أهمية ذلك بشكل أكبر وسيزيدون من دعمهم.
وبالتالي سيزداد استقرار العراق ويصبح الموضوع أكثر أهمية ليس فقط بالنسبة لتركيا، بل أيضًا بالنسبة للدول المجاورة والنظام العالمي.
وتابع: “سينظر أصحاب القرار الإقليميون والعالميون إلى تشغيل مشروع طريق التنمية بشكل فعال على أنها معادلة رابحة للجميع”.
فعند النظر إلى الطرق التجارية الرئيسة على الخريطة، يبدو مشروع طريق التنمية منطقياً جدًا من حيث التنفيذ والفائدة والاستدامة.
ومع ذلك، فإن الإجابة المؤكدة على سؤال "هل جرى التغلب تمامًا على المخاطر المتعلقة بتنفيذ المشروع؟" صعبة في الوقت الحالي.
هنا، من المهم أن تستبعد السياسة العراقية العوامل المخربة الداخلية والخارجية، وأن يكون هنالك دعم من تركيا والإمارات وقطر.
ويعتقد الكاتب أن إدراج جهات فاعلة جديدة تدعم مشروع طريق التنمية سيساهم في القضاء على المخاطر المحتملة.