أول اختبار.. كيف فشلت أميركا وإسرائيل في توزيع المساعدات برفح؟

مواقع التوزيع ليست سوى نموذج قسري لممرات إنسانية مفخخة
في مشاهد تتسم بالفوضى واللا إنسانية والقسوة، وتبرز حجم الألم والمعاناة في قطاع غزة، اندفع آلاف الفلسطينيين نحو مراكز توزيع المساعدات الأميركية الإسرائيلية، لتواجههم قوات الاحتلال بإطلاق الرصاص الحي عليهم.
وتعرضت آلية توزيع المساعدات الإسرائيلية-الأميركية لفشل ذريع في أول تجربة لها بعد فقدان السيطرة على حشود المواطنين المجوعين أثناء تلقيهم المعونات.
وقالت ما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" التي أنشأت حديثا والمدعومة من الولايات المتحدة: إنها بدأت في توصيل المساعدات الغذائية إلى القطاع توزيعها بدءا من 27 مايو/أيار في مركز تحت سيطرة جيش الاحتلال غربي مدينة رفح جنوبي القطاع.
يأتي ذلك في ظل تفشي حالة المجاعة في قطاع غزة ووصولها إلى مستويات خطيرة ووفاة عشرات المواطنين معظمهم من الأطفال، جراء استمرار قوات الاحتلال في إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات بشكل كامل منذ 2 مارس/ آذار 2025.
المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة قال في 27 مايو: إن آلاف الفلسطينيين المجوعين اقتحموا مركزا لتوزيع مساعدات في ما يُسمّى "المناطق العازلة" بمدينة رفح (جنوب)، وإن الجيش الإسرائيلي أطلق النار عليهم ما أدى إلى إصابة عدد منهم.
وأكد أن “مشروع الاحتلال الإسرائيلي لتوزيع المساعدات في ما يُسمّى المناطق العازلة قد فشل فشلا ذريعا وفقاً للتقارير الميدانية ووفقا لما أعلن عنه الإعلام العبري كذلك”.
وجاء ذلك "بعدما اندفع آلاف الجائعين الذين حاصرهم الاحتلال وقَطَع عنهم الغذاء والدواء منذ حوالي 90 يوماً".
وأوضح المكتب أن "هذا الاندفاع انتهى باقتحام مراكز التوزيع والاستيلاء على الطعام تحت وطأة الجوع القاتل، فيما تدخلت قوات الاحتلال بإطلاق النار وأصابت عددا من المواطنين، ما يعكس بوضوح الانهيار الكامل للمسار الإنساني المزعوم".
وأكد أن "ما حدث اليوم يعد دليلا قاطعا على فشل الاحتلال في إدارة الوضع الإنساني الذي خلقه عمدا، عبر انتهاج سياسة التجويع والحصار والقصف"، قائلا: إن "هذا الفشل يشكل امتدادا مباشرا لجريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي".
وقال المكتب: إن "إقامة غيتوهات عازلة لتوزيع مساعدات محدودة وسط خطر الموت والرصاص والجوع، لا تعبّر عن نية حقيقية لمعالجة الأزمة، بل تُجسّد هندسة سياسية ممنهجة لإدامة التجويع وتفكيك المجتمع الفلسطيني".
وأطلق جيش الاحتلال النار في المكان مما أدى إلى استشهاد عدد من المدنيين وإصابة العشرات بجراح متفاوتة، فيما لا يزال 7 فلسطينيين مفقودين.
وتجنبت متحدثة وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس، الإجابة عن أسئلة صحفية حول الواقعة واكتفت بالقول: "اسألوا الجيش الإسرائيلي"، وألقت باللوم على حركة المقاومة الإسلامية حماس في الفشل في إيصال المساعدات.
وبدورها، قالت حماس: إنّ ما حدث عند مراكز توزيع المساعدات، يؤكّد بما لا يدع مجالا للشك فشل الآلية الإسرائيلية الأميركية “المشبوهة”.
وشددت على أن هذه الآلية تحولت إلى فخ يعرض حياة المدنيين للخطر، ويُستغل لفرض السيطرة الأمنية على قطاع غزة تحت غطاء المساعدات.
وأضافت حماس: "لقد صممت هذه الخطة خصيصًا لتهميش دور الأمم المتحدة ووكالاتها، وتهدف إلى تكريس أهداف الاحتلال السياسية والعسكرية، والسيطرة على الأفراد لا إلى مساعدتهم، ما يعد خرقا صارخا للقانون الإنساني الدولي".
وشددت على أن “ما يسمى بمواقع التوزيع الآمن التي تقام في مناطق عازلة، ليست سوى نموذج قسري لممرات إنسانية مفخخة، يجرى من خلالها إهانة المتضرّرين عمدًا، وتحويل المعونة إلى أداة ابتزاز ضمن مخطط ممنهج للتجويع والإخضاع”.
واستنكر ناشطون استدراج الآلاف الجوعى من أهل غزة لرفح تحت اسم المساعدات الإنسانية والإغراء بالحصول على الغذاء وإذلالهم ومن ثم إطلاق الرصاص عليهم وقتلهم بدم بارد، صابين جام غضبهم على رؤساء الأنظمة العربية والغربية الحاكمة.
وأعربوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" عن سعادتهم بفشل المخطط الأميركي الإسرائيلي في إجلاء الفلسطينيين إلى الجنوب بإغرائهم بالحصول على المساعدات عن نقطة توزيعها جنوب القطاع، مشيدين بصمود الغزاويين وثباتهم.
واستنكر ناشطون عبر مشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #التجويع_جريمة_حرب، #المساعدات_الإنسانية #مساعدات_غزة اعتماد الاحتلال وحليفه الأميركي على توزيعها تحت زخات الرصاص، متحدثين عن الأهداف الحقيقية من ورائها.
فشل التوزيع
وتعقيبا على فشل خطة توزيع المساعدات، دعا الناشط أحمد حجازي، لوضعها إلى جانب خطة الجنرالات والميناء الأميركي، وهما مخططان سابقان فاشلان.
وقال: إنه “بينما يُقتل الفلسطينيون وتحُرق أجسادهم وتُهدم منازلهم ويتم تجويعهم وسرقة أحلامهم، يخرج الجيش الصهيوني لمحاولة غسل يديه من دماء أطفال غزة بالادعاء أمام دول العالم أجمع أنه يُنظم دخول المساعدات الإنسانية”.
وأضاف حجازي: "بالبلدي.. جايب علبة مربى وكيس معكرونة لشعب يتم تجويعه وحاطط سياج وطوابير لإذلال الناس"، مستطردا: "شعبنا لم يقبل بهذا كله وقرر إفشال الخطة واقتحم مواقع التوزيع وتم تسلم الطرود على الطريقة الغزاوية".
وقالت الكاتبة ماجدة محفوظ: "لا تجعل فشل الشركة ينسيك أن هذه جريمة حرب جديدة بمشاركة أميركية ورعاية عربية مخزية".
وعد المغرد حكيم ما جرى ليس مجرد إخفاق لوجستي، بل مؤشرا واضحا على أن الجوع أقوى من كل محاولات التنظيم من فوق الطاولة، وأقوى من كل الأجندات الملفوفة بورق إنساني - الناس لم تعد تحتمل، والمعدة الفارغة لا تفهم الخرائط ولا التعليمات.
جريمة حرب
واستهزأ الباحث في الشأن السياسي والإستراتيجي سعيد زياد، بتبرير هيئة البث الإسرائيلية ما حدث بأن المسلحين فقدوا السيطرة على مركز توزيع المساعدات في غزة، قائلا: "مش حلوة في حقكم يا جماعة حتى في هذه مش فالحين".
وعد بشار أحمد ما يحدث في رفح جريمة لا تُغتفر، مؤكدا أن المساعدات الحقيقية لا تأتي مع الرصاص والأسلاك الشائكة، داعيا لترك الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي يعملان قبل أن تُزهق أرواح أخرى.
واستنكر أنه بمجرد أن فقد المرتزقة الأميركيون السيطرة على "مسرحية المساعدات"، بدأ إطلاق النار، مؤكدا أن هذا لم يكن يوما عملا إنسانيا، بل كمينا مموّها بالسلك الشائك.
وعدت الإعلامية مايا رحال، ما حدث "جريمة حرب"، واستخدام المساعدات وسيلة لفرض السيطرة الأمنية، قائلة: "لا يمكن تقديم الإغاثة الإنسانية بهذا الشكل المهين للكرامة".
واختصرت رانيا مصطفى ما حدث بالقول: "يُجوع المحتل أهل غزة حتى الموت، ثم يتهمهم بتدمير مقرات المساعدات الأميركية، بل ويطلق عليهم الرصاص!!!! ياللوقاحة!!".
سلاح التجويع
وتأكيدا على رفض آلية المساعدات، قال الباحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية وسام عفيفة: "أن يبدأ الاحتلال توزيعها عبر محطة في رفح، تحت سيطرته، وبأسلوب مذلّ يختزل كرامة الجائع في مشهد من الانكسار، فذلك ليس فعل إغاثة، بل امتداد لحرب التجويع".
وأكد أن صمت المجتمع الدولي، وقبوله بهذا الشكل المهين من "الإغاثة"، يُعدّ تواطؤًا صريحًا في تجريد الفلسطينيين من كرامتهم، مشيرا إلى أن المساعدات باتت سلاحا للضغط والابتزاز، بينما تُهمَّش المؤسسات الدولية وتُغيَّب الأونروا.
وأضاف عفيفة، أن "ما يجرى ليس عملية إنسانية.. بل هندسة التجويع".
وكتبت الصحفية منى حوا: “جوّع آلاف الكرام 90 يومًا، اتركهم للمشي 40 كيلومترًا تحت القصف، أجبرهم على قطع 12 ساعة في شمس حارقة، أحطهم بجنود الإبادة وهددهم بالقتل والخطف.. برافو! هيك صار عنا نموذج مثالي للإذلال باسم المساعدات”.
وأكد عزت محمد، أن ما حدث ليس مجرد فشل لوجستي عابر، بل انعكاسا لسياسة ممنهجة تَحوِّلُ الإغاثة الإنسانية إلى أداة قمعٍ واستعراضٍ للهيمنة.
وأشار إلى أن الاحتلال بالتعاون مع شركات أمنية أميركية حولوا مراكز توزيع المساعدات إلى ساحات فوضى مُدَبَّرة، حيثُ تحوَّل الجوعى إلى مجرد كتل بشرية تُقَمع بالرصاص والسياجات الحديدية، بينما تُسرق كرامتهم تحت سمع العالم وبصره.
وذكر محمد، بأن هذه ليست أول مرة تُستخدم فيها المساعدات كسلاح حرب؛ فالاحتلال الإسرائيلي تعمد منذ أشهر طويلة إلى عرقلة دخول الغذاء والدواء عبر معبر رفح.
وأضاف أن الشركة الأميركية المُنَاطَة بمهمة التوزيع، كشفت عن عجزٍ فاضح في التعامل مع الأزمات الإنسانية الطارئة، بل أسهمت سياساتها الفوضوية في تفاقم المأساة، بدلا من تخفيفها، ما يؤكد أن الهدف الحقيقي كان تسويق "الدور الإنساني" لواشنطن وتل أبيب، لا لإنقاذ الأرواح.
وقالت المغردة جفرا: إن الآلية الأميركية للمساعدات ليست سوى وصفة مكرسة لمزيد من التحكم والإذلال، تُمرر كـ "حل إنساني" بينما تُغلق الأبواب في وجه كل حل جذري حقيقي.
وأكدت أن الآلية الحالية كارثية ومحفوفة بالمخاطر، وستُعمق من أزمة غزة على المدى الطويل.
وأكد الصحفي فايد أبو شمالة، أن آلية توزيع المساعدات وضعت لابتزاز الشعب الفلسطيني وبررها الاحتلال بأنه لا يريد أن تصل إلى حماس.
صمود الغزاويين
وتحية لصمود الغزاويين وتضامنا معهم، قال الصحفي سمير العركي، إن مشهدهم وهم يتدافعون لأخذ المساعدات الإنسانية كسر قلبي وأشعرني بالقهر، رغم أن كثيرين عبروا عن فرحتهم لأن سكان القطاع أفشلوا آلية التوزيع الصهيوأميركية.
وأضاف: "لا أظن أنهم قصدوا ذلك، فما حركهم إلا الجوع وشدته"، مؤكدا أن أهل غزة عوائل ذات حسب ونسب وكرم وعطاء وشجاعة وإقدام، فأن تتركهم الأمة يركضون بهذا الشكل خلف كيس دقيق وزجاجة زيت فهو الهوان الذي أطبق علينا من نواحينا.
وأعرب عزالدين ديفيدار، عن سعادته بفشل آلية توزيع المساعدات الإسرائيلية، التي انتظرها حكام العرب وعلقوا عليها آمالا بإنهاء القضية وتفكيك صمود غزة.
وأشار إلى أن أهل غزة وشعبها كسروا آلية توزيع المساعدات الإسرائيلية وفككوها ماديا ومعنويا، لافتا إلى أن كل رهان لحكام العرب وسلطة أوسلو والأميركان على إسرائيل ونجاحها في خطة ما ، يفشل.
وذكر ديفيدار، من بين الخطط الفاشلة "خطة الجنرالات، ميناء غزة، احتلال فيلادلفيا (الحدود بين القطاع ومصر) ورفح، محور نتساريم، التجويع، تحرير الأسرى بالضغط العسكري".
وأكد أن كل ذلك وغيره فشل، مبشرا بأن خطة عربات جدعون لاجتياح القطاع وتهجير سكانه، ستفشل وستخرج غزة منتصرة بإذن الله.
وأشار عابدين فال إلى أن صهاينة إسرائيل وأميركا أرادوا استخدام المساعدات الإنسانية كجزء من مخطط السيطرة على سكان القطاع وتهجيرهم، فبدأوا بإعداد آلية لتوزيعها تشبه معسكرات اعتقال النازية، ممرات ضيقة، وسياج وأجهزة رقابة وتفتيش.
وقال: "لكن جياع غزة كانوا أقوى من ذلك فثاروا على تلك الآلية المهينة، وأزاحوا السياج والعراقيل، ثم غنموا ما تيسر وعادوا من حيث أتوا تحت وابل من إطلاق الرصاص الحي أدى لإصابة 46 شخصا واستشهاد ثلاثة".
وقال رياض مجري، إن هجمة شعب غزة على مركز توزيع المساعدات الصهيوأميركي هي رسالة للصديق قبل العدو أن الوحدة تكسر كل المخططات وأن العدو يتغذى على جبن الأنظمة وشعوبها.
خذلان وتواطؤ
وتحت عنوان "غزة تُباد جوعًا، والعالم يتفرج"، أشار أحمد محمد إلى أن أكثر من مليوني إنسان تحت الحصار يُعاقبون جماعيًا بالتجويع، وأطفالهم يموتون بحثًا عن فتات خبز.
وقال: "داخل إسرائيل، هناك من يفضح الجريمة: طائرات تُطلق النار على الجياع، مستوطنون يسرقون المساعدات، ومسؤولون يستقيلون احتجاجًا على "الخدعة الإنسانية"، لكن المفارقة الموجعة أن بعض الأنظمة العربية لا تزال تُطبع وتحتضن مجرمي الحرب، بلا خجل.
وأكد محمد، أن الصمت لم يعد حيادًا، بل تواطؤًا، ورأى أن الوقت حان للفعل، داعيا لمقاطعة منتجات التطبيع، والضغط لقطع العلاقات مع الاحتلال، ودعم المقاومة كحق إنساني مشروع، ونشر الوعي وفضح المطبّعين، والمطالبة بمحاكمة القتلة دوليًا.
وعرض بوداغية مصطفى، مقطع فيديو يظهر آلاف الغزيين يحاولون الوصول إلى المساعدات وسط فشل الشركة الأميركية في إدارة عملية التوزيع.
وعلق قائلا: "شعب يرزح تحت جحيم التقتيل الجماعي والتجويع الممنهج.. وندرة المساعدات.. المستهدف اقتلاعه من أرضه.. أمام تعطيل القانون الدولي.. وتواطؤ أغلب الأنظمة.. وعجز أخرى.. وخذلان دول الجوار وخيانتها لقضيته".
ورأى مصطفى أن صورة هذا الشعب المنكوب تثبت أن العالم كما كان دائما تحكمه قواعد القوة لا قيم أخلاقية ولا قوانين.
وأكد سليمان قرنابي، أن الاحتلال الصهيوني بعد أن اصطدم بقوة وصلابة أهل غزَّة ومقاومتها، لجأ بدعم أميركي وإسناد عربي إلى إستراتيجية جديدة تقوم على فرض مسارات إنسانية مُسيّسة تخدم مشروعه الأمني والعسكري، بهندسة ممنهجة لإدامة التجويع وصولا إلى تفكيك المجتمع.
وأوضح أن الاحتلال لجأ لذلك بإقامة "غيتوهات عازلة" لتوزيع مساعدات محدودة متحكم فيها أمنيا وعسكريا عن طريق شركات أمنية أميركية مماثلة لشركة "بلاك ووتر" سيئة الذكر في العراق.
وأعرب قرنابي عن أسفه على أن مخطط الاحتلال مدعوم من أنظمة التطبيع العربية بإصرارها على حصار غزَّة ومنع أي دعم إنساني لها تحت ذريعة العجز وهو عذر أقبح من ذنب.
واتهمهم بارتكاب جريمة كبرى أمام مرأى العالم، مؤكدا أن السكوت عنها هو تواطؤ مفضوح.