معركة السيطرة على المجلس الأعلى للدولة في ليبيا.. ما علاقة مصر بالأزمة؟

داود علي | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

تشهد ليبيا في الوقت الراهن صراعا بشأن تشكيل حكومة جديدة موحدة تجمع الشرق والغرب، وتقود البلاد لانتخابات تشريعية ورئاسية، يقف وراءه قوى إقليمية، في مقدمتها مصر.

وفي الأيام الأخيرة تداولت وسائل إعلام ليبية مقترحا مصريا بضم حكومتي الشرق والغرب في حكومة واحدة لتفادي أي رفض لمسألة تغيير الحكومة.

وطَرْح القاهرة يسعى إلى دمج حكومتي الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والمكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد (غير معترف بها دوليا)، كمخرج من الانسداد السياسي الراهن، دون تحديد من سيرأس الحكومة.

لكن هذا الأمر واجه رفضا قاطعا قبل أن يخرج إلى العلن، من قبل المجلس الأعلى للدولة الليبي، وأكد رئيسه محمد تكالة المقرب من الدبيبة في 14 مايو/ أيار 2024، رفضه لتداول الطرح المصري.

يعد المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، أعلى مجلس استشاري في البلاد يعمل باستقلالية وفقا للإعلان الدستوري المعدل لسنة 2023، وبناء على اتفاق الصخيرات (2015).

هندسة التحالفات 

وفي 6 مايو/ أيار 2024، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، تقريرها عن هندسة التحالفات بين فرقاء العملية السياسية الليبية. 

وذكرت أن الساعين إلى تشكيل حكومة ليبية جديدة يحاولون استبدال رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية، محمد تكالة الذي يرفض دعم خطتهم.

وذلك مع بدء التصويت لاختيار الرئيس المقبل للمجلس في بداية أغسطس/ آب 2024، حيث تتزايد الطموحات خلف الكواليس لرئاسة المؤسسة المفصلية في قلب الدولة.

وبحسب مصادر المجلة الفرنسية، فإن رئيس المجلس السابق خالد المشري يرغب في العودة إلى منصبه الذي شغله من 2018 إلى 2023، بعد خسارته أمام تكالة بحفنة من الأصوات.

ويحظى تكالة بدعم الدبيبة، حيث يبقي الأول الثاني في منصبه بحكم الأمر الواقع من خلال إعاقة تشكيل حكومة جديدة. 

وقالت "إنتيليجنس أونلاين" إنه مع ذلك، يمكن لرئيس الوزراء أن يغير إستراتيجيته ويختار مرشحا آخر، هو عبد الله جوان، عضو المجلس الأعلى للدولة، من زليتن، في حال بدت فرص تكالة في الفوز ضعيفة.

لا حكومة جديدة

لكن لا ينحصر الصراع بين تكالة وجوان فقط، ففي مواجهة هذين الشخصين ذوي الثقل، يظهر شخص آخر، هو عضو المجلس الأعلى الليبي، بلقاسم قزيط، الذي يمثل مدينة مصراتة. 
وهو مرتبط برجل الأعمال صاحب النفوذ الكبير في مصراتة محمد الطاهر عيسى، وعصام أبوزريبة وزير الداخلية في حكومة شرق ليبيا غير المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

وكان قزيط أحد مهندسي التقارب بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والمشري في عام 2022. 

ويتفق هو والمشري على هدف واحد، ضرورة وضع حد لرئاسة تكالة، واستبداله في أقرب فرصة ممكنة. 

وقد شارك قزيط على مضض أخيرا، مع الرئيس الحالي للمجلس الأعلى في محادثات القاهرة بشأن تشكيل حكومة جديدة.

لكنه رفض تأييد خطة المشري لتشكيل حكومة جديدة، وظل مخلصا لرئيس الوزراء الدبيبة.

لذلك يتعين على قزيط والمشري تنسيق مواقفهما بشأن مسألة تقاسم الدعم الجهوي من المدن. 

فوفقا لقاعدة عرفية ليبية، لا يمكن أن يكون للمدينة نفسها عدة ممثلين على رأس المؤسسات.

ولم يفقد المشري، وهو من أبناء مدينة الزاوية، الأمل في رئاسة الحكومة المستقبلية، وهو طموح يتقاسمه أيضا عدد من الشخصيات ذات الوزن الثقيل في مصراتة. 

ناهيك عن حقيقة أن المشري قد يواجه مقاومة من أولئك الذين يطالبون بتغيير حقيقي في القمة.

وذكر موقع "ليبيا الخبر" المحلي، في 16 مايو 2024، أن أنصار تشكيل الحكومة الجديدة، يستعدون لعقد اجتماع في طرابلس في غضون أسابيع قليلة، في ازدراء واضح لرئيس الوزراء الدبيبة، ولرئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة. 

وقال إنهم "يحاولون إشراك السفراء وكذلك بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا".

وسيكون الاجتماع هو الثاني من نوعه بعد اجتماع تونس الذي ضم حوالي 100 عضو من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب. 

وعُقد الاجتماع في نهاية فبراير/ شباط 2024، لكن لم يحظ بتأييد عبد الله باتيلي، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، الذي استقال من منصبه في منتصف أبريل/ نيسان 2024.

مناورات تكالة 

وأثار تكالة زوبعة في ليبيا عقب تصريحاته التي أدلى يوم 10 مايو 2024، خلال حوار له مع شبكة "بي بي سي" البريطانية، عندما تحدث عما أسماه "تجاوزات" مجلس النواب.

كما انتقد طريقة إقرار التعديل الدستوري الثالث عشر، ووصفه الحكومة المكلفة من المجلس برئاسة أسامة حماد بأنها "غير شرعية".

ورأى تكالة اعتراف مجلس النواب في طبرق بحكومة حماد أنها مناكفة سياسية، ورسائل ظل يبعث بها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى الدبيبة.

ثم قال رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا: "إن لجنة 6+6 المكلفة بوضع قوانين الانتخابات انحرفت عن مسارها بعد عودتها لطربلس وبنغازي وإدخالها العديد من التعديلات على التوافقات التي تم التوصل إليها في مدينة بوزنيقة المغربية". 

ورأى مراقبون ليبيون أن تصريحات تكالة، مناورة سياسية على طريقة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، تزامنت مع محاولات تقريب وجهات النظر بين المجلسين بخصوص المسار المؤدي إلى الانتخابات العامة.

وفي 15 مايو رد جلال الشويهدي، عضو مجلس النواب الليبي ولجنة (6 + 6) على تصريحات تكالة، وقال في حديثه لصحيفة "الشرق الأوسط": "إن الأجواء ليست مناسبة لإجراء انتخابات في البلاد". 

وأبلغ الوكالة أن "الوضع إلى الآن ليست فيه أجواء مناسبة للانتخابات، لكن لجنة (6 + 6) (مشكلة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة) أنجزت ما عليها، رغم الظروف والوضع الراهن في ليبيا، وأنجزت قانونا".

واستدرك قائلا: "لكن لا بد من أن تكون هناك حكومة جديدة تشرف على الانتخابات، وتطبيق هذا القانون، وقبل كل شيء توحيد المؤسسات".

وعقب: "لأن مؤسسات الدولة، إذا لم يتم توحيدها فهذا يعني إجراء انتخابات بحكومتين ومؤسسة أمنية في الشرق، وأخرى في الغرب، وجيش في الشرق وجيش في الغرب، ورقابة في الشرق ورقابة في الغرب، وديوان محاسبة في الشرق وآخر في الغرب".

ثم أوضح: "هذه حالة فوضى، وليست أجواء انتخابات"، ملقيا باللوم على الحكومة ورئيس المجلس الأعلى للدولة في عرقلة إجراء الانتخابات، خاصة أن الأخير كان يجب أن يكون أكثر حيادا وعملا لصالح البلاد" على حد وصفه. 

تربصات حفتر 

وفي أتون هذه الخلافات والصراعات يظل الجنرال الانقلابي خليفة حفتر (المدعوم من مصر والإمارات) متربصا بالعملية السياسية برمتها ويسعى إلى إفشالها، وتتهمه أطراف ليبية بمحاولة تعطيل الانتخابات وإفشال مهام المجلس الأعلى للدولة. 

وهو ما أشار إليه الجنرال نفسه يوم 18 مايو 2024، في ذكرى انقلابه العسكري عام 2014، عندما قال في خطابه: "إن لا شيء يمنع العسكريين من الترشح للانتخابات الرئاسية في البلاد"، وأن من سماهم المتطرفين وأعداء الحرية هم الذين يحاولون الدفع في اتجاه حظر العسكريين من الترشح. 

وفي الخطاب انتقد حفتر أداء القوى السياسية التي فشلت في التوصل إلى اتفاقات تذهب بالبلاد نحو الانتخابات.

وقال إن أعداء الديمقراطية أقسموا بأن المشير لن يترشح" قاصدا نفسه. وأضاف: "هم يخشون الانتخابات، لأن الديمقراطية سترمي بهم خارج دائرة التاريخ، وحجتهم في ذلك أننا عسكريون".

يذكر أن تكالة من أشد خصوم حفتر، وفي 20 فبراير 2024، أعلن المجلس الأعلى للدولة بقيادته، رفضه قرار مجلس النواب القاضي بإنشاء صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، ويرى ذلك تعديا على اختصاصات السلطة التنفيذية.

وكان حفتر يريد أن يستغل أموال الصندوق عقب كارثة سيول درنة التي راح ضحيتها 6 آلاف مواطن ليبي، لكن قرار تكالة حال دون ذلك. 

أهمية المجلس 

وتأسس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، بناء على الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات بالمغرب في 17 ديسمبر/ كانون الثاني 2015.

ودخل حيز التنفيذ بعد التوقيع عليه من طرفي الحوار، وفقاً لنص المادة (67) من الاتفاق السياسي، بعدها قام المؤتمر الوطني العام بعقد جلسته الأخيرة بتاريخ 5 أبريل/ نيسان 2016.

والتي تم فيها إجراء التعديل الدستوري العاشر الخاص بتضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري وفقا للمادة (65) من الاتفاق، وبهذا تحول "المؤتمر الوطني العام" إلى صفته الجديدة "المجلس الأعلى للدولة".

وانقسمت مهام المجلس إلى جزءين، الأول تشريعي، ويتضمن إبداء الرأي الملزم لحكومة الوفاق الوطني في مشاريع القوانين قبل إحالتها لمجلس النواب.

وإبداء الرأي الاستشاري في القضايا المتعلقة بالاتفاقيات الدولية، واقتراح مشروعي قانوني الاستفتاء والانتخابات العامة مشاركة مع مجلس النواب.

والمشاركة مع مجلس النواب في صياغة أي تعديل في الإعلان الدستوري يمس الاتفاق أو إحدى المؤسسات المنبثقة عنه.

أما المهمة الثانية فهي تشاورية، وفيها يقوم المجلس الأعلى للدولة بالتشاور مع مجلس النواب في الحالات الآتية: "سحب الثقة من الحكومة - خلو منصب رئيس الوزراء أو أحد نوابه أو استقالة الحكومة بكاملها - التوافق حول شاغلي المناصب السيادية في الدولة".

كما يتشاور مع مجلس النواب وحكومة الوفاق الوطني في الحالات الآتية: "التوافق على مشروع قانون يحدد صلاحيات منصب القائد الأعلى للجيش الليبي، وكذلك صلاحيات المستويات القيادية بالجيش". 

وأيضا "التشاور حول توفير أجواء مناسبة لإجراء الاستفتاء على الدستور والانتخابات العامة".

ومنذ إنشاء المجلس إجراء 5 دورات انتخابية، بتاريخ "5 أبريل 2016، و5 أبريل 2017، و8 أبريل 2018، و12 يوليو 2020، و6 أغسطس 2023".

وأفرزت الانتخابات الأخيرة تشكيلة المجلس الحالية، برئاسة محمد تكالة، ثم نائبه الأول مسعود عبيد، ونائبه الثاني عمر العبيدي، وبلقاسم دبرز كمقرر للمجلس.