لعبة الوقت.. لماذا أطلق الحوثيون أسرى من الحكومة اليمنية من طرف واحد؟
"يهدف الحوثيون إلى كسب مزيد من الوقت للسيطرة على مؤسسات الدولة"
في إعلان مفاجئ، قررت مليشيا الحوثي اليمنية، الإفراج عن عديد من أسرى القوات التابعة للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا (عاصمتها عدن)، ما أثار كثيرا من علامات الاستفهام بخصوص دوافع اتخاذ هذه الخطوة ودلالات توقيتها.
ومنذ 10 أعوام، انقلبت المليشيا المدعومة من إيران على السلطة الشرعية في اليمن، ثم شكلت السعودية في مارس/آذار 2015، تحالفا مع دول عربية، وأعلنت تنفيذ حملة عسكرية تحت اسم "عاصفة الحزم"، لإيقاف تقدم الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة صنعاء، ما أدخل البلد في حرب أهلية متواصلة حتى اليوم.
"مسرحية مكشوفة"
الحوثيون طرحوا إعلان نيتهم الإفراج عن الأسرى تحت مسمى "مبادرة إنسانية من طرف واحد"، قبل أن تتراجع في اليوم التالي عن تنفيذها، وتؤجلها يوما آخر بحجة "إجراءات فنية".
وقال رئيس لجنة شؤون الأسرى التابعة للحوثيين، عبد القادر المرتضى، خلال بيان له في 24 مايو/ أيار 2024، إن سلطتهم ستطلق سراح 100 أسير من قوات الحكومة في 25 مايو.
وجاء في البيان أنه بتوجيهات عبد الملك بدر الدين الحوثي "سنقوم يوم غد بتنفيذ مبادرة إنسانية من طرف واحد، سنفرج فيها عن أكثر من 100 أسير من أسرى الطرف الآخر".
وخلال اليوم المقرر، أعلنت جماعة الحوثي اليمنية، تأجيل الإفراج عن 100 أسير من الجانب الحكومي، إلى اليوم الذي يليه (26 مايو) "لأسباب فنية"، وذلك خلال بيان مقتضب صادر عن مسؤول ملف الأسرى في جماعة الحوثي عبد القادر المرتضى، نشره عبر منصة "إكس".
وفي اليوم التالي، أفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بأن الحوثيين أطلقوا 113 محتجزا من سجونهم في صنعاء، من جانب واحد، في وقت تقول فيه الحكومة اليمنية إن المفرج عنهم مختطَفون مدنيون، وليسوا أسرى.
وتعليقا على ذلك، قالت الحكومة اليمنية في منشور لرئيس وفدها المفاوض بشأن الأسرى والمختطفين يحيى كزمان، إن "مليشيات الحوثي تتهرب من تنفيذ التزاماتها بشأن الأسرى".
وأضاف عبر منصة "إكس" أن الحوثي "تتجه نحو خلق مسرحيات مكشوفة ومفضوحة من خلال خطف المواطنين من منازلهم ومقرات أعمالهم ومن الجامعات والطرقات".
وشدد كزمان على أن الحوثيين يستخدمون (الأسرى والمختطفين) وسيلة ضغط وابتزاز سياسي، وأن الخطوات الأولى في حلحلة الملف يبدأ من تنفيذ المليشيات بالكشف عن مصير المخفيين".
وسبق أن نفذ الطرفان عدة صفقات لتبادل الأسرى، بجهود محلية وأممية، إذ قدم الجانبان خلال مشاورات برعاية أممية في السويد عام 2018، قوائم تضم أسماء ما يزيد على 15 ألف أسير ومعتقل ومختطف.
ولا يوجد إحصاء دقيق لعدد أسرى الطرفين، لا سيما أن آخرين وقعوا في الأسر بعد هذا التاريخ.
وفي 20 مارس/ آذار 2023، اتفقت الحكومة اليمنية مع الحوثي على الإفراج عن 887 أسيرا ومختطفا من الجانبين، بختام مشاورات عقدت في سويسرا بهذا الخصوص.
وفي 16 أبريل/ نيسان 2023، أعلنت الحكومة الشرعية اكتمال دفعة من عملية تبادل أسرى مع الحوثيين، شملت نحو 900 أسير من الجانبين.
ومن بين المطلق سراحهم عدد من أسرى التحالف العربي، وناصر منصور (شقيق الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي)، ووزير الدفاع الأسبق محمود الصبيحي، وأولاد نائب الرئيس السابق علي محسن الأحمر، وأولاد نائب رئيس مجلس القيادة العميد طارق محمد عبدالله صالح.
"فخ مدروس"
وبخصوص توقيت ودلالات خطوة الحوثيين هذه، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبد الباقي شمسان، إن "الحوثي لديه إستراتيجية إعلامية وعسكرية وأمنية تديرها ما يسمى (غرفة الحرب)، وهي من تحدد الإستراتيجيات وكيفية التعامل مع الأحداث".
وأوضح شمسان لـ"الاستقلال" أن "من يتعامل مع هذا الإعلان (الإفراج عن سجناء) على أساس أنها مبادرة، فإنه سيقع في الفخ المدروس، لأن هناك فرقا بين إعلان تكتيكي، وبين مبادرات تعبّر عن حسن النية".
وأردف: "هذا الإعلان يشعرك بأن الحوثيين منخرطون في العملية السياسية، وهم جزء من عملية السلام. لكن هدفهم هو كسب مزيد من الوقت وترسيخ مكانتهم بصفتهم طرفا من أطراف النزاع، وقابل للانخراط في عملية السلام، إلا أنه ثمة معوقات تحول دون ذلك".
وأكد الخبير اليمني أن "الحوثيين لديهم قطيعة كاملة مع الانخراط في عملية السلام، لأن مرجعيتهم السياسية والفكرية والعقائدية، تقول إنهم أصحاب الحق الإلهي في إدارة شؤون الحكم باليمن كما هو الحال في لبنان وإيران".
ورأى شمسان أن "هدف الحوثي من إعلانه، كسب مزيد من الوقت للسيطرة على مؤسسات الدولة وإدارة المواطنين وإعادة تشكيل الذاكرة الوطنية والعقائدية للشعب اليمني، خاصة مع وجود ثنائية اقتصادية ومالية، فهناك بنك مركزي في صنعاء وعدن، وغيرها من الثنائيات التي تجعل من الحوثيين سلطة واقعية".
وأردف: "الحوثيون لديهم إستراتيجيتان، الأولى تذهب إلى السيطرة على الجغرافيا والسلطة والمؤسسات وفرض الأمر الواقع بصفتهم المرجع الأول، والثانية تقوم على تسويقهم بأنهم يرغبون بالانخراط في العملية السياسية ويضعون مبادرات لتبادل الأسرى والمفاوضات".
وأكد شمسان أن "الحوثيين أمضوا عشر سنوات بمبادرات من هذا النوع، وإذا طرحوا المزيد فسنذهب إلى 15 عاما أخرى، وبالتالي نقترب من ربع قرن من سلطة واقعية تفرض شروطها وواقعها، وهذا له مخاطره".
من هنا نعتقد، يضيف شمسان، أن "هذا الإعلان يحاول أن يمتص التحولات الدولية، بمعنى أن هناك توجهات دولية لتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وقد انطلقت من أستراليا وستتبعها دول أخرى، لذلك هم يريدون كبح الكثير من المواقف ضدهم".
وبيّن شمسان قائلا: "كبح المواقف يعني أنهم يعطون إشارة للدول بأنهم جماعة لديها استعداد للانخراط بالعملية السياسية، بالتالي عليهم عدم محاصرتها وفرض عقوبات عليها، ذلك هذا مجرد طعم وعملية تمويه".
وزاد: "الحوثي من مدة طويلة تنحصر طرح مفاوضاته بالسجناء والأسرى، بينما يتم تأجيل التفاوض السياسي، لأن هناك عوائق قاطعة كونهم يزعمون أن لديهم حقا إلهيا في إدارة شؤون السلطة، وبالتالي لا يمكن لهذه الجماعة أن تتحول إلى كيان سياسي أو حزب قابل للتنوع".
تحرّك أسترالي
وقبل خطوة الحوثيين الإعلان عن إطلاق سراح الأسرى بيوم واحد، أعلنت أستراليا في 23 مايو، تصنيف الحوثي "جماعة إرهابية" بناء على توصية من وكالات الأمن، وذلك "لدورها في العمليات التي استهدفت الملاحة الدولية في البحر الأحمر".
ورحّب اليمن بقرار الحكومة الأسترالية، إذ قالت وزارة الخارجية اليمنية، في بيان لها، نشرته وسائل إعلام رسمية، إن "القرار ينسجم تماما مع تصنيف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا لهذه الجماعة الإرهابية، وفقا للقوانين الوطنية".
وأضافت خلال بيان في 23 مايو، أن قرار "كانبرا" يعد استجابة لدعوات الحكومة اليمنية للمجتمع الدولي، بضرورة التحرك السريع، لإدراج مليشيا الحوثي في قوائم الإرهاب الدولية.
وأشارت خارجية اليمن، إلى أن تصنيف الحوثيين "جماعة إرهابية" يعكس حجم التهديدات التي تمثلها هذه المليشيا للأمن الإقليمي والدولي، وانعكاساتها الخطيرة على خطوط الملاحة الدولية والتجارة العالمية، وجرائمها المستمرة بحق المدنيين في اليمن.
وأكدت أن "إحلال السلام في اليمن، يتطلب من المليشيا الحوثية التخلي عن نهجها الإرهابي وارتهانها للنظام الإيراني ونبذ العنف، والتعاطي الجاد والمسؤول مع المبادرات والمساعي الدولية الرامية لتحقيق السلام في اليمن".
كذلك، لفتت الحكومة اليمنية إلى "خارطة الطريق الأممية والجهود التي يبذلها الأشقاء في السعودية وسلطنة عمان، والجهود الحميدة كافة، الهادفة لإنهاء المعاناة الإنسانية وتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة".
وفي المقابل، قال عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي، حزام الأسد، في 23 مارس، معلقا على القرار الأسترالي، إنه "يكشف تبعية الحكومة الأسترالية العمياء لواشنطن ولندن".
وأضاف الأسد عبر "إكس"، أن واشنطن ولندن تسعى لتوريط المزيد من الدول والأنظمة الوظيفية التابعة لمحور الاستعمار الغربي الصهيوني".
وأشار القيادي الحوثي إلى أن "هذا التصنيف لن يثني عزيمة الشعب اليمني وقيادته في دعم المظلومين في غزة، ولن يوقف عزم القوات التابعة للجماعة عن تنفيذ المرحلة التصعيدية الرابعة وما يليها، ما لم يتوقف العدوان والحصار على القطاع".
وفي هذه النقطة، علّق إبراهيم جلال، وهو الباحث بمعهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، قائلا: إن "تصنيف أستراليا للحوثيين منظمة إرهابية، سيدفع المجال أمام دول أخرى لتصنيف الجماعة التي قدمت نفسها كتهديد للأمن والسلم الدوليين".
ولم يستبعد الباحث اليمني، عبر منصة "إكس" في 23 مايو، أن "يفتح هذا التطور باب الدعم الغربي العسكري للحكومة، إذا اقتنصت مزاج اللحظة وأعادت إنتاج نفسها بفاعلية".
وفي 17 يناير /كانون الثاني 2024، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية عالمية، على أن يدخل القرار حيز التنفيذ بعد 30 يوما، ردا على هجماتها في البحر الأحمر.
وتشن جماعة الحوثي هجمات على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إضافة إلى أنها استولت على سفينة "جالاكسي ليدر"، المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في العشرين من نفس الشهر، وذلك ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وردا على ذلك، أعلنت الولايات المتحدة في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2023، تشكيل قوة عمل بحرية باسم "حارس الازدهار" تضم 20 دولة بهدف مواجهة الهجمات في البحر الأحمر، ثم بدأت في يناير 2024، تنفيذ سلسلة ضربات جوية تستهدف مواقع للحوثيين باليمن.
المصادر
- بيان: الحوثيون باليمن سيفرجون غدا عن أسرى من قوات الحكومة
- اليمن.. الحوثي تؤجل إطلاق 100 أسير إلى الأحد
- الحكومة اليمنية تتهم الحوثيين بالتهرب من التزاماتهم بملف الأسرى
- أستراليا تصنف الحوثي "جماعة إرهابية" والحكومة اليمنية تُرحّب
- التوتر بالبحر الأحمر.. هكذا تستغله الإمارات لإفشال السلام بين الرياض والحوثيين