على عكس مقاومة غزة.. كيف استباحت إسرائيل بنية "حزب الله" الأمنية؟
"لا يوجد أي مقارنة بين المقاومة الفلسطينية وحزب الله اللبناني من الناحية الأمنية"
فتحت خسارة “حزب الله” اللبناني كبار قادة صفه الأول في الأسابيع الأخيرة الباب واسعا للأحاديث عن حجم الفشل الأمني في حماية عنصره البشري من الاستهدافات الإسرائيلية.
وعُقدت مقارنات بين قدرة إسرائيل على اصطياد وقتل القادة الكبار في حزب الله، وعجزها عن اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية في غزة رغم تنفيذها اجتياحا بريا للقطاع منذ 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
"تصفية جماعية"
منذ 8 أكتوبر 2023 حينما أعلن حزب الله أي بعد يوم من عملية "طوفان الأقصى" فتح جبهة جنوب لبنان "إسناد لغزة" نفذت إسرائيل عمليات اغتيال لعناصر وقادة الحزب استهدفت قيادات عليا ووسطى فيه فضلا عن عشرات العناصر.
وكانت “الضربة الكبرى” حينما شنت إسرائيل غارة جوية على أحد مباني الضاحية الجنوبية لبيروت في 20 سبتمبر 2024، وأدت لمقتل 15 من قادة حزب الله بينهم إبراهيم عقيل عضو مجلس الجهاد، الذي هو أعلى هيئة عسكرية في حزب الله.
وهو قائد ومؤسس قوة الرضوان وهي قوة النخبة في الحزب، إضافة لمقتل أحمد وهبي قائد العمليات العسكرية للقوة على جبهة "الإسناد اللبنانية".
وسبق ذلك اغتيال فؤاد شكر في 31 يوليو/ تموز 2024 بعدما استهدفت إسرائيل بغارة أحد الأبنية في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وشكر هو القائد العسكري الأول لحزب الله، ومن مؤسسي حزب الله منذ أكثر من 30 عاما، علاوة على أنه مستشار كبير للشؤون العسكرية لزعيم الحزب حسن نصر الله.
كما اغتيل طالب سامي عبدالله، عقب غارة في 12 يونيو/ حزيران 2024 خلال اجتماع قيادي للحزب في أحد منازل بلدة جويا اللبنانية.
وطالب هو قائد "وحدة نصر" المسؤولة عن عمليات حزب الله في المنطقة الوسطى من الشريط الحدودي الجنوبي مع إسرائيل، بين منطقة بنت جبيل ومزارع شبعا.
وذكرت وسائل إعلام لبنانية مقرّبة من حزب الله أن "طالب" كان مسؤولا عن وحدة المسيّرات والصواريخ الدقيقة في الحزب.
كما جرى اغتيال وسام الطويل في 8 يناير/ كانون الثاني 2024 والذي لم يفصح عن نوعية عملية الاغتيال التي طاولته.
إذ بقيت مبهمة حتى اللحظة بين أن تكون غارة استهدفت سيارته أو عبوة ناسفة وضعت بجانب الطريق واستهدفته أثناء مروره في قريته خربة سلم جنوب لبنان.
والطويل هو من أبرز قادة "حزب الله" العسكريين ومن أبرز قادة "فرقة الرضوان"، حيث تظهر نشرة الحزب بعد مقتله دوره الكبير واجتماعاته بقادة الحرس الثوري الإيراني وقائد فيلق القدس وغيره من القيادات الكبرى بما يدل على دوره الكبير.
كما جرى اغتيال محمد نعمة ناصر قائد "وحدة عزيز" في حزب الله بعدما استهدفت سيارته مسيرة إسرائيلية في منطقة الحوش بقضاء صور جنوبي لبنان في 3 يوليو 2024.
و"وحدة عزيز" مسؤولة عن التقدم الميداني بإطلاق المدفعية والمسيرات، وعن تأمين التقدم لقوة الرضوان الخاصة، وكذلك التعامل مع نشاط الوحدات الاستخباراتية الإسرائيلية.
وتلك الأسماء اللامعة في حزب الله، يضاف لها عمليات اغتيال طالت للعشرات من القادة "الميدانيين المخضرمين" في الحزب.
ماذا عن المقاومة الفلسطينية؟
لقد أظهرت الاستهدافات الإسرائيلية لحزب الله على مدى عام أن جسمه التنظيمي "مخترق أمنيا"، وفق خبراء.
لا سيما أن إسرائيل تمكنت من تعقب قادة حزب الله واستهدافهم بشكل مباشر في معاقل رئيسة للحزب جنوب لبنان.
ولهذا يرى خبراء أن هناك اختلافات كبيرة بين الهيكلية الأمنية لحركة المقاومة الفلسطينية "حماس" وحزب الله في هذا الجانب.
إذ لم تتمكن قوات الاحتلال الإسرائيلي من اغتيال في قطاع غزة أكثر من أربع شخصيات تنتمي لحركة حماس منذ السابع من أكتوبر 2023.
ففي 17 أكتوبر 2023 تمكنت إسرائيل عبر غارة جوية على مخيم البريج وسط قطاع غزة، من اغتيال القيادي في حماس أيمن نوفل، الذي يعد أحد أبرز القادة الأمنيين في حماس، وعضو المجلس العسكري العام لكتائب القسام الجناح العسكري لحماس، وقائد لواء المحافظة الوسطى.
كما نعت كتائب عز الدين القسام في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 اغتيال أحمد الغندور عضو المجلس العسكري في كتائب عز الدين القسام وقائد لواء الشمال.
وشهدت الشهور الماضية إعلان إسرائيل عن اغتيالات لقادة آخرين بحماس إثر قصف منازل مأهولة بعشرات النازحين.
ويرى مراقبون أن إسرائيل تحاول من وراء تلك الإعلانات الكاذبة دفع حماس لتقديم نفي أو أدلة جديدة عن أن القيادي المستهدف ما يزال حي يرزق ولم يجر اغتياله.
فحينما أعلنت إسرائيل استهداف القائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف ونائبه رافع سلامة بغارة في خانيونس بغزة في يوليو/ تموز 2024، خرج القيادي في حماس خليل الحية وأكد لاحقا أن الضيف يستمع إلى كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويستهزئ بكذبه بشأن اغتياله.
وفي حالة فلسطين يرى الخبراء أنه عندما يعجز الاحتلال الإسرائيلي عن تنفيذ عمليات اغتيال بحق قادة المقاومة في غزة، يلجأ إلى الترويج لاغتيال قادة من حماس ضمن إطار حرب نفسية على جبهة المقاومة هناك.
لا سيما أن غالبية قادة حركة حماس وقادة أعضاء كتائب القسام يوجدون في غزة ويقودون المعركة ضد إسرائيل.
حتى إن اختيار يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحماس خلفا لإسماعيل هنية، شكل مفاجأة من العيار الثقيل لإسرائيل الذي يعد المستهدف الأول لها، في خضم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وجاء اختيار السنوار الذي كان يرأس الحركة في غزة في 6 أغسطس/آب 2024، بعد اغتيال الاحتلال الصهيوني إسماعيل هنية في طهران في 31 يوليو من العام المذكور.
إذ ما يزال السنوار إلى جانب "أبو عبيدة" المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام يصدران البيانات ويعلقان على مجريات الأحداث في غزة رغم الملاحقة الاستخباراتية الإسرائيلية لهما.
"غياب الحماية"
وتعليقا على المشهد، يرى رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد، أنه "لا يوجد أي مقارنة بين المقاومة الفلسطينية وحزب الله اللبناني من الناحية الأمنية في الحفاظ على العنصر البشري".
وأضاف لـ"الاستقلال": "القيادة الفلسطينية لها طواقم مختصة يعملون على أسس عسكرية متراكمة وفيها خبرات تتعامل مع كل الوسائل التكنولوجية التي يستخدمونها والقادمة من الخارج وفحصها بشكل دقيق قبل استخدامها والتعامل معها".
ولفت إلى أن "المقاومة الفلسطينية التي تدافع عن الأرض لديها اهتمام كبير بالعنصر البشري ولهذا فإن التدابير الأمنية التي تتخذها تراعي سلامتهم وحتى الأجهزة والوسائل الحديثة التي يستخدمونها بشكل أمني قبل وصولها إليهم لدرجة أنها تتبع المكاتب التي تم استيراد بعض المعدات منها هل هي مقاطعة لإسرائيل أم تدعمها".
وأردف الأسعد قائلا: “أما بالنسبة لحزب الله فقد تبيّن أنه غير مهتم بالعنصر البشري حتى بما يخص قادته الكبار وسلامتهم الأمنية، وهذا ما انكشف بشكل واضح عقب السابع من أكتوبر 2023”.
“لا سيما أن وسائل الاتصال بين صفوف الحزب تعد مهمة فهي داخلة ضمن العلوم العسكرية وتسمى سلاح الإشارة وهو عصب المعركة والذي تعمل الدول على فحصه بدقة متناهية في حال استيراد أي قطعة سلاح أو وسيلة اتصال يستخدمها الجيش من الخارج”، يضيف الأسعد.
وقتل 37 شخصا وأصيب قرابة ثلاثة آلاف آخرين قيل إن غالبيتهم من عناصر حزب الله جراء تفجير أجهزة "بيجرز" في 19 سبتمبر 2024 ثم في اليوم التالي أجهزة اتصال لاسلكي يستخدمها عناصر في الحزب.
وأكد زعيم حزب الله حسن نصرالله في كلمة له عبر الشاشة في 19 سبتمبر 2024 أن تفجيرات أجهزة الاتصال كانت "ضربة كبيرة أمنيا وإنسانيا وغير مسبوقة" منذ تأسيس الحزب عام 1982، مضيفا أن "العدو تجاوز بهذه العملية كل الضوابط والقوانين والخطوط الحمراء".
وأشار الأسعد إلى أن "إيران هي من تستورد السلاح لحزب الله وهذا ما يفتح الباب حول تآمر القيادة الإيرانية على أهل لبنان الذين تستخدمهم كأذرع لها".
وذهب للقول: "إسرائيل في ظل التدابير القوية لا تستطيع اغتيال أو اختراق قيادات حركة حماس، بينما حينما ظهر الترهل داخل حزب الله والتساهل مع العنصر البشري في صفوفه حدث ما حدث من اختراق أمني كبير أدى لمقتل قياداته وهذا ما يؤكد حجم العملاء الذين يعملون لصالح إسرائيل ضد حزب الله بخلاف المقاومة الفلسطينية".
وختم الأسعد بالقول: "لذلك فقد كشفت الهجمات المتتالية الأخيرة ضد حزب الله ضعف القوة الأمنية لديه في حماية مقاتليه وحتى قادة عملياته العسكرية الذين يشرفون على كل خططه وبرامجه وهجماته".