حرب روسيا ضد أوكرانيا.. كيف وجهتها واشنطن لاختلاق أزمة اقتصادية في أوروبا؟
أعمال التخريب والعقوبات أدت إلى تقليص ثقل الاتحاد الأوروبي
هل استخدمت الولايات المتحدة الأميركية الحرب الروسية على أوكرانيا لوضع الاتحاد الأوروبي في أزمة اقتصادية من خلال الغاز؟.
سؤال أجاب عنه المحلل جياناندريا غاياني، مدير مجلة "أناليزي دي ديفازا" الإيطالية مستدلا بما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية فيما يخص عملية تخريب خط أنابيب نورد ستريم.
وقال في مقابلة مع موقع "إيل سوسيداريوا" الإيطالي إن هذه الواقعة تكشف عن الهدف الذي أرادت أميركا تحقيقه من خلال الحرب في أوكرانيا.
تخريب ممول
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن عملية تخريب خط أنابيب "نورد ستريم" الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا في سبتمبر/أيلول 2022، كانت من تمويل رجال أعمال أوكرانيين وإشراف رئيس الأركان السابق فاليري زالجوني.
ونقلت عن ضباط أوكرانيين شاركوا في العملية أو كانوا على علم بها أن خطة تخريب الخط اقترحت خلال اجتماع في مايو/أيار 2022 بحضور ضباط كبار في الجيش الأوكراني ورجال أعمال كانوا يحتفون بالتصدي للقوات الروسية التي وصلت مشارف كييف قبل أن يتم إبعادها.
وأضافت أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وافق على الخطة ثم حاول إلغاءها دون جدوى بعدما علمت بها المخابرات الأميركية، وطالبته بوقفها.
وفي تعليقه على هذه العملية أوضح جياناندريا غاياني، أن الواقعة تكشف أن الأميركان هدفوا إلى "عرقلة القوة الاقتصادية الأوروبية، التي كانت تعتمد على الغاز الروسي الرخيص".
وأبرز أن "أعمال التخريب والعقوبات أدت إلى تقليص ثقل الاتحاد الأوروبي دون أن تحرك بروكسل ساكنا لحماية مصالحها".
وفي جوابه على سؤال "إيل سوسيداريوا" عما تعنيه العملية بالنسبة لأوروبا، أكد غاياني أن “رقما واحدا كافيا للإجابة وهو أن إيطاليا تدفع اليوم 40 يورو مقابل كل ميغاوات من الغاز، بينما تدفع الولايات المتحدة 7 يورو”.
وأردف أن القوى الصناعية الأوروبية، كألمانيا وإيطاليا، تعاني بدون الغاز الروسي الرخيص ويتراجع فيها التصنيع.
وعرج كذلك في حديثه على احتفال البولنديون بهذه العلمية خاصة "أن وارسو لم تخف قط طموحها في أن تصبح مركز الغاز في أوروبا، لتحل محل ألمانيا".
وتابع: "بمجرد انفجار خط أنابيب الغاز، نشر وزير الخارجية البولندي السابق رادوسلاف سيكورسكي، الذي استعاد الآن منصبه، صورة على إكس لفقاعة الغاز وهي تخرج من البحر معلقا بالقول: شكرا للولايات المتحدة".
وبعد وقت قصير من وقوع عملية التخريب، أرسلت رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك ليز تروس، رسالة هاتفية إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تقول فيها "لقد أُنجز الأمر"، بحسب ما قاله مسؤولون روس.
صمت ألماني
وعن سبب صمت ألمانيا التي تضررت أكثر من الواقعة، وصف الصحفي الإيطالي عملية التخريب بأنها "أخطر هجوم بعد الحرب العالمية الثانية، والذي دمر تفوقها الاقتصادي في أوروبا ودورها كقوة صناعية عظمى".
واستغرب "عدم إلقائها باللوم على الأنجلوأميركيين أو حتى الأوكرانيين، بل إنها تواصل تزويدهم بالأسلحة".
وانتقد الموقف الألماني خاصة أنه "من الواضح أن من يحكمها مازوشيون (مضطربون نفسيا) أو أنها تشعر بالسعادة بأن تكون في خضم الركود وتراجع التصنيع".
وزاد أن "فكرة ترتيب الجنرال الأوكراني هذه العملية دون علم رئيس القوات المسلحة الأوكرانية، الرئيس زيلينسكي بتفاصيلها، تثير الضحك".
ويعتقد أن "عملية كورسك (التي شنها الجيش الأوكراني في داخل الأراضي الروسية في أغسطس/آب 2024) جرى تنسيقها أيضًا مع الأميركيين"، مبينا أن الأوروبيين يعاملوننا "كما لو كنا مغفلين".
وألمح إلى أن رد الفعل الألماني مما حدث كان يفترض أن يكون الانسحاب من حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وتعزيز دفاعاتها على الحدود البولندية وأن تهدد أوكرانيا بالحرب.
وعن الكيفية التي تضرر بها الاقتصاد الأوروبي، أوضح أن العقوبات المفروضة على روسيا سمحت لها بإنتاج ما كانت تستورده سابقًا.
واستشهد بتقرير أرسله سيرجي تشيميزوف، الرئيس التنفيذي لشركة "روستيك"، المختصة في مجال الصناعات الدفاعية إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأوضح تشيميزوف في التقرير، التقدم المحرز في إنشاء المكونات التي كان يتم استيرادها سابقًا والتي لم يعد من الممكن الآن وصولها من الخارج في ظل العقوبات.
ورأى الخبير الإيطالي أن "هذه العقوبات تهدف إلى تدمير القارة الأوروبية، لقد كتبت تحديدا عن هذا في كتابي -الحرب الأخيرة ضد أوروبا-".
وبحسب قوله، فإن "الصراع أراده الأنجلو أميركيون لتدمير التفوق الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، وضربه في الركيزتين الأساسيتين اللتين قادتاه إلى أن يصبح أكبر قوة اقتصادية في العالم".
ويشرح بأن الركيزتين تتمثلان في "الوصول إلى مصادر طاقة لا حصر لها بأسعار منخفضة للغاية، وذلك بفضل الاتفاق مع روسيا، ومن ثم القدرة على خلق منتجات تنافسية لأن انخفاض تكلفة الطاقة سمح بالإنتاج بأسعار متحكم فيها".
بلا نتيجة
وفي سؤال عما إذا كانت الحرب وانقطاع الغاز الروسي يضران بالصادرات الأوروبية كافة، قال "لقد قررنا فرض عقوبات على روسيا، التي كانت لنا علاقات تجارية كبيرة معها، ولم تفعل الولايات المتحدة ذلك".
ويضيف "فهي لا تفرض عقوبات على البلدان التي تتاجر معها، بل على تلك التي نتاجر نحن معها، مثل إيران وروسيا".
كما أكد أن كلفة البضائع الأوروبية ارتفعت، منوها إلى تفوق الإنتاج التركي من الصلب على نظيره الألماني.
وعدّ ذلك “انتحارا لأوروبا وألمانيا، بقيادة (المستشار الألماني) أولاف شولتز، ضمن الحكومة الأكثر عجزاً في تاريخها منذ عام 1945”.
وبين أنه "مع هذه الطبقة الحاكمة، نحن نتجه نحو الكارثة وفق ما يقوله خبراء الطاقة".
وبحسب رأيه، “فشلت أوروبا في السياسات الخضراء وكذلك سياسة الطاقة تجاه روسيا”.
فرغم كل شيء، ظلت موسكو المورد الرئيس للغاز في أوروبا، خاصة الغاز السائل.
كما بقيت فرنسا أكبر مشتر للغاز الطبيعي المسال الروسي، وتدفع له مبالغ أكبر بكثير من ذي قبل لأنه سائل.
وذكر كذلك بقرار أوكرانيا عدم تمديد اتفاق مدته خمس سنوات مع شركة غازبروم الروسية يتعلق بعبور الغاز الروسي إلى أوروبا أو التوقيع على اتفاق آخر.
وبموجب اتفاق أبرمته موسكو وكييف عام 2019، تدفع روسيا أموالا لأوكرانيا مقابل تصدير الغاز إلى أوروبا عبر شبكة خطوط الأنابيب الخاصة بها، وينقضي أجل هذا الاتفاق في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2024.
واستنكر الخبير الإيطالي قائلا: "جميع الخبراء أكدوا أن الاستغناء عن الغاز الروسي يتطلب من 8 إلى 10 سنوات، لكننا أردنا أن نفعل ذلك في عامين ولم ننجح، فحتى اليوم روسيا هي أكبر مورد للغاز في أوروبا".
علاوة على ذلك، أشار إلى أن الأميركيين "سارعوا إلى إقرار قانون مكافحة التضخم الذي يبني جسوراً ذهبية للشركات الألمانية أو الأوروبية التي تنقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة، تحت شعار -تعالوا إلينا، تكاليف الطاقة أقل بكثير-، هذا حدث لأنهم جعلونا نشن حرباً ضد الروس".