مدير المستشفيات الميدانية بغزة: نعاني نقصا في الكوادر والمعدات والأطفال الأكثر ضررا

أكبر مستشفى في قطاع غزة وعلى مستوى الوطن، مستشفى الشفاء الطبي، تم تدميره تقريبًا بشكل كامل
خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كانت المنظومة الصحية هدفا للجيش الإسرائيلي، وعاش القطاع الصحي في غزة واحدة من أصعب مراحله، حيث ألقت الحرب الأخيرة بظلالها الثقيلة على المستشفيات والمراكز الطبية، مخلفة دمارا واسعا ونقصا حادا في الأدوية والمستلزمات الطبية، فضلا عن استهداف البنية التحتية الصحية بشكل غير مسبوق.
ويكافح الطاقم الطبي لتقديم الخدمات وسط هذه الظروف القاسية، لكن القطاع الصحي يواجه تحديات هائلة، أبرزها نقص الوقود، وغياب الأجهزة التشخيصية والعلاجية، وانعدام الكوادر الطبية المتخصصة.
في هذا السياق، تحاور صحيفة الاستقلال الدكتور مروان الهمص، مدير المستشفيات الميدانية في وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة لنتعرف على تفاصيل المشهد الصحي في غزة بعد الحرب، ونقف على أبرز التحديات التي تواجه المنظومة الطبية، إضافة إلى الجهود المبذولة لتجاوز هذه المحنة وتوفير الرعاية الصحية للمواطنين في ظل الحصار والتدمير المستمر.

تحديات صحية كبيرة
كيف تصفون الوضع الصحي في قطاع غزة بعد الحرب الأخيرة؟ هل هناك تحديات صحية كبيرة تواجهونها حاليا؟
بخصوص الوضع الصحي في قطاع غزة بعد الحرب الأخيرة، نعم، لدينا تحديات صحية كبيرة واجهناها طيلة الحرب وبعد الهدنة. هذه التحديات تشمل:
أولا: نقص الوقود.
ثانيا: الحاجة الماسة للأدوية والمستلزمات الطبية.
ثالثاً: إصلاح وتعمير الأجهزة الطبية.
رابعا: إدخال أجهزة طبية تشخيصية وعلاجية مثل أجهزة الرنين المغناطيسي وأجهزة التصوير الطبقي، إضافة إلى أجهزة المنظار القلبي وكذلك أجهزة مناظير العمليات والقسطرة القلبية، وهي أجهزة غير موجودة حاليا.
إضافة إلى ذلك، نواجه نقصا شديدا في الاختصاصيين، على سبيل المثال اختصاصيو جراحة ترميم العظام، وتمريض التخدير والعناية المركزة. كما نفتقد كل أطباء الهيستو باثولوجي، وهو الطب التشخيصي.
وأيضا هناك نقص شديد في جراحي القلب واختصاصيي القلب، وهذا يعني نقصا كبيرا يؤثر بشكل سلبي على تقديم الرعاية الصحية المناسبة.
إضافة إلى النقص في المستشفيات بسبب تدمير الاحتلال الإسرائيلي لعدد كبير من المستشفيات، وكنا بحاجة لإدخال المستشفيات الميدانية، لكن تم إدخال عدد قليل فقط، ومن ثم منع الاحتلال الإسرائيلي دخولها.
هذا يعني أننا نعاني معاناة كبيرة بسبب هذا النقص الشديد في المستلزمات والأجهزة والكوادر الطبية، وكذلك عدم إدخال وفود طبية جديدة.
البنية التحتية
ما أبرز الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمستشفيات والمراكز الصحية في غزة جراء القصف الإسرائيلي؟
أما عن أبرز الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمستشفيات والمراكز الطبية، فقد كان لدينا، والحمد لله، حوالي 34 مستشفى داخل قطاع غزة، تشمل مستشفيات حكومية وأهلية وخاصة، لكن الاحتلال الإسرائيلي قام بقصف كل هذه المستشفيات، حيث تضررت جميعها إما جزئيا أو كليا، وكانت النسبة الأكبر من الأضرار كلية، حيث تعرض حوالي 65 بالمئة من هذه المستشفيات للتدمير الكامل.
على سبيل المثال، أكبر مستشفى في قطاع غزة وعلى مستوى الوطن، مستشفى الشفاء الطبي، تم تدميره تقريبا بشكل كامل، ولم يبقَ سوى بعض الأقسام البسيطة. ورغم أننا قمنا بترميم بعض الأقسام، إلا أن مستشفى الشفاء يُعد العنوان الأبرز للخدمة الصحية في غزة، إذ يقدم ما يقارب ثلث الخدمات في القطاع.
أما بالنسبة للمراكز الطبية، فقد كان لدينا 112 مركزا طبيا، لكن الاحتلال الإسرائيلي دمر حوالي 80 مركزا، ولم يتبقَ سوى عدد قليل، لا يتجاوز 25 مركزا طبيا، وهذه المراكز تعاني من عدم القدرة على تقديم الخدمة.
إضافة إلى ذلك، كان لدينا في قطاع غزة مركزان متخصصان لعلاج الحروق، وتم تدميرهما. كما دمر الاحتلال مركزين لترميم العظام. وكذلك كان هناك عدة مراكز للإخصاب، وحفظ الأجنة، وحفظ الحيوانات المنوية، وحفظ الأنسجة، وقد أزالها الاحتلال الإسرائيلي عن الوجود، وكأنه يريد معاقبة الشعب الفلسطيني وتحديد نسل الفلسطينيين.. هذا هو الواقع الذي نعاني منه.

هل هناك نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية بعد الحرب؟ وكيف يتم التعامل مع هذا النقص؟
طيلة الحرب كان لدينا نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية وقطع الغيار للأجهزة الطبية. كنا نتعامل بالتقنين، بعدم الإفراط في العلاجات وعدم الإفراط في استخدام الأجهزة.
قبل الحرب، كانت لدينا طاقة كبيرة رغم الحصار، وكانت المستشفيات تعمل على أعلى مستويات في العالم. كانت لدينا تقنيات التعقيم وما شابه ذلك. الآن، أصبح كل هذا معدوما بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية.
الآن لدينا مرضى يموتون بسبب عدم وجود علاجات للأمراض المزمنة. لدينا مرضى يموتون من أصحاب الفشل الكلوي، حيث توفي 40 بالمئة من مرضى الفشل الكلوي بسبب عدم توفر الحاجيات والمستلزمات اللازمة لغسيل الكلى. هذا أقل عنوان.
إضافة إلى ذلك، لدينا عدة أطفال رضع توفوا بسبب البرد، ولم نستطع تقديم الخدمة في داخل المستشفيات. أجهزة التدفئة التي كانت موجودة في داخل المستشفيات، وحتى أجهزة الحاضنات التي تُستخدم للأطفال وتساعد في رفع درجة الحرارة، قد تم تدميرها كلها.
الأمراض المزمنة
ما الوضع بالنسبة للمرضى الذين يحتاجون إلى علاج مستمر مثل مرضى السرطان أو الأمراض المزمنة؟
بخصوص مرضى الأمراض المزمنة والسرطانات والفشل الكلوي وكل ما شابه ذلك، يعانون معاناة شديدة بسبب نقص الأدوية ونقص العلاجات وعدم توفرها. يعني مرضى السرطان لا يمكننا علاجهم بشكل كامل، بسبب عدم وجود علاج بيولوجي وعدم وجود علاج إشعاعي، وحتى العلاج الكيميائي المتوفر قليل جدا.
حتى التشخيص للأمراض غير متوفر. إضافة إلى ذلك، أصحاب الأمراض المزمنة مثل ضغط الدم والسكري يعانون يوميا؛ حيث هناك تجديد مستمر في عالم العلاجات، لكن هذه العلاجات الجديدة لم تدخل قطاع غزة بسبب الحرب. وحتى الأدوية القديمة التي كانت تُستخدم قبل الحرب لم تعد موجودة الآن.
لذلك، يعاني مرضانا معاناة شديدة بسبب قلة الأدوية وعدم توفرها في بعض الأوقات.

هل هناك زيادة في أعداد الإصابات أو الأمراض المستجدة نتيجة الحرب؟ وكيف يتم التعامل مع هذه الحالات؟
نعم، ظهرت أمراض جديدة لم تكن موجودة إلا بنسب قليلة، مثل الأمراض الجلدية، انتشر العديد من الأمراض الجلدية، منها الجرب والجذام، مما سبب حكة شديدة والتهابات في الجلد، وانتشار الدمامل على أجسام الأطفال وكبار السن.
إضافة إلى ذلك، زادت حالات الفشل الكلوي، وأيضا أمراض التهاب الكبد الوبائي، التي انتشرت بأعداد كبيرة بين المواطنين. كما لوحظ انتشار الأمراض السارية الحادة، مثل التهابات الرئة والجهاز التنفسي.
كل هذه الأمراض زادت بسبب الحرب، وعدم توفر مساكن صحية للناس يعيشون فيها. والجميع يعلم صعوبة الوضع في داخل الخيم، وكيفية العيش فيها، وتأثيرها السلبي على صحة الأطفال، والرضع، والنساء الحوامل، وكذلك كبار السن.
هذا الواقع كان له أثر كبير وسيئ، ليس فقط على المرضى، بل حتى على الأشخاص الأصحاء.
كيف يتعامل الأطباء في قطاع غزة مع الإصابات في ظل النقص الشديد للمستلزمات الطبية وتعطل الأجهزة، وأيضا الكوادر البشرية؟
بالنسبة للتعامل مع الإصابات، كما شاهد العالم، فإن لدينا طواقم طبية تتعامل مع الطوارئ بأفضل خدمة في العالم، لأننا أصبحنا أصحاب خبرة في التعامل مع الطوارئ والأحداث والحروب، حتى منظمة الصحة العالمية أضافت في أحد كتبها فصلا كبيرا حول نظام التعامل مع الحالات الجماعية والإصابات الجماعية، وسمي بفصل غزة، وتم تعميمه على مستوى العالم.
اكتسبنا خبرة كبيرة على مدار الحروب من 2008 و2012 و2014 إلى 2021 و2023، لدى الطواقم الطبية خبرة كاملة في التعامل مع الإصابات بأفضل ما يمكن، لكن هناك نقصا شديدا دائما في التعامل مع الحالات، ونقصا شديدا في العلاج ما بعد الإصابات، لأنه ليس لدينا مراكز لعلاج ترميم العظام، وليس لدينا مراكز ومستشفيات للصحة النفسية.
إضافة إلى ذلك، فإن أغلب أبناء الشعب الفلسطيني يحتاجون إلى دعم نفسي لعلاج الصدمات النفسية التي شاهدوها وعوقبوا بها من قبل الاحتلال الإسرائيلي. نحتاج إلى وجود مصحات ومستشفيات ميدانية وعيادات صحة نفسية، ودعم نفسي مستمر، ولكن هذا بأقل الحدود الآن.

صدمات نفسية
هل تأثر قطاع الأطفال بشكل خاص من هذه الحرب؟ وهل هناك آليات لدعم الأطفال المصابين أو الذين يعانون من صدمات نفسية؟
أكثر المتضررين وأكثر الشهداء هم الأطفال، حيث لدينا تقريبا أكثر من 17 ألف طفل شهيد، ومن ضمنهم حوالي 214 طفلا رضيعا وُلدوا واستشهدوا خلال الحرب في هذا العام. يعني في عام واحد فقط وُلد 214 طفلا واستشهدوا في هذه المعركة.
لكن المتضرر الأكبر هم الأطفال الرضع، حيث تؤثر المعيشة في داخل الخيام على صحتهم، ومنهم من توفي، ففي آخر أسبوعين توفي حوالي 8 إلى 10 أطفال، وعلى مدار فصل الشتاء تقريبا لدينا حوالي 25 طفلا استشهدوا بسبب البرد وعدم توفر أساليب الحياة المريحة من أغطية وثياب وفراش وملابس شتوية.
هل لدينا آليات لدعم الأطفال المصابين؟ نحاول بكل الإمكانيات، لكن العين بصيرة واليد قصيرة، يكفي أطفالنا فقط أن يخرجوا إلى الشارع ليلعبوا، وهذا علاج نفسي. نحاول بكل الإمكانيات عمل علاج للصدمات النفسية عبر تجمع الأطفال في المخيمات وعمل مهرجانات للأطفال واحتفالات ومسابقات، لكن هذا دون الحاجة، هذا دون المستوى.
هل تلقيتم أي دعم دولي أو مساعدات طبية بعد الحرب؟ وما أهم المواد الطبية التي تحتاجون إليها بشكل عاجل؟
أما بخصوص الدعم والتعاون الدولي، فقد تلقينا دعما من منظمة الصحة العالمية، ومن بعض الجمعيات والمؤسسات الدولية بمساعدات طبية قبل الحرب وبعد الحرب. ولكن عندما دخلنا في هذه الهدنة، كان الشيء قليلا جدا، لا يكاد يُذكر.
قطاع غزة يحتاج إلى كل شيء، من المواد الإغاثية والمساعدات الإنسانية والطبية، ومولدات الطاقة والكهرباء، وبدائل الطاقة الشمسية، والمستشفيات الميدانية، والوفود الطبية التي تساعد قطاع غزة في الخروج من هذه الأزمة الكبيرة.
هذا أقل القليل الذي يمكن أن يساعدنا به العالم الذي وقف متفرجا على مذبحة أبناء الشعب الفلسطيني والمجزرة التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
تحت القصف والاستهداف
كيف أثرت الحرب على قدرة الطواقم الطبية في غزة على تقديم الدعم؟
نحن جميعا تحت القصف والاستهداف، ونعيش نفس الظروف، لكن الطواقم الطبية تأثرت بشكل كبير مما شاهدته داخل المستشفيات من إصابات، وحروق، وبتر، وقتل جماعي، واستقبال الأهالي والأحباب في داخل المستشفيات وهم شهداء. ورغم ذلك، استمررنا في العمل بفضل الله تعالى.
الهدنة الحالية تعد هدنة هشة، ولا تزال تصل إلينا إصابات وحالات مرضية كثيرة. ندعو الله سبحانه وتعالى أن يخفف عنّا.
لدينا نقص شديد في الكوادر الطبية، وكما قلت سابقا، هناك حوالي أكثر من 34 تخصصا تعد تخصصات نادرة في داخل قطاع غزة. ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفر لنا وفودا طبية لمساعدتنا في داخل القطاع كي نتمكن من تقديم الخدمات لأبناء الشعب الفلسطيني.

ما الخطط الحالية لتقديم الخدمات الصحية للمواطنين في ظل الضغط الكبير على المستشفيات والمرافق الصحية؟
عملنا على خطط تشمل توسعة المستشفيات بأقل الإمكانيات، مثل توسعة بالخيام ووضع أسرة داخلها، وكانت لهذه الخطة جدوى.
كذلك توسعنا في أقسام الاستقبال والطوارئ. على سبيل المثال، في مستشفى ناصر، قمنا بتوسعة خيمة بهو الكبير لاستقبال الحالات الباطنية حتى نستطيع تقديم خدمة للإصابات والحوادث الناتجة عن استهدافات الاحتلال الإسرائيلي، وكانت هذه الفكرة ناجحة، إضافة إلى افتتاح مستشفيات ميدانية جديدة، سواء كانت حكومية أو من دول عربية أو من مؤسسات دولية، وقد خففت من معاناة أبناء الشعب الفلسطيني.