تراجع حزب مانديلا.. هذه توقعات نتائج الانتخابات العامة في جنوب إفريقيا
“الانتخابات تكتسي أهمية بالنسبة إلى شعب يشعر بخيبة أمل وينشد التغيير”
وسط حالة من الاستياء العام في بلد يكافح للتعافي من أزمات مستمرة منذ عقود، توجه الناخبون في جنوب إفريقيا إلى صناديق الاقتراع في 29 مايو/آيار 2024 للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العامة.
وسلطت صحيفة إيطالية الضوء على السيناريوهات المحتملة لما بعد الانتخابات، خاصة في ظل مؤشرات عن عدم تحقيق الحزب الحاكم، "المؤتمر الوطني الإفريقي"، الأغلبية المطلقة الضرورية لممارسة الحكم للمرة الأولى منذ 30 عاما.
وترجح صحيفة "إيل كافي جيوبوليتيكو" أن يضطر الحزب، الذي يقوده الرئيس الحالي سيريل رامافوسا، إلى التحالف مع أحزاب أخرى لتشكيل حكومة ائتلافية وذلك للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
تراجع الشعبية
أجريت أول انتخابات حرة وديمقراطية في تاريخ جنوب إفريقيا عام 1994 وانتهت بانتخاب نيلسون مانديلا كأول رئيس من ذوي البشرة السمراء للبلاد.
وآنذاك، فاز حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بأكثر من 62 بالمئة من الأصوات وارتفعت شعبيته في السنوات التالية لتصل إلى 69.7 بالمئة عام 2004 خلال فترة رئاسة ثابو إيمبيكي.
هذا قبل أن تتراجع شعبية الحزب في العقد الأخير لتبلغ مستوى ما دون 60 بالمئة في الانتخابات الأخيرة التي أقيمت عام 2019.
وتشير العديد من استطلاعات الرأي إلى أن حزب مانديلا لن يتمكن من الحصول خلال التصويت الحالي على الأغلبية المطلقة الضرورية للحكم بعد أن انخفضت شعبيته إلى حوالي 40 بالمئة.
وبحسب الصحيفة الإيطالية، يعود هذا التراجع التدريجي بشكل رئيس إلى اتهامات الفساد التي نالت العديد من أعضاء الحزب، وفي مقدمتهم الرئيس السابق جاكوب زوما ورئيس البرلمان السابق مابيسا نكاكولا.
إلى جانب عدم قدرة الحكومة على حل المشاكل الرئيسة في البلاد على غرار التفاوتات الشديدة وارتفاع معدل البطالة إلى حوالي 32 بالمئة ونقص الخدمات الأساسية.
ونتيجة لذلك، ترجح الصحيفة احتمال أن يضطر الحزب إلى التحالف مع أحزاب أخرى لتشكيل الحكومة.
ولفتت إلى أن هذا السناريو يثير العديد من المخاوف، خاصة بالنظر إلى تاريخ البلاد ومشاعر الانقسام التي لا تزال متجذرة في السكان وهو ما يتجلى في الظهور المتواصل لحركات تتبنى أفكارا متطرفة وعنصرية.
فمن ناحية، يعد العديد من المواطنين ذوي البشرة البيضاء جنوب إفريقيا بلدهم "الخاص بهم" ويزعمون أنها تغرق في الهاوية بسبب الحكومات التي يديرها أصحاب البشرة السوداء، على حد تعبير الصحيفة الإيطالية.
وتنتاب هؤلاء من ناحية أخرى مشاعر الغضب والاستياء نتيجة المعاناة التي عايشوها خلال سنوات الاستعمار والفصل العنصري.
ووصفت الصحيفة السياق التاريخي والثقافي لجنوب إفريقيا بـ"المعقد للغاية"، لذلك تعتقد أن تشكيل حكومة ائتلافية لأول مرة في تاريخ البلاد من شأنه أن يؤدي إلى اضطرابات وصعوبات تنظيمية خاصة في الأشهر الأولى بعد الانتخابات.
أحزاب المعارضة
يتصدر أحزاب المعارضة في البلاد، التحالف الديمقراطي وهو حزب وسطي ذو ميول ليبرالية، يقوده جون ستينهاوزن ويتمتع بنسبة تأييد بحوالي 20 بالمئة من الأصوات بشكل رئيس بين السكان البيض.
وللمرة الأولى في تاريخه، شكل الحزب تحالفا مع عشرة أحزاب أخرى أصغر حجما قد يتم تفعيله إذا كان مجموع أصوات كل الأحزاب في الانتخابات كافيا للحصول على الأغلبية والحكم.
أما الحزب المعارض الرئيس الثاني، فحزب "مقاتلو الحرية الاقتصادية"، يملك ميولا ماركسية لينينية ويقوده جيوليوس ماليما وهو حزب القومية السوداء ويقترح في برنامجه الانتخابي "تأميم الصناعات".
فضلا عن مصادرة الأراضي لفائدة أصحاب البشرة السوداء بدون تعويض، وهي نفس السياسة التي اعتمدها رئيس زيمبابوي السابق روبرت موغابي، ويمتلك نسبة تأييد بحوالي 15 بالمئة.
وتستبعد الصحيفة تحالف الحزب الحاكم مع الحزب المعارض الأول، وعدت إمكانية التحالف مع (مقاتلو الحرية الاقتصادية) "كارثيا بالنسبة للبلاد بسبب التطرف البادي على برنامجه الانتخابي"، لذلك ترى أن خيار تشكيل تحالف مع أحزاب أصغر هو الأفضل.
إلى جانب هذين الحزبين، يشارك في الانتخابات حزب "أومكونتو ويزيزوي" الذي أسسه جاكوب زوما، الرئيس السابق وعضو حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وكان تأسيسه للحزب المذكور سببا في تعليق عضويته بداية العام 2024.
وعلقت الصحيفة الإيطالية أن هذا الانقسام يضر بـ"القاعدة الانتخابية التاريخية" للحزب الحاكم الحالي ويحول دون تحقيق الأغلبية.
وكانت المحكمة الدستورية قد أصدرت حكما قالت فيه إنه "لا يمكن انتخاب زوما عضوا في مجلس الأمة، ولا يمكنه الترشح للانتخابات"، وذلك لأنه قضى عقوبة السجن خلال عام 2021.
من جانبهم، يجزم بعض المحللين أن هذا الحكم لن يؤثر على صورة الحزب الجديد أو زوما نفسه، لا سيما أن الأخير لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة بين المواطنين رغم عدم تمكنه من المشاركة في الانتخابات.
الأزمة الداخلية
يعاني سكان جنوب إفريقيا واقتصادها منذ سنوات من أزمة طاقية حادة، وللبحث عن حلول لمعالجة أزمة نقض الكهرباء، تنفذ شركة الكهرباء الوطنية "إسكوم" منذ عام 2019 خطة "تخفيف الأحمال".
كما تشكو البلاد أزمة نتيجة لتغير المناخ وأيضا لسوء الإدارة على المستويين الوطني والمحلي.
وتسجل جنوب إفريقيا أعلى معدل لعدم المساواة في العالم بلغ على مؤشر جيني 0.63 (على مقياس من 0 إلى 1)، خاصة أنه على بعد أمتار قليلة من الأحياء الثرية، يعيش عدد كبير من السكان في أحياء قصديرية تحت خط الفقر.
كما ترتفع معدلات الجريمة وانعدام الأمن، إذ تكشف بيانات مؤشر الجريمة المنظمة العالمية ارتفاع معدل الجريمة في جنوب إفريقيا بين عامي 2021 و2023 من المركز التاسع إلى السابع عالميا ليتجاوز دولا مثل العراق وأفغانستان.
وبذلك خلصت الصحيفة إلى القول إن الانتخابات المقبلة "تكتسي أهمية بالنسبة إلى شعب يشعر بخيبة أمل وينشد التغيير".
وقالت إن هذا من شأنه أن يحول الإجماع نحو أحزاب أخرى، مما يضعف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ويؤدي إلى تشكيل أغلبية جديدة أو على الأرجح حكومة ائتلافية لأول مرة في التاريخ الديمقراطي للبلاد.