معسكر براغماتي وآخر أصولي.. هكذا ينقسم المجتمع الإسرائيلي حول القضايا الإستراتيجية
"الجمهور يقف في مفترق طرق وهو ما أنتج انقساما واضحا بين معسكرين"
انقسام واضح في الرأي العام الإسرائيلي حول القضايا الإستراتيجية الرئيسة، وفي مقدمتها عدوان جيش الاحتلال المتواصل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والحرب على لبنان منذ سبتمبر/ أيلول 2024.
وبحسب استطلاع أجراه معهد بحثي حول توجهات الجمهور الإسرائيلي لعام 2024، أشار إلى انقسامه بين معسكرين، براغماتي يمثل نحو 40-50 بالمئة، وأصولي يمثل حوالي 30 بالمئة.
وبحسب نتائج استطلاع المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية “ميتفيم”، يرى ثلث الإسرائيليين أن "التصعيد العسكري هو الخيار الأفضل لمواجهة إيران".
وفي هذا الإطار، أبرز أن “معظم الإسرائيليين يتبنون مواقف أكثر براغماتية من مواقف المعارضة السياسية، مع دعوة واضحة للحسم في القضايا الإستراتيجية”.
انقسام معسكرين
وأفاد المعهد بأن "الجمهور الإسرائيلي متفق بشكل واسع النطاق على قضيتين أساسيتين".
وتتمثل القضية الأولى في أن "أداء الحكومة في القضايا الإستراتيجية منقوص"، والأخرى في "رفض نهج إدارة الصراع والتأكيد على ضرورة اتخاذ قرارات بشأن القضايا الجوهرية".
ونوه المعهد إلى أن هذه القضايا الجوهرية “تتعلق بشكل خاص باستمرار الحرب ومستقبل العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية”.
وبسبب الحاجة الماسة لاتخاذ قرارات إستراتيجية، فإن الجمهور يقف في مفترق طرق، وهو ما أنتج انقساما واضحا بين معسكرين.
فمن جهة، هناك معسكر براغماتي يتراوح بين 40-50 بالمئة من الجمهور، يدعم وضع أفق سياسي مع الفلسطينيين في إطار إقليمي واسع، يعترف بحدود القوة العسكرية ويعتمد على التعاون الدبلوماسي لحل مشاكل الأمن في إسرائيل.
ومن جهة أخرى، يظهر معسكر أصولي يمثل حوالي 30 بالمئة، ويتبنى مواقف كانت تخص اليمين المتطرف قبل إبادة غزة.
وبحسب المعهد، يؤيد هذا المعسكر ضم الضفة الغربية وإعادة الاستيطان في غزة، بالإضافة إلى دعمه التصعيد المتعمد تجاه إيران والاعتماد على القوة العسكرية، حتى لو كان ذلك على حساب مواجهة مع النظام الدولي.
أداء سيئ
وفي إطار ما ذُكر سابقا، أكد المعهد على أن "الجمهور الإسرائيلي يتفق تقريبا بالإجماع على الأداء السيئ لحكومة بنيامين نتنياهو".
وفي استطلاع "ميتفيم" الأخير قبل شهرين من العدوان على قطاع غزة، كان الجمهور قد قيم الأشهر الثمانية الأولى لحكومة "اليمين الكامل" كفترة فاشلة في مجال العلاقات الخارجية.
وفيما يخص أداء الحكومة بعد مرور ما يقارب السنة على اندلاع العدوان، لفت الاستطلاع إلى “تدهور حاد في تقييم الجمهور، وصولا إلى مستوى غير مسبوق من التراجع”.
ومنح الجمهور أدنى تقييم للأداء منذ أن بدأ المعهد في إجراء المؤشر عام 2013، حيث وصل إلى 3.84 من 10.
وعلى حد قول المعهد، فإن هذا التراجع هو تراجع حاد عن التقييم المنخفض نسبيا الذي منحه الجمهور عام 2023، والذي كان قد وصل إلى 4.82.
وذكر المعهد أن "مستوى الرضا الشعبي عن الأداء الحكومي كان مرتبطا في السنوات السابقة بالآراء والتوجهات السياسية والحزبية"، لكنه استدرك قائلا إن "عدم الرضا الشعبي عن الأداء عام 2024 يشمل مختلف القطاعات الجماهيرية، ومنهم نسبة كبيرة من ناخبي اليمين وداعميه".
ومنح 77 بالمئة من ناخبي اليمين الوسط وأكثر من نصف ناخبي اليمين الحكومة تقييما منخفضا نسبيا، بحسب ما ورد عن المعهد.
كما حصل وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، على تقييم منخفض لأدائه، وظهر عدم التقدير تجاهه أيضا بين أكثر من نصف ناخبي اليمين، بما في ذلك حزب الليكود.
وفي ظل قيادته، حصلت وزارة الخارجية على أدنى تقييم منذ أن بدأ معهد "ميتفيم" في إجراء المؤشر، 3.94 مقارنة بـ5 عام 2023.
وكما هو متوقع، على حد قول المعهد، يعكس المؤشر أيضا انخفاضا كبيرا في تقييم الجمهور لمكانة إسرائيل في العالم مقارنة بعام 2023، إذ حصلت على تقييم 4.31 مقابل 5.03.
انقسام إستراتيجي
وفي هذا الصدد، لفت المعهد الأنظار إلى أن "الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل من جهة، والموقف العدائي لروسيا والصين تجاه إسرائيل من جهة أخرى، لهما تأثير حاسم على التصور الجيوسياسي لدى الجمهور الإسرائيلي".
وبهذا الشأن، يكشف المؤشر عن تغيير في رؤية الجمهور لشبكة الشراكات والتحالفات التي تفضلها إسرائيل في العالم في ظل تصاعد الصراع بين الشرق؛ الصين وروسيا، والغرب؛ الولايات المتحدة ودول أوروبا.
وأوضح المعهد أن "غالبية كبيرة من الجمهور -حوالي 60 بالمئة- تولي أهمية كبيرة لانتماء إسرائيل إلى المعسكر الديمقراطي الليبرالي العالمي، وهذا مقارنة بـ18 بالمئة فقط يرون أن هذه الأهمية ضئيلة أو معدومة".
ومن ناحية أخرى، أبرز أن "معظم الجمهور يعطي أهمية كبيرة للتحالف مع الولايات المتحدة لضمان بقاء إسرائيل".
وفيما يخص مسألة تحديد أهم ثلاث دول لإسرائيل باستثناء الولايات المتحدة، يظهر المؤشر تراجعا كبيرا في القيمة الدبلوماسية لروسيا، من 32 بالمئة في عام 2023 إلى 12 بالمئة في 2024، والصين من 26 بالمئة إلى 7.5 بالمئة.
وذلك في مقابل ارتفاع حاد في أهمية دول أوروبا الغربية، بريطانيا بنسبة 44 بالمئة، وألمانيا بنسبة 41 بالمئة، وفرنسا 30 بالمئة، وفق ما ورد عن المعهد.
ومع ذلك، ذهب "ميتفيم" إلى أن "هذا التغير في تقدير أهمية الغرب لإسرائيل لا يعبر بالضرورة عن انفتاح أكبر تجاه الضغوط أو الانتقادات الدولية من دول الغرب على سياسات إسرائيل".
إذ يرفض الجمهور تدخل الجهات التي تُعد ناقدة لسياسات إسرائيل في القضية الفلسطينية"، وفق المعهد.
فعلى سبيل المثال، بعد سنوات من التحسن التدريجي، يُنظر إلى الاتحاد الأوروبي من قبل نسبة متزايدة من الجمهور الإسرائيلي كـ"خصم" وليس كصديق.
كما رفض أكثر من نصف المشاركين أي تدخل أوروبي في إعادة بناء السلطة الفلسطينية أو تحسين الوضع في الضفة الغربية.
وتتجلى هذه الظاهرة أيضا -بحسب المعهد- في الموقف من المرشحيْن للرئاسة في الولايات المتحدة.
ويرى 14 بالمئة فقط من المشاركين في المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس تخدم المصالح الإسرائيلية بشكل أفضل، مقارنة بأغلبية ساحقة تبلغ 68 بالمئة يرون في المرشح الجمهوري دونالد ترامب المفضل لإسرائيل.
وعلى جانب آخر، لاحظ المعهد وجود استقطاب واضح حول القضايا الرئيسة المتعلقة بمواصلة العدوان وما بعده.
فمن ناحية، يدعم المعسكر الأصولي -المتمثل في ربع إلى ثلث المشاركين في الاستطلاع تقريبا- ضم الضفة الغربية واستئناف الاستيطان والسيطرة الكاملة على غزة، كما يعارض العقوبات ضد العنف الصادر عن المستوطنين تجاه الفلسطينيين.
وبحسب المعهد، يتمثل شعار هذا المعسكر في أن "ما لم ينجح بالعنف، سينجح بممارسة عنف أكبر".