اختبار صعب.. لماذا يجب أن ينتصر الجيش السوداني في معركة الجزيرة؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تصاعدت التساؤلات أخيرا عن أسباب تنكيل مليشيات الدعم السريع بأهل ولاية الجزيرة جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم، في ظل المعارك مع المستمرة مع الجيش السوداني منذ أبريل/نيسان 2023.

ففي 29 مارس/ آذار 2024، سقط عشرات القتلى والجرحى في ولاية الجزيرة على وقع هجوم مباغت شنته قوات الدعم السريع على عدة قرى في الولاية.

وأعلنت مبادرة "محامو الطوارئ" في بيان لها، أن قوات الدعم السريع "هاجمت قرى في غرب وجنوب ولاية الجزيرة، مستخدمة الذخيرة الحية ضد سكان عزل" ما أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى المدنيين.

واتهم البيان قوات الدعم السريع "بارتكاب العديد من الانتهاكات، من بينها الاعتداء الجنسي والتهجير القسري، فضلا عن السلب والنهب".

وهو ما أدى إلى إدانة أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني سودانية جرائم قوات الدعم السريع. وفوق ذلك تصاعدت دعوات للجيش أن يعود إلى الولاية ويحررها من يد المليشيا التي تعيث فيها فسادا.

وتمثل معركة ولاية الجزيرة أصعب اختبارات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وتمثل معضلة كبرى وسط الحالة السودانية المعقدة.

انتهاكات وظلام 

وفي 30 مارس 2024، نشرت شبكة "بي بي سي" البريطانية، أنه في ظل انقطاع الاتصالات في عموم البلاد منذ حوالي شهر ونصف، بما في ذلك ولاية الجزيرة، ومع حالة الظلام التام للشبكات في العديد من المناطق بالولاية، زادت وتيرة الانتهاكات بحق المدنيين. 

إذ خرجت تقارير متطابقة عن هجمات للدعم السريع على المدنيين في القرى المتناثرة بجميع مناطق الجزيرة، والتي ما تزال خارج التغطية إلى حد كبير.

وخص بالذكر حادثة قرية "دلوت البحر" التي اقتحمتها المليشيات عقب صلاة التراويح، مستغلة انشغال الناس بأجواء رمضان.

فتم اعتراضهم بواسطة خمسة شباب دون الـ(18) عاما، وأطلقت القوة المهاجمة الرصاص عليهم، مما نتج عنه وفاة أحدهم وإصابة الأربعة الآخرين.

ووفقا للجان مقاومة منطقة "الحصاحيصا" بالجزيرة"، هاجمت مليشيا الدعم السريع قرية "تنوب".

وأضافت اللجان في بيانها: "مع العلم أن المليشيا قد نهبت المركبات والمقتنيات القيمة كافة في المرات السابقة، فإن الهجوم الأخير قامت فيه بسرقة دقيق المخابز ومخزون المحاصيل والأثاث المنزلي وكل ما وقعت عليه أيديهم".

وقد عم غضب واسع عموم السودان، إثر الإعلان عن مقتل ما لا يقل عن 43 مدنيا سودانيا خلال هجمات نفذتها المليشيا منذ بدء شهر رمضان المبارك بولاية الجزيرة وسط البلاد.

وفي 29 مارس 2024، أعلنت وزارة الخارجية السودانية، أن المليشيات هاجمت في ولاية الجزيرة وحدها 28 قرية وقتلت 43 مدنيا، ونهبت ممتلكات سكان القرى ومحصولاتهم الغذائية.

كما أشارت إلى أن القوات التي يقودها محمد حمدان دقلو "حميدتي" احتجزت عددا من شاحنات مساعدات إنسانية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف".

تطور مهم 

ومن التطورات المهمة تحميل تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، قوات الدعم السريع مسؤولية الانتهاكات. 

وأعلنت في بيان أنها تابعت الأنباء المتواترة التي كشفت عن وقوع انتهاكات واسعة تجاه المدنيين بعدد من مناطق ولاية الجزيرة من قبل قوات الدعم السريع والقوات المتحالفة معها، وما تلاها من تهجير قسري لمواطني القرى.

وقالت التنسيقية المعروفة اختصارا باسم "تقدم": "إن الإجراءات التي تمت في تلك المناطق تجاه سكانها المدنيين تعد جرائم غير مقبولة أو مبررة".

اللافت من خروج هذا البيان أن تلك التنسيقية تحديدا تتهم بالانحياز لقوات الدعم السريع خاصة أنه يرأسها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك.

وكانت التنسيقية قد وقعت مع قوات الدعم السريع، على إعلان مشترك في يناير/كانون الثاني 2024، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، نص على تشكيل لجنة مشتركة لوقف وإنهاء الحرب في السودان.

لذلك فإن تحول هذه القوى السياسية بسبب الجرائم في ولاية الجزيرة، يدلل على أن حجم الانتهاكات وقسوتها هناك، يصعب تحملها. 

استنفار الجيش 

وفي 2 أبريل/ نيسان 2024، ذكر موقع "ألترا سودان" المحلي، أن الضغوطات تتزايد على الجيش على خلفية الانتهاكات، التي وقعت في قرى ومدن الجزيرة بواسطة الدعم السريع.

وذكرت أن وحدات كبيرة من الجيش تجري استعدادات مكثفة لتنفيذ الهجوم البري على ولاية الجزيرة، وذلك انطلاقا من ولايات سنار والقضارف شرق وجنوب البلاد.

وقد شدد نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار على ضرورة تنفيذ هجمات عسكرية استباقية بدلا عن الدفاع.

وخاطب عقار الضباط والجنود في ولاية سنار، مشيرا إلى أن الجيش قادر على الحفاظ على الدولة السودانية. وقال مشددا إنه قاتل مع الجيش بشرف ووقع معه الاتفاق بشرف.

وأضاف أن تقدم القوات المسلحة لتحرير الجزيرة، يجب أن يكون عبر الهجوم وبناء الخنادق مع كل تقدم إلى الأمام. 

وكان نائب القائد العام للجيش الفريق ركن شمس الدين الكباشي، قد أعلن في 25 مارس/آذار 2024، أن القوات المسلحة ستنفذ هجوما على "المتمردين" في جميع أنحاء البلاد.

مدينة إستراتيجية

استعدادات الجيش لاسترداد الجزيرة وتحديدا "ود مدني" يحمل أكثر من بعد، يتجاوز الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها المليشيات هناك. 

فلا يمكن النظر إلى سيطرة قوات "حميدتي" على "ود مدني" على أنه حدث عابر في الصراع الدموي الدائر بينه وبين الجيش منذ أبريل/نيسان 2023. 

فبعد سقوط المدينة الإستراتيجية في يد مليشيا الدعم السريع، تحدث موقع "الحرة" الأميركي في 20 ديسمبر/كانون الأول 2023، عما أطلق عليه "تغيير معادلة الصراع في السودان". 

وأورد أن "منطقة ود مدني كانت قاعدة عسكرية ينطلق منها الجيش السوداني، لمهاجمة قوات الدعم السريع في الخرطوم، ما جعلها هدفا عسكريا".

وأشار إلى أن "الجيش السوداني لم ينسحب لكنه تلقى هزيمة عسكرية، ونجحت قوات الدعم السريع في الاستيلاء على ود مدني".

واستند الموقع في تحليله إلى هروب قادة الجيش السوداني وبعض الجنود من ود مدني، وملاحقتهم في مناطق الجوار. 

وأشار إلى الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية لمدينة ود مدني، لكونها تربط عددا كبيرا جدا من ولايات سودانية.

وذكر الموقع الأميركي أن الوجود في مدينة ود مدني يعني السيطرة على قلب السودان، لكن النقطة الأخطر أن قوات الدعم السريع لم تكتف ببسط سيطرتها الكاملة عليها.

فقد شكلت قوى أمنية لحماية المؤسسات المهمة، ما يعني أنها حلت محل الدولة السودانية المحكومة من قبل الجيش وشكلت دولة موازية لها إدارتها الخاصة.

ورغم أن الجزيرة لم تكن الولاية الأولى التي تسقط في قبضة الدعم السريع، لكن سقوطها شكل نقطة مهمة في مسار الصراع السوداني.

دولة هشة

خاصة أن هناك ثمنا أفدح من كل ذلك تهدد به الحرب عموما وولاية الجزيرة خصوصا، وهو ضياع السودان نفسه كدولة، وهو ما أشارت إليه صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، في تقرير لها يوم 22 ديسمبر 2023. 

إذ ذكرت "أن أزمة السودان ستستمر في عام 2024"، وأشارت إلى أن "الحرب الأهلية المدمرة، التي اتسمت بعدد لا يحصى من الفظائع وتقارير عن جرائم حرب، قد تؤدي إلى انهيار الدولة الهشة بالفعل كما ستفاقم الأزمات الإنسانية المتصاعدة".

وأضافت أن "الحرب على السلطة في السودان ستظل تلقي بظلالها على تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والضغوط الاقتصادية، وذلك في مرحلة ما بعد انتشار الأوبئة والمجاعات التي ستؤدي حتما إلى زيادة موجات الهجرة من السودان إلى مختلف أنحاء العالم".

وعلق السياسي السوداني إبراهيم عبد العاطي في حديث لـ"الاستقلال" عن الأحداث الأخيرة في ولاية الجزيرة ولماذا يجب على الجيش أن يتدخل هناك؟ 

وقال: "معركة ولاية الجزيرة بالنسبة للجيش تتجاوز كونها نقطة مصيرية لمنطقة إستراتيجية، بل إنها معركة إثبات شرعية، وللحفاظ على كينونة الدولة نفسها وبقائها".

وأضاف: “تباطؤ الجيش وعدم قدرته على تحرير الجزيرة وود مدني، سيدفع المزيد من الأهالي لحمل السلاح والدفاع عن أنفسهم، وهو ما يحدث أساسا”.

وأردف: "ومع الوقت ستتحول تلك القوى إلى حركات مسلحة لا يمكن السيطرة عليها، وبالتالي سيجد السودان نفسه أمام حرب أهلية شاملة، تبتلع الدولة نظاما وجيشا وشعبا".

وعقب: "لقد ارتكب الجيش السوداني خطأ إستراتيجيا لا يغتفر بانسحابه من مدينة ود مدني، ثم تركه الولاية للمليشيات بلا مقاومة تذكر، حتى إن السودانيين أطلقوا على ود مدني (بغداد السودان) لأن سقوطها كان أشبه بسقوط بغداد في حرب الخليج الثانية". 

وأشار السياسي السوداني إلى أن من أهم أسباب دفع الجيش لاستعادة الجزيرة أنها تضم أكبر مشروع زراعي في السودان المعروف بــ "مشروع الجزيرة الزراعي". 

وهو مشروع لم ينج من إفساد الدعم السريع، الذي حرق وجرف آلاف الأفدنة الزراعية، ودمر المحاصيل في الأراضي والبيوت وبصفته أيضا سلة غذاء الشعب، والسيطرة عليه تتيح التحكم في الأمن الغذائي.

لذلك على الجيش أن يجهز لمعركته الخاصة والكبيرة هناك، فلا بديل للسودان إذا أراد أن يستمر عن استرداد الجزيرة وغيرها من الولايات الضائعة، وفق قوله.