بعد 100 يوم على اجتياحه.. هكذا فاقم إغلاق معبر رفح الأوضاع الإنسانية بغزة

حسن عبود | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

يناشد المسن الفلسطيني، ماهر كامل بلبل، لإخراجه من قطاع غزة من أجل العلاج بعد أن أصيب بمرض السرطان في الحنجرة، لكن هذه المهمة باتت مستحيلة مع إغلاق معبر رفح.

ونشر ذوو بلبل قصته على منصات التواصل الاجتماعي بعد أن استحال علاجه داخل غزة التي تتعرض لعدوان إسرائيلي مدمر أخرج معظم المستشفيات عن الخدمة.

وأجرى هذا المريض قبل شهر عمليه مخرج تنفس من الحنجرة مما أدى إلى انقطاع أحباله الصوتية، وعلى إثرها فقد صوته، مع تخوفات من وفاته بسبب تضخم الكتلة السرطانية يوما بعد آخر.

ويعد بلبل واحدا من آلاف المرضى الذين يواجهون الموت بعد تفاقم حالتهم الصحية بسبب قصف الاحتلال أغلب المستشفيات وإغلاق معبر رفح باتجاه سفرهم للعلاج.

نتائج كارثية

ومر أكثر من 100 يوم على اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي معبر رفح البري أقصى جنوب قطاع غزة، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية المتدهورة أصلا بفعل العدوان.

ففي 6 مايو/ أيار 2024، أعلن الاحتلال بدء عملية عسكرية في رفح متجاهلا تحذيرات دولية من تداعيات ذلك على حياة النازحين بالمدينة، وسيطر في اليوم التالي على معبر المدينة الحدودي مع مصر.

وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، في 14 أغسطس/آب 2024، وفاة أكثر من ألف طفل وجريح ومريض فلسطيني جراء سيطرة إسرائيل على معبر رفح البري منذ 100 يوم.

وقال مدير المكتب، إسماعيل الثوابتة، خلال مؤتمر صحفي عقد وسط قطاع غزة: "إغلاق المعبر (من قبل إسرائيل)، منذ 100 يوم، تسبب في وفاة أكثر من 1000 طفل ومريض وجريح، والكارثة الإنسانية تتعمق على كل الأصعدة".

وأضاف أن إسرائيل منعت منذ إغلاق المعبر سفر 25 ألف مريض وجريح لديهم طلبات سفر وتحويلات للعلاج في الخارج، وهم يشكلون نسبة تصل إلى 80.5 بالمئة من إجمالي الحالات.

وحذر من أن "حياة المرضى والجرحى الآخرين مهددة بالموت بسبب سياسة الاحتلال غير الإنسانية وغير الأخلاقية بمنعهم من السفر لتلقي العلاج".

وعن دخول المساعدات، قال الثوابتة إن إسرائيل تواصل منذ 100 يوم "منع إدخال المستلزمات الطبية والوفود الصحية والأدوية والعلاجات والمساعدات بأنواعها المختلفة مما تسبب في تأزيم الواقع الصحي والإنساني بشكل خطير".

وبعد اقتحامه، دمرت قوات جيش الاحتلال مباني المعبر وأحرقتها وجرفت أراضيه بالكامل ليخرج تماما عن الخدمة.

وأصيب في العدوان المستمر منذ أكتوبر 2023، أكثر من 92 ألف فلسطيني، جلهم تسبب استهدافهم في بتر أطرافهم.

وينشر الفلسطينيون على مواقع التواصل عشرات القصص لمرضى وجرحى قضوا بسبب عدم تمكنهم من السفر من أجل العلاج.

وفي 6 يونيو/حزيران 2024، أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن من استطاعوا الخروج للعلاج بلغ عددهم نحو 4895 فقط، بنسبة بلغت 19.5 بالمئة من إجمالي أعداد المرضى والجرحى.

ومنذ إغلاق معبر رفح البري الحدودي مع مصر، إثر سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني منه في 7 مايو/ أيار 2024 بالتزامن مع بدء عملية عسكرية برية في المدينة، لم يتمكن أي مريض من الخروج من قطاع غزة، باستثناء عدد محدود من الأطفال.

ففي 15 أغسطس، غادر عدد محدود من أطفال مرضى السرطان والأمراض المزمنة القطاع عبر معبر كرم أبو سالم المجاور لتلقي العلاج في الخارج

وفي نفس اليوم، قالت وزارة الصحة في غزة، إن 10 آلاف مريض بالسرطان يواجهون خطر الموت وتفاقم أوضاعهم الصحية، في ظل تواصل إغلاق معبر رفح، وحرمان المرضى والحالات الطارئة من السفر لاستكمال علاجهم بالخارج، عقب انهيار المنظومة الصحية جرّاء قصف الاحتلال المتواصل.

وبحسب آخر إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن القصف الإسرائيلي على القطاع ونفاد الوقود، أخرج 34 مستشفى و68 مركزا صحيا و162 مؤسسة صحية عن الخدمة.

حصار مشترك

ومع أن هذه المعاناة تفاقمت بعد إغلاق المعبر، فهي لم تبدأ باجتياح جيش الاحتلال للمنطقة الحدودية، ولكن منذ بداية العدوان.

إذ أصبح معبر رفح الحدودي مع مصر، الذي يعد الشريان الوحيد من غزة إلى العالم الخارجي، تحت الأنظار بشدة مع بداية العدوان الإسرائيلي.

ويدير هذا المعبر السلطات المصرية وهو الوحيد الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، لكنها تتحكم به وبآلية عمله وبالداخلين والخارجين عبره بشكل كبير، وفق ما أظهرت أحداث ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وجرى تشديد الحصار المصري - الإسرائيلي على القطاع، بعد العملية التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في 7 أكتوبر بالمستوطنات المحاذية لغزة.

ورغم أن مصر أغلقت المعبر بشكل متكرر منذ سيطرة حركة "حماس" على غزة عام 2007، مما زاد من عزلة القطاع، فإن الحال الذي شهده هذا المنفذ خلال العدوان لم يسبق له مثيل.

وكشفت أحداث 7 أكتوبر بشكل متزايد عن حجم التحكم الإسرائيلي بالمعبر المصري الفلسطيني ومدى تغول نظام عبد الفتاح السيسي على الفلسطينيين الراغبين بالسفر من خلاله.

فمنذ إطلاق عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر، أغلق النظام المصري معبر رفح أمام الأفراد والبضائع.

وصرح وزير الخارجية السابق سامح شكري ووزير الصحة خالد عبد الغفار في تصريحين منفصلين أن القاهرة لم تحصل على الإذن (الإسرائيلي) لإدخال المساعدات وإخراج الجرحى.

وفي إطار هدنة إنسانية استمرت 7 أيام، فتح نظام السيسي المعبر لدخول حملة الجنسيات الأجنبية والبضائع بعد موافقة وتفتيش إسرائيلي.

وكان من الغريب إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن أكثر من مرة عن فتح معبر رفح إلى درجة تساءل فيها كثيرون عن دور مصر هنا، ليصفوا السيسي بأنه مجرد "بواب".

وقبل اجتياحه، قصفت طائرات الاحتلال بوابة معبر رفح أكثر من مرة مما أدى إلى تضرره من الجانبين، في خطوة لم ترد عليها مصر حتى بالاستنكار.

وكان المرضى والجرحى يواجهون صعوبة في الخروج إلى العلاج، بينما سهلت السلطات المصرية سفر من يدفعون من 5 - 10 آلاف دولار عن كل شخص يريد المغادرة.

وكانت تلك الأموال تُدفع لشركة “يا هلا” التي يديرها إبراهيم العرجاني رجل الأعمال السيناوي المقرب من السيسي.

وقبل الإغلاق التام، كشف المدير العام لوزارة الصحة بغزة، منير البرش، عن رقم هزيل من الجرحى جرى السماح بخروجه من القطاع إلى مصر للعلاج.

وقال في حديث له مع قناة "الجزيرة"، إن "الكشوف التي نرسلها للإخوة المصريين يموت أغلبهم قبل أن تصل الموافقة على قبول مرورها من معبر رفح البري".

وأوضح أن من خرج من الجرحى وقتها 400 مصاب فقط من أصل 40 ألفا، وتساءل: “هل تريدون أن نموت جميعا حتى ترضوا؟”

معركة تفاوضية

وتعقد ملف المعبر أكثر وتجاوز الجانب الإنساني بعد أن سيطرت قوات الاحتلال عليه ليصبح في قلب معركة تفاوضية، حيث أضيف الحديث عن مستقبله ضمن مفاوضات وقف إطلاق النار.

وخلال الأسابيع الأخيرة، أضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شرط بقاء جيشه بمحور فيلادلفيا الحدودي مع مصر ضمن أي اتفاق لوقف العدوان على غزة وتبادل الأسرى.

ويدعي نتنياهو أن حماس استغلت على مدى سنوات هذا المحور في "تهريب أسلحة إليها"، ومن ثم "تعزيز قدراتها العسكرية".

من جانبها، ترفض القاهرة بشكل قاطع أي بقاء للقوات الإسرائيلية بمحور فيلادلفيا، وتنفي ادعاءات حكومة نتنياهو بشأنه.

كما تصر حركة “حماس” على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، بما يتضمن معبر رفح ومحور فيلادلفيا، كشرط أساسي للتوصل إلى اتفاق لوقف العدوان وتبادل الأسرى.

وفي ظل رفض مصر وحماس، يبدو أن إسرائيل لجأت إلى السلطة الفلسطينية لإقناعها بإدارة معبر رفح، رغم إعلانها سابقا أنها ترفض أي دور لها في غزة بعد العدوان.

وأفادت هيئة البث الإسرائيلية، في 10 أغسطس 2024، نقلا عن مصادر مطلعة، بأن مباحثات "مهمة" تجرى بين نظام مصر والسلطة الفلسطينية تقضي بسيطرة الأخيرة على المعبر.

وفي هذا السياق، عُقد لقاء خلال الأيام الأخيرة بين رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ، المقرب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وممثل مصر الموجود في رام الله.

وأوضحت هيئة البث الإسرائيلية، أن الشيخ وممثل مصر في رام الله، "رسما المخطط بدعم كبير وقوي من مصر والولايات المتحدة".

كما أن الهدف المصري منه هو أن يصل ممثلو السلطة الفلسطينية إلى غزة بشكل رسمي وواضح، دون أي هوية غير معروفة أو غير واضحة.

وذكرت أن “الخطة المصرية تقضي بأن يكون المعبر هو الخطوة الأولى لعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة”.

ومنتصف يوليو/تموز 2024، كشف موقع “أكسيوس” الأميركي عن عقد اجتماع سري بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسلطة الفلسطينية بشأن المعبر.

وذكر الموقع أن الاجتماع الذي عقد في تل أبيب ناقش إعادة فتح المعبر كجزء من صفقة التبادل والتهدئة وشارك فيه كبير مستشاري الرئيس جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك.

وأضاف أن "إسرائيل أكدت خلال الاجتماع الثلاثي أن نتنياهو يعارض أي تدخل رسمي للسلطة الفلسطينية في المعبر".

فيما نقلت وسائل إعلام عربية أن السلطة رفضت خلال أغسطس مقترحا إسرائيليا لفتح المعبر بإدارة مدنيين لا يرتبطون بأجهزة الأمن الفلسطينية.

وبينت أن المقترح يمنع رفع العلم الفلسطيني في المعبر وعلى الحدود، وأن إسرائيل تصر على البقاء في محور فيلادلفيا والتدخل للتفتيش والاستجواب.

وأشار الموقع إلى أن السلطة الفلسطينية ترفض المقترح وتطالب بانسحاب إسرائيلي كامل من المعبر.