التعامل بالعملات المحلية.. ما مدى نجاح روسيا وإيران في كسر هيمنة الدولار؟

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

تنتهج إيران وروسيا، سياسة تجارية تسعى لتقويض التعامل بالدولار الأميركي أملا في تخفيف مخاطر العقوبات الغربية المضرة باقتصاديهما.

وقد قطعت طهران وموسكو شوطا في اتفاقية تبادل العملات الوطنية في التجارة بينهما منذ نهاية عام 2023.

فقد قال رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، إن "الاتفاقية المالية الأخيرة بين إيران وروسيا مثال ناجح في التخلي عن الدولار". 

العملات الوطنية

وأضاف خلال اجتماع رؤساء برلمانات الدول الأعضاء في مجموعة "بريكس" في 11 يوليو/تموز 2024: "علينا مواصلة التخلي عن الدولار واستخدام العملات البديلة".

وتعد مقايضة العملة أداة تتيح لكلا البلدين الوصول إلى السيولة بعملة دولة أخرى دون الحاجة إلى شرائها في سوق العملات.

ولكسر هيمنة الدولار، لجات إيران وروسيا لوضع اللمسات النهائية على اتفاق يجرى بموجبه التداول بعملتهما المحلية بدلا من العملة الأميركية، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إيرنا" في 28 ديسمبر/كانون الأول 2023.

وقالت الوكالة نقلا عن معلومات من البنك المركزي الإيراني حينها إن "إنشاء منصات مالية ومصرفية جديدة فتح فصلا جديدا في العلاقات المصرفية بين إيران وروسيا، حيث اتفقت الدولتان على التخلص من الدولار الأميركي والتداول بالعملات المحلية بدلا من ذلك".

وأضافت أنه جرى الانتهاء من الاتفاق خلال اجتماع عقد في روسيا بين محافظي البنك المركزي في البلدين. 

وبينت الوكالة أن البنوك والشركات في إيران وروسيا، تستخدم منصات مثل أنظمة المراسلة غير سويفت وتقيم علاقات وساطة ثنائية باستخدام العملات الوطنية.

وفي عام 2023، بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وإيران 4 مليارات دولار.

وكانت غالبية الصادرات الروسية عبارة عن منتجات غذائية ومواد خام زراعية (81 بالمئة، أو 2.2 مليار دولار)  و9 بالمئة أخرى من الآلات والمعدات والمركبات، كما قال سفير أعمال روسيا لدى طهران ديمتري أنتونوف مطلع مايو 2024.

وهذه ليست  الخطوة الأولى التي اتخذتها موسكو وطهران لـ “التحرر من قيود الدولار”.

ففي يوليو/تموز 2022، أعلنت إيران وروسيا عن خطط لاستخدام عملتيهما الوطنيتين بدلا من الدولار في التجارة المتبادلة.

 وخلال اجتماع عقد في ذلك الشهر في طهران، أعرب المرشد الإيراني علي خامنئي عن الحاجة إلى التخلي عن الدولار في التجارة العالمية. 

وبدوره، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن الولايات المتحدة تحاول استخدام الدولار كأداة ضغط.

وأضاف أن إيران وروسيا تعملان على إيجاد سبل لاستخدام عملتيهما الوطنيتين في علاقاتهما التجارية. 

وفي محاولة لتدعيم هذا الموقف، لجأت إيران إلى خطوة استباقية بتوقيع اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا في 25 ديسمبر 2023.

والاتحاد الاقتصادي الأوراسي يضم كلا من روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان، ويقدر سوقه بنحو 190 مليون مستهلك.

وتضمن اتفاقيات الاتحاد لجميع أعضائه حرية تنقل السلع والخدمات ورؤوس الأموال واليد العاملة، وانتهاج سياسة متفق عليها في قطاعات التجارة والطاقة والصناعة والزراعة والنقل.

وقال حينها السفير الإيراني لدى روسيا، كاظم جلالي، إن اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوراسي ستوفر الأرضية لجعل التجارة الإيرانية عالمية، وستبطل فاعلية الحظر ضد البلاد.

وقد نشرت مجلة "أوراسيا" تقريرا في 9 يناير/كانون الثاني 2024 ناقشت فيه هذا التوقيع.

وأوضحت أن "الاتفاقية تأتي في إطار الإستراتيجية الاقتصادية التي أطلقتها إيران، ردا على انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، حيث أعلنت طهران عن رؤية جديدة لاقتصاد المقاومة".

وأضافت أن “الرؤية الإيرانية تقوم على فك العزلة الاقتصادية، وتحويل إيران إلى عقدة أساسية في خطوط العبور، وسلاسل التوريد العالمية، مستفيدة من موقعها الإستراتيجي”.

كما تقوم رؤيتها "على الانفتاح الاقتصادي ضمن المحيط الإقليمي الإيراني، وهو انفتاح تخدمه خطوط عبور متشعبة تحرر الاقتصاد الإيراني من قبضة العقوبات الأميركية والغربية".

ورأت  المجلة كذلك، أنها "خطوة تتماشى مع عضوية إيران في مجموعة بريكس، بل توفر أيضا فرصا كبيرة لدول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي للوصول إلى السوق الإيرانية".

طموح إيراني

وسبق أن أعطى نائب محافظ البنك المركزي الإيراني محسن كريمي، مؤشرا على مدى فاعلية اتفاقية تبادل العملات الوطنية المبرمة بين البنكين المركزيين الإيراني والروسي بقوله إنها "ستسهم في تعزيز قيمة الروبل والريال واستبعاد الدولار من التسويات المتبادلة".

ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية عن كريمي قوله في 9 يوليو 2024 “إن الاتفاق النقدي المبرم بين البنكين المركزيين يمثل قناة للتبادل النقدي الشامل بين البلدين”.

وأشارت إلى الاتفاق بصفته خطوة نحو إزالة الدولرة وتخفيف مخاطر العقوبات.

كما بينت أن هذا الإجراء لا يخضع للعقوبات، وبمعنى آخر، لن تؤثر أي عقوبات على العملات الوطنية لكلا البلدين.

ولفت كريمي إلى أن "هذا سيكون حافزا جيدا للمصدرين الإيرانيين للتجارة مع روسيا".

وحول العالم، يجرى تداول أكثر من 2100 مليار دولار فيما 60 بالمئة من احتياطي العملات الصعبة في المصارف المركزية هو بالدولار، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

وعندما انسحبت الولايات المتحدة عام 2018 من الاتفاق النووي الإيراني وأعادت فرض العقوبات على طهران، باتت الشركات الأوروبية التي استثمرت في إيران في مرمى العقوبات الأميركية.

واستحدثت أوروبا يومها آلية لكي تفلت من هذه العقوبات إلا أن المستثمرين تراجعوا خوفا من إثارة غضب واشنطن. 

لكن بدأ ساسة إيران منذ عام 2018، بإطلاق تصريحات من قبيل "لن نربط اقتصاد البلاد وحياة الناس بإرادة الغرب".

فقد كان الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي مناصرا قويا لوقف الدولرة، وتشجيع استخدام العملات المحلية في التجارة الثنائية، لتعزيز السيادة الاقتصادية وتقويض هيمنة الدولار الأميركي على بلاده.

وقال رئيسي في اجتماع لمنظمة شنغهاي للتعاون في مارس 2023: "إن هيمنة العالم الغربي تسهم في هيمنة الدولار".

ومضى يقول: "لإنشاء نظام اقتصادي جديد، من الضروري إزالة أداة الهيمنة هذه في الممارسة العالمية، واستخدام العملات الوطنية في التسويات بين البلدان".

ومما يدل على مضي طهران في تقويض هيمنته على اقتصادها، توقيع رئيسي في زيارة إلى جاكرتا عام 2023، اتفاقية بين إيران وإندونيسيا لإلغاء الدولار واستخدام عملاتهما في التجارة الثنائية.

وضمن هذا السياق، يؤكد الخبراء أن الحكومات الأميركية المتعاقبة لجأت إلى "التسليح الصريح للدولار" واستخدام نظام المدفوعات بالعملة الأميركية في السنوات القليلة الماضية، لمعاقبة دول مثل إيران وكوبا وفنزويلا وأفغانستان وكوريا الشمالية والصين وأخيرا روسيا. 

فقد جرى طرد إيران من نظام سويفت (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك)، الذي تأسس قبل نصف قرن من الزمان، عام 2012، وهو ما يعني أنها لم تعد قادرة على تلقي العملات الصعبة مقابل صادراتها النفطية.

وكانت الضربة شديدة بما يكفي، لتدفع إيران إلى طاولة المفاوضات في عام 2015 وتتفق  مع  الولايات المتحدة على كبح جماح برنامجها النووي.

أما الولايات المتحدة فقد طردت روسيا من نظام سويفت بعد غزوها لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

وقد أخذت الولايات المتحدة "تسليح الدولار" إلى مستوى جديد عندما استخدمت نظام المدفوعات به لتجميد وصول روسيا إلى 300 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي السائلة في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا.

والآن تحث الأصوات المؤثرة  حكومة الولايات المتحدة على الذهاب إلى أبعد من ذلك والاستيلاء على  تلك الاحتياطيات (الاستحواذ عليها، وليس مجرد تجميدها)، ومنحها لحكومة أوكرانيا لإعادة الإعمار بعد الحرب.

"خسائر لا أرباح"

وضمن هذا الإطار، رأى رئيس مجلس إدارة مجلس تنمية التجارة الخارجية والدولية بروسيا مكسيم تشيرشنيف، أن "الشركات الروسية تعاني من خسائر في التجارة مع إيران بعد التحول إلى المدفوعات بالعملات الوطنية".

وأضاف تشيرشنيف لصحيفة "إزفستيا" الروسية مطلع مايو 2024:"الآن، بسبب عدم القدرة على سداد المدفوعات بالدولار واليورو على إثر العقوبات، تحولت روسيا وإيران إلى استخدام العملات الوطنية".

 ومع ذلك، تنشأ صعوبات في التحويل، ففي المتوسط، مع كل تحويل للأموال، تخسر الشركات الروسية حوالي 20-25 بالمئة بسبب التناقض بين سعر السوق في إيران وسعر الدولة، وفق تقديره.

ونقلت الصحيفة ذاتها، عن الملحق بالسفارة الإيرانية في روسيا رحيمي محسن، قوله "إنه على هذه الخلفية، بدأت موسكو وطهران استكشاف إمكانية التحول إلى الأصول المالية الرقمية (DFAs) والعملات الرقمية للبنوك المركزية. نحن نتحدث عن أدوات مثل الروبل الرقمي والريال المشفر".

وأشار رحيمي إلى أن “المدفوعات بالأصول والعملات الرقمية يمكن أن تبسط التجارة بين الدول وربما تخفف من آثار العقوبات”. وأضاف أنه حتى الآن لا توجد بنية تحتية ولوائح للتحول إلى طرق دفع جديدة.

وأمام ذلك، يمكن القول إن الاتفاقيات التي تستخدم العملات الوطنية في اتفاقيات التجارة الثنائية تتزايد، وقد تؤدي إلى تسريع عملية إزالة الدولرة. 

ولكن حتى الآن، لا تزال هذه الاتفاقيات على نطاق تجميلي في الغالب، وهي محدودة بطبيعتها بحقيقة وجود دول فائضة ودول عجز في هذه البورصات، وفق ما كتب البروفيسور "روبرت ويد" في مقال له في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ونشر في نهاية فبراير 2024.

وقال "ويد" إن "استخدام الدولار ونظام المدفوعات بالدولار كسلاح ضد دول مثل روسيا وإيران على مدى العقد الماضي، شجع الآخرين على إيجاد طرق للهروب من هيمنة الدولار الأميركي".

واستدرك: “الدول ذات الفائض تراكم الأصول النقدية بعملات الدول ذات العجز وقد تكون حذرة في القيام بذلك بسبب خطر عدم قابلية التحويل وانخفاض قيمة عملاتها”.

وأردف: “قد  تخشى الدول ذات العجز  أن تتخلص الدول ذات الفائض من عملاتها في أسواق العملات الدولية بحثا عن أصول أكثر أمانا”.

ومن الأمثلة التي طرحها "ويد" في هذا السياق، وصول المفاوضات التجارية الروسية الهندية إلى طريق مسدود في مايو 2023 بشأن قضية إجراء التجارة بالروبية الهندية. 

إذ أرادت الهند أن تتم المعاملات بالروبية، ولكن لأن الميزان التجاري لصالح روسيا، خشيت موسكو الغرق في روبية غير صالحة للاستخدام، وقد توصلوا إلى حل وسط مع دفع نيودلهي ثمن النفط الروسي بالدرهم الإماراتي.