روسيا تبني قاعدة جديدة في البحر الأسود.. زيادة ضغط أم استعراض للقوة؟
"جورجيا رأت أن الخطوة تهديد مباشر لآمالها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي"
جدل جديد على الساحة الدولية بعد إعلان سلطات منطقة "أبخازيا" الانفصالية في جورجيا، والموالية لموسكو، بدء إنشاء قاعدة دائمة للبحرية الروسية في أراضيها المطلة على ساحل البحر الأسود، وهو ما ينذر بتوتر إضافي في المنطقة.
وتقع جمهورية أبخازيا الانفصالية غرب جورجيا، وتحدها من الشمال والشمال الشرقي جبال القوقاز التي تفصلها عن روسيا، ومن الشرق تحدها المنطقة الجورجية ساميغرليو زيمو سفانيتي، ويحدها من الجنوب والجنوب الغربي البحر الأسود.
خطوة مقلقة
وكشف زعيم منطقة “أبخازيا” الانفصالية، أصلان بزانيا، عن أن موسكو تعتزم إقامة قاعدة في المنطقة المطلة على ساحل البحر الأسود.
وقال بزانيا خلال تصريحات صحفية في أكتوبر/تشرين الأول 2023 "لقد وقّعنا اتفاقا، وفي المستقبل القريب، ستكون هناك نقطة انتشار دائمة للبحرية الروسية في منطقة أوشامتشير".
من طرفهم، ندد سياسيون في جورجيا بهذه الخطط، ووصفوها بأنها "تهديد مباشر" لتبليسي وآمالها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
بدورها، قالت وزارة الخارجية في جورجيا، إن مثل هذه التصرفات تمثل "انتهاكا صارخا لسيادة البلاد ووحدة أراضيها".
وفي تعليقها، قالت مجلة "فورميكي" الإيطالية إن التأكيد الروسي على بناء قاعدة بحرية جديدة تستضيف أسطول البحر الأسود في هذه المنطقة، تحديدا على ساحل مدينة أوتشامشير "خطوة تثير قلق المسؤولين في جورجيا والغرب".
وأوضحت المجلة أن "هذه القاعدة ستكون بمثابة بديل آمن للسفن الحربية الروسية، لا سيما أنها أقل تعرضا لتهديد الطائرات بدون طيار والصواريخ الأوكرانية من شبه جزيرة القرم".
وبينت كذلك أن “غرضها لا يرتبط فقط بالحرب ضد كييف، وإنما عدتها وسيلة للضغط على جورجيا وعرقلة طموحاتها في المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بمشروع الممر الأوسط”.
وذكرت أن قدرات أسطول البحر الأسود الروسي “تدهورت بشكل شديد” على يد قوات كييف في العامين الماضيين، أي منذ بداية غزو أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
و"أسطول البحر الأسود" هو وحدة فرعية ضخمة في البحرية الروسية، وسابقا في البحرية السوفيتية، يشمل نطاق عملياته منذ القرن الثامن عشر، البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، وترسو سفنه في عدة موانئ على البحر الأسود وبحر آزوف.
تعزيز الموقع
وقالت المجلة إن "الأضرار الجسيمة والدمار التي ألحقتها القوات الأوكرانية بالعديد من سفنه، خاصة ما حدث مع المدمرة موسكفا، دفع الوحدات المتبقية للابتعاد عن قاعدتها الرئيسة في شبه جزيرة القرم، قاعدة سيفاستوبول، نحو موانئ أكثر أمانا ولكن أقل مركزية، مما تسبب في تقليل قدرات موسكو على الإسقاط البحري".
وبحسب المجلة، أنظار الكرملين كانت مصوبة بالفعل باتجاه منطقة أبخازيا الانفصالية الجورجية منذ فترة، حيث تتمركز القوات الروسية منذ عام 2008.
وشكلت طموحات روسيا في البحر الأسود الموضوع الرئيس على طاولة المحادثات بين الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، وكبار المسؤولين الجورجيين خلال زيارته إلى تبليسي، في إطار جولة إلى جنوب القوقاز، توقف خلالها في كل من أرمينيا وتركيا وأذربيجان.
وصرح ستولتنبرغ أن "الحرب الروسية تعرض حرية الملاحة في البحر الأسود للخطر وتهدد الإمدادات الغذائية العالمية".
وأضاف "بدعمنا، تمكنت أوكرانيا من صد أو تدمير أو إتلاف جزء كبير من الأسطول الروسي في البحر الأسود".
ونوه ستولتنبرغ بما وصفه "نجاح أوكرانيا في إعادة فتح شحنات الحبوب الحيوية لاقتصادها والأمن الغذائي العالمي".
واستبعدت المجلة الإيطالية في أفضل السيناريوهات تعويض القاعدة البحرية الروسية المحتملة في أبخازيا لقدرات ميناء سيفاستوبول، حيث يتمركز أسطول البحر الأسود الروسي حتى بعد سنوات من أشغال البناء والتجريف.
ونقلت ما قاله أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأوروبية في تبليسي، إميل أفدالياني، لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية، إن "القاعدة الجديدة من شأنها أن تعزز بالتأكيد موقع روسيا في النصف الشرقي من حوض البحر الأسود".
وأوضح بأنه "من غير المرجح أن تحل محل استخدام روسيا لموانئ القرم في حساباتها العسكرية"، مبينا بأنها ستكون "في أفضل السيناريوهات، منشأة مكملة"، أي لهذه الموانئ واستخداماتها العسكرية.
محاولة الضغط
فيما ترى فورميكي أن "هذه القاعدة من شأنها أن تصبح نقطة انطلاق قوية للمرحلة التالية من استعراض قوة روسيا في البحر الأسود".
وأضافت أنها "ستساعدها أيضا في الحفاظ على تفوقها الجيوسياسي في المنطقة، كما من الممكن أن تكون أداة مفيدة لزيادة الضغط على جورجيا".
وتابعت أن "الكشف عن خطط إنشاء قاعدة بحرية يسمح لموسكو بتذكير الدولة القوقازية وكذلك الجهات الفاعلة الغربية الأخرى، بأنها لا تزال تهدف إلى تعزيز قبضتها على المناطق الانفصالية في جورجيا، رغم تورطها في المستنقع العسكري المستمر في أوكرانيا".
وكانت روسيا قد اعترفت باستقلال هذه المناطق، أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية لأول مرة في أعقاب الحرب الروسية الجورجية عام 2008.
فيما يملك الطرف المقابل أي جورجيا، بحسب المجلة الإيطالية، خططا طموحة لترسيخ مكانته كنقطة رئيسة في طريق العبور الذي يربط أسواق واقتصادات الطاقة الأوروبية والآسيوية عبر جنوب القوقاز.
وهو تطور لا تحبذه الأخيرة على الإطلاق، لا سيما أن هذا الطموح سيؤدي إلى تخطيها بشكل كامل.
لذلك من شأن إنشاء قاعدة بحرية جديدة أن يلعب دورا رئيسا في عرقلة الطموحات الجورجية من خلال زيادة القدرات العسكرية هناك، وهو ما يبدو أنه الهدف المباشر لروسيا، على حد تحليل المجلة الإيطالية.
من جانبه، قال وزير الدفاع الجورجي السابق والسفير لدى واشنطن، ديفيد سيكاروليدزي، إن الأمر يتعلق "على المدى القصير، بالابتزاز ومحاولة الضغط على جورجيا وخططها بشأن الممر الأوسط أكثر من كونه خطة رئيسة لاستبدال قاعدة عسكرية".
وعلى المدى الطويل، وفق سيكاروليدزي، "ينبغي أن يؤخذ الأمر على محمل الجد، لأن الكرملين قد يبدأ في إقامة بنى تحتية بحرية هناك إذا لم يكن هناك ضغط كاف من الغرب على الأراضي المحتلة في جورجيا، وكذلك ثمن سياسي واقتصادي ينبغي دفعه".