تبعها خرق للهدنة.. ما سر الزيارة المفاجئة لرئيس مخابرات مصر إلى حفتر؟

إسماعيل يوسف | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد 48 ساعة من زيارة رئيس المخابرات المصرية الجديد "حسن رشاد" إلى عائلة الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، هاجمت قوات الأخير معسكر "تيندي"، التابع للمجلس الرئاسي الليبي، في مدينة أوباري جنوب غرب ليبيا.

وأثيرت تساؤلات عن مدى ارتباط الزيارة التي جرت 29 ديسمبر/كانون الأول 2024، وتخللها الحديث عن “أهمية دفع العملية السياسية في ليبيا”، بهذا الهجوم الذي نفذ بعدها بيومين.

الكتيبة 101 بقيادة "أحمد الشامخ" والتابع للواء طارق بن زياد الذي يقوده نجل حفتر (صدام)، سيطرت بعد دخولها مدينة أوباري على معسكر جبل تيندي، والذي يخضع لإدارة قائد منطقة سبها العسكري "علي كنة" التابع للمجلس الرئاسي.

تحرك حفتر بمثابة اختراق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار في جنيف بسويسرا في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بين اللجنة العسكرية الليبية المشتركة بين طرفي النزاع في البلاد “5+5”، حسبما قال مسؤولون في حكومة طرابلس.

وتضم اللجنة 5 أعضاء من المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا، و5 من طرف مليشيات خليفة حفتر في الشرق.

ويجري هؤلاء حوارا منذ أعوام لتوحيد المؤسسة العسكرية وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا.

وتعيش ليبيا أزمة صراع على السلطة بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، المعترف بها دوليا وأمميا، وحكومة في الشرق عينها مجلس النواب قبل نحو ثلاثة أعوام برئاسة أسامة حماد.

عائلة حفتر

وحين ذهب اللواء "حسن رشاد"، في أول زيارة له بعد تعيينه رئيسا للمخابرات المصرية، إلى ليبيا، كان الهدف المعلن هو مناقشة “التطورات الإقليمية والمحلية”، مع حفتر، ودعم "جهود الدفع بالعملية السياسية"، أي "المصالحة" بين الشرق والغرب.

مدير مكتب حفتر، الفريق أول خيري التميمي، تحدث عن أهداف عامة للقاء هي "مناقشة آخر التطورات الإقليمية والمحلية، و"دعم الجهود للدفع بالعملية السياسية في ليبيا، بما يساهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة".

لكن دبلوماسيا مصريا سابقا، على صلة بالملف الليبي، أبلغ "الاستقلال" أن توقيت الزيارة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، يرجح أنها لبحث تطورات سوريا وتأثيرها على مصر وليبيا.

وبين أن الزيارة ترتبط بأزمة ليبيا من زاوية نقل قوات وقواعد روسية من سوريا إلى هذا البلد المأزوم.

وأشار إلى قلق مصري من تصاعد الخلافات في ليبيا أخيرا، وأن تشجع أحداث سوريا أطرافا ليبية معادية لحفتر على العودة للحسم العسكري معه.

وذلك بعدما سبق أن تدخلت مصر عام 2019 وأوقفت زحف قوات طرابلس نحو شرق ليبيا عبر إطلاق تهديدات عسكرية مباشرة.

وتؤكد مصادر مطلعة مصرية لـ "الاستقلال" أن جانبا مهما من زيارة رئيس المخابرات لحفتر هو طمأنة اللواء المتمرد أن مصر تسانده ويجب ألا يخشى مصير بشار الأسد في سوريا بعدما بدأت أصوات ليبية تقول إن الدور سيكون عليه.

وأكدت أن حفتر يبدو أنه فهم هذا على أنه "ضوء أخضر" لخلط الأوراق في ليبيا مجددا، والتحرك للسيطرة على بقية حقوق النفط الكبرى (الشرارة) ليضغط بها على حكومة طرابلس، ويظهر قوته العسكرية في مواجهة أي محاولة للتخلص منه.

المصادر أوضحت أيضا أن الزيارة استهدفت أن يتعرف رئيس المخابرات الجديد على حفتر وخططه في ليبيا في ظل التطورات الداخلية والإقليمية.

وأشارت إلى وجود أنباء عن أن مصر نقلت لحفتر تعليمات بالتماهي مع خطوات مجلسي النواب والدولة خاصة في ملف تشكيل حكومة جديدة، بهدف حصار حكومة الدبيبة ودفعها للاستقالة وتعيين بديل لها، بطريقة سلمية.

وشددت المصادر المصرية لـ "الاستقلال" على أن هدف زيارة رئيس المخابرات هو ضمان استمرار نفوذ مصر في الملف الليبي عبر حفتر وعائلته.

وذلك لأن إخراجهم من المشهد السياسي يعني إضعاف دور مصر في ليبيا في ظل حالة الفتور بين القاهرة وحكومة الدبيبة في طرابلس.

هل يريد الحرب؟

وأظهرت الصور المنشورة للقاء رئيس المخابرات المصرية، اجتماعه مع "عائلة حفتر" كلها، لا القيادي المتمرد الذي يسيطر على شرق ليبيا وحده، ما يشير ضمنا لنقله الاختصاصات تدريجيا لأسرته، في ظل أنباء تتزايد حول مرضه.

فقد ظهر في اللقاء مع حفتر، نجله صدام، وابن عمه باسم الفرجاني، وزوج ابنته أيوب الفرجاني وكلهم يرتدون ملابس عسكرية.

وشهدت ليبيا محاولات من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، لإنجاز مسار سياسي جديد وانتخابات، تتحفظ عليه مصر، لأنه يهمش دور حفتر.

كان لافتا أن زيارة رئيس المخابرات المصري بشكل مفاجئ، جاءت قبيل هجوم لمليشيا تابعة لـ "صدام خليفة حفتر" على فصائل تابعة للمجلس الأعلى للدولة الليبي، قرب الخط الفاصل بين شرق ليبيا وغربها.

وهو تطور قد يؤدي لتفجير خطط الأمم المتحدة لتشكيل حكومة موحدة وإجراء انتخابات ووضع الدستور وقد يعيد الحرب بين الشرق والغرب، ما أثار شكوكا حول نوايا حفتر، ومن ثم مصر التي تدعمه من التطورات الأخيرة.

وسيطرت مليشيات حفتر، بشكل مفاجئ، فجر 31 ديسمبر 2024، على معسكر “تيندي” ولكن استطاعت قوات الجيش إجبارها على الانسحاب، دون وقوع اشتباكات، وسيطرت على المقر وجميع العتاد الموجود فيه بالكامل.

وزعم حفتر أن الهجوم جاء بسبب رصد محاولات لزعزعة استقرار الجنوب وإثارة الفوضى.

وحاول المستشار السابق له "محمد بويصير" تبرير ما جرى، بحجة وجود "مخاوف في معسكر حفتر" من عملية عسكرية مرتقبة من المنطقة الغربية (حكومة طرابلس) على شرق ليبيا بالتنسيق مع تركيا ودول أخرى".

وقد علق رئيس المجلس العسكري في صبراتة سابقا، الطاهر الغرابلي، على هجوم حفتر، متسائلا: هل هذه بداية لخرق وقف إطلاق النار؟

وأكد "آمر قوة الإسناد بعملية بركان الغضب"، ناصر عمار، الذي سبق أن هزم حفتر عام 2019، عبر إكس، أن اللواء الانقلابي يحاول كسب انتصار إعلامي ومعنوي باجتياح معسكر تيندي والسيطرة عليه، وتوعده بالهزيمة والتراجع.

وزاد التوتر تسرب شائعة تفيد أن رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، (الموالي لحفتر) حذر في رسالة للأمم المتحدة من "اندلاع حرب في البلاد"، و"تصاعد وتيرة تهديد ووعيد الخصوم السياسيين، وتخوفه من خرق اتفاق إطلاق النار".

لكن المركز الإعلامي لـ "صالح"، نفى خلال بيان في 30 ديسمبر 2024 أن يكون بعث رسالة بهذا المعنى لمجلس الأمن الدولي، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية.

ووصف الرسالة بأنها "مزورة وغير صحيحة"، لكن مجرد تداولها، زاد من سخونة الأجواء في ظل المناوشات العسكرية.

ويقول الصحفي الليبي حسن الحداد، إن تحرك حفتر هو اختراق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين لجنة 5+5 العسكرية.

وأوضح أن سيطرة الكتيبة 101 التابعة لقوات خليفة حفتر على معسكر تيندي بمدينة أوباري، يعد أول خرق رسمي لاتفاق وقف إطلاق النار.

رسائل ومراهنات

ويبدو أن العملية العسكرية التي نفذتها حكومة الوحدة الوطنية في مدن "الزاوية" والساحل الغربي ضد ما قالت إنها "الأوكار المشبوهة"، كان هدفها نقل رسالة ردع من طرابلس لقوات حفتر، ردا على تحركهم العسكري واحتلال معسكر تيندي بمدينة أوباري.

وقالت قيادة الأركان التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، إن الحملة العسكرية الواسعة التي أطلقتها في 4 يناير/ كانون الثاني 2025، "تهدف لفرض الأمن وبسط الاستقرار واستهداف الأوكار المشبوهة في مدينة الزاوية ومناطق الساحل الغربي".

وبصفته وزيرا للدفاع، حذر رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة وحداته العسكرية من التعامل مع أي تشكيلات مسلحة تابعة لجيش حفتر، تنشط بمدينة الزاوية التي تقع إلى الغرب من طرابلس بمسافة 45 كلم.

وأوضح الدبيبة أنه سيجري إصدار الأوامر للوحدات المكلفة بمهام الحماية والتأمين، للتعامل مع أي تحرك للتشكيلات المسلحة التابعة لحفتر خارج الزاوية، وأكد ضرورة عدم السماح لهم بالتنقل خارج نطاق المدينة المذكورة.

وقالت حكومة حفتر، إن هذا التحرك من قوات طرابلس، يستهدفها هي والمليشيات الموالية لها في الشرق.

ولا تزال الزاوية، ثالث أكبر مدن غرب ليبيا، ورابع مدن البلاد، خاضعة لسيطرة المليشيات المسلحة التابعة لقوات حفتر.

وتتحكم هذه الأخيرة في الوضع المالي والاقتصادي، وتبسط نفوذها على المؤسسات الحكومية، وعلى مسالك تهريب النفط والاتجار بالبشر.

ويُعتقد أن الهدف الحقيقي من العملية هو استعراض القوة وتوجيه رسالة إلى قوات حفتر.

وظهرت آثار هذه الرسالة في ارتباك معسكر حفتر، وانعكست على شن إعلامه وقنواته هجوما على العملية العسكرية في الزاوية.

ويشير تقرير لموقع “المجلس الأطلسي”، 2 يناير 2025 أن حفتر يراهن على روسيا، بجانب النفوذ الإقليمي لمصر، كما راهن عليها بشار الأسد.

وبين أن حفتر يحاول الموازنة بين روسيا والغرب، للحفاظ على نفوذ عائلته، بعدما نقلت موسكو قوات ومعدات من سوريا إلى مناطق نفوذه شرق ليبيا.

وتحدثت تقارير إعلامية غربية عن نقل روسيا بعضاً من عتادها العسكرية من سوريا، إلى شرق ليبيا الخاضع لنفوذ حفتر.

وهو ما وجه أنظار الدول الغربية نحو اللواء الانقلابي لثنيه عن تمكين موسكو من إقامة قاعدة على البحر المتوسط بديلة لقاعدة طرطوس في سوريا.

لكن المجلس الأطلسي يشير إلى أن رؤية الكرملين لحفتر هي أنه "نمر من ورق" غير موثوق به رغم أنه يصور نفسه كمنقذ لليبيا، وأن روسيا تريد الاستفادة منه في كل الأحوال لتحقيق طموحاتها في إقامة قاعدة بحرية هناك فقط.

ومثلما حرص حفتر على إشراك عائلته في لقاء رئيس المخابرات المصرية ليمهد الطريق لخطط التوريث، يرى محللو "أتلانتيك كونسل" أن اعتماد اللواء الانقلابي على الدعم الروسي في فترة ضعف موسكو وانسحابها من سوريا "يبرز هشاشة قوته".

لذا سعى أبناء حفتر إلى بناء علاقات مع عواصم أجنبية عدة، بجانب موسكو، لتعزيز مكانة عائلته، على غرار نظام الحكم الوراثي لعائلة الأسد في سوريا، لأن "الدعم الخارجي يلعب دورا حاسما في استدامة مثل هذه الأنظمة العائلية".