لوقف المخدرات.. هل يتجاوز الأردن دمشق ويتعاون مع فصائل درزية بالسويداء؟

14817 | 10 months ago

12

طباعة

مشاركة

تجد المملكة الأردنية نفسها مضطرة لتوجيه "ضربات جوية قاتلة" إلى عصابات تهريب المخدرات إلى أراضيها، داخل الحدود السورية التي أصبحت تشكل تهديدا لأمنها القومي.

إلا أن إحدى الضربات الجوية الأردنية الجديدة في محافظة السويداء جنوب سوريا، أوقعت قتلى وجرحى بينهم نساء وأطفال لعوائل ليست على صلة بالمهربين، وفق وسائل إعلام سورية محلية.

ضربات أردنية

إذ قتل عشرة أشخاص على الأقل، هم رجل وطفلتان وأربع نساء، في 17 يناير/ كانون الثاني 2024 بغارات جوية يُرجح أنها أردنية على بلدة عرمان في ريف السويداء، وفق موقع "السويداء 24" المحلي.

وخلال تشييع القتلى، حذر الأهالي من توسع رقعة الاستهداف في المحافظة بحجة مكافحة تهريب المخدرات إلى الأردن، ودعوا إلى إيجاد حل سريع يحمي المدنيين من أي استهدافات جديدة.

وشنت طائرات أردنية مرات عدة غارات داخل الأراضي السورية، إجمالا بالقرب من الحدود الأردنية، وتستهدف بشكل أساسي عمليات تهريب وتجارة المخدرات التي أعلنت عمان مرارا عزمها التصدي لها والتعاون مع دمشق لمواجهتها.

وعقب الهجوم الذي أوقع قتلى، دعت "حركة رجال الكرامة" في السويداء، الأردن إلى وقف عملياته العسكرية في المحافظة، حفاظا على أرواح المدنيين، مؤكدة استعدادها لملاحقة المتورطين في عمليات تهريب المخدرات.

وقالت الحركة في بيان لها مؤلف من تسعة بنود، إنه على المملكة الأردنية وقف العمليات العسكرية ضد المواقع المدنية وتوخي الحذر عند تنفيذ أي عملية، وإطلاعهم على تحركاتهم العسكرية والتنسيق مع الحركة.

ولفت البيان إلى ضرورة تسليم الحركة قوائم بأسماء المطلوبين والمتورطين في تهريب وتجارة المخدرات، مؤكدة قدرتها على ملاحقتهم.

وأشار بيان حركة رجال الكرامة إلى أنها تمكنت خلال الشهرين الأخيرين، من إلقاء القبض على أكثر من 30 تاجرا ومروجا ومهربا للمخدرات.

وتابع البيان "يجري ذلك في ظل التخلي المقصود من الجهات الرسمية في الدولة السورية عن دورها في حماية السيادة السورية، ودورها في مكافحة المخدرات بل أيضاً في تسهيل تحويل المنطقة الجنوبية إلى معبر غير شرعي لتهريبها، وترك المجتمع منفرداً لمواجهتها". 

ومضى يقول: "لا بل تتساهل أجنحة أمنية وعسكرية، في نشر الفوضى الأمنية، وتسهيل عبور شحنات المخدرات إلى السويداء وتحويلها إلى منطقة تخزين وتهريب إلى الأردن".

وأكد البيان أنه كما أن "المخدرات تشكل خطرا يهدد الأمن الوطني الأردني، فإنها تشكل خطرا رهيبا على مجتمع السويداء، بعدما باتت تنتشر بين شبابه وتدمر مستقبلهم، وتسيء إلى تاريخنا وانتمائنا إلى هذه الأرض".

وحركة رجال الكرامة أكبر فصيل عسكري محلي مناهض لنظام الأسد، ومؤلف من أبناء محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، ويمتلك أسلحة خفيفة وسيارات دفع رباعي ويحظى بقبول شعبي بين أبناء الطائفة. 

وسبق أن أكد مشايخ العقل الدروز ووجهاء من محافظة السويداء المحاذية للأردن، أن المليشيات الإيرانية والمليشيات التابعة للنظام السوري، تروج المخدرات وحبوب الكبتاغون في المنطقة، مشيرين إلى أن السويداء من أكبر المتضررين من الاتجار بالمخدرات.

وأمام هذا التطور الجديد ضمن مساعي الأردن لمنع المهربين من اجتياز الحدود، أبدت فصائل محلية في محافظة السويداء التعاون مع عمّان في ملف مكافحة عمليات التهريب.

وحاليا تشهد محافظة السويداء احتجاجات مفتوحة منذ 20 أغسطس/آب 2023 تدعو لإسقاط رأس النظام السوري بشار الأسد وتطبيق القرار الأممي 2254 الممهد للحل السياسي بسوريا.

وما يزال المحتجون يتخذون إلى اليوم ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء التي تبعد عن العاصمة دمشق مسافة 110 كم، معلما ثوريا للتعبير عن تمسكهم بمطالبهم الشعبية الداعية إلى التغيير السياسي في البلاد.

ويقتصر نفوذ النظام السوري بمحافظة السويداء الحدودية مع الأردن، على مبان حكومية وقطع عسكرية بريفها.

ومنذ سنوات، يكافح الجيش الأردني عمليات تسلل وتهريب أسلحة ومخدرات، برا من سوريا، لا سيما حبوب الكبتاغون.

صور التعاون

ويقول الأردن الذي يستضيف نحو 1,6 مليون لاجئ سوري، إن عمليات التهريب باتت "منظمة" وتستخدم فيها أحيانا طائرات مسيرة وتحظى بحماية مجموعات مسلحة، ما دفع عمان لاستخدام سلاح الجو أكثر من مرة لضرب هذه الجهات.

وأكد الجيش الأردني في بيان له في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، اعتقال تسعة مهربين من الجنسية السورية بحوزتهم مخدرات وأسلحة متنوعة بعد اشتباكات على الحدود مع سوريا أوقعت إصابات في صفوف حرس الحدود الأردنيين.

وعقب ذلك في 19 ديسمبر 2023 ذكرت وسائل إعلام محلية أن غارة أردنية استهدفت منطقة صلخد بريف السويداء أدت إلى "مقتل تاجر المخدرات ناصر فيصل السعدي المقرب من حزب الله اللبناني والأجهزة الأمنية للنظام السوري".

وأكد الجيش الأردني أنه عازم على منع عمليات تهريب المخدرات من الحدود السورية، وكثف استهداف مواقع في محافظة السويداء هي عبارة عن منازل تعود لمهربين ومتورطين معهم.

إلا أن أهالي السويداء بدأوا يبدون خشيتهم من تكرار الضربات الأردنية على مواقع غير مرتبطة بتجارة المخدرات بالمحافظة.

ومن هنا جاء طرح حركة رجال الكرامة على الجانب الأردني، التعاون معها في ملف مكافحة المخدرات. 

وضمن هذا السياق، رأى المحلل والخبير العسكري السوري إسماعيل أيوب، أن "الدول لا تعطي أسرارها الاستخباراتية لفصائل محلية مثل رجال الكرامة ولهذا لا يمكن للأردن أن تتعامل من فوق الطاولة معهم حول موضوع المخدرات".

وأضاف  لـ"الاستقلال": "في مثل هذه الحالة ربما تتعامل المملكة الأردنية مع الفصائل المحلية في السويداء بشكل مخابراتي وأمني لتحديد أماكن تواجد قادة وأفراد عصابات المخدرات داخل الحدود السورية من جهة السويداء".

ورأى الخبير العسكري أن "المملكة الأردنية في هذا الملف ستحتفظ بدورها في محاربة المهربين وصدهم عند حدودها الشمالية وتوجيه ضربات مناسبة لهم من قبل الجيش الأردني؛ وذلك بسبب وجود دولة في سوريا ولها حكومة ينبغي لها أن تقوم بواجبها".

وأردف قائلا: "وإن لم تفعل حكومة بشار الأسد ذلك فإن الأردن سيضر بمصالحها وسيواصل توجيه ضربات عسكرية أيضا"

وأشار أيوب إلى أن الأردن "يكتفي راهنا يقوم بصد المهربين رغم أنه نأى بنفسه سابقا عن إقامة حزام أمني أو منطقة آمنة في الجنوب السوري لحماية الحدود".

تأهب دائم

وبات ملف تهريب المخدرات أحد أولويات الجيش الأردني في الوقت الراهن، ولا سيما مع انتشار مليشيات إيرانية عند حدوده الشمالية من الجانب السوري.

وتتهم عمّان بشكل مباشر المليشيات الإيرانية التابعة لنظام الأسد وأذرعها المتمركزة جنوب سوريا، بالوقوف وراء عمليات تهريب المخدرات إليها.

لكن نظام الأسد ما يزال متراخيا في ملف المخدرات تجاه الأردن، في وقت تعد في هذه التجارة أحد أبرز مصادر تمويل النظام عقب اندلاع الثورة.

وباتت عائدات تجارة المخدرات لنظام الأسد تبلغ نحو 57 مليار دولار سنويا، بحسب ما أكدت "روزي دياز" المتحدثة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في تغريدة لها بتاريخ 28 مارس/آذار 2023.

كما كان تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية موضوعا رئيسا للنقاش خلال إعادة انضمام سوريا إلى جامعة الدول العربية في مايو/أيار 2023 بعد سحب المقعد منها عام 2011 إبان قمع الثورة السورية بالحديد والنار.

ويبدو أن المملكة الأردنية، لم تسعفها الجهود الدبلوماسية مع نظام الأسد في وقف عملية تهريب المخدرات.

وقد حذر وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي خلال لقاء جمعه مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان بجنيف في 13 ديسمبر 2023 من "استمرار محاولات تهريب المخدرات والسلاح من سوريا" إلى بلاده.

وقال الصفدي إن "المملكة ستتخذ كل الخطوات اللازمة لمنع استمرار هذا التهديد لأمن الأردن، بما في ذلك ضرب وملاحقة المجرمين المعتدين أينما وجدوا".

كما سبق أن أكد الصفدي في 3 يوليو/تموز 2023 خلال لقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد بالعاصمة دمشق على ضرورة التعاون لمواجهة تهريب المخدرات عند الحدود.

ولهذا حسب مصادر لـ صحيفة "الشرق الأوسط" فإن الجيش الأردني طور "مواجهته مع المهربين، واتبع إستراتيجية إلقاء القبض عليهم واستدراجهم بدلا من قتلهم من وراء الحدود”.

فقد أعلن الجيش الأردني في 6 يناير 2024 أن قوات حرس الحدود قتلت خمسة من مهربي المخدرات وألقت القبض على 15 آخرين بعد اشتباكات مسلحة على الحدود الشمالية مع سوريا.

وقد سبق ذلك بيوم تأكيد قناة المملكة الرسمية عن تنفيذ الأردن غارتين داخل سوريا "في إطار ملاحقة مهربي المخدرات". ونقلت عن مصدر قوله إن "الغارات تستهدف أشخاصا مرتبطين بتجار المخدرات فقط".

وفي كانون الأول/ديسمبر، قتل خمسة سوريين بينهم طفلان وامرأة في ضربات أردنية في السويداء قرب الحدود الاردنية-السورية.

وفي أيار/مايو 2023، قُتل مهرّب مخدرات معروف مع زوجته وأطفالهما الستة جراء غارة جوية استهدفت منزلهم في جنوب سوريا.