لقاء أردوغان وميتسوتاكيس.. لماذا يعده الطرفان "حدثا تاريخيا"؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

رأت وكالة الأناضول التركية أن زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى أثينا في 7 ديسمبر/كانون الأول 2023 كانت بمثابة "حدث تاريخي" في تاريخ العلاقات التركية اليونانية.

وجاءت الزيارة بمناسبة عقد الاجتماع الخامس لمجلس التعاون التركي اليوناني الرفيع المستوى، وقد ساد فيها أجواء إيجابية غير معهودة بين الجانبين.

وأعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدى عودته، عن اعتقاده بأن زيارته إلى اليونان ستفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.

وزار الرئيس أردوغان أثينا، والتقى نظيرته اليونانية إيكاتيريني ساكيلاروبولو، ورئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، ثم ترأس مع الأخير الاجتماع الخامس لمجلس التعاون رفيع المستوى.

ماض حميم

وتقول الكاتبة إسراء أوزسور: "بعد خروجهما من حرب طاحنة عام 1922 اتخذ البلدان خطوتهما الأولى نحو الصداقة بالاتفاق اليوناني التركي بعد 8 سنوات في 10 يونيو (حزيران) 1930".

كما وقعا اتفاقية تجارية لحل القضايا الصعبة التي لم يكن من الممكن حلها في معاهدة لوزان 1923 ومعاهدة أثينا 1926.

ويعد مبدأ "سلام في الوطن، سلامٌ في العالم" لمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك بالإضافة إلى تصريح نظيره اليوناني آنذاك إلفثيريوس فينزيلوس القائل: "ليس هناك يونانٌ عظيمة، هناك اليونان المتنامية" مثالا جيدا لحسن نية كلا البلدين وجهودهما، وفق الكاتبة.

وأردفت: "أما بالنسبة للسبب الرئيس لتقارب البلدين في عام 1930، فقد كان سياسة توحيد القوى ضد التهديدات الخارجية، في وقت كان البلدان في حالة تعافٕ وإعادة إنماء داخلي من أضرار الحرب".

ومع توقيع البلدين على اتفاق البلقان 1934 بهدف التضامن الإقليمي في وقت بدأت فيه بوادر الحرب العالمية الثانية بالظهور، حاولت الدولتان عزل نفسيهما عن سباق التسلح وعن التمسك بالأهداف الرجعية في أوروبا.

واستمر هذا المناخ السياسي المعتدل بزيارة رئيس الوزراء آنذاك فينيزيلوس إلى تركيا في العام نفسه، وجرى توثيق زيارته بـ "معاهدة الصداقة والحياد والتوفيق والتحكيم التركية اليونانية" التي وُقِّعَت في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1930.

وقد كانت زيارة رئيس الوزراء التركي آنذاك عصمت إينونو إلى أثينا في 5 أكتوبر 1931 هي الخطوة الثانية المهمة في إقامة علاقات ودية متبادلة حسب قول الكاتبة.

كما أن ترشيح فينيزيلوس لأتاتورك لنيل جائزة نوبل للسلام يثبت أيضا مدى تطور العلاقات التركية اليونانية في ثلاثينيات القرن العشرين.

واختصرت الكاتبة قائلة بأن عام 1930 يمثل فترة صداقة وتعاون في العلاقات التركية اليونانية.

واليوم تكمن خلافات تركيا مع اليونان في مسألة التوترات في شرق البحر المتوسط والحدود البحرية وقضية قبرص.

نظرة ودية

وتعد قمة أثينا، التي عقدها رئيسا الدولتين والوفد المرافق لهما في الشهر الأخير من عام 2023، أول خطوة ودية تُتَّخَذ بعد أزمة شرق المتوسط، حيث جذبت كلا البلدين من حافة الصراع.

وقد كان للأسلوب الودي الذي استخدمه الرئيس التركي مع الرئيسة اليونانية إيكاتيريني ساكيلاروبولو ومع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس دورٌ مهم في تطوير الحوار البنّاء حسب قول الكاتبة.

وخلال زيارته لأثينا، لفت الرئيس أردوغان الانتباه أيضا إلى الجهود المشتركة خاصة في إطار حسن الجوار والقانون الدولي.

ففي نفس الاجتماع الذي طرحت فيه قضايا مثل قبرص وجزر بحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط؛ شدد أردوغان على أنه لا توجد قضية لا يمكن حلها في إطار حسن النوايا المتبادلة.

وتَضَمَّنَ جدول أعمال الاجتماع موضوع الأقليات في البلدين، إذ إن كل خطوة يجرى اتخاذها لتحسين وضع الأقليات التركية واليونانية ستسهم بشكل مباشر في العلاقات بين الجانبين.

كما تعد مضاعفة حجم التجارة بين البلدين تطورا مهما، خاصة فيما يتعلق بالتضامن الاقتصادي والتعاون التجاري.

وأشار أردوغان إلى أنه لا توجد أي مشكلة غير قابلة للحل بين تركيا واليونان، وأعرب عن استعداد بلاده لمد يد الصداقة من خلال الرسائل المعتدلة التي قدمها في الاجتماع الذي أقامه مع حزب العدالة والتنمية قبل زيارته لأثينا.

وفي رأي الكاتبة، فإن حل المشاكل القديمة لا يمكن أن يتم خلال زيارة واحدة، لكنّ تركيا ترغب في المساهمة بالسلام من خلال اتخاذ خطوات مشتركة مع اليونان.

وخلال عملية تطبيع العلاقات التركية اليونانية، جاء تصريح من أردوغان مفاده أن صراعات البلدين كانت ولا تزال مستمرة.

بل حذّر أردوغان ممن يسعى للاستفادة من هذه الصراعات قائلا بأنه ليس من الصعب إيجاد أرضية مشتركة بين البلدين. وقد أيدت كلماته وجهات نظر مماثلة في المؤتمر الصحفي المشترك في أثينا.

وقالت الكاتبة إن النقطة التي يؤكد عليها أردوغان هنا بشكل خاص هي الجهود المبذولة لإظهار إرادة تركيا لإيجاد حل لهذه النزاعات مع اليونان دون تجاهل الخلافات التاريخية والسياسية بين البلدين.

اهتمام يوناني

من ناحية أخرى، اجتذب اللقاء بين أردوغان وميتسوتاكيس اهتماما كبيرا من الجمهور اليوناني.

وبما أن هذا الاجتماع قد فتح "نافذة جديدة" على العلاقات التركية اليونانية، فقد طورت الدوائر الحاكمة خطابا أكثر إيجابية وتصميما في مواجهة الأصوات السلبية الضعيفة التي أطلقتها شريحة المعارضة مثل رئيس الوزراء السابق أنطونيس ساماراس.

كما عدت إدارة أثينا استخدام الرئيس أردوغان لعبارة "صديقي ميتسوتاكيس" في خطابه أمام صحيفة كاثيميريني قبل زيارته لأثينا بمثابة خطوة من شأنها أن تؤدي إلى علاقات معتدلة وأقرب بين البلدين.

وبدورها، قالت رئيسة اليونان، إيكاتيريني ساكيلاروبولو إنه من الضروري لأثينا وأنقرة "تطوير الإرادة السياسية الإيجابية الحالية أكثر من أي وقت مضى".

وأضافت قبيل لقائها أردوغان: "إن المآسي التي شهدها بلدانا هذا العام أظهرت أن الشعور بالتضامن والدعم في الظروف الصعبة هو السمة المشتركة التي تجمع الشعبين".

وتابعت ساكيلاروبولو: "هذا الوضع يخلق أساسا قويا لتعميق التعاون في العلاقات الثنائية، والإرادة السياسية المتبادلة، ويخلق مناخا من شأنه إزالة التوترات".

وأردفت: "من الواضح جدًا أنه يتعين على البلدين العمل معًا بالتعاون والمضي قدما بكل هذه القيم في جو إيجابي يقوم على السلام والازدهار واحترام القانون الدولي".

وأشارت إلى أن البلدين "يدركان أن لهما نهجين مختلفين بشأن مختلف القضايا"، مضيفة: "لكنني أعتقد أن العمل معا والتعاون بهذا الوعي سيكون قادرا على الحفاظ على السلام والازدهار في المنطقة والارتقاء به إلى مستويات أعلى".

وعلى الرغم من ماضي الأزمات العنيف في المئتي عامٍ الماضية بين تركيا واليونان، فقد كانت هناك فترات من الصداقة والتعاون بين البلدين مثل محادثات 7 ديسمبر. وترجح الكاتبة أن هذه الفترات الإيجابية بين الطرفين ستستمر.

ويعد الاجتماع الذي عقد بين أردوغان وميتسوتاكيس عاملا مهما في إنشاء أجندة إيجابية مشتركة في هذه المرحلة. وبهذا فإن ملء هذه الأجندة بحسن النية سيكون ممكنا بفضل الجهود المتبادلة لقادة البلدين.

ويمكن القول إنّ الصراعات الواقعة في كل من أوكرانيا وغزة عوامل دفعت تركيا واليونان إلى هذه "الوحدة الرائعة".

إذ جعلت هذه الأزمات التعاون والتضامن الإقليمي موضوعا حاسما مرة أخرى في السياسة الداخلية للدول المجاورة.

وأبدت الكاتبة رأيها مختتمة بأن هذه الخطوة الأخيرة في العلاقات التركية اليونانية ستكون عاملا محفزا لا يمكن تجاهله في اتخاذ خطوات ثابتة في المستقبل.