لقاء أردوغان وبوتين في أستانا.. هل يعيد الزخم المفقود لعلاقات أنقرة وموسكو؟
"يظهر الاجتماع أن جهود التعاون مستمرة حتى في الوقت الذي تسود فيه التوترات في العلاقات”
في سياق فقدان زخم العلاقات بين أنقرة وموسكو، اجتمع الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، لإعادة ضبط العلاقات بين البلدين والديناميكيات الإقليمية.
والتقى أردوغان وبوتين بالعاصمة الكازاخية أستانا في 3 يوليو/ تموز 2024 على هامش القمة الـ24 لرؤساء دول منظمة شنغهاي للتعاون، واستمر الاجتماع لمدة نحو ساعة.
ووفقا للصحافة الروسية، تمت مناقشة قضايا أسهمت في سياق فقدان الزخم، ومنها زيادة تعاون تركيا مع المؤسسات المالية الغربية، وتكهنات حول استعداد موسكو لفرض قيود على قطاع البنوك، والعلاقات بين أنقرة وكييف، وادعاءات بأن أنقرة اتفقت مع واشنطن بشأن خطة الامتثال للعقوبات الغربية.
وتلك القضايا تسببت خلال الفترة الأخيرة في تصاعد التوتر في العلاقات بين تركيا وروسيا.
مواقف متقاربة
وقال الكاتب التركي، محمد تشاغتاي جولار: “تمت مناقشة موضوع آخر من نفس المنظور، وهو عدم اجتماع الزعيمين لفترة طويلة، حيث كانت آخر مرة التقى فيها الزعيمان في 4 سبتمبر/ أيلول 2023 بمدينة سوتشي”.
وأضاف جولار في مقال نشرته وكالة "الأناضول" للأنباء التركية الرسمية أن “الاجتماع تم التركيز فيه على التعاون المتعدد الأوجه بين البلدين وزيادة حجم التجارة”.
بالإضافة إلى ذلك، كانت مسألة الطاقة في مقدمة المسائل المطروحة والتي كان من ضمنها بناء محطة "أكّويو" النووية وتوريد الغاز الطبيعي.
وفي الاجتماع أيضا تم تقييم حالة اتفاقية ممر الحبوب وإمكانية تمديدها، بالإضافة إلى تقييم آخر التطورات في الحرب الأوكرانية، ومناقشة القيود المفروضة من قبل الغرب على تصدير المنتجات الزراعية إلى روسيا.
ومن حيث التطورات الإقليمية، وعد الزعيمان بتعزيز التعاون من خلال مناقشة الوضع في سوريا وليبيا.
وقال الكاتب التركي إنه "عند النظر إلى نتائج اجتماع أستانا في 3 يوليو، يمكن ملاحظة تواز وثيق مع اجتماع سوتشي في 4 سبتمبر".
ويمكن القول إن الاجتماع تَشَكّل حول 4 محاور رئيسة، الحرب في أوكرانيا، الحرب الأهلية في سوريا، التعاون في مجال الطاقة، والسياحة.
أولا، ناقش الزعيمان الحرب في أوكرانيا وإنهاءها وإيجاد حل سلمي.
وفي هذا السياق، أشار الرئيس أردوغان إلى أنه "يمكن تحقيق اتفاق لإنهاء الحرب من خلال وقف إطلاق النار أولا، ثم توقيع اتفاق للسلام"، مؤكدا أنه "من الممكن تحقيق سلام عادل يرضي كلا الطرفين".
وأعرب عن استعداده لاتخاذ خطوات تشكل أساسا لوقف إطلاق النار المذكور، و"مع ذلك، لم تستجب موسكو بحماس لهذا الاقتراح"، وفق جولار.
ومن ناحية أخرى، يبدو أن النهج تجاه الحرب الأهلية في سوريا يختلف إلى حد ما عن أوكرانيا، حيث يتم استقبال استعداد أنقرة للتعاون من أجل حل أزمة سوريا بشكل إيجابي من قبل موسكو.
ومع ذلك، من الضروري التأكيد على أن تركيا لا تنوي التنازل عن موقفها الحالي.
ويتم التأكيد بشكل خاص على أن تركيا لن تسمح بإنشاء دولة إرهابية على حدودها الفورية، وستواصل مكافحة الاضطرابات والأنشطة الإرهابية التي تسببها الحرب الأهلية في سوريا، يؤكد الكاتب.
مفاهيم التعاون
ثالثا، شكل التعاون في مجال الطاقة أحد المواضيع الرئيسة في جدول الأعمال. حيث تخطط تركيا وروسيا لاتخاذ خطوات جديدة لزيادة تجارة الطاقة وضمان أمن الإمداد.
وفي هذا السياق، تمت الإشارة إلى العلاقات الوثيقة بين شركتي “بوتاش” و"غازبروم"، ومناقشة تشغيل محطة "أكويو" النووية في أقرب وقت ممكن، وقد تمّ طرح بناء محطة طاقة نووية جديدة في ولاية سينوب للنقاش.
وأضاف جولار: “عندما يتعلق الأمر بالتعاون في مجال الطاقة، يتم الإشادة بحجم التجارة المشتركة الذي وصل إلى 55 مليار دولار”.
ونظرا لأن جزءا كبيرا من حجم التجارة المشتركة يأتي من تجارة الطاقة، فإن الطاقة تبرز كعنصر أساسي في التجارة الثنائية.
بالإضافة إلى ذلك، يعد إعادة التأكيد على الهدف المتمثل في الوصول إلى حجم تجارة متبادلة قدره 100 مليار دولار والتأكيد على أن امتلاك القدرة على تحقيق ذلك أمر مهم.
وتكتسب هذه الأهمية بُعدا أكبر عند النظر إلى كفاح روسيا ضد العقوبات الغربية الشديدة وحاجتها إلى كل أشكال التعاون، بل واعتمادها عليها.
وأشار جولار إلى أن “تركيا، ومن خلال هذه البيانات والخطابات، تظهر نيتها في الحفاظ على التعاون الاقتصادي مع روسيا”.
وأخيرا، يعد وصول حوالي 7 ملايين سائح من روسيا بيانا ومصدر دخل مهم، حيث إن الدخل المكتسب من السياح الروس وحدهم يقدر بحوالي 7 مليارات دولار.
ورأى أن “تأكيد تركيا على أنها لن تغلق حدودها أمام السياح الروس وأنها سترحب بهم بكل سرور يعدّ مهما جدا لكل من العلاقات الثنائية والناتج المحلي الإجمالي”.
وأوضح الكاتب التركي أنه "رغم مرور وقت طويل على آخر اجتماع بين الزعيمين وتداول النقاش حول فقدان الزخم في العلاقات، لا يوجد أي دليل على أن الفجوة في العلاقات الثنائية ستتسع".
واستطرد: “على العكس، يظهر اجتماع 3 يوليو في أستانا أن الجهود نحو التعاون مستمرة حتى في الوقت الذي تسود فيه التوترات في العلاقات”.
وذكر الكاتب أن “هذا ليس تطورا مفاجئا، لأن مفاهيم الصراع والتعاون مدمجة في الشفرة الجينية للعلاقات بين البلدين”.
ولفت إلى أنه “عند النظر للقرن الماضي من العلاقات بين أنقرة وموسكو، من الممكن رؤية أن مفاهيم الصراع والتعاون قد تم الحفاظ عليها وتطبيقها على مر السنين”.
وشدد جولار على أن “الصراعات التي وقعت في مواضيع جيوسياسية متنوعة من سوريا إلى أوكرانيا ومن قره باغ إلى البحر الأسود لم تمنع التعاون الاقتصادي، بل أظهرت أنه يمكن إيجاد مجال للتعاون حتى في المواضيع التي تحدث فيها صراعات مباشرة”.
وذكر أن “المراكز المشتركة للمراقبة الميدانية والممرات التجارية والإنسانية والدوريات المشتركة التي تم تنفيذها والآليات التي تم إنشاؤها بهدف إقامة السلام هي أمثلة بارزة في هذا السياق”.
وختم جولار مقاله بالقول: “باختصار، بدلا من حدوث تمزق في العلاقات مع موسكو وتحول في محور السياسة الخارجية التركية وإستراتيجية التوازن، يبدو أن هناك استمرارية تاريخية للصراع والتعاون المتزامنين”.