مساعدات بتريليونات الدولارات.. لماذا فشلت في تنمية القارة السمراء؟

"المساعدات الدولية الرسمية قد تكون أدت إلى مضاعفة المشاكل أكثر من حلها"
على الرغم من تدفق المساعدات الخارجية إلى إفريقيا لعقود، فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لم تشهد تحسنا كبيرا، بل ازدادت القارة السمراء اعتمادا على الخارج.
ونشرت صحيفة "إندبندنت" في نسختها التركية مقالا للكاتبة، سارة شانلي، ذكرت فيه أنه "خلال حملاته الانتخابية صرح دونالد ترامب مرارا وتكرارا بشعار (أميركا أولا)، وهو ما أشار إلى نيّته في تقليص المساعدات الخارجية".
وأوضحت الكاتبة التركية أن "هذا التوجه بدأ يتحقق بالفعل في الآونة الأخيرة؛ حيث تم إقالة كبار المسؤولين في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وتم تعليق عملياتها لمدة 90 يوما".
ورأت أن "هذا التحول يعدّ خطوة مهمة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بمساعداتها لدول العالم النامي".
جدل واسع
وتأسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عام 1961 على يد الرئيس جون كينيدي، وكان هدفها توحيد المساعدات الخارجية الأميركية تحت مظلة واحدة، وهو ما سهّل تنفيذ البرامج التنموية والمساعدات الإنسانية في مختلف أنحاء العالم.
ومنذ ذلك الحين لعبت الوكالة دورا محوريا في تعزيز نفوذ الولايات المتحدة عالميا، خاصة خلال الحرب الباردة في مواجهة التأثير السوفيتي.
وبفضل دورها الكبير، أصبحت الوكالة الدولية واحدة من أكثر أدوات السياسة الخارجية الأميركية أهمية.
أما اليوم فهي تُعد أكبر منظمة للمساعدات الخارجية في العالم، وتتراوح ميزانيتها السنوية بين 40 و50 مليار دولار، وهو ما يعادل أقل من 1 بالمئة من إجمالي الميزانية الفيدرالية الأميركية.
ورغم ميزانيتها الضخمة، فإن الوكالة قد أثارت جدلا واسعا داخل الولايات المتحدة حول أولويات الإنفاق وأثر هذه المساعدات على المدى الطويل، وفق الكاتبة شانلي.
وأضافت "مع تعليق المساعدات الخارجية للوكالة يكمن السؤال هنا حول تأثير هذا القرار على الدول النامية، خاصة في القارة الإفريقية التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأميركية".
واستطردت: "لقد فتحت هذه الخطوة بابا واسعا للنقاش حول كيفية تأثير تعليق المساعدات على برامج حيوية مثل مكافحة الإيدز ورعاية صحة الأم والطفل والتطعيم ومكافحة سوء التغذية، وهي البرامج التي قد تصبح مهددة بشكل كبير".
وذكرت الكاتبة التركية أنه "في بعض الدول الإفريقية، تم إغلاق بعض العيادات بالفعل نتيجة توقف التمويل، وهو ما يعكس حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بالقطاع الصحي في هذه البلدان".
واستدركت: “مع ذلك، يبقى السؤال الأكثر أهمية: هل تحتاج إفريقيا إلى المساعدات الخارجية بشكل مستمر، أم أن القارة قادرة على إيجاد حلول تنموية مستدامة لها؟”
مشاكل كبيرة
وقالت شانلي: "منذ حصول العديد من الدول الإفريقية على استقلالها، تلقت تريليونات من الدولارات كمساعدات خارجية؛ حيث كانت ضرورية بسبب الأنظمة الصحية والتعليمية وغيرها من القطاعات التي عانت من نقص التمويل المتعمد خلال فترة الاستعمار".
وأضافت "على الرغم من هذا التدفق الكبير من المساعدات، فإنها لم تكن كافية لتحرير القارة من الفقر والمجاعة وتحديات الأمن المستمرة".
وتابعت: "على العكس من ذلك، تشير الإحصائيات إلى أن الفقر في إفريقيا يزداد عاما بعد عام، مما يثير تساؤلات حول فعالية هذه المساعدات في معالجة القضايا الأساسية".
وأوضحت شانلي أن "السبب يكمن في مشاكل كبيرة تتعلق بطبيعة المساعدات المقدمة، فضلا عن ضعف إدارة الموارد من قبل الحكومات المستفيدة".
وعلى الرغم من أن المساعدات الطارئة مثل تلك التي تهدف إلى معالجة الكوارث الطبيعية أو توفير مياه الشرب أو المساعدات الطبية قد توفر راحة مؤقتة، فإنها تظل تقتصر على معالجة الأعراض وليس الأسباب الجذرية للمشاكل.
وأشارت الكاتبة إلى أن "المساعدات الرسمية، التي تصل إلى مليارات الدولارات سنويا، قد تكون ضاعفت المشاكل أكثر من حلها".
وشددت على أن "في الأماكن التي تعاني من سوء الإدارة، تظل التبرعات عديمة الجدوى؛ لأن الأموال التي تصل إلى الحكومات غالبا ما تضيع في الفساد والصراعات السياسية".
وذكرت أنه "بدلا من استخدام هذه المساعدات لتحفيز الاقتصاد، وتحسين البنية التحتية، وزيادة رفاهية الشعب، تنتهي غالبا في دوامة من الفساد الذي يعيق أي تقدم ملموس".
وأكدت أن "المساعدات تسهم في تعزيز الفساد، وتخلق ثقافة الاعتماد على المساعدات والكسل الاقتصادي، بل وتزيد من ضعف الإنتاج المحلي في إفريقيا؛ حيث لا يستطيع المنتجون المحليون منافسة المنتجات المجانية التي تُرسل من الخارج".
وبذلك فإنها تؤدي إلى مزيد من الاعتماد على الخارج وتقلّل فرص التنمية المستدامة في القارة.
وبحسب المفكرِ الجنوب إفريقي، جريج ميلز، فإن "المساعدات قد أسهمت في الحفاظ على الحكومات ذات الإدارة السيئة في إفريقيا، مما منع الشعوب من محاسبة حكوماتها".
وأضاف "فبدلا من أن تحفّز الإصلاحات الحقيقية، ساعدت في استمرار الأنظمة الفاسدة التي تظل في السلطة بسبب الدعم الخارجي".
تزيد سوءا
وتساءلت الكاتبة: “على الرغم من أن المساعدات الخارجية يُعرف عنها أنها تزيد الأوضاع سوءا في العديد من الدول الإفريقية، فإن القوى العالمية لا تزال تضخ مليارات الدولارات في القارة.. فما السبب وراء ذلك؟”
وأجابت: "في الواقع، إن المساعدات الخارجية ليست مجرد عمل خيري، بل هي أداة دبلوماسية وإستراتيجية اقتصادية تفيد المانحين أكثر من المستفيدين، وهذا يظهر على طبيعة المساعدات نفسها؛ حيث لا تُحدد وفقا لأولويات الدول المتلقية، بل بناء على المصالح الإستراتيجية للدول المانحة".
وأكدت أن “الدول التي تقدم المساعدات تسعى إلى بناء علاقات قوية مع الدول المستفيدة لضمان مصالحها السياسية والإستراتيجية والعسكرية والاقتصادية".
وتابعت: "فتقديمها يُترجم إلى مكاسب ملموسة، مثل النفوذ السياسي، وكسب الأصوات في الأمم المتحدة، والوصول إلى القواعد العسكرية، وتأمين الامتيازات التجارية، والحصول على الدعم في المحافل الدولية”.
ولفتت شانلي إلى أن “الدول الاستعمارية السابقة تستخدم المساعدات كوسيلة لإراحة الضمير العالمي، لكنها في الواقع تستثمر على المدى الطويل، إذ تمثل هذه المساعدات أداة للوصول بسهولة إلى الموارد الطبيعية لتلك الدول، وفرض نفوذ الدول الاستعمارية على الحكومات المحلية، والسيطرة على الأسواق الإفريقية”.
فعلى سبيل المثال، تقدم بعض الدول المساعدات الغذائية عبر إرسال فائض إنتاجها الزراعي إلى الدول الإفريقية.
وقالت شانلي: "في الظاهر يبدو هذا عملا إنسانيا، لكنه في الواقع يخدم مصلحة المانحين أولا عبر دعم مزارعيهم، ثم يغرق الأسواق الإفريقية بمنتجاتهم، مما يحدّ من تطور الإنتاج المحلي، ومع مرور الوقت تتراجع قدرة الدول المتلقية على الإنتاج المحلي، وتصبح أكثر اعتمادا على الاستيراد".
بالإضافة إلى ذلك، فقد أصبحت المساعدات الخارجية صناعة ضخمة قائمة بذاتها. فاليوم، هناك آلاف المنظمات غير الحكومية والخبراء والبيروقراطيين الذين يعتمدون على المساعدات الموجهة إلى إفريقيا كوسيلة لكسب رزقهم.
ورأت أن "وقف هذه المساعدات سيعني فقدان العديد من هؤلاء لوظائفهم، مما يجعل استمرار تدفق المساعدات أمرا ضروريا للحفاظ على هذا النظام".
علاوة على ذلك، يتم إنفاق جزء كبير من ميزانيات المنظمات الدولية على الرواتب واللوجستيات قبل أن تصل أي أموال إلى القارة، مما يحدّ من التأثير الحقيقي للمساعدات على الأرض.
وختمت شانلي مقالها بالقول: "يبدو أن المساعدات الخارجية ليست مجرد دعم إنساني، بل هي أداة جيوسياسية واقتصادية تخدم مصالح الدول الكبرى، وتطرح تساؤلات عميقة حول مدى فاعليتها في تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة في إفريقيا".