"جيزة سيستمز" المصرية تنقل استثماراتها للسعودية.. ماذا وراء الخطوة؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

عندما أعلن عن الولاية الثالثة لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، كان العديد من التساؤلات والتحديات تفرض نفسها، على رأسها الواقع الاقتصادي المزري للدولة المثقلة بالديون. 

بعدها بيومين خرج رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مؤتمر صحفي، وتحدث عن ملامح المرحلة المقبلة، مشددا على أن الحكومة تمضي قدما في برنامج الخصخصة بلا هوادة ولن تتراجع عن بيع أصولها. 

بالتوازي كانت أعين الحلفاء أو الداعمين الخليجيين مفتوحة لاستكمال مسار الاستحواذ على أكبر عدد من الشركات والقطاعات المصرية الناجحة المبشرة بمستقبل استثماري جيد. 

وجاءت الأخبار من السعودية موحية بأن عملية الخصخصة التي بدأت في مصر عمليا، لها مسارات متعددة تتجاوز مجرد الاستحواذ والسيطرة إلى نقل مركزية تلك القطاعات للمملكة بشكل شبه كلي. 

وهو ما بعث تساؤلات عن طبيعة الخصخصة السعودية بشكل خاص، ومدى تأثيرها على الأسواق المصرية، ولماذا يجري نقل أصول الاستثمار إلى الرياض على حساب القاهرة؟ 

جيزة سيستمز

كان النموذج الأقرب للوضع المتخيل مستقبليا لخطط الاستحواذ السعودية على الأصول في مصر  هي شركة "جيزة سيستمز" أو "جيزة للأنظمة" المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات. 

ففي 29 ديسمبر 2023، أعلنت الشركة على لسان مديرها المصري "أسامة سرور"، توجيه 70 بالمئة من استثماراتها خلال العام 2024 إلى السوق السعودية. 

تلك الشركة المملوكة بـ88.19 بالمئة لـ"سلوشنز" المدرجة في سوق الأسهم السعودية، أعلنت أنها ستضخ استثمارات بقيمة 200 مليون دولار خلال 2024، منها 140 لزيادة توسعاتها في المملكة.

وأشار "سرور" إلى أن السبب الرئيس لعملية نقل الاستثمارات من مصر إلى السعودية على هذا النحو، أن المملكة باتت أكثر الأسواق الجاذبة للاستثمار في المنطقة لما تتمتع به من حجم أعمال ضخم في شتى القطاعات.

وأضاف أنه "سيتم توجيه جزء من تلك الاستثمارات الجديدة أيضا في فتح أسواق جديدة بمنطقة الخليج، على أن يجري البدء بدولتي الكويت وعمان خلال عام 2024".

المفارقة أن انتقال استثمارات "جيزة سيستمز" يأتي لكونها شركة تابعة لـ"سلوشنز" السعودية، والتي استحوذت على الشركة المصرية في 4 يونيو/حزيران 2022. 

وقتها أعلنت "جيزة سيستمز" في إفصاح للبورصة أنها باعت كامل حصتها البالغة 44.7 بالمئة للشركة السعودية بقيمة 158 مليون دولار.

وكانت أسهم الشركة المصرية المتخصصة بتقنية المعلومات تبلغ آنذاك حوالي 9 ملايين سهم.

لكن المثير بشأن "سلوشنز" التي اشترت نظيرتها المصرية، أنها تعد الذراع التقنية لمجموعة "STC"، الشركة السعودية للاتصالات المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة السعودي (حكومي). 

ويرأس مجلس إدارتها محمد بن خالد العبد الله الفيصل آل سعود، وهو من أفراد العائلة الحاكمة، ومن الشخصيات المقربة بشدة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وبالتالي فإن الاستحواذ السعودي على "جيزة سيستمز" ليس مجرد صفقة بين شركات خاصة.

إذ إن حكومة المملكة ضالعة فيه، حيث نجحت في نقل استثمارات واحدة من أهم وأعرق الشركات المصرية في مجال تكنولوجيا المعلومات إلى الرياض. 

رقم صعب 

وكانت "جيزة سيستمز" رقما صعبا في قطاع تكنولوجيا المعلومات في مصر، إذ إنها أول شركة وطنية مصرية تدخل هذا المجال وتصبح رائدة فيه لسنوات طويلة. 

وتأسست "جيزة سيستمز" عام 1974، تحت مسمى شركة "الجيزة لهندسة النظم".

وفي الثمانينيات، أصبح اسمها "شركة الجيزة للأنظمة"، وفي الفترة بين عامي 2000 و2009 توسعت إقليميا وأنشأت فرعين في السعودية والإمارات.

وكانت الوظيفة الأساسية للشركة المصرية هي تقديم الحلول التكنولوجية المتكاملة في شتى المجالات والصناعات.

ومنها مجال الاتصالات ومرافق البنية الأساسية والبترول والغاز والنقل والأبنية الذكية ومجالات التصنيع المختلفة.

وبفضل نجاحها وسمعتها الرائدة توسعت بشكل كبير، فعدا عن السعودية والإمارات افتتحت مكاتبها في 25 بلدا، منها قطر والكويت وكينيا وتنزانيا ونيجيريا وأوغندا والولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية.

كما يتبع "جيزة سيستمز"  15 شركة فرعية مثل "الجيزة العربية ، الجيزة للخدمات والتوزيع، الجيزة بالمنطقة الحرة، الجيزة بالخليج DMCC، الجيزة بقطر – مدرسة الجيزة للتكنولوجيا".


تساؤلات مشروعة 


الباحث الاقتصادي المصري أحمد يوسف، علق على انتقال استثمارات "جيزة سيستمز" للسعودية وخروجها جزئيا من مصر بالقول إن "الأزمة الرئيسة في تاريخ الاقتصاد المصري أنه يمضي بلا هدف ولا رؤية حسب الحاجة وحسب قرار الحاكم".

وتابع في حديث لـ"الاستقلال: "حدث هذا في التحول الشهير من الاشتراكية إلى الرأسمالية خلال حقبة (رئيس النظام الأسبق أنور) السادات في منتصف السبعينيات وهي الفترة التي عرفت بعصر الانفتاح". 

وأتبع: "وقتها قال الاقتصادي المصري الشهير أحمد بهاء الدين عبارته الخالدة عن ذلك الوضع: الانفتاح سداح مداح (تعبير مصري ساخر يدل على العشوائية والتخبط)، وهو ما ينطبق على الخصخصة التي تحدث حاليا وبيع الشركات الناجحة للحكومات الخليجية".

وبين أن "الأمر غير مدروس، وكل ما يهم الحكومة المصرية حاليا هو الحصول على أكبر قدر من الدولارات لتجاوز أعباء الدين أيا كان ثمن ذلك". 

وأكمل الباحث المصري: "هناك تساؤلات مشروعة عن حالة جيزة سيستمز تحديدا، هل الاستثمار السعودي من الممكن أن ينقل تكنولوجيا وخبرات؟".

وتساءل: "هل السعودية كدولة تستهدف الاستحواذ على شركات وأصول مصرية قادرة على تطوير قدرات القوى العاملة في مصر، أو إحداث نقلة نوعية في بنية الاقتصاد المصري وطريقة عمل القطاع الخاص بها؟". 

وأضاف: "علينا أن نعلم أن الاستثمار الأجنبي في دول العالم الرامية إلي جذب القطاع الخاص لا يقوم على الأموال والدولارات فحسب، بل على خلق وضعية سياسة اقتصادية طويلة المدى تحدد إمكانات الاقتصاد المملوك للدولة أو للمستثمرين الوطنيين، ويعالج نقاط الضعف ويركز على نقاط القوة".

وأردف: "رأينا ذلك في دول اقتصادية صاعدة أو تمتلك اقتصادا قويا مثل ماليزيا وهونغ كونغ وتركيا". 

 

“STC” شركة


لكن ستظل هناك مسألة لا يمكن إغفالها في صفقة انتقال "جيزة سيستمز" المصرية للسعودية قبل سنوات، ثم خروج معظم استثماراتها إلى هناك، وهي متعلقة بالأمن القومي المصري.

تحدث عن ذلك موقع "مونت كارلو" الفرنسي في 8 يوليو/تموز 2023، في تقرير جاء فيه أن "الخصخصة بدأت في مصر لصالح السعودية، وتخلي الدولة المصرية عن سيادتها في بعض المجالات والصناعات". 

ومما أورده أن المملكة ستكون طرفا أساسيا في صلب اقتصاد مصر، وخاصة الجيش، وبأن هذا سيخلق علاقات عضوية من نوع جديد بين البلدين، لن يكون بمعزل عن السياسة. 

وربما يمثل استحواذ شركة الاتصالات السعودية على شركة "جيزة سيستمز" الرائدة في قطاع تكنولوجيا المعلومات شيئا من هذا. 

وبالنظر إلى واقع شركة الاتصالات السعودية فإنها المشغل الأول لخدمة الاتصالات في المملكة.

ومنذ تأسيسها في 9 سبتمبر/ أيلول 2002، تفوقت على منافسيها، مثل شركة اتحاد اتصالات "موبايلي"، والاتصالات المتنقلة السعودية "زين"، واتحاد جوراء للاتصالات وتقنية المعلومات "ليبارا موبايل"، وشركة اتحاد "فيرجن موبايل".

وتتوزع ملكية STC، لصندوق الاستثمارات العامة بنسبة 70 بالمئة، وأسهم حرة بنسبة 16.23 بالمئة، و7 بالمئة للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، و6.77 بالمئة للمؤسسة العامة للتقاعد.

ويبلغ رأس مال الشركة نحو 20 مليار ريال، وتبلغ قيمتها السوقية نحو 186.4 مليار ريال، وذلك بحسب شركة السوق المالية السعودية "تداول".

خطورة STC

لكن مكمن خطورة شركة الاتصالات السعودية والتي بات لها ذراع قوية داخل مصر حتى وإن جرى نقل معظم الاستثمارات إلى المملكة، في كونها الأهم بين شركات الاتصال في المملكة التي تملك سجلا غير محمود في حقوق الإنسان، والتجسس على المعارضين.

فمنذ صعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد عام 2017، سعت المملكة لامتلاك تطبيقات تجسس إسرائيلية متقدمة، وغدت بؤرة واسعة للتجسس في منطقة الشرق الأوسط.

وفي 4 ديسمبر 2018، رفع المعارض السعودي عمر بن عبدالعزيز، المقيم في كندا دعوى ضد شركة إسرائيلية قال إنها ساعدت الحكومة السعودية في التنصت والتجسس عليه ومراقبة الرسائل التي تبادلها مع الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي الذي قُتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وقال المعارض السعودي عبر تويتر: "دفعت السعودية أكثر من 55 مليون دولار لشركة إسرائيلية للتجسس علي وعلى ناشطين آخرين.. اليوم نقاضيها أمام المحاكم".

وقالت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها إن هذه الدعوى تمثل خطوة إضافية ضد NSO Group والحكومة الإسرائيلية التي منحت الشركة تراخيص لبيع برمجيات خبيثة تعرف باسم "بيغاسوس" إلى الحكومات الأجنبية.

وتابعت: "قبل أشهر قليلة من شن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حملة اعتقالات واسعة شملت المئات من الأمراء ورجال الأعمال، عرضت الشركة على المخابرات السعودية برامج لقرصنة الهواتف النقالة".

وفي 30 يناير/كانون الثاني 2020، قال الناشط السعودي المعارض غانم الدوسري في تصريحات صحفية: إن "محمد بن سلمان، يقف وراء الهجمات السرية التي تستهدف منتقدي النظام السعودي".

وأوضح الدوسري أن "استهداف المعارضين في عهد ابن سلمان، بات يجري بشكل علني". وذكر أن هاتفه النقال تعرض للتجسس، وأنه رفع دعوى قضائية ضد الإدارة السعودية في بريطانيا، لهذا السبب. 

كما وجهت للسعودية اتهامات باختراق هاتف مؤسس أمازون ورئيسها جيف بيزوس، والذي يمتلك صحيفة واشنطن بوست التي كان خاشقجي يكتب بها.

وفي 23 يناير 2020، قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن "اختراق السعودية هاتف بيزوس ستكون قصة تجسس مذهلة".

ويخشى كثيرون أن تعمل "شركة الاتصالات السعودية" التي تمتلك اليوم "جيزة سيستمز" ضد مصر في يوم من الأيام كما فعلت مع معارضيها.