لأول مرة منذ 1996.. لماذا تستعد الصين لإجراء تجارب نووية جديدة؟
انتشرت في الآونة الأخيرة تقارير تفيد بأن جمهورية الصين الشعبية تستعد لإجراء سلسلة من التجارب النووية في منشأة "لوب نور"، في إقليم تركستان الشرقية (شينجيانغ).
وحذرت أصوات هندية مما وصفتها بـ"التداعيات الخطيرة" لهذه التجارب على العالم ككل، وعلى الهند -المجاورة للصين- على وجه الخصوص.
وفي تقرير لها، قالت مؤسسة الأبحاث الهندية "أوبزيرفر ريسيرش فاونديشن" (Observer Research Foundation)، إن هذا التحرك يثبت أن بكين "تتحرك في اتجاه تحديث ترسانتها من الناحية النوعية، من حيث الحجم والفتك والفعالية".
وأردفت أن تقييم الأسباب التي دعت بكين لإعداد موقع "لوب نور" للتجارب النووية أمر بالغ الأهمية، لفهم العواقب المترتبة على هذ ا القرار.
وترى مؤسسة الأبحاث الهندية أن هذا التحرك يمثّل "على الأقل إشارة لا لبس فيها إلى نية بكين إلغاء وقفها للتجارب النووية، الذي أعلنته في 1996".
التجارب النووية الصينية
وقد عمل الصينيون منذ منتصف التسعينيات على البحث وتطوير تصميمات الرؤوس الحربية الجديدة التي تتطلب الاختبار.
وترجح مؤسسة الأبحاث أن يكون النشاط الذي شهدناه خلال الأسابيع القليلة الماضية في "لوب نور" بمثابة اختبار لتصميمات جديدة للرؤوس الحربية.
ويتضمن ذلك حفر الصينيين عمودا رأسيا عميقا داخل سطح الأرض يقدر بحوالي ثلث ميل.
ويتكون موقع التجارب النووية الصيني في "لوب نور" -والذي يطلق عليه اسم "مالان"- من متاهة من المباني والبنية التحتية التقنية، على مساحة نصف قطرها ميلان مربعان، مع ما يقرب من 30 مبنى يخضع للتجديد منذ عام 2017.
وفي هذه المنطقة المشيدة حديثا، ستسمح الأعمدة الرأسية العميقة بإجراء عدد أكبر بكثير من الاختبارات النووية، مقارنة بالأعمدة الأفقية التي شيّدت في الماضي للاختبار.
وتؤكد المؤسسة الهندية أنه على الرغم من أن الروس والأميركيين ينفذون بشكل روتيني بعض أشكال النشاط المحدود في نطاق تجاربهم النووية، فإن ذلك لا يشبه ما يجرى في "لوب نور" من حيث الحجم.
ويؤكد هذا بشكل واضح أن الصين تستعد لاستئناف الاختبار في وقت قصير، بمجرد الحصول على التصريح من اللجنة العسكرية المركزية بقيادة الرئيس، شي جين بينغ.
وتساءلت المؤسسة البحثية: "لماذا تستأنف الصين تجاربها النووية في حين أنها أجرت بالفعل 45 منها، وعلى الرغم من نفيها الشديد بأنها على أعتاب إجراء التجارب مرة أخرى؟"
وأفادت بأن "آخر تجربة نووية صينية أجريت كانت في عام 1996، لكن البيانات المستمدة منها غير كافية لتلبية متطلبات تصغير الرأس الحربي وخفة الوزن وزيادة الفعالية والموثوقية".
وأوضحت أنه "نظرا لأن الصين طورت وأدخلت جيلا جديدا من الصواريخ، فإن تكوين الرأس الحربي للصواريخ يتطلب أيضا مستوى عاليا من التحسين وفقا للمقاييس المذكورة أعلاه".
ومن ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الروسي (بما في ذلك الاتحاد السوفيتي السابق) أجريا 1030 و715 تجربة ذرية على التوالي، ما أدى إلى إنشاء ثروة من بيانات الاختبار لتحديث وصيانة مخزونهما النووي.
لكن بكين، من جانبها، أجرت اختبارات أقل مقارنة بخصومها في واشنطن وموسكو، وفق المؤسسة.
لذلك، من غير المستغرب أن يبدو القادة الإستراتيجيون في الصين، بقيادة شي جين بينغ، ملتزمين بإجراء تجارب ذرية.
خيارات صعبة
واستعرضت مؤسسة الأبحاث الهندية ما وصفتها بـ "الخيارات الصعبة" التي تواجهها نيودلهي إزاء هذا الواقع.
وقالت إن "الهند ستواجه خيارات صعبة، إذا مضت الصين قدما في إجراء التجارب النووية بعد توقف دام ما يقرب من 27 عاما".
وأضافت أن "بكين تتمتع بالفعل بأسبقية كبيرة على نيودلهي فيما يتعلق ببيانات الاختبارات الذرية، مما يجعل ترسانتها متفوقة نوعيا على ترسانة الهند".
وترى المؤسسة البحثية الهندية أن "استئناف التجارب النووية الصينية لن يؤدي إلا إلى تفاقم التحديات النووية التي تواجهها الهند".
ويكمن التحدي الرئيس الذي يواجه الهند في امتلاك ترسانة يمكن الاعتماد عليها بدرجة معقولة.
كما أن التعايش مع توسع الترسانة النووية الصينية يأتي على حساب الهند، خاصة إذا امتنعت نيودلهي عن الحصول على ترسانة أكبر، ردا على التوسع الذري الكمي والنوعي للصين. وأوضحت المؤسسة أن هذا الوضع يؤدي إلى "عدم استقرار سباق التسلح".
وأردفت أن "العامل الآخر الذي لا يقل أهمية وتفاقما بالنسبة للهند، هو سعي الصين إلى اكتساب قدرات الحد من الأضرار، مثل الدفاعات الصاروخية التي تعمل على تحييد ترسانة نيودلهي الأصغر حجما".
وضربت مثالا بالصواريخ الاعتراضية الصينية (MQ-19) القادرة على اعتراض الصاروخ الباليستي الهندي متوسط المدى (IRBM) في منتصف مساره.
وبعيدا عن قدرات الدفاع الصاروخي الأرضي، فإن بكين تمتلك أيضا قدرات صواريخ كروز طويلة المدى تُطلق من الجو، بنوعيها التقليدي والنووي، وهو ما تفتقر إليه نيودلهي.
وهناك عامل آخر يجعل التحدي النووي الصيني أكثر خطورة بالنسبة للهند وهو التحول المحتمل في سياسة عدم البدء باستخدام السلاح النووي (NFU) التي تنتهجها الصين إلى سياسة البدء باستخدامه.
وتؤكد المؤسسة أن "هذا قد يجعل الأمور أسوأ بالنسبة للهند، لأنه قد يؤدي إلى التدمير الكامل لقوات نيودلهي الصاروخية الأصغر حجما والمزودة برؤوس نووية".
تكاليف ومخاطر
ورأت أنه "إذا لم تستأنف نيودلهي تجاربها النووية في حالة استئناف بكين لتجاربها الخاصة، فيجب عليها أن تكون مستعدة للتعايش مع ترسانة أقل جودة من حيث الموثوقية والأداء".
وقالت: "في أفضل الأحوال، تستطيع نيودلهي أن تتجاوب من خلال زيادة عدد الرؤوس الحربية في مخزونها الحالي، والاكتفاء بأجهزة الانشطار البسيطة التي طورتها واختبرتها بالفعل".
وتابعت المؤسسة الهندية: "بعيدا عن هذا الخيار، فمن الضروري أن تستثمر نيودلهي بقوة في ثلاث مجموعات من أنظمة ومنصات الإطلاق".
وهي: الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، وصواريخ كروز بعيدة المدى التي تطلق من الجو، والمزيد من الغواصات النووية ذات الصواريخ الباليستية بعيدة المدى.
وشددت على أن "استكمال وتكامل كل هذه المجموعات الثلاث من القدرات، والتي تمر بمراحل متفاوتة من التطوير، لا بد أن يحظى بأولوية كبرى بالنسبة للهند في حالة استئناف الصين تجاربها النووية".
وتحدثت عن خيار آخر وهو أن ترد الهند عبر كسر الوقف الاختياري الذي أعلنته في أعقاب التجارب النووية التي أجرتها عام 1998.
لكنها أشارت إلى أنه "إذا استأنف صناع القرار في الهند التجارب النووية ردا على الصين، فسيتعين عليهم الاستعداد للعواقب المرتبطة بالعقوبات التي تتبع ذلك".
وتعتقد مؤسسة الأبحاث أنه بعد أن تكسر الهند هذا الوقف الاختياري وتنفذ بعض التجارب النووية لتطوير ترسانتها، فحينها تستطيع التوقيع على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، بل وحتى التصديق عليها، في حالة رفع العقوبات.
وأوضحت أنه "بغض النظر عن هذه المقايضات، فإن نيودلهي لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي".
وأضافت أن "الخيارات التي تواجه الهند ليست سهلة، وكلها تنطوي على تكاليف ومخاطر".
وختمت بالقول: "ومع ذلك، فإن المسار الذي تنتهجه الهند لزيادة قوتها العسكرية في المجالين النووي والصاروخي يجب أن يكون موجها نحو معالجة التهديد العسكري الصيني، ليس فقط على الهند ولكن أيضا على توازن القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".