عسكرة الفضاء وزيادة الردع الهندي.. ما موقف القوى الآسيوية والعالمية؟
تركز الهند على أقمار المراقبة والاتصالات والتقنيات المضادة للأقمار الاصطناعية
ركزت الهند خلال السنوات الأخيرة على الفضاء ووضعته في مركز أمنها القومي وحققت تطورا ملحوظا في قدراتها الفضائية العسكرية.
لكن هذا التطور يهدد الاستقرار القاري والعالمي ويجلب معه تهديدات أكبر، وفق ما يرى معهد "تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي.
دور الأقمار الاصطناعية
وقال المعهد إن حاجة المجتمع الدولي إلى تعريف الاستخدام السلمي للفضاء والالتزام بتجنب الأنشطة العدائية فيه أدت إلى إدراج مواد تحظر وضع أسلحة نووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل في الفضاء الخارجي فضلا عن وضعها على أي أجرام سماوية.
وكان ذلك ضمن معاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي لعام 1967.
وأشار إلى أن الأقمار الاصطناعية تلعب في الوقت الحالي “دورا حاسما في مجالات الاتصالات ونقل البيانات والمراقبة الأرضية والاستطلاع وهي أنشطة تتشابك مع العمليات العسكرية”.
فقد لعبت الأقمار المخصصة للاتصالات العسكرية وأقمار “إيستار”، دورا كبيرا في حرب الخليج عام 1990 وهو “ما شكل لحظة فاصلة للصراعات المستقبلية”.
وأوضح المعهد الإيطالي أن "الاعتماد الحالي للأنظمة والمنصات العسكرية على تكنولوجيا الفضاء، يؤكد مدى أهمية السيطرة على الفضاء في الأمن القومي.
ويظهر أيضا كيف أن التفوق التكنولوجي المستمد من تكنولوجيات الفضاء أساسي في الصراعات الحالية.
كما أدى ظهور اقتصاد الفضاء الجديد والابتكار التكنولوجي إلى جعل الفضاء جزءا لا يتجزأ من البنى التحتية الوطنية والمدنية والعسكرية مما حتم ضرورة حمايته وكذلك حماية موارده.
في السنوات الأخيرة، ركزت الهند إنتاجها الفضائي على أقمار المراقبة والاتصالات والتقنيات المضادة للأقمار الاصطناعية، وفق ما يُبين المعهد البحثي الإيطالي.
وأكّد أن هذه الأنظمة الجديدة، تعد مثالا واضحا على التقنيات ذات الاستخدام المزدوج، أي للأغراض المدنية والعسكرية على حد سواء.
وذكر في هذا الشأن، النظام الهندي الإقليمي للملاحة بالأقمار الاصطناعية (IRNSS)، والذي يعرف أيضا باسم Navic ويتضمن كوكبة من أقمار الملاحة في المدار.
مخاطر على الاستقرار
يسمح هذا النظام للجيش الهندي بالوصول إلى بيانات الموقع والملاحة الدقيقة حتى أثناء النزاعات.
كما يمنح أنظمة الدفاع (مثل قاذفات الصواريخ) وقدرات الاستهداف كفاءة أكبر ويجعلها أكبر فتكا وأقل اعتمادا على أنظمة مثل نظام تحديد المواقع العالمي، المعروف اختصارا باسم "جي بي أس".
ويذكر كذلك GSAT وهو سلسلة أقمار اتصالات متزامنة في مدار ثابت بالنسبة للأرض، ثلاثة فقط منها من إجمالي 25 مخصصة للاستخدام العسكري حصريًا.
تتيح هذه الأقمار الاصطناعية إجراء اتصالات في الوقت الفعلي وتوفر خدمات اتصالات واستطلاع آمنة للأصول العسكرية التابعة للبحرية والقوات الجوية من أجل تحسين قدراتها على التنسيق والهجوم.
بينما تتمتع الأقمار الاصطناعية الهندية لمراقبة الأرض RISAT وCARTOSAT وEMISAT، الموجودة في مدار أرضي منخفض، بقدرات استخباراتية إلكترونية لمراقبة الإرسالات والاتصالات الرادارية للعدو سواء كانت كهروضوئية أو أشعة تحت الحمراء.
كما لديها رادار ذو فتحة تركيبية لرسم خرائط لمناطق العدو وتحديد الأهداف التي سيتم تدميرها.
وتمتلك نيودلهي واحدة من أكبر أنظمة الأقمار الاصطناعية للاستشعار عن بعد (IRS) في العالم، بدقة تصل إلى 5 أمتار وتغطي منطقة المحيط الهندي بأكملها وتستخدم لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع.
ويوضح المعهد أن النجاحات التي حققها قطاع الفضاء الهندي في السنوات الأخيرة مثل تطوير النظام المضاد للأقمار الاصطناعية (ASAT) وهبوط مركبتها الفضائية تشاندرايان-3 بنجاح على سطح القمر، أتاحت لنيودلهي البروز كقوة فضائية.
لكنها لا تزال متخلفة عن الركب بالمقارنة مع القوى العالمية الأخرى، وفق استنتاجه.
ويرى أن تحقيق الأقمار الاصطناعية العسكرية لكفاءة أكبر وتحسين القدرات الفضائية العسكرية كفيل بتقريب نيودلهي من نمو عسكري فضائي يعادل قوى مثل الولايات المتحدة وروسيا وخاصة الصين "التي سيشكل ذلك خطرًا جديًا عليها".
ونوه بأن تطوير القدرات الفضائية وكذلك قدرات الأقمار الاصطناعية العسكرية من شأنه أن يزيد من قوة الردع الهندية ويرفع كذلك كفاءة العمليات العسكرية والأمن القومي بشكل أكبر.
فاعل جديد
ومن ناحية أخرى، لفت المعهد إلى أن ذلك سيخلف آثارا على الاستقرار الآسيوي والعالم، لا سيما وأنه يعني صعود فاعل جديد يتمتع بقوة وقدرات فضائية عسكرية أكبر وهو ما قد يؤدي إلى عسكرة الفضاء وزيادة الردع وتوازن القوى في المجال الفضائي.
ويشير المعهد كذلك إلى فرضية أن تتأثر أيضا العلاقات مع القوى الفضائية الأخرى (روسيا والصين والولايات المتحدة).
فبينما يرجح فرضية أن تكثف نيودلهي أشكال التعاون الفضائي مع الولايات المتحدة وشركائها، يتوقع أن يتسبب التطور الهندي بهذا المجال في توتر العلاقات مع الصين.
وكذلك فرضية الحرب السيبرانية لاسيما وأن الصين تسعى إلى الحفاظ على التفوق التكنولوجي الفضائي وهو ما سيؤجج سباق التنافس نحو الفضاء بينهما.
دولة أخرى قد تتأثر العلاقات معها وهي باكستان خصوصا في ظل التوترات الجيوسياسية.
وألمح المعهد الايطالي إلى إمكانية أن يكون رد إسلام أباد هو زيادة التعاون الإستراتيجي مع الصين أو استثماراتها في قطاع الفضاء بهدف تطوير قدرات عسكرية فضائية محلية في محاولة لاحتواء نظيرتها الجديدة الهندية.
وفيما يتعلق بزيادة أقمارها العسكرية نوعا وكما، شدد المعهد الايطالي بأن نيودلهي مطالبة من ناحية الكم بالتركيز بشكل مكثف على زيادة الإنتاج المحلي، كما تفعل بالفعل مع مبادرة "صنع في الهند".
وأشار إلى أن الطريق أمامها من الناحية النوعية يمر عبر مسارين، التكامل بين الابتكار التكنولوجي والأقمار العسكرية والاستثمارات في الأقمار الاصطناعية النانوية والصغرى.
وهو ما من شأنه أن يقلل من أوقات الإنتاج والتكاليف مقارنة بالقمر الكبير دون أن يكون ذلك على حساب حجم المنطقة المغطاة أو جمع البيانات والمعلومات.
خلص المعهد الإيطالي إلى التأكيد أن تطور الأقمار والقدرات الفضائية العسكرية الهندية من شأنه أن يفيد البلاد.
لكن في الوقت نفسه، سيتعين عليها أيضًا الاستثمار في القدرات المضادة للأقمار الاصطناعية بهدف زيادة الردع، وكذلك في أنظمة الدفاع للتصدي لهجمات سيبرانية مستقبلية.
لذلك يرى أنها بحاجة إلى أن تدرك أن زيادة القوة الفضائية من شأنه أن يجلب معه تهديدات أكبر للأمن القومي.