التوافق التركي القطري.. كيف يؤثر على سوريا ما بعد الأسد؟

محمود مصلحان | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

على مدار أكثر من 13 عاما، اتخذت تركيا وقطر موقفا متقاربا بشأن النظام السوري، ووقفتا في المعسكر  نفسه الداعم للحوار والتسوية السياسية.

لم يستجب رئيس النظام السابق بشار الأسد لدعوات الدولتين وغيرهما من دول العالم، في وقت ازداد نفوذ تركيا وقطر بعد سقوطه في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.

ويعد البلدان اليوم ضمن أكثر الدول تحركا ونشاطا لنقل سوريا الجديدة إلى بر الأمان عبر التحاور مع حكامها الجدد وتقديم المساعدات للشعب السوري المكلوم.

ويمكن فهم زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الأخيرة إلى تركيا ولقائه الرئيس رجب طيب أردوغان في هذا الإطار الانتقالي الحساس.

واجتمع الشيخ تميم في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2024، مع أردوغان الذي أكد على ضرورة تعاون المجتمع الدولي في عملية إعادة إعمار سوريا.

وبحسب بيان صادر عن دائرة الاتصالات التركية، ناقش أردوغان وأمير قطر العلاقات الثنائية بين البلدين إلى جانب القضايا الإقليمية والعالمية.

وأشار أردوغان خلال الاجتماع إلى أن "تركيا تقف بجانب الشعب السوري وإدارته بهدف الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وسلامتها".

وشدد الرئيس التركي على أن "تركيا تواصل محاربة جميع التنظيمات الإرهابية بهدف حماية أمنها القومي ووضع حد سريع لحالة عدم الاستقرار في سوريا، وأن هذا النهج سيستمر".

وتريد تركيا إزالة التهديد القادم من شمال شرق سوريا حيث تتمركز وحدات حماية الشعب الكردية التي تتعاون مع حزب العمال الكردستاني ويقودان عمليات مسلحة ضد أنقرة.

مرحلة جديدة

خلال العملية التي أطلقتها قوى الثورة السورية في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أفادت تقارير إعلامية بأن هناك اتصالات جرت بين مسؤولين في الاستخبارات ووزارتي الخارجية التركية والقطرية.

ووفقا لما ورد في الإعلام العربي، زُعم أن "اجتماعا حاسما عُقد في مدينة غازي عنتاب التركية".

وبناء على المعلومات، شارك في الاجتماع رؤساء استخبارات من تركيا وقطر والولايات المتحدة وبعض دول الخليج، بالإضافة إلى ممثلين عن جماعات المعارضة السورية.

مثّل تركيا رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية إبراهيم قالن، بينما حضر عن الولايات المتحدة مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" ويليام بيرنز، وعن قطر رئيس جهاز الأمن الوطني خلفان الكعبي، إلى جانب رؤساء استخبارات دول الخليج.

وفي 13 ديسمبر 2024، لفت إبراهيم قالن، الأنظار بنشره صورة من الجامع الأموي بدمشق، مما أثار تكهنات حول وجود شخصيات تركية وقطرية في سوريا خلال تلك الزيارة.

وعلى الرغم من الفوضى في سوريا، تمكنت تركيا وقطر من الوجود في نفس المعسكر، مما أدى إلى نشوء عوامل اقتصادية جديدة بجانب العلاقات السياسية.

وبعد إسقاط نظام "البعث" الذي استمر 61 عاما، عاد الحديث عن مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي "قطر-تركيا" الذي جُمد في عام 2009 بسبب رفضه من قبل النظام السوري.

 وكان من المفترض أن يمر خط الأنابيب عبر السعودية والأردن وسوريا، إلا أن معارضة نظام الأسد آنذاك أدت إلى إيقافه. 

وتحتل الدوحة المرتبة الثانية عالميا بعد موسكو في تصدير الغاز الطبيعي، مما أثار مناقشات حول إعادة تقييم خط الأنابيب الذي يمر عبر قطر والسعودية والأردن وسوريا وتركيا.

وبهذا الشأن، أشارت آن صوفي كوربو، خبيرة في مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، إلى أن "خط الأنابيب طويل جدا ويحتاج المشترون إلى التزامات طويلة الأجل".

وأضافت أن "تشغيل الخط قد يستغرق حتى عام 2030، مع الأخذ في الحسبان هدف أوروبا بأن تصبح محايدة كربونيا بحلول عام 2050".

وفي هذا السياق، يمكن التأكيد على أنه "لا يبدو أن هناك قضايا قد تثير خلافات بين تركيا وقطر في الوقت الراهن".

إذ تستمر تركيا في التعامل مع قطر بعقلية الدولة الراسخة التي ميزتها عبر القرون، دون النظر إلى الدوحة كمنافس أو ضمن معكسر مختلف.

وفي عام 2023، صرح أردوغان بشأن سوريا قائلا: "لقد تعاونا مع قطر. وفيما يخص مشروع الإسكان الجديد، سنعمل على ضمان عودة مليون شخص خلال بضع سنوات".

ومن المتوقع أن تكون قطر المصدر المالي اليوم، بينما تمثل تركيا القوة على الأرض، كما يمكن أن يشهد الجانبان تحالفات متعددة؛ سواء في الآليات السياسية أو إعادة الإعمار في سوريا.

تأثير أميركا وإسرائيل

وعلى جانب آخر، قد تلعب تحركات الولايات المتحدة وإسرائيل دورا مهما في تحديد مستقبل سوريا، حيث يدعم الطرفان تشكيل دولة كردية على الحدود مع تركيا.

فاحتلال إسرائيل لبعض المناطق في سوريا وهيمنة الولايات المتحدة على فصائل كردية مختلفة سيؤديان إلى نقاشات جوهرية وتبادل للأفكار.

ونظرا لتأثير تركيا وقطر على جماعة الإخوان المسلمين وحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، فإن إسرائيل والولايات المتحدة لا يمكنهما تجاهل هذين البلدين، وهو ما يمثل مبررا لاستمرارية العلاقات.

وبالتالي، من الطبيعي أن تحافظ أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية على علاقاتها مع الدولتين، مثلما حدث في زياراتهم إلى قطر بهدف تحقيق وقف إطلاق النار في غزة.

ومن جانبها، تسعى الولايات المتحدة، في إطار مهمتها للحفاظ على قوات "قسد"، إلى مواصلة اتصالاتها مع تركيا.

كما أعلنت أنها أجرت اتصالات مع هيئة تحرير الشام، التي قادت معركة طرد بشار الأسد.

ويمكن أن تلتقي هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا تحت مظلة كيان جديد، ما قد يدفع الكتل المتحالفة أو المعادية لإعادة تقييم مواقفها.

أما إسرائيل، فإن رغبتها في السيطرة على مرتفعات الجولان، وقصفها للمعدات العسكرية التابعة للنظام السابق، يفتح الباب أمام احتمالات وسيناريوهات مختلفة.

كما أن ظهور رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مع وفد خاص في منطقة جبل الشيخ حرمون على الحدود مع سوريا، في 17 ديسمبر، يعكس طموح إسرائيل المتزايد تجاه ما تسميه "الأراضي الموعودة".

وبحسب تقارير إعلامية، فقد احتلت إسرائيل 370 كيلومترا مربعا من الأراضي السورية، وهو ما يفوق المساحة الجغرافية لقطاع غزة، التي تبلغ 365 كيلومترا مربعا.

الموقف العربي 

وبالحديث عن الدول العربية، دعمت السعودية والإمارات ومصر في السابق كيانات ناشطة في النزاع السوري وبلورت مواقف تخدم مصالحها.

وظهرت تقارير علنية عن علاقات الإمارات مع وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، حيث يبدو أنها تسعى للتأثير على الجماعات الانفصالية بالتنسيق مع الولايات المتحدة.

أما مصر، فرغم تأثيرها على النسيج الاجتماعي في سوريا، فإن نظام عبد الفتاح السيسي لم يستغل الفرصة بسبب معارضته جماعة الإخوان المسلمين.

وربط الإعلام المصري الموالي للنظام بين الجماعة المصنفة إرهابية في مصر وبين ما أطلق عليه وصف “الإسلاميين” الذين طردوا الأسد من السلطة.

ومع ذلك، فإن امتلاك مصر وسوريا تاريخا من الوحدة السياسية يجعل تجاهل القاهرة للأحداث في دمشق صعبا، خاصة مع تأثير المجازر الإسرائيلية في غزة على نفوذها الإقليمي.

وأوضح وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في 16 ديسمبر 2024، موقف تركيا قائلا: "لا نريد هيمنة إيرانية أو تركية أو عربية على سوريا"، مشددا على ضرورة الحياد في التعامل مع الملف السوري.

ومن جانبها، تسعى السعودية، من خلال رؤية 2030، إلى توسيع نفوذها الإقليمي، حيث ترى نفسها "حامية الشعوب العربية".

وأفادت تقارير بأن العلاقات بين السعودية وإسرائيل شهدت تطورا كبيرا في الفترة الأخيرة، ما قد يسهم في تعزيز دور الرياض في سوريا.

وفي 18 ديسمبر 2024، أكد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، دعم بلاده للشعب السوري واستقرار سوريا.

كما أدان مجددا "الانتهاكات الإسرائيلية للقوانين الدولية من خلال اعتداءاتها على الأراضي السورية".

وقد يؤدي تحقيق وقف إطلاق النار في غزة إلى تقارب أكبر بين هذه الدول في ما يتعلق بسوريا، وإعادة تقييم المصالح المشتركة.

أما أجندة هذه الدول تجاه قوى الثورة السورية، فهي تنطلق من أولوياتها في التأثير على الإدارة المستقبلية لسوريا وضمان تحقيق مصالحها.

وبعد سقوط الأسد، اجتمع دبلوماسيون رفيعو المستوى من ثماني دول عربية، إضافة إلى تركيا، في الأردن لمناقشة الملف السوري.

وقد أعلن المجتمعون دعمهم لعملية انتقالية سلمية في مرحلة ما بعد الأسد، وهو مؤشر على رغبتهم في لعب دور بارز في المرحلة المقبلة.

وفي تقرير صادر عن أكاديمية الاستخبارات الوطنية، سُلط الضوء على مواقف دول الخليج من سوريا، حيث رفضت كل من قطر والكويت تطبيع العلاقات مع النظام، وواصلتا دعم الثورة.

وذلك بخلاف الإمارات والسعودية، اللتين دعمتا النظام، وسلطنة عمان التي حافظت على علاقة طبيعية وسرعت عملية التطبيع معه.

بالإضافة إلى ذلك، لم تحظ فكرة إدارة سوريا عبر تحالف غير الأسد بدعم علني من الإمارات والسعودية وعُمان.

ومن ناحية أخرى، أشار التقرير إلى أن غياب موقف موحد لدول مجلس التعاون الخليجي قد يؤدي إلى تغييرات في سياسات هذه الدول في المستقبل.

فقد كانت سوريا دائما لاعبا مهما وأصيلا في المنطقة، وقد أثر الصراع فيها منذ بدايته على التوازنات الإقليمية والعالمية.

وبشكل عام، يمكن القول إن الأطراف المؤثرة في مستقبل سوريا تشمل كلا من تركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة والسعودية وقطر والعراق والمكونات الكردية ولبنان وحزب الله وإسرائيل.

ومن المتوقع أن تسهم هذه الأطراف في تحديد مسار المعادلة السورية خلال الأشهر المقبلة.

وفي ظل عودة تركيا إلى التعاون مع دول الخليج، يُتوقع أن تُجرى محادثات بحذر لتجنب إلحاق الضرر بالعلاقات الثنائية.

كما يبدو أن الديناميكية الإقليمية والدولية لن تعيق هذه العلاقات، لكنها ستُدار بخطوات محسوبة ومبنية على المصالح المشتركة.