كل الطرق نحو بعبدا.. لماذا يتزايد صراع الموارنة على منصب قائد جيش لبنان؟
تنشغل الأوساط السياسية اللبنانية هذه الأيام بمهمة الموافقة على تمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزيف عون من عدمه، ولا سيما داخل الطائفة المسيحية المارونية التي تتبع هذه الحقيبة لحصتها ضمن المحاصصة الطائفية المعمول بها في البلاد.
وبينما من المقرر أن تنتهي ولاية عون في 10 يناير/كانون الثاني 2024 عبر إحالته إلى التقاعد، هناك من يرى ضرورة التمديد له لستة أشهر إضافية أو حتى عام لخلق جو من الاستقرار واستمرار تدفق المساعدات العسكرية الخارجية للجيش، وبين من يرفض ذلك.
إذ إن الفريق الذي ينادي بتمديد ولاية العماد جوزيف عون الذي يمارس مهامه منذ 6 سنوات يخشى من حالة الشغور في منصب الجيش كحال الشغور الرئاسي الحاصل في لبنان منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
صراع ماروني
وأعلن موريس سليم، وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، من بكركي شمالي بيروت، في 2 ديسمبر/كانون الأول 2023 عن رفضه تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جوزيف عون.
وجاءت تصريحات وزير الدفاع الماروني الذي ينتمي إلى التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل، بعد لقاء جمعه بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
والراعي سبق أن هاجم بشكل غير مباشر موقف التيار الوطني الحر بسبب معارضته التمديد لعون.
وقال الوزير اللبناني "إنني أكدت للبطريرك الماروني أنّ التعيين في موقع قيادة الجيش الحساس لا ينتقص من دور رئيس الجمهورية العتيد"، مشيرا إلى أن صلاحيات رئيس الجمهورية تخول له تعديل هذا الأمر لاحقا.
وأوضح أن "الراعي يفضل أن يكون هناك رئيس للجمهورية حين يجرى تعيين قائد للجيش"، مضيفا بالقول: "في إطار صلاحياتي لا يسمح لي بتأخير تسريح أي عسكري وخصوصا قائد الجيش".
وأشار سليم إلى أن "مجلس النواب لا يمدد لقائد الجيش بل يعدل المادة التي تحدد سن التقاعد".
وقال: "لا أريد أن أترك المؤسسة العسكرية بأي حالة من حالات الشغور ولكن التمديد لقائد الجيش لا يسمح به قانون الدفاع والأمر يحتاج إلى تعديل القانون وهذا غير متوفر حاليا".
وحملت تصريحات سليم، نبرة تحد للأطراف الداخلية الراغبة في التمديد لقائد الجيش لتفادي الفراغ في المؤسسة العسكرية، وخاصة في ظل التوتر الحاصل عند حدود لبنان الجنوبية بين حزب الله وإسرائيل.
وجوزيف عون الذي ولد عام 1964 في بلدة سن الفيل بقضاء المتن، لأسرة من الطائفة المارونية المسيحية، هو من ضمن الأسماء المطروحة لتولي رئاسة البلاد.
وهناك من يحاول قطع الطريق على دخول عون قصر الرئاسة في بعبدا ببيروت وعلى رأسهم رئيس التيار الوطني الحر اللبناني، جبران باسيل، الذي يتهمه خصومه بالتحكم بقرار وزير الدفاع الحالي الذي ينتمي إلى ذات التيار.
ولهذا فإن الصراع قائم على أشده داخل الطائفة المارونية حول قيادة الجيش وهو الموقع الوزاري الثالث لهذه الطائفة ضمن المحاصصة الطائفية المتبعة بلبنان منذ عقود.
ولذلك فإن الراعي لطالما أبدى تمسكه بالتمديد لعون بقيادة الجيش، لدرجة أنه قال خلال لقائه مع وزير الدفاع المذكور آنفا إن "هناك أزمة كبيرة في (قرية) الديمان انكسر رأسها وكل غصن فيها يحاول أن يكون هو الرأس، وهكذا نحن في لبنان".
ويقصد هنا أن الديمان التي يقع فيها المقر الصيفي للبطريركية المارونية في لبنان قد تأثرت حيث إن كلا من الرئيس ووزير الدفاع وقائد الجيش مارونيون.
وتنظر بعض القوى السياسية إلى أنه من غير الجائز تعيين قائد للجيش في ظل الشغور الرئاسي، حيث لا بد من أن يكون للرئيس الجديد رأي حاسم في التعيين لهذا المنصب من بين كبار الضباط الموارنة.
وهذا الرأي ركز عليه بشكل أساسي بشارة الراعي في عدد من جلسات مجلس المطارنة الموارنة في الاجتماع الشهري المعتاد لهم.
إذ نقل هؤلاء في تصريحات صحفية رغبة الراعي بتأجيل تسريح العماد عون لمدة 6 أشهر بقرار يصدر عن مجلس الوزراء، وبطلب منه، بإحالته على الوزراء من خارج جدول أعماله.
إلا أن هذه التخريجة القانونية التي يطرحها الراعي، يرفض التيار الوطني الحر تمريرها؛ لانعدام الكيمياء السياسية بين باسيل وقائد الجيش الحالي، وخفض حظوظ الأخير كواحد من أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية.
حسابات سياسية
وعن التمديد لقائد الجيش، رأى النائب إيهاب مطر أن "هناك نظريتين في هذا الملف، الأولى رافضة للأمر وهذه مع الأسف خلفيتها كيدية بحتة، وهناك نية لتصفية الحسابات السياسية من جهة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل فهو يحاول قطع الطريق على إمكانية ايصال جوزيف عون لسدة الرئاسة".
وأضاف مطر في حديث إذاعي بتاريخ 2 ديسمبر 2023: "النظرية الثانية أن لدينا وضعا متأزما جدا في غزة ما ينعكس بخطر حقيقي على لبنان، ولا يجب تغيير الضباط خلال المعركة، ومن الحكمة أن تبقى الأوضاع مستقرة في ما يخص الأجهزة الأمنية وتحديدا الجيش اللبناني".
ومضى يقول: "هناك فريق كبير جدا في المجلس النيابي يتجه صوب التمديد لقائد الجيش، وكل يوم تزيد ضرورة ذلك لخلق جو من الاستقرار في القيادة".
وأردف: "ثمة خيار متاح عبر اقتراح قانون في مجلس النواب، وكان هناك خيار آخر للتمديد عبر حكومة تصريف الأعمال لكنه سقط".
وتابع: "احتمال التمديد هو الأكثر حظا وأتوقع حدوثه في أقرب وقت ممكن ويتم استخدام مصطلح تأجيل التسريح".
بدوره قال الكاتب السياسي اللبناني وجدي العريضي: "إن التمديد لقائد الجيش نسبته 50 بالمئة فهناك تصفية حسابات سياسية ورئاسية في ظل الخلاف القائم بينه وبين التيار الوطني الحر الذي ارتفع منسوبه أخيرا رغم أن فرنسا والولايات المتحدة مع قرار التمديد".
وأضاف العريضي خلال تصريحات تلفزيونية في 4 ديسمبر 2023: "التمديد لقائد الجيش مرهون بحزب الله الذي لا يريد أن يغضب حليفه جبران باسيل بوصفه الفريق المسيحي الأقوى إلى جانب الحزب في هذه المسألة".
ومن هذا المنطلق فإن الكلمة الفصل لحزب الله الذي يتكتم على موقفه من قضية التمديد لجوزيف عون، وفق العريض.
واستدرك قائلا: "إن باسيل يرفض كلا الشرين سواء التمديد لجوزيف عون أو انتخابه رئيسا للجمهورية، لأنه (رئيس التيار الوطني الحر) يعد عدم التمديد قطعا للطريق عليه تماما إلى رئاسة البلاد".
وختم العريضي بالقول: "هناك صراع لبناني داخلي حول التمديد لقائد الجيش ربما يحسم في الدقائق الأخيرة من انتهاء ولايته".
وهو كما حصل مع مدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي "نام على التمديد (اطمأن أنه سيحدث) واستفاق على عدمه".
وحاليا تبلغ التشنجات ذروتها داخل الطائفة المارونية حول من يريد ترحيل تعيين قائد للجيش إلى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية، ورفض وزير الدفاع موريس سليم التمديد بذريعة أن طلب تأجيل التسريح هو من صلب صلاحياته ولا يجوز القفز عنه.
ولذلك فإن رئيس حزب "القوات اللبنانية" المسيحي سمير جعجع، أبدى رأيه بشكل صريح حول موافقته على التمديد لقائد الجيش خلال لقائه بالموفد الفرنسي الخاص إلى لبنان، جان إيف لودريان في بيروت بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وقال جعجع إنه "في خضم الظروف الحالية، من الجنون ترك المؤسسة العسكرية تحت أهواء مختلفة وطروحات غريبة ونتحرز لما يجب القيام به، ولا سيما ان الحل الأبسط بين أيدينا يكمن في التمديد سنة واحدة للعماد جوزيف عون".
التمديد أو الرئاسة
أمام حالة الاستعصاء الراهنة تكثف الأحزاب اللبنانية تحركاتها للدعوة إلى جلسة برلمانية قبل نهاية عام 2023 للموافقة على التمديد لقائد الجيش.
وتطرح بعض الأحزاب مخرجا شاملا يتضمن التمديد لمدة عامين لكل المؤسسات العسكرية في لبنان لتجاوز ما يوصف "بالكيد السياسي".
وقد بات من الواضح أن التمديد لقائد الجيش الحالي في لبنان هو أحد العقد الأساسية في حلحلة اختيار رئيس الجمهورية الذي يعد من حصة الطائفة المارونية كذلك.
إذ أكدت تقارير صحفية أن اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان والتي تضم ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، لإنهاء الشغور الرئاسي، كثفت حراكها أخيرا بشأن التمديد لقائد الجيش في الوقت الراهن.
وضمن هذه الجزئية، نقل موقع "نداء الوطن" عن مصادر وصفها بـ "واسعة الاطلاع" في 3 ديسمبر 2023 قولها إن الموفد القطري الذي سيصل بيروت خلال ذات الشهر "سيوضح أن أمام لبنان خيارا من اثنين: إما الذهاب الآن للتمديد لقائد الجيش، أو رئيس جديد للجمهورية".
وأضافت المصادر ذاتها وفق ما نقل الموقع بالقول: "من لا يريد التمديد لقائد الجيش، يضع نفسه في مواجهة اللجنة الخماسية، لأنه يشرع البلد على الفوضى ويضعه خارج الشرعية الدولية ما يعرض لبنان لاحتمالات خطرة".
وراحت تقول: "إن حتمية الخيار الثالث (تكمن) في الانتخابات (بتوافق برلماني حزبي) مع غياب حظوظ خياري المرشحين المطروحين حاليا (سليمان فرنجية وجهاد أزعور) وهو ما يستدعي الذهاب الى التقاطع والتوافق لاستيفاء شروط المصلحة اللبنانية واللحظة السياسية".
كما أنّ إجراء انتخابات رئاسية الآن، من شأنه استكمال بنية الدولة المؤسساتية، ما يغني عن تمديد ولاية قائد الجيش، وفق المصادر.
وخلصت إلى القول: "في حال تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية، فإن المجتمع الدولي لا يمكن أن يقبل بتفريغ مؤسسة الجيش في مرحلة دقيقة وحرجة".
والأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان عام 2019، وصنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، وأودت بـ 90 بالمئة من المواطنين في براثن الفقر، ألقت بصعوبات كبرى على الجيش اللبناني تتعلق بتأمين حاجاته الأساسية من غذاء وأدوية وصيانة عتاد.
ويؤثر الانهيار الاقتصادي بشكل مباشر على القدرات العملياتية للجيش؛ ما يؤدي إلى تجفيف رواتب الجنود وتدمير روحهم المعنوية.
ويعتمد الجيش اللبناني على المساعدات الخارجية من عدد من الدول العربية والغربية على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا.
وتنظر واشنطن إلى الجيش اللبناني كقوة يجب أن تبقى مكافئة أو أقوى من حزب الله الذي يبلغ عدد مقاتليه مئة ألف في لبنان، وهو رقم يماثل عدد قوات الجيش.