انتخابات شرق ألمانيا.. كيف فتحت جرح جدار برلين المغلق منذ 34 عاما؟

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

توجه الناخبون في ولايتي تورينغن وسكسونيا شرقي ألمانيا في الأول من سبتمبر/ أيلول 2024، إلى صناديق الاقتراع في انتخابات ترجح استطلاعات الرأي أفضلية اليمين المتطرف فيها.

وتقول صحيفة إلباييس الإسبانية إن الانتخابات تزيح الستار عن الجروح التي لا تزال مفتوحة بين ألمانيا الشرقية القديمة (الديمقراطية)، وبين نظيرتها الغربية. 

وأظهرت استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي المصنف متطرفا في بعض ولايات ألمانيا بوضوح في تورينغن وتأخره بفارق ضئيل عن الحزب المسيحي الديمقراطي (يمين الوسط) في سكسونيا.

ويتنافس معهما حزب شعبوي آخر، وهو "تحالف سارا فاغنكنشت" اليساري الداعي لتشديد سياسة الهجرة، والذي أطلق حديثا.

وقد تؤدي انتكاسات جديدة في هذه الانتخابات للأحزاب الثلاثة المكونة للائتلاف الحاكم على المستوى الاتحادي (الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر) إلى تأجيج الصراع الداخلي المرير بين الوزراء قبل عام واحد من الانتخابات البرلمانية العامة في سبتمبر 2025.

خيبة أمل

وتقول الصحيفة الإسبانية إن العديد من ألمان الشرق لا يترددون في التعبير عن خيبة آمالهم من النظام الألماني الحالي، على غرار أندرياس ماير، الذي كان يبلغ الخامسة من عمره في 1990، سنة إعادة توحيد ألمانيا. 

وهذا المواطن الألماني، لا يتذكر كيف كانت الحياة في ظل النظام الشيوعي أو السنوات الأولى من الجمهورية الفيدرالية.

إلا أنه "يتفهم تماما لأولئك الذين مازالوا يشيرون إلى تلك الفترة لتبرير خيبة أملهم الحالية تجاه النظام الديمقراطي". 

ويعلق قائلا: "ليس هناك ألمانيا واحدة، لا تزال هناك اثنتان. ويبدو لي أن السياسيين ليسوا على دراية بهذه الحقيقة، أو أنهم لا يريدون رؤيتها".

ويشير إلى أنه يرى خيبة الأمل هذه في جيل والده، عندما يتذكرون بحسرة تلك الفترة الزمنية، التي ازدهر فيها سوق العمل، وعمّ فيها الأمن، كما "يستحضرون سوء المعاملة التي تقابلهم بها برلين". 

ونقلت الصحيفة أن سكسونيا، وعاصمتها درسدن، أصبحت اليوم ولاية متطورة، وجامعية، تستقطب الكثير من المواهب الشابة من جميع أنحاء البلاد. 

لكن رغم ذلك، يقول ماير، الذي يحظى بوظيفة جيدة في الاستشارات، إن الاستياء والشعور بالتخلي لا يزالان مستقرين في المدينة. 

وبعد 35 سنة من سقوط جدار برلين، لا تزال الفجوة بين الشرق والغرب مفتوحة، وتساعد على توضيح سبب تفوق الشعبويين اليمينيين من حزب البديل لألمانيا في الاستطلاعات المتعلقة بالانتخابات في هذه المنطقة وفي المنطقة المجاورة، تورينغن.

وأشارت الصحيفة إلى أن المنطقتين، الشرقية والغربية، تتقاربان وتتجانسان شيئا فشيئا، لكن الاختلافات لا تزال قائمة. 

وبغض النظر عن الإنتاج الاقتصادي للفرد، أو الدخل المتاح أو إنتاجية العمل، يظل الشرق أكثر فقرا من الغرب. 

في الحقيقة، كان التغيير الراديكالي للاقتصاد المخطط لجمهورية الديمقراطية الألمانية السابقة إلى الاقتصاد الاجتماعي في سوق المنطقة الغربية مؤلما. 

ففي هذه العملية، جرى خصخصة جميع الشركات الحكومية في غضون سنوات قليلة وفقدت 70 بالمئة من الوظائف. نتيجة لذلك، غرقت مناطق بأكملها في موجة من التراجع الاقتصادي.

اختلافات جوهرية

وسنة 2005، كان معدل البطالة في الولايات الشرقية في حدود حوالي 19 بالمئة. 

وفي سنة 2023، انخفض بالفعل إلى 7.2 بالمئة، ومع ذلك، لا يزال أعلى من متوسط ​​ألمانيا الغربية، في حدود 5.3 بالمئة. 

وهناك أيضا اختلافات في الرواتب، حيث يكسب موظفو الشرق حوالي 16 بالمئة أقل من المتوسط ​​بالغرب، وفقا لدراسة حديثة لمؤسسة بيرتلمسمان. 

أما معاشات التقاعد، فهي واحدة من أعظم المظالم لعمال ألمانيا الشرقية السابقين؛ حيث لم تصل إلى معدلات الغرب حتى يوليو/تموز 2023.

ونوهت الصحيفة إلى أن كل هذا سيترجم في نتائج الانتخابات، وسيكون خير دليل على أن ألمانيا قد فشلت في دمج الشرق سياسيا بعد سقوط الجدار.

وتابعت: “تتجاوز عدم المساواة الظروف المادية. وتحديدا، يعد تمثيل الشرق في دوائر السلطة ضئيلا على نطاق اتحادي، على الرغم من وجود أسماء بارزة مثل المستشارة السابقة، أنجيلا ميركل، أو الرئيس الفيدرالي السابق، يواخيم غاوك”.

وكشفت دراسة استقصائية حديثة أن 14.3 بالمئة فقط من المسؤولين بالحكومة قد وُلدوا في شرق ألمانيا. 

فضلا عن ذلك، هناك فقط اثنان من أصل 35 من وزراء الدولة في حكومة الديمقراطي الاشتراكي، أولاف شولتز، ممن ينحدرون من ألمانيا الشرقية السابقة، في وقت يمثل فيه السكان في الشرق 20 بالمئة من إجمالي السكان. 

لهذا السبب، يطالب حزب اليسار الألماني "بحصة الشرق" في الوظائف الحكومية العالية.

ونقلت الصحيفة أن مواقف النظام السياسي والمجتمع والديمقراطية تفسر سبب تمرد الألمان الشرقيين ضد الأحزاب التقليدية. 

وعلى وجه الخصوص، هناك احتمالات أكبر، أو تصل إلى الضعف، ليشعر سكان المنطقة الشرقية بالشعور بالتخلي أو أنهم أصبحوا في طي النسيان.

أما الاحتمال في المنطقة الغربية فهو في حدود 8 بالمئة مقارنة بحوالي 19 بالمئة في الشرق. 

وتؤكد هذه الأرقام دراسة اجتماعية سنوية شاملة تحلل مزاج المواطنين الألمان. وتحديدا، بين سكان الشرق، يستقر الانطباع بأن السياسيين ليسوا مهتمين بهم أو لا يفعلون ما يكفي لهم.

عدم رضا

ونقلت الصحيفة عن ماريون ريزر، وهي عالمة سياسية في جامعة جينا فريدريش شيلر، أن “الشعور بعدم الرضا يجب أن يؤخذ على محمل الجد”.

وقالت إن أولئك الذين يرون أنفسهم أو منطقتهم "في طي النسيان" هم أكثر عرضة لتبني مواقف شعبوية وأقل رضا عن سير الديمقراطية. 

وبحسب استطلاعات، يعد 40 بالمئة في الغرب غير راضين عن عمل الديمقراطية، وترتفع النسبة المئوية إلى 56 بالمئة بين الألمان الشرقيين.

في المقابل، بحسب مفوض الحكومة الفيدرالية لألمانيا الشرقية كارستن شنايدر: "يتم تضخيم العديد من التحديات التي تواجه البلاد ككل في الأجزاء الشرقية".

وبحسب أرقام سنة 2023، يوجد في الشرق ارتفاع معدل انتشار المواقف الكراهية للأجانب، بالإضافة إلى عدد أكبر من حالات العنف بقيادة اليمين المتطرف والأخرى العنصرية.

وإن لم تكن الدراسات الاستقصائية خاطئة، فسيختار واحد من بين كل ثلاثة ناخبين حزب البديل من أجل ألمانيا.

وهو حزب معادٍ للهجرة وبقوة، ويمثله في تورينغن، بيورن هوكه، كمرشح؛ وهو متطرف مدان لاستخدام شعارات النازية، وفق الصحيفة. 

وأوضحت أن معرفة تاريخ جمهورية ألمانيا الديمقراطية والصدمة التي خلفتها عملية التوحيد يساعد على فهم سياق الاستقطاب الذي تعيشه هذه المناطق الآن.

إذ تعقد في مدن صغيرة مظاهرات تحمل علامات النازية الجديدة من حين لآخر، تقابلها احتجاجات أخرى مضادة لمكافحة الفاشية.