"كسرت القاعدة".. لماذا أنهت الصين سياسة الحياد في القارة السمراء؟

“القتال شرق الكونغو الديمقراطية أجبر بكين على إعادة النظر في سياسة الحياد”
لأول مرة، تغيّر الصين موقفها وتنحاز إلى أحد الأطراف بشكل واضح؛ حيث طالب مندوب الصين لدى الأمم المتحدة، فو كونغ، رواندا بالتوقف عن التدخل في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وإجبار الجماعة المتمردة "إم 23" على مغادرة البلاد.
ورأت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية أن هذه "خطوة غير مسبوقة من جانب الدبلوماسية الصينية، التي كانت سابقا تحاول عدم الانحياز لأي طرف في الصراعات الإقليمية، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالدول النامية، التي تعد بكين نفسها زعيمة لها".
خطوة نادرة
وبحسب الصحيفة، "صرحت الصين بشكل مباشر: يجب على رواندا سحب قواتها من جمهورية الكونغو الديمقراطية والتوقف عن دعم المتمردين في تلك الولاية".
وتابعت: "وجهت بكين مثل هذه الدعوة مرتين هذا العام، ودعا مندوب بكين لدى الأمم المتحدة رواندا إلى الأخذ في الحسبان موقف المجتمع الدولي ورفض تقديم المساعدة العسكرية لمتمردي (جماعة إم 23) التي استولت على جزء من أراضي الكونغو الديمقراطية، مما أدى إلى حدوث أزمة إنسانية هناك".
وأشارت الصحيفة إلى أن الصين "صوتت أيضا لصالح قرار في مجلس الأمن الدولي يدين رواندا بسبب تدخلها في شؤون جارتها".
وأوضحت أن "هذه خطوة نادرة من جانب الصين، التي عادة ما تمتنع عن التصويت عندما يكون حليف أو شريك مقرب متورطا في نزاع، حيث تؤكد بكين أن سياستها لا تقوم على التدخل في الصراعات بين الدول الإفريقية".
واستدركت: "لكن هذه المرة، فإن تحركات الصين لا تنبع من المبادئ، بل من الرغبة في حماية مليارات الدولارات من الاستثمارات في الموارد المعدنية في الكونغو الديمقراطية، حيث تقوم الشركات الصينية باستخراج المعادن هناك".
ولفتت الصحيفة إلى أن "هذا الأمر يتعلق على وجه الخصوص بالمناجم التي طُورت فيها رواسب خام الكولتان".
وأوضحت أنها “مادة خام مهمة تستخدم في إنتاج الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والمعدات الطبية؛ حيث يوجد 80 بالمئة من الودائع في إفريقيا، خاصة في الكونغو الديمقراطية”.
إعادة النظر
ورغم أن الصين -وفق الصحيفة الروسية- اتخذت موقفا حذرا وحاولت أن تبدو محايدة، إلا أن "القتال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية أجبر بكين على إعادة النظر في هذه السياسة".
وتابعت: "تعرضت رواندا في السابق لانتقادات بسبب مساهمتها في تأجيج الصراع، وأخيرا انضمت الصين إلى جوقة المنتقدين، ولكنها تسير على حبل دبلوماسي مشدود، إذ تحاول الحفاظ على علاقات وثيقة مع كلا الجانبين في النزاع".
وأكدت الصحيفة أن الصين "حاولت لسنوات عديدة الحفاظ على مظهر القوة المحايدة".
واستطردت: "على سبيل المثال، منذ عام 2020، ظلت الصين صامتة بشأن سلسلة كاملة من الانقلابات في منطقة الساحل، وكان التعليق الوحيد الذي أدلى به الممثلون الصينيون هو دعوة الحكومات إلى الاهتمام بالشعوب".
وذكرت الصحيفة أن "بكين ترى أن الجهة المسؤولة عن وقف إراقة الدماء هي الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي".
واستطردت: "وقد تجددت الصراعات في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 2021، ومع ذلك، ليس من السهل فهم تفاصيلها".
وأفادت بأن "الزعماء المسلحين ينتمون إلى عرقية التوتسي".
ويبررون حملهم للسلاح بأنهم "يدافعون عن حقوق الأقليات"، ويدعون أيضا أن "حكومة الكونغو الديمقراطية لا تحترم اتفاق السلام الذي توصل إليه في وقت سابق".
وتحدثت الصحيفة عن أن "الصين أدانت رواندا بعد أن أصدر خبراء الأمم المتحدة تقريرا يدينها، لا شك في ذلك".
وأردفت: "لكن الحقيقة هي أيضا أن الصراع متجذر في مقاطعتي شمال وجنوب كيفو؛ موطن العديد من مناجم الذهب التي تديرها الصين".
واستطردت: "تمكنت مجموعة إم 23 من ترسيخ سيطرتها على المناطق التي يستخرج فيها خام الكولتان، الذي تستورده الصين على نطاق واسع".
ونقلت الصحيفة عن خبراء الأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول 2024، قولهم: "إن جماعة إم 23 كانت تقوم بتهريب الكولتان إلى رواندا، ومن عام 2022 إلى عام 2023، ارتفعت صادرات الكولتان من رواندا بنسبة 50 بالمئة"
وأشارت أيضا إلى "مادة الكوبالت، وهي مادة خام أخرى تشتريها الصين من جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن مناجمه تقع في جنوب البلاد، بعيدا عن مناطق الاشتباكات".
علاقات مزدوجة
وقالت الصحيفة: "للوهلة الأولى، يبدو أن الصين تراهن على الكونغو الديمقراطية، حيث تعمل عشرات الشركات الصينية على بناء طرق وشبكات اتصالات ومنشآت للطاقة الكهرومائية؛ لكن الواقع يقول إن بكين تتمتع بعلاقات عسكرية مع كلا الطرفين المتحاربين".
وأوضحت: "حيث إن الصين تزود كليهما بالأسلحة".
واستطردت: "فبالنسبة لرواندا، زودتها الصين بالأسلحة على مدار 20 عاما، حيث اشترت مدرعات صينية ومدافع وصواريخ مضادة للدبابات".
وأضافت: "أما جيش الكونغو الديمقراطية، فيمتلك مدرعات قتالية صينية ودبابات وأنظمة استطلاع جوي بدون طيار، كما أنه استخدم طائرات بدون طيار صينية في معاركه ضد المتمردين".
وفي حديث مع صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا"، أشار المدير العلمي لمعهد الصين وآسيا الحديثة في الأكاديمية الروسية للعلوم، ألكسندر لوكين، إلى أن "الصين تحرص على عدم التدخل في النزاعات بين الدول النامية".
وأردف: "ففي الأصل، تمتلك علاقات جيدة مع الجميع، وتسعى لتكون زعيمة العالم الجنوبي، وكلا البلدين ينتميان إلى هذه الفئة".
واستدرك لوكين: "لكن في هذه الحالة، تأكد أن روندا أرسلت جنودا إلى الكونغو الديمقراطية، التي هي أكبر بكثير من حيث المساحة والسكان مقارنة برواندا، لكن إدارتها سيئة".
واسترسل: "وبسبب الوجود الكبير للأعمال الصينية في الكونغو، قررت بكين دعمها".
وأضاف: "كما أن الكونغو تحتل مكانة بارزة في إفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الصينية".
ولفتت الصحيفة إلى "ضرورة عدم إغفال توازن القوى في القارة السمراء؛ حيث أصبحت الصين المستثمر الرئيس في العديد من الدول الإفريقية".
واختتمت قائلا: "لكن الأمر لا يقتصر على المصالح الاقتصادية فقط، فالأفارقة يتذكرون أن الصين دعمت حركاتهم المناهضة للاستعمار، كما أن بكين دائما ما تعارض انتهاك وحدة الدول وسيادتها".