الأردن والعراق وسوريا ولبنان يتفقون على محاربة المخدرات.. ما مدى جديتهم؟

منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

أثار تأسيس "خلية اتصال مشتركة" بين الأردن والعراق وسوريا ولبنان لمكافحة المخدرات في 17 فبراير/شباط 2024، تساؤلات عدة عن مدى جدية هذه الدول تجاه المهمة المذكورة، ولاسيما الثلاثة الأخيرة منها، كونها المتهم الأساس في التهريب أو المساهمة في تمرير هذه المواد.

وتعنى الخلية باتصال ضباط منها لتبادل الخبرات والتدريب والقدرات، وبشكل رئيس متابعة المعلومات سواء السابقة أو اللاحقة وتتبع الشحنات الخارجة من الدول إلى وجهتها النهائية، وفقا لما جاء في تصريح وزير داخلية الأردن مازن الفراية في 17 فبراير.

وأكد الفراية خلال مؤتمر صحفي مع وزراء داخلية الدول الثلاث الأخرى بعد اجتماع لهم في عمّان، أنهم "تحدثوا بكل صراحة عن المشكلات التي تواجههم في هذا المجال إن كان في مجال المعلومات أو العمليات على الأرض أو الإمكانيات للتعامل مع هذه الظاهرة".

"مشروع دولي"

وعن مدى جدية الدول في مكافحة المخدرات، قال المحلل السياسي السوري، أحمد كامل، إن "الأمر غير جدي على الإطلاق، فهو يشبه جمع الجاني والضحية بمكان واحد للتفاهم على المسؤولية، لأن النظام السوري لا يستطيع أبدا إيقاف تصدير الكبتاغون لأنه يعيش عليه".

وأضاف كامل لـ"الاستقلال" أن "النظام السوري خسر كل شيء في سوريا، لأن المناطق التي فيها النفط والغاز والماء والقمح، وكل المحاصيل الإستراتيجية كلها خارج سلطته، وأن الاقتصاد البلاد متوقف كليا، والطريق إلى تركيا وأوروبا والعالم مقطوع".

ولفت إلى أن "النظام ليس لديه سوى ثلث الشعب السوري، والثلثان الآخران خارج سلطته إما في الشمال الشرقي أو الشمال الغربي أو خارج سوريا"، مبينا أن الاقتصاد ميت في المنطقة التي يديرها مع روسيا وإيران، "لذلك هو مضطر أن يعيش على المخدرات".

وتابع: "الأمر الثاني، هو أن قضية المخدرات ليست تابعة للنظام السوري وحده، وإنما مشروع دولي، لأن إيران أيضا تمول وجودها في سوريا والعراق ولبنان من خلال التجارة بهذه المواد، وحتى حزب الله اللبناني يعيش عليها".

وأكد كامل أنه "حتى إذا افترضنا أن النظام السوري أراد أن يوقف تهريب الكبتاغون، فإن إيران وحزب الله اللبناني، يرفضان ذلك".

ويقال إن السعودية عرضت على النظام 4 مليارات دولار مقابل التوقف عن تهريب المخدرات، ولم يوقفها لأن الموضوع ليس بيده، وفق كامل.

ولفت إلى أن "تهريب الكبتاغون أصبح بمثابة شركة دولية، لأن الهدف من تصديره ليس الحصول على المال فقط، وإنما لتخريب المجتمعات المستهدفة من هذا التصدير، وهي: السعودية في الدرجة الأولى، ثم الإمارات والبحرين وسلطنة عمان".

في المقابل، يقول الباحث في الشأن العراقي، أدهم القيسي، إن "الأردن ولبنان والعراق كحكومات رسمية جادة بالفعل في محاربة المخدرات، لكن في سوريا الأمر مختلف تماما، لأن تجارة الكبتاغون يديرها رئيس النظام (بشار الأسد)".

ولفت القيسي في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "تهريب الحشيش والهيروين والكوكايين من لبنان، هو مصدر مالي لحزب الله، الذي له علاقات واسعة في هذا المجال مع مصادر من أميركا اللاتينية فما بالك بالوطن العربي. أما الأردن، فيتبع سياسة -ابعد عني لا أريد خيرك ولا شرك-".

وأوضح الباحث أن "الأردن الوحيد بين الدول الثلاث من يملك إرادته ويحاول منع تهريب المخدرات فعليا، فهو يحاول قدر المستطاع إبعاد الضرر بدون مواجهة مسلحة، لكنه يلجأ إليها أحيانا بسبب حجم التركيز عليه من الأراضي السورية".

وتابع: "أما في العراق ولبنان فهناك مليشيات أقوى من الدولة وأجهزتها، وتفعل ما تريد، والحكومات فيها مجبورة على أن تساير هذه الجماعات الموالية لإيران من أجل تسيير أمورها وعدم تعكير الأوضاع الداخلية".

ورأى القيسي أن "الغاية من تشكيل لجنة رباعية هي إلقاء المسؤولية على الطرف الذي تأتي منه المخدرات وتقصيره وفق الاتفاق أو التعاون المعلوماتي بين الأجهزة الأمنية، لأن النظام السوري دائما يتبرأ، وحتى لبنان والعراق يخليان مسؤوليتهما".

"اجتماع روتيني"

وعلى الصعيد ذاته، أعرب الخبير الأمني والإستراتيجي الأردني، عمر الرداد عن اعتقاده بأن الاجتماع الرباعي الذي عُقد في العاصمة الأردنية عمّان "يبدو روتينيا"، مؤكدا أن "لجان الاتصال التي تم الإعلان عن تأسيسها موجودة سابقا، وخاصة مع سوريا ولبنان".

وأوضح الرداد خلال تصريح لموقع "السورية نت" في 17 فبراير، أن "هذه اللجان لم تسفر في السابق عن أي نتيجة إيجابية على صعيد إيقاف عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود".

ولفت الخبير الأمني أن "الأردن يريد من خلال الاجتماع الرباعي إظهار وجود تعاون على المستوى الرسمي مع لبنان والعراق وسوريا، والسلطات المعنية مثل الداخلية وهيئات مكافحة المخدرات".

واستدرك: "في المقابل وبالنسبة للدول الثلاث (العراق، سوريا، لبنان) لا يزال السؤال مطروحا حول قدرة وسيطرة الحكومات فيها والسلطات على متابعة شبكات تهريب المخدرات وعمليات التصنيع وفرض السيطرة".

وتساءل الرداد: "هل تستطيع وزارة الداخلية اللبنانية إغلاق مصنع كبتاغون في البقاع؟ وقس على ذلك في سوريا. هل تستطيع الحكومة تحقيق ذلك، وهي المتهمة بالتعاون مع شبكات المخدرات في الجنوب السوري؟".

وأردف: "تبرز تساؤلات أيضا عن مدى قدرة الحكومة العراقية ووزارة الداخلية في بغداد على إحراز أي تقدم على صعيد عمليات التهريب، ولاسيما مع وجود قوات الحشد الشعبي، ومليشيات موالية لإيران، وهي المتهمة بقيادة عمليات التصنيع والتهريب".

ورأى الخبير الأمني الأردني أن "الاجتماع بمثابة ذر الرماد بالعيون. ومن خلاله يحاولون القول إن هذه السلطات والحكومات تتعاون مع الأردن وتعرض التنسيق".

واستبعد الرداد أن "يترتب أي شيء على اللقاء، أو أن القرارات التي اتخذت فيه نوعية أو من شأنها أن تخفف من عمليات التهريب تجاه الأردن".

وشدد الخبير الأردني على أن "الأيام القادمة القليلة ستكشف مدى التزام هذه الحكومات بما جرى الاتفاق عليه، وعلى الأقل في مجالات التنسيق الأمني أو ضبط عمليات التهريب".

من جهته، أكّد مدير إدارة مكافحة المخدرات الأردنية السابق، اللواء طايل المجالي، أن "جهات رسمية" تقف وراء عمليات تصنيع وتهريب المخدرات في الداخل السوري، مشيرا إلى امتلاك جماعات التهريب العديد من الأجهزة والأسلحة المتطورة.

وقال المجالي خلال مقابلة تلفزيونية في 9 فبراير، إن "الأردن يملك معلومات استخبارية تفيد بأنه يوجد في الداخل السوري ما لا يقل عن 295 مصنعا لمواد مخدرة".

أول اختبار

لكن بعد ساعات قليلة من إعلان الدول الأربع تشكيل "خلية الاتصال المشتركة" والتنسيق فيما بينها، أعلن الجيش الأردني خلال بيان رسمي أنه قتل 5 مهربي مخدرات خلال إحباط تهريب كمية كبيرة من المواد المخدرة قادمة من سوريا في 18 فبراير 2023.

ونقل الموقع الإلكتروني للجيش الأردني عن مصدر في القيادة العامة قوله إن "المنطقة العسكرية الشرقية وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية العسكرية وإدارة مكافحة المخدرات أحبطت، ضمن منطقة مسؤوليتها، محاولة تسلل وتهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة قادمة من الأراضي السورية.

وأوضح المصدر (لم يكشف هويته) إلى أن العملية أدّت إلى مقتل 5 من المهربين وإصابة 4 آخرين وضبط كميات كبيرة من المخدرات، فيما تم تحويل المضبوطات إلى الجهات المختصة، مؤكدا أن القوات المسلحة "ماضية في استخدام القدرات والإمكانيات المتوفرة كافة للضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه العبث بالأمن الوطني الأردني".

وخلال السنوات الماضية، شهد الأردن مئات محاولات التسلل وتهريب المخدرات من سوريا في الشمال، والعراق في الشرق؛ بسبب تردي الأوضاع الأمنية فيهما وتواجد مليشيات موالية لإيران على المثلث الحدودي الرابط بين هذه الدول الثلاث.

لكن نشاط عصابات تهريب المخدرات عبر الحدود مع سوريا، ازداد بشكل ملحوظ منذ دخول فصل الشتاء، وهو ما دفع الطائرات الحربية الأردنية لشنّ عدد من الغارات الجوية في الجنوب السوري، أدت إلى مقتل مهربين وسقوط قتلى مدنيين.

وفي 7 فبراير، أعلن الجيش الأردني، عبر بيان رسمي، إصابة أحد أفراده من قوات حرس الحدود أثناء إحباط عملية تهريب مخدرات من سوريا، وأسفرت عن مقتل 3 مهربين وإصابة آخرين، إضافة لضبط كميات كبيرة من المخدرات.

وخلال يناير/كانون الثاني 2024، شنّت طائرات حربية غارات جوية استهدفت بشكل متتال الأحياء السكنية في بلدتي عَرمان ومَلَح المتجاورتين في ريف السويداء الجنوبي الشرقي، ما أدّى إلى مقتل 10 مدنيين بينهم نساء وأطفال في عرمان.

وأدّت الغارات الأردنية على الأراضي السورية إلى توتر العلاقات بين دمشق وعمّان، إذ تراشقت الحكومة الأردنية الاتهامات مع النظام السوري، الذي هاجم عمليات الأردن هذه، بينما حمّلته عمّان المسؤولية عن تفلت الحدود وتهريب المخدرات عبرها.

وفي مايو/أيار 2021، قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية خلال تقرير لها إن الحدود بين سوريا ولبنان انعدم فيها القانون، وباتت مرتعا لعمليات التهريب، التي يتورط فيها مسؤولون من الجانبين.

وينقل المهربون الحشيش والكبتاغون عبر طريق يمتد من سهل البقاع اللبناني ومدينة القصير السورية الحدودية، والطرق شمالا باتجاه مينائي اللاذقية وطرطوس، طبقا للتقرير.

وبين أن اللاذقية تقع تحت عيون ومراقبة كثيفة من أجهزة أمنية واستخباراتية أميركية وأوروبية. ورغم ذلك، وقعت بعض عمليات التهريب، وجرى إحباطها لاحقا.

ولا يختلف المشهد كثيرا عن الجنوب السوري، حيث تحول خلال الفترة الأخيرة إلى منطلق لعمليات تهريب "كبتاغون" وأسلحة وذخائر ومتفجرات، رغم أن الجيش الأردني أعلن في عدة مرات إلقاء القبض على أفراد من الشبكات، وفقا للصحيفة.