تصاعد الخلافات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي.. كيف يؤثر على العدوان في غزة؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

يتفق جميع أعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي على مواصلة العدوان على قطاع غزة بهدف "القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس"، لكنهم يختلفون حول الأولويات وكيفية إدارة "العمليات العسكرية".

وطفت إلى السطح بعض الخلافات أخيرا بين أعضاء المجلس الذي تشكل بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في مستوطنات غلاف غزة.

فما أسباب الخلافات المتعلقة بإدارة الحرب بين أعضاء المجلس؟ وما مدى تأثيرها على سير "العمليات العسكرية" واستمرارها؟

غانتس وآيزنكوت

آخر مظاهر الخلاف برزت في إجراء الوزير في مجلس الحرب بيني غانتس زيارة إلى واشنطن وأخرى إلى لندن دون إخبار أو أخذ الإذن من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وأصدر مكتب نتنياهو توجيها للسفارة الإسرائيلية في واشنطن ولندن بعدم التعاون مع غانتس رئيس حزب "معسكر الدولة"، وفق ما أفادت القناة 12 الخاصة في 4 مارس/آذار 2024.

ووصل غانتس، في 3 مارس، إلى واشنطن في زيارة التقى خلالها كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي، وجيك سوليفان مستشار الأمن القومي وأنتوني بلينكن وزير الخارجية.

وتأتي زيارة غانتس إلى واشنطن في ظل تقارير أميركية تفيد بأن "صبر إدارة الرئيس جو بايدن بدأ ينفد تجاه سلوك نتنياهو في الحرب والادعاءات بأنه مقيد من قبل شريكيه في الحكومة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش"، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.

وتعكس هذه التقارير تصاعد الخلاف بين نتنياهو وغانتس الذي أظهرت استطلاعات الرأي العام في إسرائيل خلال الأشهر الماضية، ارتفاع شعبيته لتولي رئاسة الحكومة.

وبحسب تقارير إسرائيلية، من بين الخلافات العميقة بين غانتس ونتنياهو، أمور تتعلق بكيفية إدارة العمليات، وملف الأسرى الإسرائيليين في غزة، وخطط اليوم التالي لانتهاء الحرب.

ويدفع غانتس وغادي آيزنكوت الوزير الآخر في مجلس الحرب نحو تقديم تنازلات من أجل التوصل إلى صفقة تبادل أسرى، لكن نتنياهو يعرقل ذلك.

وفي يناير/كانون الثاني 2024، قال آيزنكوت: من المستحيل إعادة المختطفين أحياء دون صفقة ومن يقول غير ذلك كاذب، في إشارة إلى نتنياهو.

ووضع نتنياهو شرطين للتقدم في مفاوضات التبادل، وهما الحصول على قائمة بأسماء المخطوفين الأحياء وتحديد أعداد من سيفرج عنهم من الفلسطينيين مقابل كل إسرائيلي.

وفي 4 مارس، قالت هيئة البث العبرية الرسمية، إن المجلس الوزاري الحربي رفض هذين الشرطين اللذين "يعرقلان محادثات التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى ووقف إطلاق نار".

و"انتقد كابينيت الحرب، نتنياهو بداعي أنه لم يكن ينبغي أصلا طرح هذا الشرط في بداية المحادثات؛ لأنه يمكن التباحث بشأنه عند نهايتها مثلما حدث بالصفقة السابقة"، بحسب الهيئة.

وسادت هدنة بين "حماس" وإسرائيل لمدة أسبوع حتى 1 ديسمبر/كانون الأول 2023، جرى خلالها وقف إطلاق نار وتبادل أسرى وإدخال مساعدات إنسانية محدودة للغاية إلى غزة.

وآنذاك، قدرت تل أبيب وجود نحو 136 أسيرا إسرائيليا في غزة، فيما تحتجز في سجونها ما لا يقل عن 8800 فلسطيني. غير أن "حماس" أعلنت فيما بعد مقتل 70 منهم بسبب القصف.

وفي تصريحات سابقة، قال آيزنكوت إن "الاتفاق مع حماس وحده الذي قد يضمن إطلاق سراح الرهائن" وأن "على إسرائيل أن تسأل نفسها كيف ستستمر مع قيادة فشلت تماما؟".

وفي 19 فبراير/شباط 2024، كشفت القناة 12 عن تسليم آيزنكوت وثيقة تحذير للمجلس بشأن ما حققته إسرائيل حتى الآن في الحرب.

وجاء فيها: "إننا لا نتخذ قرارات مهمة، وهناك صعوبة واضحة في تحقيق أهداف الحرب. لا يوجد إنجاز كامل. من الناحية العملية، لم يتم اتخاذ أي قرارات حاسمة لمدة ثلاثة أشهر".

وبين أن "تفكيك القدرات العسكرية والحكومية لحماس وعودة المختطفين تحقّق جزئيا، كما تمّت استعادة الأمن لسكان المنطقة المحيطة بقطاع غزة. ومع ذلك، فإن حالة إنهاء الحرب التي لا يوجد فيها تهديد من غزة وتعزيز الأمن الشخصي والصمود الوطني لمواطني إسرائيل لم تتحقق".

ورأى أن "هناك خمسة قرارات يجب اتخاذها الآن: الانتقال الكامل إلى المرحلة الثالثة (من الحرب)، وتنفيذ مخطط آخر لعودة المختطفين، ومنع التصعيد في الضفة الغربية، وإعادة السكان إلى الشمال والترويج لبديل مدني لحكم حماس في غزة".

وفي نهاية الوثيقة، وبخ آيزنكوت نتنياهو لاستخدامه مصطلح "النصر المطلق"، وطالب بمناقشة هذا المفهوم بجدية وتوضيحه عمليا.

بن غفير وسموتيريتش

على الجانب الآخر، يرفض بن غفير وسموتيريتش عقد صفقة تبادل وهدنة مع حماس ويؤيدان منع إدخال المساعدات لغزة بشكل كامل، وهو ما يثير خلافات داخلية وأخرى مع واشنطن.

ففي 4 مارس، رفض إيتمار بن غفير، دعوة نائبة الرئيس الأميركي لوقف إطلاق النار في غزة. وكتب في منشور عبر منصة "اكس" باللغة الإنجليزية: "حان الوقت لتدمير حماس، كمالا".

وكانت هاريس أشارت في تصريحات للصحفيين قبلها بساعات إلى أنه "يجب وقف إطلاق النار فورا لستة أسابيع على الأقل، مما سيتيح الإفراج عن المحتجزين وإدخال المساعدات".

وأعلن بن غفير وسموتيريتش أكثر من مرة في الأسابيع الماضية، معارضتهما التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة.

وفي المقابل، دعيا إلى تصعيد الحرب بما في ذلك اجتياح رفح جنوبي القطاع، رغم التحذيرات الدولية ضد أي تحرك إسرائيلي باتجاه المدينة المزدحمة بالنازحين.

وخلال يناير وفبراير 2024، أصدر بن غفير وسموتيريتش العديد من التصريحات هددا فيها نتنياهو بتفكيك الحكومة والانسحاب منها حال أعلن عن التوصل لوقف إطلاق نار نهائي في غزة.

وقال سموتريتش "لن نكون شركاء في الاستسلام أو وقف الحرب أو إطلاق سراح الإرهابيين الملطخة أيديهم بالدماء بالجملة".


 

وأضاف: "جلست مع رئيس الوزراء، وهو يعرف خطوطي الحمراء جيداً"، موضحاً أنه "يجب أن نخوض الحرب حتى النهاية".

كما هدد بن غفير، بأن "صفقة غير شرعية" ستؤدي إلى حل الحكومة و"لن أبقى فيها". وتابع: "نتنياهو يعلم ذلك وموقفي له تأثير كبير عليه".

ولذلك بات نتنياهو محاصرا اليوم بين الاستجابة لوزرائه الأكثر تطرفا في الحكومة خوفا من انسحابهم منها وإسقاطها، وبين غانتس وآيزنكوت اللذين يختلفان معه في طريقة إدارة المعركة ويهدد انسحابهما كذلك بتأجيج الشارع الذي يطالب بعودة الأسرى من غزة.

ودخل الجيش أخيرا على خط هذه الخلافات وسط عدم تحقيق الأهداف العسكرية التي يرددها قادة الاحتلال منذ 7 أكتوبر وأبرزها القضاء على حماس أو تحييد قدراتها.

ففي 4 مارس 2024، كشفت القناة "12" العبرية، عن مشادة كلامية حادة بين رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي ووزراء بحكومة نتنياهو "انتقدوا إنجازات الجيش وقالوا إن الهجوم البري بقطاع غزة لا يسير بشكل جيد".

وقالت القناة: "خلال اجتماع عقد أخيرا، قال الوزراء لرئيس الأركان إن التقدم العسكري بطيء وغير جيد وإن اختيار إبقاء (اقتحام) رفح إلى النهاية لم يكن صائبا".

وأشارت إلى أن الجلسة التي لم تحدد زمنها تعكس "تزايد التوتر بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، وسط تقاذف تحميل المسؤوليات من تلك الأطراف عن 7 أكتوبر".

وقبلها بيوم، كشفت القناة 14 الإسرائيلية الخاصة، عن استقالات واسعة أخيرا في طاقم المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، على خلفية نتائج الحرب.

شملت الاستقالات "موران كاتس الرجل الثاني في طاقم هاغاري، وعددا كبيرا من المسؤولين في نظام المعلومات التابع له، والجنرال ريتشارد هيشت، المتحدث باسم الجيش للإعلام الأجنبي".

حجم التأثير

يرى عاموس هرئيل الكاتب في صحيفة هآرتس 4 مارس، أن القضية الأكثر أهمية بالنسبة لحماس هي وقف الحرب بشكل كامل والانسحاب من غزة مقابل إطلاق سراح الأسرى "وهي مطالب من الصعب على نتنياهو أن يستوعبها".

ولعل الأمر الأكثر أهمية من إطلاق سراح السجناء في المرحلة الأولى هو أن الاستجابة لمطالب الانسحاب الكامل ووقف الأعمال العدائية تعني اعترافاً إسرائيلياً غير مباشر بالفشل، وإنهاء الحرب من دون تحقيق الهدف المعلن المتمثل في القضاء على حكم حماس.

وفي مثل هذه الظروف، سيجد نتنياهو صعوبة في الحفاظ على الجناح اليميني المتطرف في ائتلافه، وفق تقدير هرئيل.

وبين أن نتنياهو لا يذعن لكل لذلك، خوفا من صعوبات سياسية داخلية قد تؤدي إلى انتخابات يخشى خسارتها.

وفي مقال آخر نشرته ذات الصحيفة هآرتس في 14 ديسمبر 2023 أن المستوى السياسي والعسكري يحلم بحرب طويلة من دون أي خطط لإنهائها، ويتجاهل الأسرى، ويعتقد أن الجمهور بدأ يعتاد الخسائر العسكرية.

ومع استمرار الحرب في قطاع غزة، يتزايد القلق بين الجمهور والجيش (وخاصة بين جنود الاحتياط) من أن المعركة يمكن أن تشهد ركوداً وتتحول إلى حرب استنزاف.

ويضيف المقال أنه، رغم أن نتنياهو ووزير الجيش يوآف غالانت والمؤسسة الأمنية يتحدثون علناً كما لو أن لديهم كل الوقت في العالم، فمن الواضح لهم أن الوقت الذي يتعين على إسرائيل مواصلة الحرب فيه بدأ ينفد.

ويرجع ذلك إلى الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن (الإدارة الأكثر تأييداً لإسرائيل على الإطلاق)، والتكلفة التي يتحملها الاقتصاد، والخوف من الركود. 

وحذر المقال من خطر الغرق في وحل شتاء غزة، بالمعنى الحرفي والمجازي، ولا سيما بعد فشل جيش الاحتلال في الأهداف التي وضعها نتنياهو وحكومته عند بدء العدوان.

وفي نفس السياق، يرى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات (مقره قطر) في دراسة نشرها في 14 يناير/كانون الثاني 2024 أن الخلافات والمنافسة المستمرة في صفوف القيادات الإسرائيلية، خاصة بين نتنياهو وغالانت وهليفي وغانتس، تدفع في اتجاه استمرار الحرب.

وأرجع المركز ذلك إلى أن أيًّا من هؤلاء لا يرغب، في ضوء الصراع والمنافسة بينهم، في أن يكون أول من يطرح التساؤلات عن صعوبة تحقيق أهداف الحرب والأثمان التي يجب دفعها؛ وهذا يعني أن الحرب مستمرة مع انتقالها إلى المرحلة الثالثة.

وبدورها، قدّرت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية في 19 يناير 2024، أن حكومة الحرب "تقترب من الانهيار" مع الاستمرار في عدم التوصل إلى صفقة أسرى.

وبالحديث عن غانتس وآيزنكوت، فإنهما يدركان جيدًا أنه لا توجد فرص ملموسة تنتظرهما في القطاع الخاص، وقد تتضاءل شعبيتهما الحالية في استطلاعات الرأي وتتبدد في النهاية حال انسحابهما وسط الحرب، وفق الصحيفة.

ولذلك، ترى أن المعارضة الداخلية القوية من داخل حزب الليكود برئاسة نتنياهو هي التي يمكن أن تؤدي إلى تفكيك الحكومة اليمينية الضيقة، وتؤدي إلى انتخابات أو تشكيل حكومة بديلة.