جرف الصخر.. كيف تحوّلت من سلة العراق الغذائية إلى بؤرة للمليشيات؟

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

عادت مدينة جرف الصخر العراقية إلى الواجهة مجددا، بعد الضربة الأميركية التي استهدفت مقرا للمليشيات في شمال محافظة بابل، وذلك بعد الكشف عن مقتل أفراد من مليشيا الحوثي اليمنية، كانوا موجودين هناك لحظة الهجوم، إضافة إلى عراقيين من "كتائب حزب الله".

الضربة العسكرية الأميركية، التي حصلت في 30 يوليو/ تموز 2024، نالت مقر اللواء 47 من قوات الحشد الشعبي العراقي بمدينة جرف الصخر، الأمر الذي أدى إلى مقتل أربعة من عناصر التشكيل العسكري وإصابة آخرين بجروح، حسب بيان رسمي صادر عن "الحشد".

وترتبط جرف الصخر بجغرافية منبسطة مفتوحة مع محافظة الأنبار، وتتصل ببغداد وكربلاء، كما تعد المنطقة البالغ مساحتها 283 كيلومترا مربعا، قريبة إلى حد ما من الحدود السعودية، وجرى تهجير أهلها البالغ عددهم نحو ربع مليون نسمة على يد المليشيات التي تسيطر عليها حاليا.

"بؤرة للمليشيات"

ورغم أن الحكومة العراقية وصفت الضربة الأميركية بأنها "تجاوز خطير وغير محسوب النتائج"، لكنها لم تتطرق إلى أسباب تواجد مليشيا الحوثي اليمنية في جرف الصخر، ومقتل عدد من عناصرها كانوا متواجدين مع أفراد "كتائب حزب الله" المنضوين ضمن الحشد الشعبي.

وكشفت وكالة "مشرق نيوز" الإيرانية، في 4 أغسطس/آب، أن "حسين عبد الله مستور الشعبل أحد قادة حركة أنصار الله الحوثية لقي مصرعه جراء هجوم أميركي على العراق".

وأضافت أن "حسين عبد الله مستور الشعبل كان في مهمة خارج اليمن ولقي مصرعه جراء هجوم وقع على مواقع عسكرية لكتائب حزب الله العراقي في محافظة بابل".

ونشرت حسابات حوثية صورا تنعى فيها الشعبل، إذ قال الإعلامي المقرب من الحوثيين ووكيل وزارة الشباب والرياضة في حكومتها بصنعاء، أسامة ساري، إن "أبو جهاد" قُتل "قبل أيام"، في حين لم تعلن الجماعة الحوثية عن بقية القتلى بشكل رسمي.

من جهته، كتب معمّر الإرياني وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، على منصة "إكس" قائلا: إن "اعتراف مليشيا الحوثي بمصرع الشعبل، في غارات أميركية على معمل تصنيع الطائرات المسيرة في منطقة جرف الصخر التابع لكتائب حزب الله العراقي، يسلط الضوء على العلاقة المشبوهة بين الكيانين الإرهابيين وتحركهما كأدوات لتنفيذ السياسات التدميرية للنظام الايراني وتحقيق أطماعه التوسعية في المنطقة".

وعلى الصعيد ذاته، نشر الإعلامي العراقي، عثمان المختار على منصة "إكس" في 7 أغسطس ما قال إنها "القائمة النهائية لقتلى مليشيا الحوثي في الضربة الأميركية بمدينة جرف الصخر العراقية جنوبي بغداد".

وأضاف المختار تعليقا على القائمة التي تضم 7 قتلى من مليشيا الحوثي وأربعة من الحشد الشعبي، قائلا: "يظهر أن جميعهم (الحوثيين) قضوا مع مليشيا كتائب حزب الله التابعة لإيران التي تحتل جرف الصخر وتشرد نحو 200 ألف عراقي سني من أهلها".

وأشار إلى أن "المعلومات تؤكد أنه جرى دفنهم في مقبرة وادي السلام بالنجف، وأن أغلب القتلى الحوثيين ينحدرون من محافظة صعدة/ مديرية حيدان".

وبحسب قول الإعلامي العراقي، فإن "القتلى ضمن غُرفة التنسيق بين مليشيات عراقية عديدة أبرزها كتائب حزب الله، والنجباء، وأنصار الله الأوفياء، وبين مليشيا الحوثي".

ولفت المختار إلى أن "المجموعة الحوثية التي قتلت بالضربة الأميركية تعمل ضمن مجال الطائرات المسيرة الانتحارية ثابتة الجناح (تشغيل وتحديد مواقع) GPS. الأهم أنهم لا يقيمون بالمكان المستهدف، بل في حي الجادرية، لكن تم توقيت الضربة بعد وصولهم المبنى بفترة وجيزة".

مخابئ ومصانع

منذ استعادتها من تنظيم الدولة عام 2014، تحوّلت مدينة جرف الصخر الإستراتيجية إلى مصنع لصناعة الطائرات المسيرة، تابع للمليشيات الشيعية المنضوية ضمن قوات الحشد الشعبي، ومرتعا للمليشيات غير العراقية أيضا، فضلا عن التواجد الإيراني المستمر فيها.

وخلال مقابلة تلفزيونية في 16 أبريل/ نيسان 2021، قال رئيس الوزراء العراقي الأسبق، إياد علاوي، إن "جرف الصخر أصبحت منطقة مستقلة فيها مصانع بعد تهجير 60 ألف عائلة من أهالي المنطقة".

وأضاف أن "أبا مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي السابق، قال لي إنه لن يعيد جرف الصخر لأي أحد، وأبلغني أيضا بأنهم الآن يصنعون فيها طائرات مسيرة ولديهم مصانع لذلك".

وكشف علاوي أن "المهندس نصح شيخ عشيرة الجنابيين في جرف الصخر النائب السابق عدنان الجنابي، بأن يذهب إلى إيران لحل موضوع المنطقة، وعندما ذهب أبلغه المسؤولون في طهران بأن موضوعها عند حزب الله اللبناني، وبعدما ذهب إلى لبنان لم يحصل أي شيء".

وقالت كالة "رويترز" البريطانية خلال تقرير لها عام 2018، إن أزمة جرف الصخر لم تعد مسألة نازحين وإشكالية إعادتهم لمنازلهم، بل تحول الناحية إلى منطقة عسكرية معزولة. 

ونقلت الوكالة تصريحات عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين ومصدرين في المخابرات العراقية ومصدرين بمخابرات غربية (لم تكشف هويتهم)، أكدوا فيها أن إيران نقلت صواريخ باليستية قصيرة المدى لحلفائها في العراق.

وقال خمسة من المسؤولين للوكالة إن خبراء في الحرس الثوري الإيراني يساعدون تلك الجماعات على البدء في صنع الصواريخ ضمن خطة بديلة حال تعرضت طهران للهجوم.

والصواريخ المعنية هي "زلزال وفاتح وذو الفقار" ويتراوح مداها بين 200 و700 كيلومتر.

وأكدت الوكالة نقلا عن المصادر أن "هذه الصواريخ جرى تخزينها في منشآت ومعسكرات بمنطقة الزعفرانية شرقي بغداد وجرف الصخر شمالي بابل، وهو نشاط وتدفق صاروخي يتم بعلم الحكومة العراقية رغم نفيها".

من جهته، أفاد "معهد واشنطن" لسياسات الشرق الأوسط، خلال تقرير له في 2019 بأن "مقرات مليشيا حزب الله في العراق أصبحت مضيفًا للصواريخ البالستية الإيرانية ومنها منطقة جرف الصخر".

وأشار إلى أن "هذه الصواريخ يمكن أن تستهدف من هناك إسرائيل أو المملكة العربية السعودية أو قواعد تابعة للقوات الأميركية المنتشرة في المنطقة حال اندلعت الحرب بين طهران وواشنطن".

أرض محرّمة

والمنطقة التي لا يزال سكانها يرزحون في مخيمات النزوح، أصبحت مثار تحدٍ وتندر على هيبة الدولة العراقية ومدى سيطرتها على الأرض.

إذ تحدى النائب في البرلمان رعد الدهلكي، رئيس الحكومة الأسبق عادل عبد المهدي من الذهاب إلى "جرف الصخر" وعقد مؤتمر صحفي فيها.

وقال الدهلكي، خلال مقابلة تلفزيونية عام 2019، إن عبدالمهدي ممنوع من دخول منطقة "جرف الصخر"، مشددا، "أتحداه أن يدخل المنطقة الخضراء للدولة العميقة، وهو لا يستطيع أن يعقد مؤتمرا صحفيا بالقرب منها حتى، وليس دخولها".

وتابع: "إذا ذهب فأنا مستعد لتقديم الاعتذار الرسمي له على القنوات التلفزيونية، لأن عودة النازحين إلى هذه المنطقة تساوي صفر، لأنه حتى اللحظة من يتحكم بالدولة، هي الدولة العميقة"، في إشارة إلى رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي.

وعلى الرغم من وعود متكررة لحكومات حيدر العبادي، وعادل عبد المهدي، ومصطفى الكاظمي، بإعادة النازحين إلى مدينة جرف الصخر التي كانت سلة العراق الغذائية في عقد التسعينات، إلا أن أيا منها لم يتحقق.

وإذا ما رجعنا إلى الوراء قليلا، فإن الحكومة السابقة برئاسة حيدر العبادي (2014 إلى 2018)، هي الأخرى كانت بكل أجهزتها الأمنية، تخشى الذهاب إلى منطقة جرف الصخر.

وما أثار السخرية والاستغراب في الوقت نفسه، هو اعتقال وزير الداخلية الأسبق محمد الغبان حين حاول زيارة المنطقة.

وقال النائب السابق في البرلمان، أحمد المساري: "التقيت برئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، وتحدثت عن مصير آلاف المغيّبين، لأن أهاليهم يريدون معرفة أماكنهم، وفي حال كانوا مذنبين دعوا القانون يأخذ مجراه، وإذا غير ذلك أفرجوا عنهم". 

وتابع المساري خلال مقابلة تلفزيونية عام 2019، بالقول: "قلنا لهم إن هناك معلومات تفيد بأنهم (المغيبين السُنة وعددهم نحو 12 ألفا) في جرف الصخر، فهل تستطيعون الدخول إليها للبحث عنهم؟ الحكومة السابقة والحالية لا تستطيع، لأن المنطقة بيد جهات خارج سيطرة الدولة".

وأوضح النائب السابق، أن “فصائل تدّعي انتماءها للحشد الشعبي، متواجدة وتسيطر على جرف الصخر، وهي خارج سيطرة الدولة”.

وواصل: "لهذا لا تستطيع الدولة الدخول إلى هذه المنطقة وتفقّد المعتقلات، بل حاول وزير الداخلية الأسبق محمد الغبان الدخول واعتقل، وبعد تدخل الدولة كلها، أفرج عنه".