"مليشيا أزهريون الوقحة" بالعراق.. لماذا أغضبت مقتدى الصدر وما علاقتها بمصر؟
تسمية هذا التشكيل أثارت جدلا كون البعض اعتقد أن له علاقة بالأزهر الشريف في مصر
أثار طرد زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، كل المنتمين إلى ما أسماها “مليشيا أزهريون الوقحة”، من تشكيلات "سرايا السلام" الجناح المسلح للتيار، تساؤلات عدة عن طبيعة هذه الجماعة، وتفاصيل تأسيسها.
في 13 سبتمبر/ أيلول 2024، أعلن ما يعرف بوزير زعيم التيار الصدري صالح محمد العراقي، عبر منصة "إكس"، أن "على الأخ المجاهد تحسين الحميداوي (المعاون العسكري للصدر) طرد كل المنتمين للمليشيا الوقحة: (أزهريون) من تشكيلات سرايا السلام".
وأضاف بيان وزير الصدر: "على التيار الوطني الشيعي (تسميه يطلقها على التيار الصدري) مقاطعتهم وتبليغ الجهات الأمنية عنهم وعن أفعالهم المشينة التي تزعزع أمن الوطن"، دون الكشف عن تفاصيل أسباب هذه الخطوة وما الأعمال التي يمارسونها.
"أزهريون صدريون"
تسمية هذا التشكيل أثارت جدلا كون البعض اعتقد أن له علاقة بالأزهر الشريف في مصر، لكن قياديا سابقا في التيار الصدري، أكد أن الأمر ليس كذلك، وإنما يتعلق باسم شخصية قيادية كانت تقاوم الاحتلال الأميركي في الأعوام التي تلت غزوهم للبلاد عام 2003.
وقال قيادي صدري سابق لـ"الاستقلال"، طالبا عدم الكشف عن هويته، إن "التسمية تعود نسبة إلى أزهر الدليمي الذي كان ينتمي إلى جيش المهدي، وقتل عام 2007 على يد القوات الأميركية، فهو صاحب عملية شهيرة في مدينة كربلاء، تمكن خلالها من أسر ثلاثة جنود أميركيين".
و"جيش المهدي" مليشيا مسلحة شكلها مقتدى الصدر عام 2003، لمحاربة القوات الأميركية في العراق، لكنه اتهم بعدها بممارسة عمليات اختطاف وقتل آلاف العراقيين السُنة، أثناء المواجهات الطائفية التي شهدتها البلاد، والتي بلغت ذروتها عامي 2006 و2007.
وأضاف أن "هؤلاء الأزهريين فصيل مستقل، ويعدون أنفسهم امتدادا لهذه الشخصية (أزهر الدليمي)، التي كانت تمثل أحد قيادات المقاومة ضد المحتل الأميركي في تلك المرحلة، لكنها كانت تعمل تحت إشراف مقتدى الصدر".
وأشار إلى أن "قرار الصدر بطردهم يعود إلى كون الأخير يحب تنظيم التيار الصدري بشكل مستمر، وأن تكون جميع المؤسسات تحت إشرافه، خصوصا أن تشكيل أزهريون تأسس خارج قناعات زعيم التيار".
وأكد القيادي الصدري السابق أن "هؤلاء الأزهريين يعلمون بشكل ليس وفق إرادة الصدر، وربما تكون هناك تصرفات ليست بالمستوى المطلوب، ومن شأنها أن تشوّه سمعة التيار أو تتسبب بخرق أمني".
ولفت إلى أن "الصدر يرى أن الإدارة المركزية تحت إشرافه هي الأفضل لذلك أصدر بيانا بطرد هذا التشكيل من سرايا السلام".
ونفى القيادي السابق في التيار الصدري أن يكون "طرد الأزهريين جاء بسبب المشكلة التي حصلت بين سرايا السلام وحماية وزير الداخلية بمدينة سامراء في اليوم نفسه من قرار الطرد".
وأوضح أن "موكب الوزير عبد الأمير الشمري، جاء بمسار مخالف، ولأن سرايا السلام مسؤولة عن حماية مراقد دينية هناك حصلت مشادة بينهما وانتهت".
وأفاد موقع "مانكيش نت" العراقي في 15 سبتمبر، بأن الاعتداء وزير، الداخلية عبد الأمير الشمري أثار غضب الصدر، وعلى خلفية ذلك اتخذ قرارا بطرد فصيل "أزهريون" من سرايا السلام، وأنه سيتخذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد مرتكبي الاعتداء.
شخصية جدلية
بالعودة إلى شخصية أزهر الدليمي، فإن معلومات سردها الباحث في الشأن السياسي العراقي، مجاشع التميمي، لوكالة "بغداد اليوم" العراقية في 15 سبتمبر، تفيد بأن "الأخير خريج الأزهر وقتل على يد القوات الأميركية في عام 2007".
لكن حسابات على منصة "إكس" قريبة من التيار الصدري، ذكرت في مايو/ أيار 2024، أن "أزهر الدليمي، أصله سني، وهو شيخ مسجد، ثم تشيّع وأصبح من أتباع مرجعية محمد محمد صادق الصدر (والد مقتدى)".
وأوضح حساب "أم منتظر الربيعي" القريب من الصدريين، أن "أزهر الدليمي عمل بعد احتلال العراق على مقاومة المحتل الأميركي فأرعبهم وأدخل الخوف في قلوبهم، فهو منفذ عملية أسر جنرالات أميركيين في محافظة كربلاء".
وفي 12 فبراير/ شباط 2024، كشف تقرير لمعهد "واشنطن" أن "أزهر الدليمي هو أحد أقارب عدنان فيحان الدليمي محافظ بابل الحالي، والقيادي في مليشيا عصائب أهل الحق، بقيادة قيس الخزعلي".
وطبقا لذلك، أفاد موقع "لونك وير جورنال" الأميركي في 21 مايو 2007، بأن "أزهر عضو في شبكة الخزعلي، وهي فصيل منشق عن مليشيا جيش المهدي. تمَّ تعقبه وقتله على يد القوات الأميركية في 19 مايو 2007 في مدينة الصدر (شرق بغداد)".
وبحسب شبكة “سي إن إن”، فإن الجيش الأميركي قتل أزهر الدليمي أثناء عملية في مدينة الصدر ببغداد.
وأوضحت الشبكة أن "القوات الأميركية قتلت رجلا تم تحديده على أنه زعيم الهجوم الذي وقع في 20 يناير 2007 على القوات الأميركية في كربلاء بالعراق، والذي أسفر عن مقتل خمسة أميركيين".
ونقلت بيانا عن الجيش الأميركي، ذكر أن "الدليمي ـ الذي كان مسلحا ـ كان يحاول الاختباء على سطح أحد المباني عندما وصلت قوات التحالف إلى مكان الحادث للقبض عليه، لكنه توفي بينما كانت قوات التحالف تنقله إلى منشأة طبية عسكرية"، دون كشف كيفية إصابته.
وحصل الجيش الأميركي على تقارير استخباراتية تفيد بأن الدليمي تلقى تدريبات من الحرس الثوري الإيراني ومليشيا حزب الله في لبنان، "بما في ذلك التدريب على كيفية تنفيذ عمليات خطف"، حسبما جاء في البيان.
وأضاف أن "الدليمي مشتبه به في تورطه في عملية خطف جماعي في مبنى وزارة التعليم العالي العراقية في نوفمبر/تشرين الثاني 2006".
وتعرضت دائرة البعثات الثقافية في وزارة التعليم العالي العراقية إلى حادثة اختطاف مأساوية نالت نحو 100 موظف في نوفمبر 2006 وسط بغداد غالبيتهم من المكوّن السني، بسيارات حكومية تابعة إلى وزارة الداخلية.
وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول 2012، كشفت صحيفة "المدى" العراقية نقلا عن مسؤول أمني عراقي (لم تكشف هويته) أنه عثر على مقبرة جماعية تضم 16 جثة في منطقة السدة على أطراف مدينة الصدر تعود لموظفين لدائرة البعثات التابعة لوزارة التعليم العالي اختطفوا في 2006.
تداعيات محتملة
وبخصوص انعكاسات طرد فصيل "أزهريون" من "سرايا السلام" على الواقع الأمني في العراق، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، مؤيد الدوري، أن "التيار الصدري شهد انشقاقات عديدة منذ ظهوره على الساحة بعد الاحتلال الأميركي عام 2003".
وأوضح الدوري لـ"الاستقلال" أن "أكثر المليشيات إجراما في العراق، خرجت من عباءة التيار الصدري، وأن مصير الأخير هو التفكك لا محال، خصوصا إذا غاب عنه زعيمه مقتدى الصدر لأي ظرف".
من جانبه، رأى الباحث مجاشع التميمي في حديثه لوكالة "بغداد اليوم" أن “الأزهريون هي جماعة عقدية تنتمي للتيار الصدري وتعمل ضمن سرايا السلام، وأن طردهم ورفض الصدر لهم جاء لكونها قد تؤدي مثل هذه التشكيلات إلى التفكك الداخلي للسرايا”
ولفت إلى أن "المعلومات تفيد بأن سلوكيات أعضائها المريبة وعدم الالتزام بالضوابط الشرعية والاجتماعية والعسكرية قد وضعها في دائرة الشك داخل الخط الصدري كونها لا تختلف عن الحركات والجماعات الخارجة عن الخط الاجتماعي السائد وتمثّل "حالة مَرضية" داخل التيار".
وبيّن التميمي أن "هذه الجماعة صُنفت على أنها تحمل أفكارا دخيلة على التيار الصدري خاصة، والمجتمع العراقي عامة، بالتالي الصدر أدرك خطورتها داخل التيار ولمنع الاستفادة من مظلة وحماية الصدريين قرر طردهم، لأن أفكارهم فيها إساءة للصدر، وان زعيم التيار تلقى معلومات كافية حول خروقات معينة لهم".
وأكد الباحث العراقي أن "الصدريين اعتادوا على الانشقاقات منذ سنوات، حيث انشق في السنوات الماضية عدد من الاتباع وبعضهم من المقربين، والصدر لا يتأسف على من انشق لأن مبدأه هو الحفاظ على صورة التيار داخل المجتمع والبقاء على قوته وسمعته وعدم الإساءة لآل الصدر".
قبل انقضاء الحرب الطائفية في العراق عام 2008، تشكلت العديد من المليشيات الشيعية، خرجت معظمها من عباءة الصدر، كانت تقاتل ضمن "جيش المهدي" الذي قرر الصدر تجميده، في أغسطس من العام نفسه، بعدما قاد رئيس الوزراء حينئذ نوري المالكي، حملة عسكرية ضدهم.
وفي لقاءات تلفزيونية وبيانات عدة للصدر، حاول زعيم التيار الصدري التبرؤ من الدماء التي سفكتها مليشيا جيش المهدي، باتهام من يطلق عليهم "المليشيات الوقحة" بالوقوف وراء ارتكابها، في إشارة إلى التشكيلات المسلحة التي تقودها شخصيات انشقت وخرجت عن طاعته.
وفي مايو/ أيار 2017، قال الصدر خلال مقابلة تلفزيونية إن "قيام قيادي في هذه المليشيات الوقحة إبان الحرب الطائفية باختطاف 1500 عراقي، انتقاما لحادثة اختطاف شقيقه"، مؤكدا قيام هؤلاء بعمليات اختطاف متكررة لأشخاص "ذكروا قادتهم بسوء".
ما عدا "سرايا السلام" التابعة للصدر حاليا، والمنضوية ضمن الحشد الشعبي، فإن أبرز المليشيات العاملة على الساحة حاليا خرجت من عباءة "جيش المهدي"، وارتكبت جرائم في العراق، وسوريا بقتالها إلى جانب رئيس النظام بشار الأسد بعد اندلاع الثورة عام 2011.
ومن هذه المليشيات، "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، وحركة "حزب الله النجباء" بزعامة أكرم عباس الكعبي، و"كتائب الإمام علي" التي يرأسها شبل الزيدي.
وكذلك فإن من المليشيات التي خرجت من رحم "جيش المهدي" وجرى حلها لاحقا بعد إنهاء الحرب ضد تنظيم لدولة في العراق عام 2017، هي "لواء أبو الفضل العباس" بقيادة أوس الخفاجي، و"كتائب التيار الرسالي" بزعامة عدنان ارميض الشحماني.
المصادر
- بعد توجيه الصدر بطردهم.. من هم "الأزهريون" وهل يشكلون خطرا على التيار؟
- الصدر يطرد ميليشيا "أزهريون" من صفوف تياره
- العقل المدبر الإرهابي في "عصائب أهل الحق" عدنان فيحان يتولى منصب محافظ بابل
- Azhar al-Dulaimi, the tactical commander of the Karbala PJCC attack, killed
- U.S. military: Architect of U.S. troop abductions killed
- مزايدة وابتزاز.. ماذا وراء مطالبة الصدر بإطلاق سراح مسلحيه من السجون؟
- دأب على مهاجمة الصحابة.. لماذا يُعد الصدر الأكثر تطرفا في العراق؟