باعترافات كتاب وسياسيين.. القضاء على الإخوان المسلمين في مصر وهم كبير
بينما يستعد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي لخوض الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2023، ليدشن فترة ثالثة من حكمه الذي بدأه بانقلاب عسكري، يحضر الإخوان المسلمون بقوة في المشهد رغم اعتقالهم والتنكيل بهم على مدار 10 سنوات كاملة.
وتواصل وسائل إعلام موالية للنظام الهجوم على الإخوان المسلمين، وبعضهم تحدث أنها المقصودة في الخطاب الذي ألقاء السيسي بمناسبة ترشحه للانتخابات في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما وصفها بـ "جماعة الشر".
وتخوض الجماعة حاليا المحنة الأصعب في تاريخها، رغم أنها تجاوزت زمن الناصرية الصعب (في إشارة إلى فترة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر)، ثم تعايشت لأكثر من 40 سنة مع حالة عداء مستحكم تحت حكم الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك.
البعض يرجع ذلك الصمود إلى تراكم الخبرات الكافية داخل جسد الجماعة، ما جعلها قادرة على مواجهة تداعيات انقلاب الجيش عام 2013 على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، وما تلاه من قرار حلها الثالث في 2 سبتمبر/أيلول من نفس العام.
وبعد تولي السيسي الحكم رسميا في يونيو/حزيران 2014، تعرضت الجماعة لعمليات تصفية شاملة بضرب هيكلها التنظيمي وشل قدرتها على إعادة بناء قواعدها واستعادة وجودها الجماهيري، حيث وصل عدد المعتقلين لأكثر من 60 ألفا، غير من تعرضوا للإعدام والقتل داخل السجون.
وهم كبير
ورغم صدور العديد من البيانات التي بشرت بقرب نهاية الإخوان، عقب الضربات الأمنية المتلاحقة التي ألمت بها، والسياق الإقليمي الذي رغب في إزالتها بقيادة الإمارات، فقد فشل النظام في محو الجماعة.
واستمرت جماعة الإخوان كجزء من الحالة العامة، وهو ما رصده العديد من المحللين العرب والغربيين، وكثير من الدراسات التي أصدرتها المراكز البحثية الدولية.
وفي 2 أكتوبر 2023، أدلى الصحفي والكاتب المصري عبد الله السناوي، بتصريحات لصحيفة "إندبندنت عربية" المملوكة للسعودية، تحدث فيها عن الحالة المصرية.
ومما ذكره عندما سئل "هل الإخوان المسلمين انتهوا؟"، أن "من يرى أن الجماعة انتهت بعد 10 سنوات واهم، وعودتهم لم تعد مستحيلة".
ثم أوضح: "لدينا مشكلة منذ فترة طويلة والحقيقة أنها ممتدة وموروثة من عهد الرئيس مبارك أننا ليست لدينا إستراتيجية واضحة للتعامل مع الإخوان المسلمين باستثناء القبضة الأمنية، ليس لدينا في الذخيرة السياسية سوى القبضة الحديدية".
وقال السناوي: "أذكر أن أحد الشخصيات المحسوبة على التيار المدني كتب حول أن الإخوان المسلمين مكون رئيس في أي جبهة للتغيير، ووجدت تقريبا 95 بالمئة موافقين على هذا الطرح".
وأوضح: "هؤلاء من الجمهور العادي، وهذا معناه فشل ذريع للسياسات الحالية في مواجهة الإخوان المسلمين، فشل ممزوج بحالة من عدم الاستعداد للنقاش".
وتوقع الكاتب المصري الذي ترأس تحرير صحيفة "العربي" المصرية، أن يعود الإخوان إلى المشهد مرة أخرى.
وأردف: "سنفاجأ بأن الإخوان المسلمين فوق رؤوسنا، بسبب السياسة الحالية الخاطئة، فلا تفكير ولا فهم سياسيا، توجد عصبية زائدة، شتائم، مع إضعاف للقوى المدنية، بالتالي البلد أصبح في وضع هش، وتلك الهشاشة تجعل كل شيء محتملا".
وعزز طرح السناوي، تصريحات للمرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، الذي يخوض معركة شرسة لجمع التوكيلات للدخول إلى الانتخابات في مواجهة السيسي.
وعندما استعرض الطنطاوي ملامح برنامجه الانتخابي في 28 سبتمبر/أيلول 2023، في لقاء خاص مع موقع "المنصة" المصري، سئل أيضا عن الإخوان المسلمين وحضورهم في المشهد.
ورفض الطنطاوي إلصاق تهم العنف والإرهاب بالجماعة ككل. وقال: "الجريمة شخصية ولا محاكمة إلا بنص وبعد ضمانات العدالة والنزاهة".
وهو ما جعل كثيرا من وسائل الإعلام التابعة للسلطة ترمي الطنطاوي بالتهمة الدارجة أنه مرشح "الإخوان" كما ذكر مصطفى بكري الإعلامي المقرب من السيسي.
أسباب البقاء
وأرجعت تقارير سبب بقاء الإخوان مع شدة الضربات الموجهة لهم إلى عدة عوامل، منها ما نشرته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، على موقعها الإلكتروني في ديسمبر/كانون أول 2011.
إذ أظهرت تقريرا قديما رفعت عنه السرية، أكدت فيه أن قوة جماعة الإخوان المسلمين تكمن في وحدتهم، وتماسك تنظيمهم، وإمكاناتهم المالية والخدمية، وتغلغلهم في مؤسسات المجتمع المدني المصري.
وفي 30 أغسطس/آب 2023، نشر الكاتب والباحث الأميركي، ستيفن كوك، مقالة لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية بعنوان "السيسي يحكم مصر بالخوف وهو محكوم به".
وأوضح كوك أنه في السنوات الأخيرة أصبح قمع الإخوان المسلمين والادعاء بأن منتقدي الحكومة أعضاء في الجماعة أو يتلقون أموالا منها، أكثر وضوحا وخطورة.
وعلل ذلك بأن السيسي سعى إلى إعادة صياغة خطاب القومية المصرية، مستبعدا منه الإخوان المسلمين.
ثم أوضح الباحث الأميركي أن القومية لا تنشأ بطريقة عفوية، وأنها نتيجة لمشاريع سياسية متضافرة، وبالتالي تخضع بشكل دوري لإعادة التفسير لتناسب احتياجات القادة السياسيين".
وأتبع: "بالفعل حاول السيسي، إعادة كتابة الخطاب القومي في مصر، لكن جهوده لإبعاد الإخوان المسلمين فشلت تماما".
وفسر الكاتب هذا الفشل بأن الإخوان لعبوا دورا مهما في الأحداث القومية الكبرى التي مرت بها مصر في القرن العشرين، إذ ثاروا ضد المحتل البريطاني، وعارضوا الملك فاروق.
ولكن ما يبرهن رؤية الكتاب والسياسيين عن استحضار الإخوان في المشهد السياسي بشكل دائم سواء حاضرا أو مستقبلا، هو أن الجماعة ما زالت لها حاضنة شعبية كبيرة، مقارنة ببقية القوى والتنظيمات السياسية.
وقال استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى عام 2017، إن الجماعة تحظى بدعم ثلث الجمهور في مصر والسعودية والإمارات، على الرغم من حظر الحكومات الثلاث لها بصفتها "إرهابية".
وأكد الاستطلاع أن آراء المصريين تبدو متماسكة حول الجماعة في السنوات الأخيرة، وهو ما يدل على أن الحملات الإعلامية التي ترعاها الحكومة ضد الإخوان، وإجراءات القمع الشاملة التي تفرضها عليهم، لا تؤثر في الرأي العام بسهولة.
وهو ما أظهرته ورقة عن مستقبل الإسلاميين في الشرق الأوسط أعدها مركز بروكينغز الأميركي، في 26 مارس/آذار 2016، ورد فيها أنه: "على الرغم من الحصار المفروض على جماعة الإخوان المسلمين، فإنهم لا يزالون من أفضل القوى السياسية المنظمة في البلاد".
صدام مكلف
أكد على ذلك الباحث السياسي المصري بجامعة "آيدن" التركية، أحمد راضي، قائلا: "بالعودة إلى عام 2013، فإن المشهد السياسي المصري كان أشبه بالعاصفة الخماسينية المحملة بالأتربة، والتي يسميها المصريون زعابيب أمشير".
وأردف في حديثه لـ"الاستقلال": "كان السيسي ومجموعة الجنرالات عازمين تماما بعد الانقلاب العسكري، على القضاء الكامل على جماعة الإخوان واجتثاثهم من الحياة العامة".
وأوضح: "اليوم بعد أكثر من 10 سنوات، الإخوان مازالوا حاضرين رغم الضربات القاصمة، ومازال النظام بإعلامه وساسته يستحضرهم كشبح أو شماعة للخوف والفشل".
واتفق الباحث المصري مع الرؤية الذاهبة إلى عدم قدرة أي نظام مهما كانت شراسته على إنهاء وجود الإخوان.
وعلل ذلك بمجموعة من الأسباب على رأسها أن الإخوان جماعة لم تخلق من العدم، وإنما هي امتداد للحركة الإسلامية المتحدة مع القومية المصرية.
وذكر أن الإخوان هم أبناء الطبقة الوسطى وعصب الحركة الطلابية، غير أنهم موجودون في مختلف قطاعات الحياة، سواء تنظيميا أو فكريا.
ووصف راضي تلك الحالة بأنها شيء من التوحد والتكامل، مؤكدا أن كل محاولات النظم الاستبدادية قهر الإخوان والقضاء عليهم عادت على مصر بالخسائر الفادحة.
وضرب مثلا بنكسة 1967 التي جاءت بعد إعدامات عام 1966 وراح ضحيتها قيادات الإخوان، وبعدما نكل بهم الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر لعقدين من الزمن في السجون.
وكذلك تحدث عن الواقع اليوم وكيف أن الضربة التي وجهها الانقلاب العسكري للإخوان أحدثت فشلا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ذريعا، ستدفع ثمنه الأجيال القادمة.
واختتم بالقول إن "الإخوان ليسوا حزبا سياسيا وإنما فكرة قائمة على أساس الإصلاح بالدين، فهم ليسوا بدعة، وكل شخص يتبنى تلك الفكرة هو منهم أو قريب منهم أو يتقاطع معهم، وبالتالي فإن القضاء على الأفكار شبه مستحيل".
كما أنه "أصعب كثيرا من القضاء على الأحزاب أو التجمعات السياسية، فالطليعة الاشتراكية والناصرية انتهت، وكانت تملأ الآفاق في زمانها".
بينما الإخوان الذين كانوا في السجون استمروا، بل ووصلوا إلى الحكم عام 2013، ولم يكن أحد يتخيل بقاءهم من الأساس فضلا عن أن يحكموا، وفق قوله.