قرارات أمنية كويتية صارمة مع حلول ذكرى استشهاد الحسين.. ما السر؟

يوسف العلي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

مثلما يحدث سنويا مع بدء العام الهجري الجديد، يستقبل الشيعة شهر محرم باللطم والنحيب على الحسين بن علي حفيد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي استشهد في العاشر من ذلك الشهر سنة 61 هجرية.

ويكون أكبر تجمع للمناسبة في أرض كربلاء العراقية التي وقعت فيها حادثة الاستشهاد، إذ يتوجه الآلاف من الشيعة حول العالم إلى "مرقد الحسين"، ويبلغ الاحتشاد  ذروته في العاشر من محرّم، ويبدأ اللطم وتطبير الرؤوس بالسيوف وغيرها من ممارسات يعدونها “جزءا” من عقيدتهم.

إجراءات صارمة

وبعد تولي الشيعة السلطة في العراق عقب احتلال الولايات المتحدة عام 2003، وتمدد السيطرة الإيرانية على عدد من العواصم العربية، انتعشت الحركة الشيعية بدول المنطقة، لا سيما الخليجية منها، سواء في البحرين والكويت، وحتى في اليمن.

ودولة الكويت من الدول التي يشكل فيها الشيعة نسبة نحو 20 بالمئة من عدد السكان، حيث بدأت تتصاعد فيها أخيرا مظاهر إحياء المناسبة من خلال رفع الرايات السوداء على البيوت والحسينيات (مساجد الشيعة)، ونصب الخيام في الشوارع وإقامة مجالس العزاء واللطم.

وفي 6 يوليو/ تموز 2024، حذرت وزارة الداخلية الكويتية "أصحاب الحسينيات" الشيعية من رفع الرايات والأعلام، وتوعدت المخالفين بالمحاسبة، حسبما ورد في بيان نشر على منصة "إكس".

وقالت الوزارة إنه "على أصحاب الحسينيات الالتزام بالقوانين المنظمة وتعليمات رجال الأمن حفاظا على سلامة الجميع"، مؤكدة ضرورة "الالتزام بعدم رفع أي راية أو لوحات قماشية أو أعلام غير علم دولة الكويت".

وأشارت إلى أنه "يسمح بوضع راية واحدة فقط من غير شعارات على الحسينية"، متوعدة بأنه "سيتم إزالة أي خيام أو أكشاك توضع خارج سور الحسينيات".

وشددت وزارة الداخلية الكويتية على أنها "سوف تقوم بتطبيق القانون بكل حزم مع كل من لم يلتزم بالقوانين المنظمة".

وذكرت أن هذا القرار يأتي "بناء على الاجتماع التنسيقي بين وزارة الداخلية ومشرفي الحسينيات" واستنادا على "تعليمات وتوصيات اجتماع مجلس الوزراء".

وتابعت أن "رجال الأمن موجودون في نطاق الحسينيات لتنظيم حركة السير وحفظ الأمن، لذا يمنع قيام المتطوعين بالمشاركة بأي نشاط تنظيمي خارج سور الحسينية (كالمشاركة بتوجيه سير المركبات أو تنظيم عمليات جلوس الزائرين في الساحات الخارجية)".

وعلى ضوء الإجراءات الكويتية  بخصوص منع مظاهر التشيّع في البلاد، أمرت النيابة العامة في الكويت، بضبط شخص وجه انتقادات لأمير البلاد، مشعل الأحمد الجابر الصباح، بسبب قرارات وزارة الداخلية بخصوص عمل الحسينيات.

وذكرت النيابة في بيان صادر في 9 يوليو أنها "أمرت بضبط وإحضار مواطن لاتهامه بالتعرض لمقام حضرة أمير البلاد بالنقد، والتطاول على مسند الإمارة، والطعن في حقوق الأمير وسلطته، بتسجيل منشور بأحد مواقع التواصل الاجتماعي في معرض انتقاده لإجراءات الداخلية الخاصة بتنظيم عمل الحسينيات وممارسة شعائر الطائفة الشيعية في محرم".

"مشروع تآمري"

وبخصوص الوجود الشيعي في الكويت، قال الداعية الإسلامي العراقي، الباحث في شؤون الفرق والجماعات، فاروق الظفيري، إن "هذا التمدد قديم وليس بجديد، وله فعالية ونشاطات كبيرة ولديهم منتديات وحسينيات وإمكانات اقتصادية كبيرة، إضافة إلى امتلاكه سطوة في الحكومات ومجالس الأعيان".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "التشيّع مفتوح له المجال هناك، بحكم أن الكويت لديها فسحة اجتماعية كبيرة، لكن هذا الشيء كان له تأثيره الكبير على البلاد، لأن هؤلاء لا يهتمون بالوطن الذي يعيشون فيه، وإنما همهم الأول والأخير دينهم الذي يعلمهم أن الولاية ليست للأوطان، وإنما لما يسمى بـ(الولي الفقيه)".

وأردف: "نشد بقوة على الإجراء الكبير الذي قام به أمير الكويت مشعل الأحمد الجابر الصباح، المتعلق بمنع مظاهر التشيع في البلاد، كون ما فعله لصالح خير البلد ورفعة قومه، لأن التشيع ما من مكان غزاه ودخل فيه إلا جعله هباء منثورا كما هو حال العراق وسوريا واليمن ولبنان".

ورأى الظفيري أن "خطوة السلطات الكويتية جبارة وحكيمة ويجب أن يشيد بها المسلمون في كل البلدان، وضرورة مناصرتها، ولا بد أن يكون هناك دور كبير للحكومات في باقي الدول العربية لصد مشروع نشر التشيع".

وشدد الداعية الإسلامي على "ضرورة وجود مشروع مضاد للتشيع تطلقه الحكومات العربية، وتجتمع فيه الرؤوس الشرعية والعلمية والأكاديمية والإعلامية والاقتصادية والفكرية والسياسية، وكلها تصب في منبع واحد هدفه صد هذا المشروع التآمري الذي تقوده إيران وتنفذه خلايا نائمة في البلاد العربية، خاصة في دول الخليج، وتحديدا في الكويت".

وتابع: "ضرورة أن تأخذ الحكومات دورها وتشجع أهل السنة الأكاديميين ومن لديهم القدرة على صد هذا المشروع وفضحه، وكذلك تكون هناك بحوث وكراريس ومنتديات وحلقات تلفزيونية توضح زيف هذه المشاريع، وتبين الحقيقة التي عليها أهل السنة والجماعة".

ودعا الظفيري الدول العربية إلى "تكون مشروع يصد التشيع حتى يصب في صالح الأمة الإسلامية ورفعتها وبقائها على الأرض حتى لا تخترق من مشاريع التشيع الهدامة التي دمرت الأمة وجعلت العديد من بلداننا إسلامية أثرا بعد عين".

واقترح أيضا أن يكون "إضافة إلى المشاريع الخاصة في كل بلد كونه يتمتع بخصوصيته، وجود مشروع خليجي عام، يقوم عليه مجلس التعاون الخليجي، حتى يعضّد باقي المشاريع الخليجية، لأن المشروع الإيراني خطير جدا وأدواته موجودة في بلداننا ولا تحتاج الأخيرة فيه إلى أي تكاليف".

وشدد الظفري بالقول: “علينا البدء من الآن قبل أن يستفحل الخطر الشيعي وتذهب هذه العواصم الخليجية ضحية للمشروع الإيراني كما حصل مع بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وغيرهم من المناطق العربية”.

تاريخ أسود

وتخوض السلطات الكويتية صراعا طويلا يعود إلى ثمانينيات القرن العشرين ضد تنظيمات شيعية كويتية مسلحة، وكان آخرها ما أعلنته السلطات الأمنية في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، عن القبض على مجموعة متهمة بالعمل والتعاون مع "حزب الله" اللبناني.

وذكرت صحيفة "السياسة" الكويتية عن مصادر أمنية (لم تكشف هويتها) تأكيدها قيام جهاز أمن الدولة باعتقال مجموعة متعاونة مع حزب الله؛ بتهمة تجنيد الشباب للعمل مع الحزب في سوريا واليمن.

وقالت المصادر إن وزارة الداخلية تلقت تقريرا أمنيا من دولة شقيقة أفاد بأن المجموعة مكونة من أربعة أشخاص أحدهم ابن نائب سابق، وآخر شقيق نائب سابق أيضا، وثالث ورد اسمُهُ في قضايا سابقة منذ خطف طائرة الجابرية في الثمانينيات، ورابع يُقال إنه من كبار رجال "العمل الخيري".

وأوضحت أن جهاز أمن الدولة يُحقق مع الأربعة بالعديد من التهم؛ أبرزها تبييض أموال "حزب الله" في الكويت، وإغراء الشباب الكويتي بالأموال للانتماء إلى الحزب، والمشاركة في أعماله الإرهابية، وتهريب المخدرات في كلّ من سوريا واليمن.

وليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها الكويت القبض على خلايا تابعة لحزب الله اللبناني، إذ أعلنت البلاد القبض على مجاميع تابعة للأخير، أبرزها توقيف ما يعرف بـ"خلية العبدلي" في 13 أغسطس/ آب 2015، والتي قامت بتخزين وحيازة السلاح في مزرعة بمنطقة العبدلي بكميات كبيرة.

وفي مارس/ آذار 2016، قررت السلطات الكويتية ترحيل 11 لبنانيا وثلاثة عراقيين اتهموا بالانتماء إلى "حزب الله"، وذلك بعد نحو ثلاثة أسابيع من قرار دول الخليج جعل الحزب "منظمة إرهابية".

وفي عام 2017، قدم النائب الكويتي وليد الطبطبائي إلى مجلس الأمة اقتراح قانون لتجريم "حزب الله" وتصنيفه "تنظيما إرهابيا"؛ يشمل عقوبات بالسجن تصل إلى 20 عاما بحق أنصاره. ومن ثم قامت الكويت بطرد 15 دبلوماسيا إيرانيا بعد شهر تقريبا من تثبيت محكمة التمييز إدانة عناصر الخلية ذاتها بتهمة "التخابر" مع إيران.

وتواصلت التحركات الكويتية ضد "حزب الله" اللبناني، حيث أعلنت، في مايو 2018، إدراج 4 كيانات و10 أفراد من الحزب على قائمة الإرهاب، وفرضت عليها حزمة من العقوبات، وفق وكالة الأنباء الكويتية (كونا).

وتعد الكويت أول دولة خارج لبنان يمارس فيها "حزب الله" أنشطته المسلحة، حيث شهدت، في ديسمبر/ كانون الأول عام 1983، سلسلة تفجيرات متزامنة استهدفت منشآت حيوية كان بينها مطار الكويت الدولي، ومصفاة نفط رئيسة.

كما شملت التفجيرات في حينها سفارتي كل من الولايات المتحدة وفرنسا، والتي اتضح لاحقا مسؤولية تنظيمين مرتبطين بإيران عنها، هما حزب الدعوة الشيعي العراقي وجماعة مرتبطة حينها بـ"حزب الله" الذي كان قيد التشكل.

وفي عام 1984، تعرضت طائرة كويتية للاختطاف على يد أربعة لبنانيين، وأجبروها على تغيير مسارها إلى طهران، مطالبين بالإفراج عن عدد ممن اعتقلتهم الكويت لضلوعهم في التفجيرات، وبينهم مصطفى بدر الدين، أحد أبرز قياديي "حزب الله" لاحقا".

وكذلك تعرض أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، منتصف عام 1985، لمحاولة اغتيال بسيارة مفخخة، إضافة إلى تفجير مقاهٍ شعبية خلف قتلى وجرحى في يوليو/ تموز من العام نفسه.

كما عمدت الخلايا المسلحة الشيعية إلى تفجير سيارة مفخخة استهدفت فندقا، في يونيو 1987، خلال مؤتمر القمة الإسلامية، فيما اختطف مسلحون لبنانيون من "حزب الله" طائرة كويتية أخرى قادمة من بانكوك، في أبريل عام 1988.

واتهمت إيران في عام 1989، بالمسؤولية عن تزويد كويتيين بمواد متفجرة لاستهداف طرق مؤدية إلى الحرم المكي في المملكة العربية السعودية، فيما عرف حينها بحادثة الحرم الثانية.

تعود بدايات تأسيس "حزب الله الكويتي" في فترة الثمانينيات من القرن العشرين، على يد مجموعة من شيعة الكويت كانت تدرس في الحوزة الدينية في "قم" الإيرانية، ويرتبط معظم أعضاء هذا الحزب بـ"الحرس الثوري الإيراني"، وكانوا يتلقون تدريباتهم عن طريقه.

ووفقا لما نشره موقع "الخليج أونلاين" في 9 نوفمبر 2011، فإن "حزب الله الكويتي" يُعد جزءا لا يتجزأ من الحركة الشيعية الإيرانية بقيادة المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي يرى أن حكم "آل صباح" لا مكان له في دولة الكويت.

وظهر نشاط "حزب الله الكويتي" تحت أسماء وهمية عديدة في شكل منظمات مسلحة متطرفة، أبزرها "طلائع تغيير النظام للجمهورية الكويتية"، و"صوت الشعب الكويتي الحر"، و"منظمة الجهاد" و"قوات المنظمة الثورية".

وكانت تصدر عن الحزب مجلة "النصر" التي تعبر عن أفكاره وأهدافه عن طريق المركز الكويتي للإعلام الإسلامي في طهران، ويقوم دور المجلة في التعبئة والتحريض لشيعة الكويت للقيام بما يخدم مصالحهم وأهدافهم، وتدعو للقيام بقلب نظام الحكم وإقامة نظام شيعي موالٍ لإيران.