هذه الدول الثلاث تسعى لتطوير علاقاتها مع حكومة "طالبان".. لماذا؟
"ترى دول آسيا الوسطى أن أفغانستان يمكن أن تكون سوقا جيدا لمنتجاتها"
بعد احتلال أميركي دام نحو عشرين عاما، سيطرت حركة طالبان في 15 أغسطس/ آب 2021، على السلطة في أفغانستان، لكنها تواجه تحديات على مستوى العلاقات مع دول العالم في ظل عدم اعتراف أغلب الدول بإدارتها وتصنيف البعض لها ضمن الجماعات الإرهابية.
لكن يبدو أن هذا الوضع بدأ يتغير؛ إذ سلطت صحيفة "إزفيستيا" الروسية الضوء على بدء دول آسيا الوسطى في إقامة علاقات مع طالبان، مشيرة إلى أن دولا مثل قيرغيزستان وكازاخستان وأوزبكستان عازمة على تحسين علاقاتها مع طالبان.
والسبب الرئيس لهذا التغيير، وفق الصحيفة، هو رغبة دول آسيا الوسطى في تعزيز استقرار المنطقة وتحسين علاقاتها الاقتصادية مع أفغانستان، مع التركيز على مشاريع التعاون مثل التجارة والطاقة.
إزالة صفة "الإرهاب"
تبدأ الصحيفة الروسية تقريرها بالإشارة إلى تحديث النيابة العامة في قرغيزستان قائمة المنظمات المحظورة في البلاد.
لافتة إلى أن المفاجأة الرئيسة كانت هي عدم إدراج حركة "طالبان" في القائمة، مع العلم أنها مصنفة إرهابيا في روسيا.
ولم تعلق الحكومة القرغيزية أو الأجهزة الأمنية على ما حدث، ولم تصدر أي بيانات رسمية بشأن تغيير وضع طالبان.
ولكن من ناحية أخرى، توضح الصحيفة أن الوحيد الذي أجاب على أسئلة الصحفيين بشكل مفصل -إلى حد ما- كان نائب رئيس اللجنة الحكومية للشؤون الدينية عزمت يوسفوف.
حيث قال: "ليس لنا علاقة بهذا الأمر، في الوقت الحالي، وبالنظر إلى التغيرات الأخيرة في أفغانستان، قد تكون طالبان شُطبت من قائمة المنظمات الإرهابية".
وفي غضون ذلك، تؤكد وسائل الإعلام القرغيزية أن "الهيئات القضائية والنيابة العامة تتجاهل جميع الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع".
ومن جهتها، أشادت وزارة الخارجية الأفغانية بالفعل بخطوة بيشكيك، واصفة إياها بأنها "خطوة إيجابية".
وجاء في البيان: "نرحب بقرار قرغيزستان الذي يتماشى مع الإجراءات الودية لعدد من الدول الأخرى. هذا الأمر يشير إلى الاعتراف المتزايد بحكومتنا على المستويين الإقليمي والدولي، ويزيل العقبات أمام تعزيز العلاقات الثنائية".
ومن المثير للاهتمام أنه "حتى وقت قريب، لم يكن هناك تواصل يُذكر بين بيشكيك وكابول، وكانت المساعدات الإنسانية هي الموضوع الوحيد الذي يشهد تواصلا بينهما".
فمنذ عام 2021، أرسلت قرغيزستان عدة شحنات من المساعدات، إذ وُجهت بشكل أساسي إلى القرغيز العرقيين الذين يعيشون في المقاطعات الشمالية لأفغانستان.
وفي آخر مرة، أرسلت بيشكيك أدوية ومواد غذائية للمتضررين من الزلزال المدمر الذي وقع نهاية عام 2023، وفق ما ورد عن الصحيفة.
ولكن بالنظر إلى التطور الحديث، من المحتمل أن تزداد الاتصالات الثنائية بين البلدين، كما تؤكد الصحيفة الروسية.
تغيير في الجوار
وفي هذا الإطار، تتحدث "إزفيستيا" الروسية عن أنه "في آسيا الوسطى، كانت مواقف خمس دول تجاه "طالبان" منقسمة إلى جزءين.
وتقول إنه "حتى وقت قريب، كانت كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان تعد الحركة إرهابية ومحظورة، وبالتالي لم تكن تجري أي مفاوضات رسمية معها".
أما أوزبكستان وتركمانستان، فقد كان موقفهما أكثر ليونة تجاه الحركة، حيث لم يعداها إرهابية رغم عدم اعترافهما بحكمها في أفغانستان. ولكن تلفت الصحيفة إلى أن الأوضاع، في الآونة الأخيرة، بدأت تتغير.
فعلى سبيل المثال، بدأت أوزبكستان تدريجيا في إقامة حوار مع طالبان، وأصبح تبادل الوفود بين طشقند وكابول يحدث بانتظام.
وفي نهاية أغسطس 2024، زار رئيس وزراء أوزبكستان، عبد الله أريبوف، العاصمة الأفغانية برفقة بعض الوزراء.
وتشير الصحيفة إلى أنه خلال الزيارة، وقعت الأطراف 35 اتفاقية بإجمالي قيمة 2.5 مليار دولار، واتفقوا على إلغاء الرسوم الجمركية على بعض السلع.
كما أشار المشاركون في المفاوضات إلى النمو المستمر في التجارة المتبادلة بين البلدين.
ومن المعروف أن حجم التبادل التجاري بين أوزبكستان وأفغانستان في النصف الأول من عام 2024 بلغ 572 مليون دولار، بزيادة قدرها 18 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من عام 2023.
بالإضافة إلى ذلك، تذكر الصحيفة أنه "في بداية سبتمبر/ أيلول 2024، تحدثت طشقند عن ضرورة مساعدة طالبان في مكافحة الإرهاب".
وقال رئيس جهاز الأمن القومي الأوزبكي عبد السلام عزيزوف: "إن جهاز الاستخبارات الأفغاني في طليعة هذه المعركة ويحقق بعض النتائج. لا يمكن ترك شركائنا يواجهون هذه المشكلة بمفردهم، يجب هزيمة العدو معا بناء على مبدأ عدم تجزئة الأمن".
وعلى جانب آخر، تلفت الصحيفة الروسية إلى أن تركمانستان المجاورة توسع أيضا اتصالاتها مع أفغانستان.
وبهذا الشأن، توضح أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 481 مليون دولار في عام 2023، كما يتركز اهتمام عشق آباد الرئيس في الاتجاه الأفغاني على تحريك مشروع خط أنابيب الغاز "تابي".
وبالإشارة إلى أن الأطراف تجري مفاوضات منتظمة حول هذا الموضوع، تذكر الصحيفة أن وزراء الخارجية التقوا على الحدود المشتركة في نهاية أغسطس/ آب 2024.
وبخلاف ذلك، حتى بين المعارضين الأكثر تشددا لـ "طالبان"، هناك تغييرات ملحوظة، على حد قول الصحيفة الروسية.
ففي أوائل يونيو/ حزيران 2024، أعلن رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توقايف، أن "أستانا قد شطبت حركة "طالبان" الأفغانية من قائمة المنظمات الإرهابية وتعتزم إقامة تعاون اقتصادي".
وبعد ذلك، صرح نائب رئيس الوزراء الكازاخستاني، سيريك جومانغارين، بأن "هناك خططا لزيادة حجم التبادل التجاري إلى 3 مليارات دولار سنويا، ومن أجل تحقيق ذلك، ستُنظم معارض خاصة ومنتديات تجارية".
وبالتأكيد على أن "قيرغيزستان غيرت موقفها أيضا"، تلفت "إزفيستيا" إلى أنه "لم يتبق في المعارضة الشديدة لطالبان سوى طاجيكستان".
إذ أكد رئيسها، إمام علي رحمن، مرارا أن دوشانبي تطالب جيرانها بإنشاء حكومة شاملة، أي تضمين الطاجيك العرقيين في المجموعة الحاكمة، حيث يشكلون حوالي ثلث سكان أفغانستان.
وفي الوقت نفسه، تستمر بعض الاتصالات الاقتصادية، حيث يظل تصدير الكهرباء الطاجيكية هو النقطة الرئيسة في هذه العلاقات.
رغبة في التجارة
تعود الصحيفة الروسية قليلا إلى الوراء، لتذكر بأن "السلطة تغيرت في أفغانستان عام 2021، عندما غادر الجيش الأميركي البلاد على عجل، حيث حل محله حركة طالبان".
وتعكس الصحيفة المشاهد من مطار كابول التي انتشرت في جميع أنحاء العالم، حيث كان الناس اليائسون يحاولون الصعود إلى الطائرات المغادرة ويتمسك بعضهم بعجلات الطائرات. وفي ذلك الوقت، أُجليت معظم السفارات الأجنبية، ولم تعترف أي دولة في العالم بالحكومة الأفغانية الجديدة.
وفي هذا الإطار، تشير إلى أنه كانت هناك عدة انتقادات تجاه طالبان، من بينها الانتهاكات العديدة لحقوق الإنسان.
وبهذا الشأن، تزعم الصحيفة أن "تعليم النساء حُظر أولا في الجامعات، ثم في المدارس الثانوية، كما مُنعن من الخروج إلى الشوارع دون مرافقة الرجال، وأُلزمن بارتداء البرقع الذي يغطي كامل الجسد وكامل الوجه".
وبعد مرور ثلاث سنوات، تؤكد الصحيفة أن "الوضع لم يتغير بشكل كبير، بل ظهرت قيود جديدة".
ففي نهاية أغسطس 2024، رأت السلطات الأفغانية أن الجسم الأنثوي ليس وحده ما يعد "عورة"، بل حتى الصوت، وبناء على ذلك، مُنعت النساء من التحدث والغناء في الأماكن العامة.
وردا على الانتقادات، تقول السلطات في كابول إن “أفغانستان لا ينبغي مقارنتها بالدول الأخرى”، مطالبة المؤسسات الدولية والدول والأفراد أن "يحترموا القيم الدينية".
ومع ذلك، تشير الصحيفة إلى أن "المواقف تجاه ما يحدث في أفغانستان، خصوصا في آسيا الوسطى، بدأت تتغير تدريجيا".
فمن ناحية، أصبح واضحا خلال السنوات الثلاث الماضية أن "طالبان" جاءت إلى السلطة في أفغانستان بشكل جاد ومستدام.
فبعد أن كان يُعتقد أن البلاد قد تشهد جولة جديدة من الحرب الأهلية، اتضح الآن أن طالبان فرضت نوعا من النظام، وإن كان غير تقليدي، على حد وصف الصحيفة.
وبالإضافة إلى ذلك، تنقل الصحيفة تأكيد طالبان باستمرار على أنها “لا تشكل تهديدا للدول المجاورة، ولا تعتزم مهاجمة أي دولة”، مشيرة إلى أنه "لم تظهر أدلة ملموسة تثبت تورطهم في أي هجمات إرهابية حتى الآن".
وكسبب أخير لهذا التغير تجاه الحركة، تقول الصحيفة إنه "لا يمكن تنفيذ المشاريع الاقتصادية والتجارية واللوجستية المهمة دون مشاركة أفغانستان".
فعلى سبيل المثال، تسعى أوزبكستان لتحقيق فكرة خط السكة الحديد العابر لأفغانستان، والذي سيربط الجمهورية وآسيا الوسطى بموانئ باكستان على بحر العرب، مما سيمكنها من الوصول إلى أسواق جنوب آسيا.
كما تهتم تركمانستان بشكل كبير بمشروع خط أنابيب "تابي" لتزويد الهند بالغاز، أما قيرغيزستان وطاجيكستان، فهما تعملان على مشروع "كاسا 1000"، الذي يهدف إلى تصدير الكهرباء إلى الجنوب.
ولكن من الواضح أن هذه الأفكار ستبقى مجرد خطط على الورق دون علاقات طبيعية مع أفغانستان.
آراء الخبراء
وتعليقا على هذه الأفكار، يرى المحلل السياسي رستم بورناشيف أن "تقارب دول المنطقة مع أفغانستان أمر منطقي تماما".
ويقول: "في كازاخستان، أوضحوا موقفهم بصراحة، حيث أشار الرئيس توقاييف إلى أنه من المهم للبلاد تطوير التعاون التجاري والاقتصادي مع أفغانستان، ويبدو أن النظام الحالي في البلاد سيكون طويل الأمد".
أما بشأن الجانب القرغيزي، يقول المحلل: إننا لم نسمع أي تعليقات حتى الآن، ولكن من المحتمل أن تكون الدوافع مشابهة".
وبشكل عام، يذهب بورناشيف إلى أن “كل شيء يعتمد على البراغماتية، إذ تحتاج دول آسيا الوسطى إلى علاقات طبيعية مع كابول”، مقدرا أن "أوزبكستان الرائدة في هذا الشأن، حيث أنشأت بالفعل تجارة جادة إلى حد ما".
وبنفس الشكل، يعتقد المحلل أن "الدول الأخرى في المنطقة ترغب في اتباع نفس المسار".
على جانب آخر، يتفق كذلك الخبير في الدراسات الشرقية، أجدير كورطوف، على أن "ما يحدث هو عملية منطقية".
حيث يقول: "تظل أفغانستان واحدة من أفقر الدول، وطالبان مهتمة بتوسيع علاقاتها الدولية وإقامة نوع من التعاون".
ويتابع: "من جانبها، ترى دول آسيا الوسطى أن أفغانستان يمكن أن تكون سوقا جيدا لمنتجاتها".
علاوة على ذلك، يضيف المحلل أنهم "في المنطقة يلاحظون سلوك القوى الكبرى"، قاصدا بذلك "استقبال الصين السفير الذي عينته طالبان في بداية 2024".
ويشير إلى أن "هذا الموضوع يُناقش كذلك في روسيا"، وفق ما تنقله الصحيفة الروسية.