حلفاء إيران يضغطون.. هل تستجيب واشنطن للسوداني وتسحب قواتها من العراق؟

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

على ضوء إعلان العراق تشكيل لجنة ثنائية مع الولايات المتحدة الهدف منها إنهاء وجود قوات التحالف الدولي، برزت تساؤلات عن مدى موافقة واشنطن على الانسحاب من بلد سبق أن احتلته عام 2003، وإتيانه بالطبقة السياسية الحاكمة التي توالي في أغلبها إيران.

وفي أكثر من مناسبة، أعلنت واشنطن على لسان مسؤوليها أنها ستبقى في العراق عسكريا ودبلوماسيا وماليا، وذلك لما يشكّله البلد من أهمية للأمن القومي الأميركي، حسبما صرّح به المساعد السابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود.

وقال هود خلال مقابلة تلفزيونية تعود إلى عام 2021، إن بلاده ستبقى في العراق تحديدا عسكريا ودبلوماسيا وماليا وبكل الأبعاد الأخرى، لأن المصلحة القومية تقتضي أن تكون لنا علاقات وثيقة معه، فهو مهم في سوق الطاقة العالمي، مهم للتراث العالمي". 

مطالبات عراقية

الحديث العراقي عن رغبته بإنهاء وجود التحالف، جاء عقب إقدام واشنطن في 4 يناير/ كانون الثاني 2024، على قتل القيادي في الحشد الشعبي ومليشيا النجباء الموالية لإيران، أبو تقوى السعيدي، بقصف استهدفه في بغداد، واتهمته بالوقوف وراء الهجمات ضد قواتها في العراق.

وقال رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، في 5 يناير، إنه بصدد تحديد موعد لبدء مشاورات لإنهاء وجود قوات التحالف الدولي نهائيا، مشددا على أن "الحشد الشعبي يمثل وجودا رسميا تابعا للدولة وخاضعا لها وجزءا لا يتجزأ من القوات المسلّحة".

ورأى السوداني أن "ما حصل أخيرا خرق للشراكة والعلاقة بين البلدين؛ لأنه خالف ميثاق الأمم المتحدة من المساواة في السيادة بين الدول وحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية".

وعلى الصعيد ذاته، قال مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون الأمن، حسين علاوي، إنه "بعد مواقف الحكومة والقوى السياسية من الهجوم الأميركي الأخير، صار لزاما العمل الجدي على إنهاء مهام التحالف الدولي"، حسبما نقلت عنه صحيفة "الشرق الأوسط" في 5 يناير.

 

من جهته، ندد القيادي في قوى الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم بالعراق، هادي العامري، بـ"القصف الأميركي الذي استهدف أحد مقرات الحشد الشعبي في بغداد، والذي أسفر عن اغتيال القيادي أبو تقوى السعيدي ورفاقه".

وحمّل العامري خلال بيان له في 4 يناير، حكومة بغداد "مسؤولية أي تغاضٍ أو تراخٍ في المطالبة الجادة من أجل إخراج فوري لما يُسمى بقوات التحالف الدولي من الأرض العراقية".

وفي السياق ذاته، دعا زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، خلال تدوينة على منصة "إكس" في 4 يناير، "الحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء تواجد التحالف الدولي في البلاد، وإخراج القوات الأجنبية المحتلة بالسرعة القصوى".

ورغم المطالبات الرسمية والسياسية الصادرة من الجانب العراقي لإنهاء تواجد قوات التحالف الدولي، لكن الولايات المتحدة لم يصدر عنها أي تعليق على الموضوع حتى 8 يناير 2024.

وتأسس "التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة" في عام 2014، وذلك إثر اجتياح الأخير ثلث مساحة العراق، وقّدم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة غطاء جويا للقوات العراقية التي كانت تقاتل على الأرض، إضافة إلى الدعم الاستشاري والمعلوماتي والتقني.

قرار أميركي

وبخصوص مدى استجابة واشنطن لمطلب بغداد، قال العضو السابق في لجنة الأمن والدفاع البرلمانية العراقية، حامد المطلك، إن "السياسة ليست فيها ثوابت، وأن الولايات المتحدة تقدّر المواقف حسب مصالحها بالدرجة الأولى، وعلى هذا الأساس تتخذ قرار الانسحاب من عدمه".

وأوضح المطلك لـ"الاستقلال" أنه "عندما جاءت الولايات المتحدة إلى العراق واحتلته عام 2003، كانت إيران مساعدة وداعمة لها، والآن الأخيرة تقف بالضد منها، هي وفصائلها المسلحة التي تتبع لها".

وتابع: "لذلك المناوشات والأحداث التي تحصل في العراق وسوريا ولبنان كلها لها علاقة بتوتر العلاقة بين إيران والولايات المتحدة، وأن موضوع الانسحاب خضع إلى تقديرات الأخيرة".

ولفت المطلك إلى أن "الحكومة العراقية لها مصلحة تختلف عن مصالح إيران، لأن الأخيرة تنظر إلى العراق كأنه تابع لها، بينما حكومة بلادنا تنظر إليه كوطن، لذلك فإن ما يربط بين بغداد وواشنطن هو اتفاقية مشتركة تتعلق بتواجد قوات التحالف".

ووقع العراق والولايات المتحدة عام 2008، اتفاقية أطلق عليها اسم "الإطار الإستراتيجي"، تضمنت عدة محاور، من بينها تنظيم وجود القوات الأميركية في البلاد، بالإضافة لبنود تتعلق بتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية.

ورأى المطلك أنه "عندما تتخذ الحكومة العراقية قرارا سياسيا بأن تواجد التحالف الدولي أصبح غير مفيد أو نافع لاستقرار البلد، فإن من حقها المطالبة بإخراج القوات الأميركية من العراق، وعلى الأخيرة أن تخضع".

وأردف: "لكن قرار إخراج القوات الأميركية من عدمه ليس قرارا تتخذه الحكومة العراقية، لأن دخول الولايات المحتدة إلى البلاد عام 2003 بشكل غير قانوني واحتلاله، وتدمير كل نواحي الحياة في العراق، هو ما تسبب بخلق كل هذه الفوضى في البلاد والمنطقة بأسرها".

وأشار إلى أن "إيران وحلفاءها في العراق كانوا داعمين للاحتلال الأميركي، لكن المصالح اليوم تعارضت بينهم، لذلك لا نتمنى ألا ينعكس هذا الشيء سلبا على مصالح شعبنا الذي عانى الكثير طيلة المدة الماضية".

وخلص السياسي العراقي إلى أن "أميركا هي المسؤولة وأعوانها العملاء الذي تعاونوا معها في غزو العراق وتدميره هم المسؤولون عما يحدث في المنطقة من دمار وخراب، واليوم الشعب العراقي يعاني من الفوضى والسلاح المنفلت والتدخلات الخارجية".

وفي الوقت الحالي، يوجد في العراق ما يقرب من 2500 جندي أميركي، بينما ينتشر في سوريا نحو 900 جندي آخرين، وذلك في إطار الجهود التي تقول واشنطن إنها تبذلها لمنع عودة "تنظيم الدولة".

وأحصت واشنطن حتى نهاية ديسمبر 2023، 103 هجمات ضد قواتها في العراق وسوريا منذ 17 أكتوبر، حسب حصيلة نقلتها "فرانس برس" عن مسؤول عسكري أميركي لم تسمه.

ثمن كبير

من جهته، قال الخبير السياسي العراقي، منقذ داغر، أن "الولايات المتحدة قد تسحب قواتها من القواعد العسكرية الخاضعة لسيطرة الحكومة العراقية وجيشها، لكن ماذا عن قواعد أميركا في إقليم كردستان العراق، والتي تتواجد فيها حاليا القوات الأميركية؟".

وتساءل داغر خلال مقال نشره على موقعه الإلكتروني في 6 يناير، قائلا: "هل ستستجيب حكومة الإقليم وتطلب من الجيش الأميركي المغادرة؟ منطقيا، يبدو ذلك مستبعدا جدا. هنا علينا دراسة النتائج المترتبة سياسيا، وعسكريا وجيو إستراتيجيا على بقاء تلك القوات في كردستان، وهل بغداد مستعدة لتحملها؟".

وتوصل إلى أنه "من السهل جدا إجرائيا وقانونيا وإعلاميا طلب انسحاب القوات الأميركية من العراق، لكن لذلك الطلب ثمن، فهل بغداد وشعب العراق جاهز لدفع ذلك الثمن؟"

وأوضح داغر أنه "يجب أن نعي أن هناك أموالا عراقية بقيمة 7 إلى 9 مليارات دولار محمية بمرسوم رئاسي أميركي ُيجدد سنويا منذ عام 2003، وهذه مستحقات تذهب إلى دائنين دوليين، في حال لا يتم تجديد هذا المرسوم".

وتابع: "كما أن أميركا تمتلك سلاح الدولار ذي الدمار الشامل على الاقتصاد العراقي، إذا ما تم استخدامه ضد العراق ضمن حزمة عقوبات أميركية كما يحصل مع إيران".

أما من الناحية السياسية، يؤكد داغر، وهو المدير السابق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد "واشنطن" الأميركي للدراسات، أنه "سيتم حتما تصنيف البلد ضمن محور الصين-روسيا-إيران بكل ما يحمله ذلك من تبعات سياسية ليس أقلها موقف المعسكر الغربي من العراق".

وشدد على أن "ما حصل من دعوات سواء التي صدرت في عام 2020، أو في 2024 لا تعدو كونها ردود أفعال آنية وانفعالية، في حين أن مثل هذا القرار يجب أن يكون مبنيا على خطة مدروسة تأخذ كل ما تقدم في الحسبان وتنفتح ِحوارا مع الأميركيين لكي لا يبدو خروجهم بصيغة فوز- خسارة، بل فوز-فوز للطرفين العراقي والأميركي".

وفي 5 يناير 2020، صوَت مجلس النواب العراقي على قرار نيابي يلزم الحكومة بإلغاء طلب المساعدة من "التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة"، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء العراقية.

وقالت وكالة الأنباء العراقية في حينها إن البرلمان أصدر قرارا يتضمن إلزام الحكومة بإلغاء طلب المساعدة المقدم منها إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة "وذلك لانتهاء العمليات العسكرية والحربية في العراق وتحقيق النصر والتحرير".

وأضافت الوكالة أن "نص القرار تضمن أيضا مطالبة الحكومة العراقية بالعمل على إنهاء تواجد أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية، ومنعها من استخدام الأراضي والمياه والأجواء العراقية لأي سبب كان".

كما شمل "نص القرار الطلب من وزير الخارجية التوجه وبنحو عاجل إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وتقديم الشكوى ضد الولايات المتحدة، بسبب ارتكابها انتهاكات وخروقات خطيرة لسيادة وأمن العراق".

ويأتي قرار البرلمان العراقي في حينها، ردا على اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس أركان الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، بغارة أميركية استهدفتهما قرب مطار بغداد الدولي في 3 يناير.

وفي معرض تعليقه على قتل سليماني والمهندس، في غارة جوية أميركية، قال رئيس الحكومة العراقية في حينها، عادل عبد المهدي، إن "الطائرات المسيّرة الأميركية والمروحيات تجوب سماء بغداد دون إذن رسمي".