"صفقة أمنية ضخمة" تقترب بين السعودية وأميركا.. ما موقع غزة والتطبيع بها؟

12

طباعة

مشاركة

في مطلع أبريل/ نيسان 2024 كشفت وسائل إعلام أميركية أن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، يعتزم زيارة السعودية لمناقشة "صفقة ضخمة محتملة" مع ولي العهد محمد بن سلمان، تشمل التطبيع مع إسرائيل ومعاهدة دفاعية بين واشنطن والرياض.

موقع "أكسيوس" نقل عن 4 مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أن زيارة سوليفان "تأتي ضمن جهود البيت الأبيض للعمل على صياغة معاهدة دفاعية بين أميركا والسعودية، وتفاهمات تتعلق بدعم الولايات المتحدة لبرنامج نووي مدني سعودي".

وأوضح أنه عقب هذا "الاتفاق الثنائي" مع السعودية، سيتم عرضه على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في إشارة لربط هذا الاتفاق بصفقة بشأن غزة.

وطرحت هذه التسريبات تساؤلات بشأن طبيعة هذه "الصفقة الضخمة" وما علاقتها بالحرب في غزة، وهو ما فسره الوزير في كابينيت الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس.

"غانتس" القريب من إدارة بايدن قال يوم 3 أبريل، إنه أصبح في المتناول إقامة "حلف إبراهيمي" وعقد صفقة تطبيع مع السعودية تشمل إنشاء إدارة دولية لقطاع غزة، وتقودها دول عربية.

قصة الصفقة الكبرى

خلاصة الصفقة، وفق "أكسيوس"، هي موافقة أميركا على طلبات سعودية سبق أن قُدمت ضمن شروط قبولها التطبيع مع إسرائيل.

حيث طلبت السعودية صياغة معاهدة دفاعية مع أميركا لحماية المملكة من أي تهديدات إيرانية مستقبلية أو تحول الصراع مع الحوثيين لمشكلة أمنية مزمنة للمملكة، كما طلبت دعما  أميركيا لبرنامج نووي مدني.

وبعدما كانت أميركا تتلكأ بسبب شرط سعودي ثالث يتعلق بحل مشكلة الدولة الفلسطينية أو اعتراف أميركي بها من جانب واحد يُفرض على إسرائيل، بدا أن الرياض خففت من الشرط الثالث وتركز على هدفي معاهدة الدفاع والبرنامج النووي.

أيضا بدأت أميركا تتحدث –بالمقابل-عن دور سعودي وعربي في غزة سواء عبر قوة دولية أو إدارة القطاع بهدف إبعاد حكم حماس عنه وتوريط العرب المطبعين في صراع داخلي مع المقاومة.

وقال مسؤول إسرائيلي للموقع الأميركي: “هناك تقدم كبير في المحادثات بين الولايات المتحدة والسعودية حول مسودة معاهدة الدفاع الخاصة بهما، ثم سيلتفتون إلى أزمة إسرائيل وغزة، ويطرحون خطة ثم يقولون لنا: اقبلوها أو اتركوها”.

وعقب طرح الصفقة "سيواجه نتنياهو خيارين: فإذا وافق، فسيحقق اختراقا باتفاق سلام تاريخي مع السعودية، وإذا قال لا فسيخسر ما تبقى له من دعم أميركي".

ويقول موقع "أكسيوس" مع ذلك إن "الكثيرين في البيت الأبيض يعتقدون أن الصفقة السعودية الضخمة ما هي إلا حلم بعيد المنال، بسبب الحرب في غزة، واعتماد نتنياهو على شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، والسياسة الداخلية الأميركية الداعمة له".

وسبق أن تحدثت مجلة "فورين بوليسي" عن "صفقة بايدن الكبرى لإعادة تشكيل الشرق الأوسط".

وأوضحت أن إدارة بايدن "تضع الأساس لصفقة كبيرة طموحة من شأنها أن تربط التقارب بين إسرائيل والسعودية بخطوات جوهرية نحو إقامة الدولة الفلسطينية، وفقًا لتسعة محللين ومسؤولين سابقين في الحكومة الأميركية مطلعين على الخطط".

قالت إنه "يمكن لهذه المقامرة الدبلوماسية بعيدة المدى أن تعيد تشكيل الشرق الأوسط وتحدد إرث السياسة الخارجية لبايدن، لكنها تواجه تحديات مذهلة يخشى كثيرون أن التغلب عليها سيكون مستحيلا".

وتعليقا على التسريبات، أوضح مصدر دبلوماسي عربي أن هذه الصفقة تؤكد أن السعودية لم تعد مهتمة بمسألة دولة فلسطينية أو حل أزمة إبادة غزة، بقدر اهتمامها بتلبية مصالحها.

وهو ما ظهر قبل العدوان على غزة حين كانت على وشك توقيع اتفاق تطبيع عطله "طوفان الأقصى"، وفق اعترافات سعودية وأميركية.

رجح لـ"الاستقلال" أن تكون الصفقة هذه المرة مختلفة ولا يجرى ربطها بالقضية الفلسطينية أو تحقيق تقدم فيما يخص فكرة الدولة الفلسطينية، لأن هذا لم يكن شرطا سعوديا منذ البداية بل كان الحديث يرتكز على "مصالح السعودية".

وذكر المصدر أن ما يهم السعودية هو صياغة معاهدة دفاعية مع أميركا، وتفاهمات تتعلق بدعم الأخيرة لبرنامج نووي مدني سعودي، لكن تم ربط ذلك بطلب ثالث هو الوصول لإعلان حل القضية الفلسطينية، والآن تم التخلي عن هذا الشرط.

وأكد أن الولايات المتحدة كانت تعارض بندي: معاهدة دفاعية حمائية للمملكة لأنه عبء عسكري على واشنطن ويدخلها في صراعات المنطقة، فضلا عن فكرة دعمها برنامجا نوويا سلميا سعوديا، بسبب الرفض الإسرائيلي الشديد لذلك.

وكان بايدن قال في حفل لجمع التبرعات في نيويورك مع الرئيسين السابقين أوباما وكلينتون يوم 28 مارس/آذار 2024 أن "الصفقة السعودية الضخمة قابلة للتحقيق رغم خروج المحادثات عن مسارها بسبب هجوم طوفان الأقصى".

"حلف إبراهيمي يشمل غزة"

كان المؤتمر الصحفي الذي عقده بيني غانتس، الوزير الإسرائيلي، عضو مجلس الحرب يوم 3 أبريل للحديث عن "حلف إبراهيمي يدير غزة" مثيرا للتساؤلات والريبة.

حيث جاء في أعقاب الكشف عن "الصفقة" بين السعودية وأميركا وتكرر الحديث عن "قوة عربية دولية" تدير غزة.

"غانتس" ادعي أن “صفقة تطبيع مع السعودية ستشمل إنشاء إدارة دولية لقطاع غزة، وتقودها دول عربية، باتت في المتناول”، وتحدث عن تشكيل "حلف إبراهيمي" مع الدول العربية لإدارة غزة، ولمنع هجمات حماس على إسرائيل.

الوزير الإسرائيلي لم يكتف بالحديث عن التطبيع مع السعودية، بل تحدث عن "بناء تحالف واسع مع دول في المنطقة كجزء من تسوية إقليمية تضمن إنهاء سلطة حماس في غزة وتسهم في تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية على القطاع".

قال في المؤتمر الصحفي: "لدينا فرصة لتحقيق تغيير إستراتيجي ضد حماس وكل من يسعى لإيذائنا، وعلى رأسهم إيران، ومن يرد أن يشعل علينا حربا إقليمية فعليه أن يجد نفسه في مواجهة التحالف الإبراهيمي".

وحدد هذه الفرصة بـ"اتفاق تطبيع مع السعودية، يشمل تشكيل إدارة من دول عربية لقطاع غزة، سيكون جزءا مركزيا في جهود استبدال سلطة حماس"، بحسب موقع "عرب 48".

ويوم 20 مارس 2024 اقترح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال اجتماعه مع وزراء خارجية مصر والسعودية وقطر والأردن ووزيرة التعاون الدولي الإماراتية وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تشكيل قوة عربية دولية لإدارة غزة بدلا من حماس.

وأكد مسؤول أميركي كبير حينها لصحف أميركية، أن فكرة القوة المتعددة الجنسيات طرحت خلال محادثات بلينكن مع وزراء خارجية عدة دول عربية في القاهرة.

أوضح أن "مصر هي الدولة الرئيسة التي تدرس الفكرة، لكنها تتطلب دعوة رسمية من السلطة الفلسطينية لإرسال قوات عربية إلى غزة وتأتي في السياق السياسي لحل الدولتين"، وفق موقع “أكسيوس”.

ثم كشف موقع "واللاه" العبري أن وزير الحرب الإسرائيلي "غالانت" اقترح على واشنطن إنشاء قوة عسكرية متعددة الجنسيات مع قوات من الدول العربية "لتحسين القانون والنظام في غزة ومرافقة قوافل المساعدات"، في إشارة للحلول محل حماس.

وتم دمج الخطة الإسرائيلية والأميركية على ما يبدو والبدء بقصة القوة الأمنية التابعة لماجد فرج في غزة، التي أفشلتها حماس، خصوصا عقب فشل إسرائيل في خلق متعاون محلي معها يساعدها في تقويض حكم حماس، سواء من العشائر أو أي جهة أخرى.

المصالح أولا

وفي السياق، قال مصدران عربيان كبيران لوكالة رويترز إن سبب تسريع السعودية المباحثات بشأن الاتفاق الأمني مع أميركا، يتعلق بتعزيز أمنها ودرء التهديدات من منافستها إيران حتى تتمكن قدما في خطتها الطموحة لتحويل اقتصادها وجذب استثمارات أجنبية ضخمة.

ومن أجل خلق مساحة للمناورة في المحادثات حول الاعتراف بإسرائيل وإعادة الاتفاق الأميركي إلى مساره، أخبر المسؤولون السعوديون نظراءهم الأميركيين أن الرياض لن تصر على أن تتخذ إسرائيل خطوات ملموسة لإنشاء دولة فلسطينية، وفق “رويترز”.

وقال أحد المصادر الإقليمية البارزة المطلعة على التفكير السعودي للوكالة إن المسؤولين السعوديين حثوا واشنطن سرا على تلبية طلباتهم أولا ومصالحهم ثم الضغط على إسرائيل لإنهاء حرب غزة والالتزام "بأفق سياسي" للدولة الفلسطينية.

قالوا إن الرياض ستقوم بعد ذلك بتطبيع العلاقات والمساعدة في تمويل إعادة إعمار غزة.

وقال مصدر أميركي إن واشنطن تعتقد أن رغبة الرياض القوية في الحصول على ضمانات دفاعية أميركية تعني أن المملكة ستكون مستعدة لإبداء بعض المرونة بشأن ما يمكن أن يشكل التزاما إسرائيليا بمسار يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.

واتفقت واشنطن والرياض على بدء مناقشات حول اتفاق دفاعي وتطبيع إسرائيلي خلال زيارة بايدن للمملكة عام 2022 لإصلاح العلاقات المتوترة بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

ودفعت مصالح الطاقة والأمن بايدن ومساعديه إلى إعادة ضبط الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية التي دامت 80 عاما، والتي تأسست على معادلة بسيطة: الطلب الأميركي على النفط السعودي والطلب السعودي على الأسلحة الأميركية.

وحال إبرام هذه الصفقة، بشأن اتفاق نووي واتفاق أمني سعودي أميركي، سوف يتعين على مجلس الشيوخ الأميركي التصديق على معاهدة الدفاع مع السعودية والتفاهمات النووية، حسبما تؤكد صحف أميركية.

لكن صحفا أميركية ترى أن هذا قد يكون مستحيلا في ظل المناخ السياسي الحالي في واشنطن، وصراع الحزبين قبل انتخابات الرئاسة  في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

وصعوبة ضمان تصويت عدد كاف من الديمقراطيين للصفقة لرفضهم لسياسات ابن سلمان ونتنياهو على السواء، فضلا عن احتمالات تدخل ترامب لمنع نوابه الجمهوريين في الكونجرس من الموافقة على صفقة قد تكون مكسبا سياسيا لخصمه بايدن.

عقبة أخرى أمام الصفقة هي الرفض الشعبي السعودي المتزايد لصفقة التطبيع المرتقبة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وأشارت صحيفة "فايننشال تايمز" في 31 مارس 2024 إلى أن الحرب على غزة "أعادت القضية الفلسطينية إلى مركز الوعي الشعبي السعودي، وأصبح دعم صفقة التطبيع مع إسرائيل في أدنى مستوياته على الإطلاق".

وتوقعت أن "هذا سيؤدي إلى تعقيد قدرة نظام ابن سلمان على ترويج الصفقة لمواطنيها والعالم العربي والإسلامي".