أزمة المصرف المركزي.. كيف تؤثر على اقتصاد ليبيا الممزق بالانقسامات؟
الاتفاق يفتح نافذة أمل لاستئناف الإنتاج النفطي على المدى القصير
تتواصل تفاعلات أزمة تعيين محافظ البنك المركزي في ليبيا بين كل من حكومتي طرابلس والشرق وما تجرّه من توتر سياسي وعسكري واقتصادي في البلد المنقسم منذ عام 2011.
ورأت مجلة "فورميكي" الإيطالية أن الاتفاق على حل الأزمة بمثابة "خطوة أساسية نحو حل الجمود الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه البلاد خاصة مع تصاعد التوتر على إثر قرار إقالة محافظ البنك السابق" الصديق الكبير.
واتفق مجلس النواب في طبرق شرق ليبيا، والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس، على تعيين محافظ جديد لمصرف البلاد المركزي في غضون 30 يوما.
جاء ذلك في بيان مشترك للهيئتين في 3 سبتمبر/أيلول بعد يومين من محادثات استضافتها بعثة الأمم المتحدة في البلاد.
يأتي ذلك بعد أن أعلن المجلس الرئاسي في أغسطس/آب تعيين محمد الشكري محافظا جديدا للبنك المركزي، وإقالة السابق الصديق الكبير.
ورفض كل من مجلس النواب وكذلك المجلس الأعلى للدولة القرار، مؤكدين أن تعيين المحافظ من اختصاصاتهما، وليس اختصاص المجلس الرئاسي.
على إثر ذلك، أعلنت الحكومة الموازية وغير المعترف بها ومقرها شرق البلاد، إغلاق جميع حقول النفط ووقف إنتاجه وتصديره، قائلة إن ذلك يأتي "على خلفية أحداث مصرف ليبيا المركزي".
إنهاء الجمود؟
وحاليا يبذل عبدالفتاح غفار، الذي جرى تعيينه رئيسا للبنك المركزي بالوكالة من قبل المجلس الرئاسي، جهودا كبيرة لمنع حصول أزمة مالية في البلاد وضمان عدم تأخر الرواتب، حتى الاتفاق على اسم آخر.
وعلى ضوء الاتفاق بين الشرق والغرب على خريطة طريق لحل أزمة البنك المركزي واستئناف إنتاج النفط، تساءلت مجلة فورميكي الإيطالية إن كان ذلك يعني أن البلاد “مستعدة للتسويات السياسية أم أن العملية مجرد تأجيل للقرارات وربح للوقت؟”.
وقالت المجلة إن الاتفاق "يفتح نافذة أمل لاستئناف الإنتاج النفطي على المدى القصير، ومن شأنه أن يشكل على المدى الطويل نقطة تحول مهمة في إنهاء الانقسامات الداخلية المزمنة".
وفقا للمعلومات التي نشرتها وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، يهدف الاتفاق إلى استئناف إنتاج النفط الذي انخفض بشدة بسبب الصراع السياسي بين الفصيلين المتنازعين.
وستستمر المفاوضات حتى 9 سبتمبر/أيلول بهدف تعزيز هذه الخطوة الأولى نحو حل أوسع نطاقا.
إلا أن المجلة الإيطالية ترى أن هذا الاتفاق يعد "بمثابة تسوية لكسب الوقت أكثر من كونه حلا حقيقيا للأزمة خصوصا أن الطرفين اتفقا على إتمام العملية في غضون شهر بدلا من حل الأزمة في يوم واحد".
علاوة على ذلك، تحدثت عن شائعات تشير إلى إمكانية تمديد العملية مرة أخرى.
وتنقل عن مصادر قولها إنه "في حالة عدم الاتفاق، فسيتم تمديد عمل اللجنة المؤقتة التي ستكلف بتسيير إدارة المصرف لمدة 30 يوما إضافية".
وترى ذات المصادر التي لم تكشف عنها المجلة أن "هذا يشير إلى إمكانية أن تتأخر خريطة الطريق أكثر مما يزيد من صعوبات التوصل إلى حل".
انعكاسات على الاقتصاد
وبات البنك المركزي جبهة جديدة للصراع من أجل السيطرة على موارد الطاقة الأساسية للاقتصاد الليبي.
ولا تنعكس الانقسامات بين الشرق والغرب على المسائل السياسية فحسب، بل تمتد إلى إدارة الموارد النفطية.
إذ أدى قرار وقف الصادرات إلى تقلص الإنتاج الوطني من 1,2 مليون برميل إلى أقل من النصف.
وترى "فورميكي" أن "النفط ليس موردا اقتصاديا فحسب، بل إنه يشكل أيضا سلاحا إستراتيجيا في هذا النزاع الطويل، لا سيما أن مؤسسات شرق البلاد التي تسيطر على محطات تصدير النفط الرئيسة، استخدمته للضغط على طرابلس".
وبحسب تحليلها، ينطوي قرار إغلاق حقول النفط الحالي في ليبيا على انعكاسات أخرى مقارنة بالأوضاع المماثلة التي شهدتها البلاد سابقا.
وذكرت أنه "لأول مرة قد لا تبيع المؤسسة الوطنية للنفط مئات الآلاف من براميل النفط الخام المستخرج من حقول مسلة- السرير وإنما قد تحتكر العملية أرينكو، شركة خاصة مقرها في بنغازي".
وذلك في إشارة إلى ما كشف عنه موقع "أفريكان إنيرجي" البريطاني، بأن ناقلة النفط "زيوس" التي ترفع علم جزر البهاما ورست في ميناء طبرق يوم 8 يوليو/تموز وحملت على متنها مليون برميل من النفط الخام، خارج القواعد المعروفة التي تحكم مبيعات النفط الليبي.
وأوضح الموقع أن هذا يعني أن مليشيات اللواء الانقلابي خليفة حفتر، وجدت طريقة لتصدير النفط الخام أو على الأقل المشاركة التجارية في مبيعاته، وهو أمر فشلت مرارا وتكرارا في تحقيقه على مدى العقد الماضي.
ونقل عن نسخة من وثيقة مؤرخة في 4 يوليو، تفيد بأن شركة أركينو أمرت بتحميل مليون برميل من مزيج السرير ومسلة وهو الخام الذي تنتجه شركة الخليج العربي للنفط التابعة لمؤسسة النفط.
كما تحدثت تقارير في هذه الفترة، عن وجود ناقلة نفط مستأجرة من قبل شركة "يونيبك" الصينية، وهي "نيرجي تريومف" بالقرب من مرسى الحريق ومن المتوقع أن تعمل على تحميل مليون برميل.
وترجح فورميكي إمكانية أن تستخدم عائلة حفتر "توقف التصدير المنتظم للنفط للمؤسسة الوطنية للنفط ليس فقط لابتزازها، كما حدث عدة مرات في الماضي، ولكن هذه المرة لتحقيق مصالح مباشرة".
عقبات عديدة
ولفتت المجلة الإيطالية إلى وجود عقبات عديدة أمام تنفيذ الاتفاق المتوصل إليه وفي مقدمتها حالة الانقسام التي تعيشها البلاد سياسيا منذ عام 2014.
وكذلك هشاشة النظام المؤسسي، إلى جانب عدم إجراء انتخابات كانت مقررة مبدئيا بموجب اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020، فيما لا يزال الوضع عموما غير مستقر.
ووصفت الصديق الكبير، الذي يشغل منصب مصرف ليبيا المركزي منذ عام 2011، بأنه شخصية مثيرة للجدل.
فمن ناحية، يتمتع بدعم حفتر في الوقت الحالي، ومن ناحية أخرى، يُتهم بسوء الإدارة والفساد.
وهي اتهامات صعدت من توتر العلاقات مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة.
بينما رفض محمد الشكري تكليفه بتولي منصب محافظ جديد مشترطا "على الجميع لتفعيل القرار بأن يكون هناك توافق من الجهتين التشريعيتين المختصتين (مجلسي النواب والدولة)".
وهذا يؤكد مدى صعوبة التوصل إلى شخصية توافقية في سياق الانقسامات العميقة، تعلق المجلة الإيطالية.
ونقلت عن مصدر آخر قوله إن " الاتفاق يشكل فرصة نادرة لليبيا، وإذا جرى تطبيقه، فقد يساعد في استئناف إنتاج النفط وتحقيق الاستقرار في جانب مهم من اقتصاد البلاد".
ويضيف نفس المصدر المجهول "لا يزال عدم الاستقرار السياسي والانقسامات الداخلية يمثلان عقبات كبيرة".
ورأى أن ليبيا “تواجه مجددا تحديا وجوديا، فهل ستتمكن من تجاوز انقساماتها الداخلية وإيجاد توازن للتعافي الاقتصادي والسياسي المستدام؟”