فوز عسكري في انتخابات إندونيسيا.. كيف يؤثر على مسار الديمقراطية؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

رغم عدم إعلان النتائج النهائية الرسمية، التي ستستغرق وقتا لأن إندونيسيا تضم 17 جزيرة مترامية الأطراف، أعلن المرشح العسكري في انتخابات الرئاسة "برابوو سوبيانتو" فوزه بعدما أشارت نتائج أولية إلى ذلك.

الانتخابات التي جرت في 14 فبراير/شباط 2024، تنافس فيها ثلاثة مرشحين يمثلون تيارات مختلفة، وشارك فيها نحو 200 مليون إندونيسي.

الأول: وزير الدفاع المتقاعد برابوو سوبيانتو، وهو جنرال سابق في الجيش، والصهر السابق للديكتاتور الراحل محمد سوهارتو (ثاني رئيس لإندونيسيا وقد حكم البلاد لمدة 32 عاماً)، وله تاريخ استبدادي في تعذيب وإخفاء معارضين.

والثاني: هو "أنيس باسويدان" حاكم جاكرتا السابق، الذي قدم نفسه على أنه صوت المعارضة ضد الفساد السياسي، وينحدر من أصول يمنية عربية، وفاز عام 2017 بانتخابات العاصمة.

وقد دعم "باسويدان" "تحالف التغيير"، وهو مدعوم من "حزب العدالة والرفاه" وحزب الأمة وحزب نهضة الوطن، وهي أحزاب إسلامية.

والثالث: حاكم جاوا الوسطى السابق غنجار برانوو الذي قدم الإنترنت مجانا للشباب، لمعرفته بأهمية الشبكة الدولية بالنسبة لهم، وهو ينتمي للتيار المحافظ.

وشهدت انتخابات إندونيسيا، التي تعتبر أكبر دولة من حيث عدد المسلمين وتُصنف بصفتها ثالث أكبر ديمقراطية في العالم منذ تخلصها من الدكتاتورية في عام 1998، منافسة محتدمة بين الجنرال السابق والمرشح الإسلامي، وآخر مستقل محافظ.

وبالإضافة إلى انتخاب رئيسهم الجديد، انتخب الإندونيسيون، أعضاء البرلمان البالغ عددهم 580 نائبا فضلا عن 20 ألف عضو في المجالس التمثيلية والمحلية.

أسباب التقدم
 

كانت النتائج الأولية، وفق تقارير صحفية، تشير لتقدم "باسويدان" على وزير الدفاع الأسبق، وحصده ربع الأصوات، لكن النتائج التي أُعلنت تدريجيا-من مراكز استفتاء لا الحكومة-أظهرت انقلابا لصالح الجنرال العسكري.

بحسب صحيفة "جاكرتا بوست" 16 فبراير 2024، ووفقًا لثلاثة مراكز استطلاع للرأي، بناء على الأصوات التي جرى فرزها في عينة من مراكز التصويت على مستوى البلاد فاز المرشح العسكري بما بين 57 و59 بالمئة من الأصوات.

وجاء أنيس باسويدان، وهو مرشح مدعوم من قوى إسلامية، بالمركز الثاني بنسبة حوالي 25 بالمئة، والمرشح الثالث جانجار برانوو بنسبة بين 17 و18 بالمئة. 

وسبق أن خاض باسويدان معركة شرسة في انتخابات حاكم جاكرتا عام 2017 بدعم من أحزاب إسلامية، في مواجهة المرشح "أهوك" وهو من أصول صينية واتهم أثناء الحملة الانتخابية بالإساءة للدين الإسلامي، وحكم عليه بالسجن عامين.

وقالت شبكة سي إن إن الأميركية في 14 فبراير 2024 إن النتائج غير الرسمية تظهر أن الجنرال برابوو سوبيانتو فاز بما يقرب من 60 بالمئة من الأصوات بعد فرز قرابة 80 بالمئة، وهو ما يكفي لتجنب جولة إعادة رئاسية.

هيئة التحرير بصحيفة "جاكرتا بوست" تحدثت في افتتاحيتها 15 فبراير 2024 عن رشاوى شاركت فيها كافة أجهزة الدولة لإنجاح المرشح العسكري.

قالت إن تقارير أكدت أن أجهزة الدولة، بدءا من أعضاء الشرطة والجيش الإندونيسي إلى رؤساء القرى والبيروقراطية المدنية، قد تلقوا جميعًا أوامر بحشد الأصوات ودعم الحملات السياسية للمرشح العسكري "برابوو" وضمان فوزه.

وضمن هذه الرشاوى استخدام الموارد الحكومية في شكل برنامج مساعدات نقدية، واجتماعية، وأرز رخيص، وافتتاح مشاريع بنية تحتية جديدة بالمناطق الريفية لضمان أصوات أهلها.

وأيضا تعديل قانون الانتخابات، قبل أيام من عقدها (لتفويت فرصة الطعن)، للسماح لـ "جبران" ابن الرئيس المنتهية ولايته جوكوي ويدودو، بالترشح نائبا للجنرال "برابوو".

ولضمان فوزه نفذ ممثل العسكر، الذي نفى جميع التهم المسندة إليه، حملات دعائية مكثفة لتحسين صورته وتاريخه القمعي للتقرب من الشباب الذين لم يعاصروا فترة الديكتاتورية في إندونيسيا خلال الثمانينيات من القرن الماضي.

وتعبيرا عن الغضب من هذه المحاولات للتأثير على الانتخابات كي يفوز الجنرال العسكري، أصدر مخرج سينمائي مستقل فيلما وثائقيا بعنوان "التصويت القذر"، كشف فيه عن تحركات منهجية من جانب السلطات كي يفوز "برابوو".

يعرض هذا الفيلم تفاصيل تزوير الانتخابات من قبل إدارة جوكوي الداعم للمرشح العسكري، وهو ما نفته حملته.

وسبق أن خسر الجنرال السابق أمام جوكوي ويدودو في انتخابات 2014 و2019، غير أنه أصبح المرشح الأوفر بعدما نفذ حملات دعاية لتحسين صورته، وأغرى الاندونيسيين بأنه سيواصل مسيرة الرئيس الحالي (الذي يحظى بشعبية).

تاريخ أسود

"سوبيانتو"، الذي من المرجح أن يصبح الرئيس الجديد لإندونيسيا، متهم بارتكاب فظائع تتعلق بحقوق الإنسان، بصفته جنرالا عسكريا لعب أدوارا مشبوهة خلال فترة الديكتاتورية العسكري للرئيس الأسبق سوهارتو، وفق وكالة "أسوشيتد برس" 14 فبراير 2024.

وسبق أن جرى تسريحه من الجيش بسبب انتهاكات يعود تاريخها إلى الثمانينيات لتورطه في تعذيب واختفاء معارضين بارزين.

وحذر حقوقيون وناشطون من أن فوزه معناه دخول إندونيسيا "فصلا مظلما جديدا في تاريخها".

فقد كان قائدا لفترة طويلة في القوات الخاصة (لكوباسوس) التي اختطفت وعذبت ناشطين سياسيين عام 1998، يقدر عددهم بـ 22 ناشطًا اختطفوا في ذلك العام، ولا يزال 13 منهم في عداد المفقودين. 

وبرابوو متهم أيضًا بالتورط في انتهاكات حقوق الإنسان في بابوا وتيمور الشرقية، بما في ذلك مذبحة عام 1983 التي قُتل فيها مئات الأشخاص، معظمهم من الرجال، في قرية كراراس التيمورية.


 

وجاء تسريحه من الخدمة العسكرية بعد أن أمر قواته بمحاصرة القصر الرئاسي في عهد يوسف حبيبي، الذي خلف سوهارتو في حكم البلاد.

وهو ما دفع مجلس شرف الضباط لمحاكمته أمام محكمة عسكرية، وفصله من الجيش في 14 يوليو/تموز 1998 بعد إدانته بـ 7 تهم.

وقد اختار "برابوو" الأردن كمنفى اختياري عقب فصله ومنه إلى بلدان أوروبية، ثم عاد إلى إندونيسيا عام 2001، وسار على خطى شقيقه الأصغر رجل الأعمال هاشم جوجوهاديكوسومو، الذي يعد أحد أغنى الأشخاص في البلاد.

وقد أنشأ "برابوو" عدة شركات تعمل في مجال الطاقة وزيت النخيل والفحم والغاز والتعدين والزراعة وصناعات صيد الأسماك.

وبسبب تاريخه الأسود، فرضت عليه الولايات المتحدة وعلى مجموعة من قيادة القوات الخاصة حظر السفر إلى أراضيها، بسبب اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد شعب تيمور الشرقية.

واستمر هذا الحظر حتى عام 2022، ليجري رفعه بعدها حتى يتمكن برابوو من زيارة الولايات المتحدة بصفته وزيرا للدفاع في إندونيسيا.

وعام 2004 عاد ليدخل مجال السياسية بانضمامه إلى غولكار (حزب الرئيس الأسبق سوهارتو)، ثم الترشح للرئاسة التي خسرها مرتين أمام الرئيس الحالي قبل أن يفوز وفق النتائج غير النهائية التي لم تعلن رسميا بعد.

مستقبل الديمقراطية

تقول مجلة "التايم" الأميركية 14 فبراير 2024 إن "الانتخابات الرئاسية تنذر بعصر جديد من عدم اليقين بالنسبة للديمقراطية الوليدة في إندونيسيا".

وقال عثمان حامد، المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في إندونيسيا لصحيفة "الغارديان" البريطانية: "الشتاء (أي القمع) قادم، أيا كان اسمه"، في إشارة لدخول البلاد مرحلة مظلم، لكنه توعد باستمرار المعركة ضد الديكتاتور.

وقال "زاكاري أبوزا"، أستاذ سياسات جنوب شرق آسيا والقضايا الأمنية في الكلية الحربية الوطنية في واشنطن لشبكة سي إن إن 14 فبراير إن "وجود عسكري سابق على رأس السلطة ينبئ بالعودة إلى أيام الحكم الاستبدادي المظلمة".

وأشار إلى أن الرئيس المنتهية ولايته (جوكوي) أحاط نفسه بالعديد من جنرالات الجيش وكان يميل إلى "إضفاء طابع أمني" على العديد من المشاكل، متسائلا: هل سيفعل الرئيس العسكري الجديد الشيء نفسه؟

أيضا تتخوف كبيرة محللي شؤون جنوب شرق آسيا "لورا شوارتز" من أن يركز "برابوو" في فترة الرئاسية المقبلة على "تصرفات غير ليبرالية"، حسبما قالت لشبكة سي إن إن.

وأشارت إلى أنه دعا في السابق إلى إزالة القيود المفروضة على فترات الرئاسة، وإنهاء الانتخابات الرئاسية المباشرة والحد من حماية حقوق الإنسان". 

وتتهم منظمات غير حكومية الجنرال "سوبيانتو" هو وقادته العسكريين السابقين بإصدار أوامر بخطف ناشطين مؤيدين للديمقراطية في نهاية حكم الديكتاتور، سوهارتو، في أواخر التسعينيات.

وتقول تقارير غربية إن الجنرال العسكري، قاد حملة علاقات عامة قوية وحاول تقديم شخصيته بشكل جديدة كـ "جد محبوب" لجذب الناخبين الأصغر سنا.

وساعده على ذلك الدعم الضمني له من الرئيس المنتهية ولايته جوكو ويدودو، كما عزز من فرص فوزه تحالفه مع نجل الرئيس الحالي، كنائب للرئيس المقبل.

ورغم تشاؤم أغلب الناشطين والحقوقيين بشأن مستقبل إندونيسيا في الحريات وحقوق الإنسان عقب فوز هذا الجنرال، يرى فريق التحرير في موقع "جاكرتا بوست" أن الخطوة التالية بمجرد توليه السلطة، ستكون إثبات خطأ منتقديه.

وأنه "بدلا من أن يكون سياسيا مناهضا للديمقراطية، يمكنه أن يكون صانعاً للإجماع وقائداً رحيماً يتمتع بشخصية مستقرة، وهو النوع الذي تحتاجه البلاد".

لكن "أحمد كورو" أستاذ العلوم السياسية بجامعة كولومبيا الأميركية قال عبر منصة إكس إنه يشعر بالحزن والقلق بسبب نتيجة الانتخابات في إندونيسيا ومستقبل الديمقراطية هناك.

ورغم أن إندونيسيا أجرت 5 انتخابات ديمقراطية منذ بدء عودتها للمسار الديمقراطي عام 1998 بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق سوهارتو، يتخوف مراقبون أن يؤدي فوز جنرال عسكري قمعي في الانتخابات السادسة الحالية لإنهاء التجربة ككل.

ويقول موقع "إنترسبت" الأميركي 10 فبراير 2024 إن الجنرال برابوو الذي صنع اسمه من خلال الاختطاف والتعذيب والمذابح، أصبح "ديكتاتورًا فاشيًا"، وبمساعدة أجهزة الدولة، أصبح على مشارف الرئاسة.