فضيحة كبرى.. لماذا أثار التعديل الوزاري بحكومة أخنوش غضب المغاربة؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

بعد طول انتظار في المغرب، كشف عزيز أخنوش الستار عن النسخة الثانية من حكومته، والتي جاءت حافلة بالمفاجآت، وجرت عليه انتقادات واسعة بالبلاد.

التعديل الحكومي في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، شمل قطاعات التربية والتعليم والصحة والأسرة والفلاحة والصيد البحري والاستثمار الخارجي والتعليم العالي وتحديث الإدارة والتجهيز والنقل.

 ورأى متفاعلون أن "منطق القرب" من رئيس الحكومة لعب دورا كبيرا في الكثير من هذه التعيينات.

ومن هؤلاء، محمد سعد برادة، والذي تولى حقيبة التربية والتعليم، كان يشغل منصب عضو مجلس الإدارة في شركة "إفريقيا غاز" التابعة لهولدينغ "أكوا" المملوكة لرئيس الحكومة.

أما وزير الصحة الجديد، أمين التهراوي، فقد سبق أن قام بتسيير الشركتين اللتين يقودهما أخنوش وزوجته سلوى الإدريسي، "أكوا" و"أكسال"، حيث تقلد العديد من المناصب الإستراتيجية حتى أصبح عام 2012 المدير العام لمجموعة "أكسال".

كما نالت الانتقادات كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، عمر حجيرة، والذي مازال متابعا في ملف يتعلق بـ"الفساد المالي وتبديد أموال عمومية".

انتقادات واسعة

تفاعلا مع هذا التعديل الحكومي، قال أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، عبد الحفيظ اليونسي، إن "مخرجات التعديل الحكومي كانت دون الانتظارات، بالنظر إلى أن هناك وزراء راكموا مشاكل على مستوى التدبير وعلى مستوى النقاش العمومي وتم الاحتفاظ بهم".

واستشهد اليونسي في حديث لـ"الاستقلال" بوزير العدل عبد اللطيف وهبي، ومواقفه الأيديولوجية "التي يحاول تمريرها من خلال بعض القوانين التي هي محط انتقاد من مختلف مكونات المجتمع وبعض الهيئات المهنية".

وأكد الأستاذ الجامعي أن "هذا الوزير ارتكب أخطاء تمس بمبدأ فصل السلط"، مشددا على أن "استمراره في الحكومة هو استفزاز لمشاعر مكونات مهمة من داخل النسيج الاجتماعي المغربي".

وأبرز اليونسي أن "هذا التعديل كان دون مستوى الرهانات السياسية المطروحة على بلادنا، ويعطي صورة سيئة جدا على أن العمل الحكومي ليس له دور على مستوى القرار الإستراتيجي في البلاد، وهذا يمس بالعملية الديمقراطية والثقة في مختلف المؤسسات".

وأشار في هذا الصدد إلى "استوزار بعض البروفايلات التي لا يمكن أن نقول عنها إلا أنها دون مستوى تدبير الشأن العمومي بمسؤولية وباحترافية، بالإضافة إلى بعض الوزراء الذين حافظوا على مناصبهم وكان أداؤهم صفريا كوزير التشغيل والشباب وغيرهم".

من جانبه، قال رضا بوكمازي، المحامي وعضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب الأسبق، أن "هذا التعديل الحكومي لا حاجة له ولا أثر له بالنسبة للمواطن، لأن إرادة المواطن كانت تنصرف إلى ما هو أكبر من ذلك، وهو إسقاط هذه الحكومة عبر تقديم رئيسها لاستقالته".

وأوضح بوكمازي لـ"الاستقلال" أن "رئيس هذه الحكومة عمم اليأس على المغاربة، وعمق حالة الانسحاب العام التي يعيشها عموم المغاربة من الحياة العامة ومن الحياة السياسية ومتابعة الشأن السياسي".

واسترسل: "كما كان سببا في حالة العزوف التي أكدتها مختلف الاستحقاقات الانتخابية الجزئية، وأسهم في الحالة السياسية العامة المرتبطة بالنفور واليأس، حيث هناك حالة تذمر واسعة من تضارب المصالح التي يمثل رئيس الحكومة نفسه عنوانها الأبرز".

ونبه بوكمازي إلى أن سبب هذا التذمر، أن أخنوش "جعل من موقعه رئيسا للحكومة خادما لموقعه بصفته رئيسا لمجموعة اقتصادية كبرى، وجعل منطق تسيير أمور هذه البنية الاقتصادية هو الأصل، ما خلف له تراكما غير أخلاقي لثروته".

وشدد على أن "هذا الوضع خلق حالة تذمر لدى المواطنين الذين يرون أن العنوان البارز هو استخدام الموقع السياسي وموقع المسؤولية في خدمة المصالح الخاصة".

وأضاف أن "هذا الوضع تكرر الآن من خلال استجلاب عدد من المستخدمين في مجموعاته الاقتصادية، وتمكينهم من مسؤولية جديدة خدمة لهذا المنطق".

وأبرز البرلماني السابق أن "التعديل الحكومي يؤكد سراب وبهتان كل المقولات المرتبطة بأن حزب رئيس الحكومة يتوفر على كفاءات استثنائية وقادرة على أن تعالج كل الإشكالات القائمة؛ لأن الحقيقة أظهرت أنه عجز عن تقديم أي كفاءة يمكن أن تقوم بالأدوار المنوطة بها".

وتابع: "اليوم يُدفع بأسماء جديدة تأتي ليست من أجل خدمة قضايا هذا الوطن من خلال بروفايلاتها إن وُجدت، وإنما تأتي من أجل تكريس مبدأ القرب والخدمة الخاصة لأخنوش".

وخلص بوكمازي إلى أن "أخنوش يتعامل مع الحكومة كما يتعامل مع مختلف شركاته القائمة على منطق "الباطرون/المدير" في علاقته مع المستخدم"، مشددا على أن "هذا يشكل خطرا على السياسة في هذا البلد وعلى عموم المواطنين".

سمة القرب

أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، عبد الرحيم العلام، فرأى أن "التعديل الحكومي، طبعته الترضيات السياسية، والتدوير الحزبي، ومنطق القرب من رئيس الحكومة".

وأوضح العلام لـ"الاستقلال" أن ما يبرز مسألة الترضيات، هو أن الحكومة “استمرت طيلة هذه السنوات بدون كتاب الدولة، واليوم وقد شارفت على إنهاء ولايتها، فكرت في إضافتهم، وبات العديد من القطاعات تسير برأسين، بل إن بعض كتابات الدولة لا معنى ولا أهمية لها”.

وزاد: "ما يوضح أن الأغلبية الحكومية أضافت مسؤوليات وحقائب جديدة من أجل استوزار شخصيات أخرى لترضيتها، مع ما يجره ذلك من مصاريف ونفقات إضافية تؤدى من أموال دافعي الضرائب".

وذكر العلام أن التعديلات حكمها “منطق التدوير داخل الحزب، فقد احتفظت الأحزاب بحقائبها وغيرت الوزراء، ما يعني الاستمرارية بنفس المنطق في التدبير، ويطرح التساؤل حول جدوى التعديل، خاصة أن من بين الوزراء الجدد من كان متابعا في قضايا تدبيرية كعمر أحجيرة، ومنهم من كانت عليه ملاحظات كما هو حال عبد الصمد قيوح”.

وسجل المحلل السياسي أن “السمة الأخرى التي طبعت التعديل، هي القرب من أخنوش، فبعض الشخصيات التي استوزرت تدور في فلك شركاته، وكأن التدبير الحكومي يشبه تدبير شركة بالنسبة لرئيس الحكومة، خاصة أن هؤلاء الوزراء بعيدون عن التخصص، ولا تجمعهم رابطة مع القطاعات التي يتولونها، كما هو شأن وزيري التربية الوطنية والصحة”.

وانتقد العلام تغيير طبيب كان على رأس قطاع الصحة بمستثمر، وتعيين رجل أعمال لم يسبق له أن تولى مسؤولية سياسية على رأس قطاع التعليم، وكأنه جاء بغرض ملء سيرته الذاتية، متسائلا: “شخص بدون مراكمة ما الذي يمكن أن يضيفه للقطاع؟”

وخلص العلام إلى أن التعديل “لم يأت بجديد”، والحكومة الحالية شعارها "من سيئ لأسوأ”"، فتدبيرها كان سيئا وبالنظر للبروفايلات الجديدة سيكون أسوأ.

تفاعلات غاضبة

صفحات وحسابات عدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبرت عن عدم رضاها عن التعديل الحكومي الجديد، مؤكدة أنه يعكس الأزمة السياسية القائمة في ظل الحكومة الحالية بقيادة أخنوش.

وفي هذا الصدد، ذكر موقع "عَبِّر"، عبر صفحته على فيسبوك في 23 أكتوبر 2024، أن التعديل الحكومي الذي انتظره الكثير من المغاربة، "كشف عن مفاجآت بالجملة، وأكد بشكل ملموس أن التغيير لا طائل منه".

وأضاف الموقع، "كما أكد أن حكومة أخنوش تتبادل المناصب لغرض توزيع الكعكة ليس إلا، خاصة وزراء التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة".

واسترسل: "فمن بين الوجوه التي تم استوزارها نجد لحسن السعيدي، بطل فيديو أغنية (مهبول أنا) الذي رقص فيه أعضاء حزب التجمع على ضحايا فيضانات الجنوب الشرقي"، أثناء عقدهم لما يسمى بالجامعة الصيفية أخيرا بمدينة أغادير".

أما الكاتب الصحفي مصطفى الفن، فقال إن هناك "مسؤولا سياسيا كان محكوما بسنتين حبسا نافذا طلع اسمه اليوم في النسخة الثانية من الحكومة"، مقدرا أن "هذا سبب كاف يدعو إلى اليأس وإلى الإحباط".

واسترسل الفن في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، في 23 أكتوبر، "أتحدث هنا بالتحديد عن عمر أحجيرة الذي عُين كاتب دولة مكلفا بالتجارة الخارجية..".

وأضاف: "الذي أعرف أن قضية أحجيرة مازالت ربما جارية أمام المحاكم وفرضية إدانته بالحبس النافذ من جديد واردة جدا، اللهم إلا إذا كان الذين اقترحوا هذا البروفايل على سلطة التعيين متأكدين بأن القضاء لن يدينه هذه المرة وهو وزير في حكومة.. وهذه كارثة أخرى..".

بدورها، قالت أمينة ماء العينين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، ونائبة رئيس مجلس النواب السابق، في تدوينة عبر فيسبوك في 24 أكتوبر، "حكومة المستخدمين والشركاء والأصدقاء وأشياء أخرى… يجوز، يجوز…الآن كل شيء يجوز".

من جهته، رأى المحلل السياسي محمد شقير، أن أخنوش يفكر بمنطق رجل أعمال، ويدبر الحكومة ويختار وزراءه بنفس هذا المنطق، وهو ما يتضح بجلاء في التعديل الحكومي.

وأضاف شقير لموقع "لكم" المحلي في 24 أكتوبر، أن أخنوش يدفع في اتجاه تدبير القطاعات الوزارية بمنظور القطاع الخاص، لأنه يرى أن رجال الأعمال هم أكثر قدرة على التدبير وعلى حل المشكلات.

ورأى أن “هذا الوضع يجعل هذه الحكومة ليست حكومة سياسية، بل هي تكنقراطية ببهارات حزبية، وهذا التكريس لرجال الأعمال في التشكيل الحكومي، سيعمق إشكال التواصل المطروح منذ مجيء هذه الحكومة”.

وأردف “إذا كان استبعاد وزراء من الحكومة يعد دليلا على فشلهم أو ضعف تدبيرهم لقطاعاتهم، فإن التساؤل الذي يُطرح هو هل رجال الأعمال أكثر فعالية؟ وهل القطاعات الاجتماعية، خاصة الصحة والتعليم، ينبغي أن يسلك تدبيرها منطق القطاع الخاص؟”.

رفض حزبي

من الجانب الحزبي، قال محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية (معارض)، إن "الاكتفاء بتغيير الأشخاص لن يكون له أي وقع، وإن المطلوب من الحكومة هو تغيير التوجهات".

وعبر بنعبد الله في تصريح صحفي، عن تخوفه من أن هذه التغييرات التي عرفتها تشكيلة حكومة أخنوش "قد تسهم في تعميق توجهات الحكومة في منحاها السلبي".

وأبرز بنعبد الله أن "المغرب في أمسّ الحاجة إلى نهج توجه، لا تؤمن به هذه الحكومة الحالية، والمتمثل في التوجه نحو الإصلاح الحقيقي، وذلك من خلال المضي قدما في بلورة الإصلاحات الديمقراطية والسياسية التي تحتاجها البلاد، خاصة في أفق انتخابات 2026".

وشدد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن هذه التغييرات “لن يكون لها وقع عميق على مستوى التوجهات الحالية للحكومة”.

أما حزب العدالة والتنمية (معارض)، فأكد أن مخرجات التعديل الحكومي "تُشَكِّلُ إساءةً للعمل الحزبي والسياسي وللسياسيين، واستغلالا غير مسؤول وتبخيسا لسلطة الاقتراح التي خولها دستور 2011 لرئيس الحكومة".

ووصف الحزب في بيان حمل توقيع أمينه العام عبد الإله بنكيران، في 25 أكتوبر، التعديل بـ"المستفز والمخيب للآمال"، مقدرا أنه "تم خارج أي سياق أو منطق سياسي وتدبيري".

وقال إنه استغرب "بشدة احتفاظ رئيس الحكومة بوزير العدل وهبي ضمن التشكيلة الحكومية المعدلة، رغم تصريحاته المستفزة لشعور المواطنين والمنافية لثوابت الأمة ودفاعه المستميت عن العلاقات الرضائية، واستهزائه بحديث نبوي شريف، واحتقاره للمواطنين، وتبخيسه لعمل مؤسسات دستورية من مثل الهيئة الوطنية للنزاهة...".

ورأى العدالة والتنمية أن "البروفايلات" التي اقترحها رئيس الحكومة، بوصفه رئيسا لحزبه، تشكل كذلك استخفافا كبيرا بأولويات كبيرة وقطاعات إستراتيجية وحيوية من مثل قطاعات التربية والتكوين، والصحة والحماية الاجتماعية، والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، وتكرس توجها نحو مزيد من خوصصة وتسليع الخدمات العمومية.

وتابع: "كما تؤكد من جهة أخرى مخاطر وصفة الجمع بين المال والسلطة، إذ إن رئيس الحكومة يتصرف كرئيس شركة ولا يجد أي حرج في اقتراح من هم شركاء تجاريون له أو مستخدمون لديه، كما أن اقتراحه يدور كل مرة في فلك مساعدين له في الوزارة التي كان يرأسها سابقا أو في رئاسة الحكومة حاليا".