هل تتسبب استفزازات نتنياهو بشأن الصحراء في وقف التطبيع مع المغرب؟
يسيطر المغرب على 80 بالمئة من أراضي الصحراء الغربية المتنازع عليها
أثار ظهور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة تلفزيونية حاملا في يده صورة تظهر فيها خريطة المغرب مفصولا عنها إقليم الصحراء، غضب المغاربة على منصات التواصل الاجتماعي.
وفي 30 مايو/أيار 2024، ظهر نتنياهو في مقابلة على شاشة قناتي "LCI" و"TF1" الفرنسيتين الرسميتين، وهو يحمل خريطة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا يظهر فيها المغرب بدون إقليم الصحراء.
وجاءت المقابلة، في محاولة يائسة من نتنياهو لإقناع الفرنسيين خصوصا والغرب عموما بسرديته التي تهاوت على مدى 8 أشهر من العدوان على مدنيي قطاع غزة المحاصر.
مواقف منافقة
وهذه ليست المرة الأولى التي يستفز فيها نتنياهو المغاربة، حيث سبق له الظهور أثناء استقباله رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني في مكتبه وخلفه خريطة المغرب مبتورة من الصحراء المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو.
غير أن الواقعة الأخيرة جددت سخط وتذمر رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين شجبوا هذه الممارسات الإسرائيلية.
وتأتي هذه الاستفزازات في وقت أعلنت فيه "إسرائيل" اعترافها بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية، وذلك في رسالة وجهها نتنياهو، إلى العاهل المغربي.
وفي 17 يوليو/تموز 2023، أشار بيان للديوان الملكي، نقلا عن الرسالة إلى أنه سيتم إخبار الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعد إسرائيل عضوا فيها، وكذا جميع البلدان التي تربطها بتل أبيب علاقات دبلوماسية بهذا القرار.
وشدّد البيان على أن نتنياهو أفاد في رسالته بأن إسرائيل تدرس إيجابيا "فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة"، وذلك في إطار تكريس قرار الدولة هذا.
ويسيطر المغرب على 80 بالمئة من أراضي الصحراء الغربية ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته، في حين تدعو جبهة “البوليساريو” التي ترعاها الجزائر ماديا ومعنويا إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير.
ومن المعروف أن الاعتراف الأميركي بالصحراء الغربية كان أهم شرط مغربي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي خطوة اتخذها الرئيس السابق دونالد ترامب.
وأمام هذه الاستفزازات المتتالية، تصاعدت مطالب المغاربة بضرورة تعجيل قطع العلاقات بين المغرب و"الكيان العبري"، مؤكدين أنه لا ثقة ولا أمان في قتلة الأطفال والنساء والشيوخ بغزة.
الكاتب والصحفي بلال التليدي، قال إن "مملكة محمد السادس لا تقبل الازدواجية في المواقف"، مضيفا أنه "من الضروري التقاط الرسالة من تصرف رئيس الوزراء الصهيوني".
ورأى التليدي، في تدوينة عبر فيسبوك، أن الرسالة الأساسية لهذا التصرف هي أن "أي رهان إستراتيجي على علاقات مع هذا الكيان هي ضرب من الوهم"، مبينا أنه "حتى بمعيار ما يسمى بالعلاقات التكتيكية فهي تقدر بقدرها".
ويرى أن "نتنياهو بتصرفه المشين قد أنهى هذا المفهوم، وأثبت أنه لم يعد للضرورة والتقدير وزن"، مشيرا إلى أن "محاولة وزير خارجية الكيان الصهيوني (يسرائيل كاتس) الاستدراك هي لعب على حبل الازدواجية".
وشدد على أن "مملكة محمد السادس، قطعت منذ مدة طويلة، مع هذه المواقف المترددة أو المنافقة"، قائلا: “ما كسبناه فقد كسبناه، وما خسرناه فقد خسرناه”.
وأردف: "اليوم ليس محطة لقياس الكسب إلى الخسارة، بل لحظة للتفكير في الجواب على الاستفزاز، والاعتذار لا يبرر العودة إلى ما كان من مسار".
إلغاء التطبيع
بدوره، قال الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع عزيز هناوي: "مجددا يقوم نتنياهو بقطع الصحراء المغربية من خريطة المغرب في حوار على قناة فرنسية".
وتساءل هناوي، في تدوينة عبر فيسبوك، "ماذا عن بوريطة (وزير الخارجية المغربي) ومعه كل جوقة التطبيع باسم الصحراء"، مردفا "طبعا الصمت حكمة"، في إشارة إلى عدم إصدار السلطات الرسمية أي تعليق على الواقعة.
ورأى أنه "لو كان رئيس حكومة ما في العالم رفع صورة خريطة المغرب مبتورة صحراؤها، لرأيت صراخا رسميا وشبه رسمي من كل حدب وصوب في البلاد"، متسائلا: "لماذا العجز عن مواجهة إسرائيل التي يقسم رئيس حكومتها المغرب عن صحرائه".
أما المدون المغربي عثمان زينون، فتساءل عبر فيسبوك: "بمنطق المصالح، ماذا استفدنا من التطبيع مع مجرمي الحرب؟ ألم يحن الوقت المناسب لإيقافه؟".
المدون المغربي عبدو برازي، قال إن "المجرم والنازي وقاتل الأطفال والنساء والشيوخ المسمى نتنياهو يقسم خريطة المغرب من صحرائه في مقابلة مع إحدى القنوات الفرنسية".
وأضاف برازي، في تدوينة عبر فيسبوك، "علينا إلغاء التطبيع مع هذا الكيان المجرم النازي الذي سفك دماء أكثر من 40 ألف شهيد فلسطيني وأكثر من 80 ألف جريح أطفالا ونساء وشيوخا".
من جانبه، قال وسيم زيرق، عبر فيسبوك، "وصلنا لذل وانحطاط لا يتصور"، مضيفا أن "المغرب طبّع علاقاته مع الصهاينة، والهدف كان واضحا وهو اعتراف الكيان الصهيوني بمغربية الصحراء، وها هو الآن يعرض خريطته بدون صحرائه".
وبعد هذا الغضب الشعبي من استخدام نتنياهو خريطة تظهر الصحراء الغربية منفصلة عن الأراضي المغربية، خرجت "إسرائيل"، لتؤكد أنها تعترف "بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية".
وفي 31 مايو 2024، قال مكتب رئيس الوزراء في بيان نشره بالعربية إن "إسرائيل بقيادة نتنياهو اعترفت رسميا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية عام 2023".
وأشار مكتب نتنياهو في بيانه إلى أن الخريطة التي استعملها "قديمة وقد قدمت إلى رئيس الوزراء قبل لحظات من بدء مقابلته مع قناة فرنسية"، مؤكدا أن "سياستنا غير قابلة للتأويل ولم تتغير - إسرائيل تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية".
غير أن هذه التبريرات لم تقنع المغاربة الذين عدوا هذه التصرفات تدخلا في باب استفزاز مشاعرهم، مطالبين بالقطع الفوري للعلاقات مع "الكيان العبري".
سقطة فاضحة
الباحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية جواد القسمي، رأى أن "ظهور نتنياهو وبيده خريطة تظهر المملكة المغربية دون صحرائها ليس أمرا عاديا أو عرضيا".
وأضاف القسمي في تصريح لموقع "هسبريس" المحلي، أنه "لا يمكن عد هذا التصرف، خطأ غير مقصود، للكثير من الحسابات، أولها أنها ليست المرة الأولى التي يسقط فيها هذه السقطة الدبلوماسية مع المملكة المغربية".
ويرى أنه "لا يعقل أن يقع رئيس وزراء إسرائيل في هذه الأخطاء العشوائية ويرتكب أخطاء دبلوماسية من هذا الحجم".
وسجل أن "الواضح أن مواقف المملكة في المحافل الدولية، والشاجبة للحرب المدمرة وجرائم الإبادة الجماعية التي تقترفها إسرائيل في حق الفلسطينيين بغزة، تزعج رئيس الوزراء الإسرائيلي كثيرا، وهو الذي كان يعول على دعم الدول التي أبرمت مع إسرائيل اتفاقيات تطبيع للعلاقات".
وشدد القسمي، على أن "هذا يزكي موقف المغرب الذي أكد عليه أكثر من مناسبة، كون استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية لا يعني التخلي عن القضية الفلسطينية التي تحظى بإجماع داخل البلاد وخارجها، وستظل المملكة دائما من المدافعين عن الحقوق الفلسطينية".
من جهته، وصف أستاذ العلاقات الدولية، حسن بلوان، سلوك نتنياهو بـ"الكارثة والخطيئة الدبلوماسية، وذلك بالنظر للجهود المضنية التي بذلتها الدبلوماسية المغربية من أجل استئناف العلاقات مع تل أبيب منذ أواخر سنة 2020″.
وأوضح بلوان، في تصريح لموقع "مدار 21" المحلي، أنه "يمكن قراءة الخرجة الإعلامية أو حماقته، من زاويتين، الأولى أنها مقصودة، خاصة إذا استحضرنا الموقف الثابت والقوي للمملكة المغربية من العدوان الإسرائيلي على غزة وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية".
والزاوية الثانية، أنها "دليل على الإرتباك الذي يعيشه نتنياهو بفعل مأزق الحرب وجرائمه"، مشيرا إلى أن “حماقته المتسرعة ستؤثر بلا شك في العلاقة مع المغرب”.
وخلص إلى أنه "مهما تكن الإشارات أو الرسائل التي يريد أن يوصلها بهذه الخريطة، يبقى هذا خطأ خطير سيؤثر على العلاقات بين الرباط وتل أبيب من جهة وكذلك سيزيد من عزلة نتنياهو الدولية، خاصة من الدول العربية والشقيقة التي انخرطت في خارطة طريق اتفاقيات أبراهام”.
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس سلمان بونعمان، فقال إن "خريطة المغرب المبتورة في صورة نتنياهو المشينة لا يمكن أن تكون مجرد خطأ غير مقصود لا سيما أنها تتكرر للمرة الثانية".
ورأى بونعمان، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "غضب المغاربة في شبكات التواصل الاجتماعي، تأكيد للموقف الشعبي الثابت من حيث رفضهم للتطبيع ومناهضتهم له ودعمهم للمقاومة وصمود الشعب الفلسطيني".
وتابع أن "ما يؤكد ذلك هو التعبيرات الاحتجاجية والتضامنية والمسيرات المليونية من أجل فلسطين، إذ لا يرون حاجة للبحث عن اعتراف إسرائيلي بمغربية الصحراء، لأن الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه".
ويرى أنه يمكن أن تكون لذلك علاقة بأوراق ضغط أو استفزاز أو ابتزاز، مبينا أن "لكل سلوك سياسي كلفته وتأثيره على مسار العلاقات بين الدول".
وبعد أن شدد على أن "الرهان الإستراتيجي على الكيان المحتل ضرب من الوهم"، رجح أن "تكون هذه الصورة المشينة، شكلا من أشكال الرد على التصعيد الأخير الذي اتخذه الموقف المغربي الحازم في خطابه الرسمي من الهجمات الإسرائيلية على غزة ورفح".
وأبرز أن الموقف المغربي تحدث عن العدوان الإسرائيلي السافر وعد الوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني وصمة عار على جبين الإنسانية.
كما أبدى المغرب احتجاجه الشديد من ارتفاع وتيرة اعتداءات المستوطنين المتطرفين الممنهجة بالضفة الغربية، بإيعاز من مسؤولين إسرائيليين.
وعد بونعمان، أن "من الثوابت الرئيسة لسياسة الملك محمد السادس منذ منتصف العقد الماضي، القطع مع الازدواجية في المواقف والتردد في موضوع الصحراء المغربية"، مؤكدا أن "المغرب اختار دوما في علاقاته الدولية ومع شركائه طلب الوضوح في قضيته الوطنية".