وسط قصف متواصل ومئات الجثث وآلاف الجرحى.. بطولات طبية في غزة يسجلها التاريخ

a year ago

12

طباعة

مشاركة

في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بينما تشير عقارب الساعة إلى السابعة مساء بتوقيت فلسطين، ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة المستشفى الأهلي المعمداني في قطاع غزة.

وستظل هذه المجزرة شاهدة على جرائم الحرب المتعددة التي ارتكبتها إسرائيل خلال عدوانها الغاشم على غزة المحاصرة.

وخلف القصف 500 قتيل مدني معظمهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة في غزة.

ومأساة المعمداني تأتي ضمن سلسلة انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي الإنساني الذي يوفر حماية خاصة للمستشفيات والأطقم الطبية.

وتتضمن اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، والبروتوكولان الأول والثاني لاتفاقيات جنيف (1977)، واتفاقية لاهاي (1954)، حماية خاصة للمواقع المدنية.

وتشدد الاتفاقيات على وضعية خاصة للمستشفيات، ففي اتفاقية جنيف الرابعة المادة (18)، لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء، ويجب احترامها وحمايتها في جميع الأوقات.

ووفق المادة (19) للاتفاقية "يجب على الأطراف المتحاربة عدم جواز وقف الحماية الواجبة للمستشفيات المدنية".

كما تلزم اتفاقيات جنيف الأربع المادة (3) المشتركة بينهم، جميع الأطراف على وجوب "جمع الجرحى والمرضى والعناية بهم".

لكن الكيان المحتل عمد إلى تدمير القطاع الصحي في غزة بشكل كامل، واستخدام سياسة العقاب الجماعي ضد أكثر من مليوني إنسان لدفعهم للتهجير.

استهداف كامل 

وتعلن وزارة الصحة الفلسطينية بصفة مستمرة ارتفاع عدد شهداء القصف الذي لامس 5 آلاف، فضلا عن عشرات آلاف الجرحى.  

وإضافة إلى ذلك، يستهدف الاحتلال القطاع الصحي بشكل متعمد، حيث استشهد 44 من أفراد الأطقم الطبية، كما أصيب 70 فردا. 

وقام أيضا بتدمير 23 سيارة إسعاف وخروجها عن الخدمة، وكذلك توقف 14 مركزا صحيا تابعا للرعاية الأولية عن العمل، بسبب انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود.

وجاء الخبر الأسوأ في بيان وزارة الصحة بقطاع غزة عندما أكدت خروج 7 مستشفيات عن الخدمة بشكل كامل، وتضرر 25 مستشفى و19 مؤسسة صحية جزئيا، نتيجة القصف المستمر. 

بعدها أعلن مدير مستشفى "شهداء الأقصى" بمدينة دير البلح بقطاع غزة الدكتور إياد الجعبري، أن المخزون الإستراتيجي من الأدوية والمستلزمات الطبية بالمستشفى، قد انتهى.

وأضاف: "الوضع الصحي في المستشفى خطير للغاية، وحياة آلاف المرضى والجرحى مهددة، بسبب الإغلاق المحكم الذي تفرضه إسرائيل على القطاع".

وهو ما دفع مدير وزارة الصحة بقطاع غزة الدكتور منير البرش لإعلان أن ما تبقى من الجهاز الصحي يعمل في ظل هذه الظروف الكارثية وانعدام مختلف مقومات العمل الأساسية.

فيما ترفض الطواقم الطبية المسلحة بالمعنويات العالية التوقف عن العمل أو إظهار اليأس في مواجهة العدوان.



انهيار المنظومة 

وفي هذا الإطار غرد المعلق السياسي الأميركي "جاكسون هنكل"، الذي يعد من أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية في وجه الدعاية الصهيونية، ناشرا فيديو لعمليات الإسعاف داخل مستشفى غزة المركزي. 

وقال في منشور عبر منصة إكس: "أبلغت إسرائيل المستشفى بأنها ستقصف، وأمرت جميع الأطباء بالإخلاء والتخلي عن مرضاهم، لكن مدير المستشفى رد:  لن نخرج من المستشفى إلا إلى الجنة".

وفي 19 أكتوبر كشف الدكتور أحمد جبريل المتحدث باسم الهلال الأحمر الفلسطيني، أن جيش الاحتلال ينفذ إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، فالمواطنون يقصفون داخل منازلهم والأبراج السكنية حتى سيارات الإسعاف والمستشفيات يتم قصفها".

وشدد في مؤتمر صحفي على أن "الأوضاع تنذر بتفاقم الكارثة الإنسانية، خاصة مع الانهيار الكامل للقطاع الطبي في المدينة". 

وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية "تيدروس أدهانوم غيبريسوس"، قد صرح بأن وضع قطاع الصحة في غزة يخرج عن السيطرة.

ونشر في 18 أكتوبر عبر منصة "إكس"، أنه "يتم تسجيل خسائر بالأرواح كل ثانية، بسبب تأخير إيصال المساعدات الطبية".

وذكر أن عددا كبيرا من المصابين (جراء الغارات المتواصلة على غزة) تجبر الأطباء على إجراء عمليات جراحية على الأرض وفي القاعات والطرقات دون تخدير. 

حكم بالإعدام 

من جانبها، أدانت منظمة الصحة العالمية في بيان بتاريخ 14 أكتوبر، الأوامر الإسرائيلية المتكررة بإخلاء 22 مستشفى في شمال غزة.

وذكرت أن الإجلاء القسري للمرضى والعاملين الصحيين سيزيد من تفاقم الكارثة الإنسانية وكارثة الصحة العامة في غزة.

ورأت أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية بمثابة إصدار حكم بالإعدام على المرضى والجرحى. 

المنظمة الدولية دعت إسرائيل إلى التراجع فورا عن أوامرها إلى المستشفيات في غزة بإخلاء مقارها، كما دعت أيضا إلى حماية المرافق الصحية والعاملين الصحيين والمرضى والمدنيين.

وفي 17 أكتوبر أفاد الدكتور أحمد المنظري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، بأن المنظمة سجلت 111 حالة استهداف إسرائيلي لمنشآت صحية في غزة.

ونوه إلى خطورة الأمر وأن "مجزرة المعمداني" يمكن أن تتكرر، خاصة أن المستشفيات تحولت إلى ملاجئ لإيواء النازحين.

وضرب مثلا بمستشفى الشفاء الذي يكتظ بنحو 30 ألف نازح لجؤوا إليه ضمن بحثهم عن الأمان، ما يفاقم صعوبة العمل والأوضاع.

تلك الحالة دفعت وزارة الصحة في غزة إلى إطلاق نداء استغاثة عاجل للكوادر الصحية المتقاعدة، للالتحاق بالعمل فورا في المرافق الصحية، لسد العجز خاصة أن الضحايا والمصابين يتزايدون كل ساعة.

ذلك الاستهداف للقطاع الصحي دفع البرلمان العربي لعقد جلسة طارئة يوم 19 أكتوبر، وصدر عنها بيان يؤكد أن استهداف إسرائيل، للمستشفيات والمؤسسات المدنية، بالقصف هو جريمة حرب.

ويعد انتهاكا صارخا لاتفاقيات جنيف المتعلقة بمعاملة المدنيين وقت الحرب، ورأى أن الوضع القائم يعد وصمة عار على جبين المجتمع الدولي. 


إبادة جماعية 

وتعليقا على المشهد، قال حازم حساسنة، وهو أحد أفراد الأطقم الطبية العاملة في مستشفى غزة الأوروبي، لـ"الاستقلال"، إن "الوضع مأساوي لا يمكن تخيله".

وأضاف حساسنة: "نحن نعمل وسط آلاف المصابين ومئات الجثث، حتى أن بعض الجثث تتعفن نتيجة الانتظار، بسبب تزايد أعداد الموتى الذين يأتون كل ساعة". 

وتابع: "السياسة المتبعة حاليا هي إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهناك حالات تموت بسبب نقص الإسعافات والأدوية والكوادر الطبية، فإسرائيل تتعمد تدمير القطاع الصحي حتى ترفع عدد القتلى من المدنيين إلى أقصى حد ممكن". 

وذكر: "هذا تحديدا ما قصدته من تدمير المستشفى المعمداني، بأن تكون المذبحة رسالة للقطاع الصحي هنا، بأنه لا شيء آمن ولا فرد آمن، الأطباء والمسعفون والمرضى والجرحى جميعهم مستهدفون". 

وأردف حساسنة: "الأطباء هنا يدفنون أبناءهم وعوائلهم ويعودون إلى العمل، لقد دفنت أبناء عمي فجرا، ثم انطلقت إلى عملي، ولن نترك مهمتنا حتى يقضي الله أمره، لن نترك أهلنا يموتون مخافة إنذار العدو". 

ومضى يقول: "المحزن ليس ما تفعله إسرائيل ولا العالم الداعم لها، فهذا ليس بمستغرب منهم، ولكن الخزي العربي والفشل في إدخال المساعدات هو المحزن، ولن ينسى التاريخ أن شعب غزة كان يموت والمساعدات والأدوية متوقفة لأيام على معبر رفح في مصر تنتظر الإذن الإسرائيلي". 

وختم قائلا: "الوضع الصحي لم يصل إلى نقطة الانهيار فحسب، بل إلى التهديد الوجودي، فهناك إمكانية لانتشار أمراض وأوبئة فتاكة نتيجة عدم وجود مياه، واستخدام مياه غير صالحة للمعيشة الآدمية، مع التلوث وقلة المنظفات، وفي هذه الحالة سيكون الموتى بعشرات الآلاف".