غزة بأشد حاجة إليه.. أين "فيلق القدس" الذي أعده قاسم سليماني لـ"تحرير" فلسطين؟
استحضرت عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل أخيرا "الدعوات الخلبية" التي كان ينادي بها قائد "فيلق القدس" الإيراني السابق قاسم سليماني، الذي قتل بضربة أميركية قرب مطار بغداد عام 2020، حول تحرير القدس طوال مسيرته.
إذ ما تزال الماكينة الإعلامية الإيرانية والتابعة لمليشياتها التي بناها سليماني في 4 دول عربية (العراق، لبنان، سوريا، اليمن) تستذكر كلمات سليماني حول "تحرير المسجد الأقصى من اليهود"، زاعمة أنه كان يسير نحو ذلك وأن مقاتليه من بعده "سيكملون المشوار".
قاسم سليماني والقدس
و"طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في عمق مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أدت لمقتل أكثر من 1400 إسرائيلي وأسر أكثر من 200 آخرين.
وقد جاءت ردا على "اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى في القدس".
وبعد عملية "طوفان الأقصى" التي وضعت قواعد جديدة لشكل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، عمدت وسائل الإعلام التي تدور في فلك إيران للترويج مجددا لمقولة قديمة لقاسم سليماني.
وهي: "لا يمكن تحرير القدس إلا على يد الشيعة أصحاب اللواء سواء قبلوا ذلك أم لا.. نحن سنرحل ويبقى الآخرون لكن التاريخ سيسجل ذلك.. كونوا فخورين بأنكم شيعة وهذا بدليل كلمة الحق".
حسب وكالة "ارنا" الرسمية الإيرانية فإن قاسم سليماني جرى "تسميته مصمم برنامج تحرير القدس في طريق تحرير المسلمين من النير الصهيوني".
وعقب اغتيال سليماني أعلن المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني "سردار رمضان شريف" حسبما نقلت عنه وكالة "تسنيم" بتاريخ 13 فبراير/ شباط 2020، أن "اغتيال الجنرال سليماني سيؤدي إلى تحرير القدس".
لكن اللافت أن قاسم سليماني الذي قتل عن عمر 63 عاما، أفنى 40 عاما منه في قتل العراقيين والسوريين واليمنيين.
وخاصة أنه تولى قيادة "فيلق القدس" منذ عام 1998 ولم يقد أي عملية عسكرية لتحرير القدس من الإسرائيليين.
ومهمة الفيلق الذي تأسس بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) هي "تحرير فلسطين والقدس" حسب أدبيات تأسيسه كما تذكر الوكالات الرسمية الإيرانية.
كما أن نظام الملالي في إيران لم يكتف بإطلاق شعار (طريق القدس يمر من كربلاء)، بل عاد عقب اندلاع الثورة السورية وتدخل إيران عسكريا عام 2012 لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط لتكرار نسخة جديدة في سوريا.
وذلك على لسان حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني المدعوم عسكريا وماليا من طهران، الذي قال في 10 يوليو/تموز 2015: "إن طريق القدس يمر بالقلمون والزبداني والسويداء والحسكة".
وهي مدن سورية ارتبكت فيها المليشيات الإيرانية مجارز بقيادة قاسم سليماني الذي كان يشرف عليها آنذاك وقد نشرت وسائل إعلام إيرانية تسجيلات مصورة تثبت قيادته لجبهات المعارك بسوريا.
ومنذ ذلك الحين كان الناشطون السوريون يطالبون سليماني ووكلاءه بالتوجه لـ"تحرير القدس" فهي على بُعد كيلو مترات من سوريا، بدل قتل السوريين وتشريدهم، ولا سيما أن اسم "فيلق القدس" بوصلته واضحة من اسمه.
وصية خالية من فلسطين
واليوم يُعيد التاريخ نفسه، حيث تتعالى الأصوات المطالبة إيران التي تزعم قيادة ما يُعرف باسم "محور المقاومة"، بالوقوف مع فلسطين بدلا من استجرار "الخطابات الاستعراضية" لسليماني في هذا التوقيت حول تحرير القدس والتي لم يطلق باتجاهها سليماني رصاصة واحدة في عين حياته.
ويتعرض قطاع غزة لـ"إبادة جماعية" من قبل إسرائيل خلفت أكثر من 7 آلاف شهيد فلسطيني منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 جراء القصف الإسرائيلي على الأحياء السكنية.
إن إيران عملت طوال أربعة عقود خلت للترويج لقاسم سليماني على أن أولى مهماته عند تعيينه كقائد لـ "فيلق القدس" هي تحرير القدس من يد الإسرائيليين.
إلا أن زيف مهمة ميليشيا "فيلق القدس" تكشفت أولا من كونه "لم يوجه طلقة واحدة في اتجاه إسرائيل ولم يقتل إسرائيليا واحدا"، وكذلك مشاركته في قتل العراقيين والسوريين واليمنيين.
وهذا ما ألمح إليه الكاتب العراقي فاروق يوسف، في مقالة له نشرها بتاريخ 23 أكتوبر 2023 تحت عنوان "تحرير القدس وقد تحول إلى وسيلة للتضليل".
وقال يوسف في مقالته: إن "فيلق القدس احتل أربع دول عربية بعد تدميرها، كان الشعار الإيراني (الموت لإسرائيل) قد تحول على يد قاسم سليماني إلى (الموت للعرب)".
وأضاف: "ذلك لأن فيلق القدس لم يوجه طلقة واحدة في اتجاه إسرائيل ولم يقتل إسرائيليا واحدا فيما كانت المليشيات التابعة له والتي يتم تزويدها بالأموال والأسلحة الإيرانية قد قتلت مئات الألوف من العرب الذين لم يكونوا أعداء لإيران".
وحينما نشر الحرس الثوري بتاريخ 14 فبراير 2020 ما سماه "نص الوصية الإلهية والسياسية للشهيد الفريق الحاج قاسم سليماني"، والتي قرأها قائد قوات فيلق القدس "العميد اسماعيل قاأني" في ذكرى مرور 40 يوما على مقتله لم ترد فيها كلمة فلسطين أو تحرير القدس.
لكن بالمقابل، فإن الشيء الثابت في نظام الملالي هو الترويج الدائم لقاسم سليماني على أن تحرير القدس الشريف كان في طليعة أهدافه.
وقد زعم المساعد السياسي لقائد فيلق القدس بالحرس الثوري "كريم خاني" في كلمة له بتاريخ 30 ديسمبر 2020، "أن تحرير القدس الشريف من الاحتلال وطرد القوات الإرهابية الأميركية من المنطقة في طليعة أهداف الشهيد قاسم سليماني التي يجري متابعتها بعد استشهاده، والنهوض بها وتحقيقها في الواقع جزء مهم من آثار ونتائج استشهاده"، وفق ما نقلت وكالة "مهر" الرسمية.
دجل مفضوح
وأمام هذه الدعاية التي تمارسها إيران بحق فلسطين والقدس، يرى كثير من المراقبين أن "كذبة شعار تحرير فلسطين" التي تنادي بها طهران تكاد تفضح أكثر فأكثر ولا سيما عقب عملية "طوفان الأقصى" المكلفة على إسرائيل عسكريا واقتصاديا وأمنيا.
وأيضا لكون إيران بقيت تتفرج وتكتفي بالتصريحات وهي تملك في سوريا التي تربطها حدود مع إسرائيل نحو مئة ألف من العناصر من مختلف الجنسيات جندتهم منذ عام 2012، وفي لبنان يملك حزب الله ذراع إيران العسكري هناك نحو مئة ألف آخرين وترسانة كبيرة من الأسلحة والصواريخ.
للمفارقة في هذا السياق، فإن سليماني الذي جال أغلب جبهات القتال إلى جانب قوات الأسد ضد المعارضة السورية منذ عام 2012 حتى مقتله، لم يظهر له تسجيل مصور واحد قرب جبهة الجولان السوري المحتل من قبل إسرائيل منذ عام 1967، وهو يتوعد بـ "تحرير القدس".
بل بقي سليماني يتنقل في قرى وبلدات سورية ما تزال المليشيات الإيرانية تسيطر عليها حتى الآن بعد تهجير سكانها منها والعمل على الترويج للمذهب الشيعي هناك.
وأمام محاولات إيران استثمار أي نصر للمقاومة الفلسطينية بأنها جزء منه، ما تزال الأبواق الإعلامية التابعة لإيران ومحاورها تزج بـ اسم قاسم سليماني في المشهد الفلسطيني، في وقت تبدو فيه الوقائع على الأرض خلاف ذلك من ناحية إقدام "محور المقاومة" على فعل عسكري ملموس ضد إسرائيل.
وضمن هذه الجزئية، فقد دعا رئيس المنتدى الخليجي للأمن والسلام فهد الشليمي في حوار تلفزيوني على قناة "الأولى العراقية" بتاريخ 15 أكتوبر 2023، إيران للتحرك لنصرة فلسطين.
ليرد عليه المحلل العراقي جمعة العطواني الموالي لطهران بالقول: "سنتولى تحرير القدس بدلا عنكم وسنرفع صور قاسم سليماني في القدس".
ورد عليه الشليمي بالقول: "القدس أمامكم فليتحرك حزب الله في لبنان وتفتح إيران الجبهة السورية وتدمر إسرائيل.. نحن ننتظر ونرى".