"تنتصر للغرب وتحارب الإسلام".. لماذا أثارت أمينة بوعياش الغضب في المغرب؟

8 months ago

12

طباعة

مشاركة

أشعل المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب فتيل جدل حاد بسبب مذكرة قدمها للجنة الملكية المكلفة بتعديل مدونة أو قانون الأسرة، تتعارض مع الأسس الدستورية والشرعية للبلاد، وتنتصر للأجندات الغربية والأممية.

وتضمنت مذكرة المجلس الدعوة إلى تغيير نظام الإرث بما يخالف الأسس والنصوص الواردة في الشريعة الإسلامية، وكذا تغيير تعريف الأسرة بما يناقض تعريف الدستور وجعله مفتوحا على أشكال أخرى وفق النموذج الغربي. 

كما دعت إلى السماح للمرأة المغربية المسلمة بالزواج من الأجنبي غير المسلم، ومنع زواج أقل من 18 سنة، ومنع تعدد الزوجات، وغيرها من المقترحات.

دعوات لإقالتها

وفي هذا الصدد، قال عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رئيس الحكومة الأسبق، إن المذكرة التي قدمها المجلس لتعديل مدونة الأسرة، مخالفة للدستور والدين وتوجيهات جلالة الملك محمد السادس والرأي العام الوطني.

وأكد ابن كيران في كلمة له خلال مهرجان حاشد نظمه الحزب بمدينة الدار البيضاء، 4 مارس/آذار 2024، أن "الأساس الذي بنى هذه الأمة هو الدين، وأن كل ما يخالفه من تصورات تهم تعديل مدونة الأسرة يجب أن نقوله له: لا بل ألف لا".

وشدد على أن مواجهة كل ما يتعارض مع الأسس الشرعية والدستورية لمدونة الأسرة مسؤولية جماعية، تستوجب القيام بكل ما يلزم من أجل الحفاظ على الأسرة، ولو اقتضى الأمر تنظيم مسيرة وطنية مليونية للتعبير عن هذا الرأي.

ورأى ابن كيران أن مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص المدونة تتعارض مع كل ما بني عليه الوطن، دينيا ودستوريا، كما تتعارض مع التأطير الملكي ومع ما يريده المواطنون المغاربة.

وفي هذا الصدد، أشار الأمين العام للحزب الإسلامي/المعارض إلى أن مختلف الإحصاءات واستطلاعات الرأي تؤكد أن المغاربة لا يريدون بديلا عن المرجعية والثوابت الدينية في مدونة الأسرة.

وذكر أن الذين يشتغلون من خارج حدودنا لتدمير الأسرة، يجدون عملاء لهم لتبني نهجهم في الداخل، ويضغطون على الدولة كلها لأجل القبول بإملاءاتهم، مؤكدا أن "من واجب الشعب المغربي أن يقف في وجههم".

وفي هذا الصدد، دعا رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة امحمد الهلالي، إلى إقالة، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمينة بوعياش، بسبب "بلورة مذكرة تنتهك الدستور وتخالف الشرع وتدعو إلى تغيير قطعيات الدين".

وأضاف الهلالي لـ "الاستقلال"، أن رئيسة المجلس خرقت مسطرة اتخاذ القرار فيما يتعلق بالمذكرة الخاصة بتعديل مدونة الأسرة، فضلا عن عدم أخذها برأي الأغلبية.

واسترسل: "ناهيك عن عدم اكتراثها لتمثيلية تيارات وهيئات دستورية مرجعية في مجالها، من حجم المجلس العلمي الأعلى الذي انسحب ممثله احتجاجا على هذا الخرق المسطري السافر".

ودعا الهلالي لإعادة الأمور إلى نصابها بعد ما جرى بخصوص اتخاذ قرار في خرق لمساطر اتخاذ القرار داخل المجلس، واتخاذها قرارا أيديولوجيا من شأنه أن يمس بالاستقرار والأمن العام.

وهذا فضلا عن أنها "تدعو إلى التمرد على شرع الله في مذكرة مؤدلجة ومنتهكة لهوية المغاربة ولسيادة المغرب، ومنتهكة لدستور البلاد".

كما دعا الهلالي المغاربة، بمختلف قناعاتهم وتوجهاتهم، إلى الانتفاض في وجه المؤدلجين، ذودا عن شرع الله وحماية لأحكام دينهم وقدسية أسرتهم، محذرا من مخاطر ما يقع وعواقبه الوخيمة على الدولة والمجتمع ككل.

من جانبه، أكد خالد الصمدي، كاتب الدولة الأسبق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، أن المذكرة الصادرة عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ما كان لها أن تحدث أثرا لولا أنها صادرة عن مؤسسة تُمول من جيوب المغاربة.

وأضاف الصمدي لـ "الاستقلال"، وأيضا لو لم تكن رئيسة وأعضاء المجلس معينين من ملك البلاد، الذي استأمنهم على مناقشة القضايا الحقوقية وإبداء الرأي بشأنها، في إطار دستور المملكة وثوابتها الوطنية الدينية والسياسية.

واسترسل المتحدث ذاته: "أيضا ما كان لهذه المذكرة أن يكون لها من أثر أو أهمية لو لم يكن صاحب الجلالة قد أطر تعديل المدونة برسالة موجهة إلى رئيس الحكومة (عزيز أخنوش)، والتي تنص على عدم المس بالقطعيات، مع الاجتهاد في الفرعيات في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية".

وشدد الصمدي أنه لولا هذه الظروف والحيثيات، لما التفت أحد إلى هذه المذكرة ولا انتقدها، ولما انسحب من مناقشتها والتصويت عليها أعضاء من داخل المجلس احتجاجا على انتهاك حقهم في المناقشة وإبداء الرأي.

وأضاف الصمدي مخاطبا من صوت لصالح هذه المذكرة بالمجلس ودافع عنها، "انزعوا قبعة هذه المؤسسة الوطنية وقولوا بعد ذلك ما شئتم، فلن يكون كلامكم سوى طلقة في الهواء أو صرخة في الصحراء".

رفض واسع

وبدورها، ذكرت عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان عزيزة البقالي، أنها الوحيدة التي صوتت بالرفض على المذكرة المتعلقة بتعديل مدونة الأسرة، فيما صوت عضو آخر بالامتناع وانسحب ثالث.

وشددت في كلمة لها خلال المهرجان الوطني لحزب العدالة والتنمية المشار إليه سابقا، أن رئيسة المجلس لم تحترم المساطر القانونية الجاري بها العمل لإقرار هذه المذكرة.

وفي هذا الصدد، كشف موقع "صوت المغرب"، 5 مارس 2024، أن العضو المنسحب من دورة المجلس هو إدريس خليفة، والذي تحدث عن احتجاجه على ما وصفه بالمساس بمقتضيات الشريعة في إعداد مذكرة مراجعة مدونة الأسرة.

وقال خليفة للموقع، إنه منذ بداية النقاش حول المدونة: "لاحظت أن هناك مخالفات كثيرة تتعلق بما يريده المسؤولون عن المجلس في الموضوع، وهي مخالفة للشريعة وللقرآن والسنة والعرف الاجتماعي للأمة المغربية".

وأوضح خليفة أنه سبق أن طالب بفتح نقاش حول موضوع المدونة داخل المجلس، ليتم تناوله بمناقشة هادئة لكن "لاحظت أن الاتجاه هو تسريب المذكرة دون درس أو تحقيق".

وشدد خليفة أنه عندما عرضت المذكرة على الأعضاء في الدورة الاستثنائية للمجلس "قدمت بسرعة وظهر أن مضمونها مخالف للشريعة"، مشيرا إلى أنه طلب مناقشة المذكرة غير أنه لم يتم التفاعل مع طلبه، "وبدا أن لا رغبة في الاستماع لكلامي".

وأكد خليفة أنه انسحب من دورة المجلس اعتراضا على مضامين المذكرة التي قال إنها قدمت للمصادقة دون نقاش وبحث ورجوع للأسس "وهي الهوية الإسلامية والثقافة المغربية، والتي تعتمد على ما هو مقرر في الدستور من أن الإسلام هو دين الدولة".

وفي هذا السياق، قال الكاتب بلال التليدي، إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو مكون أساسي في اللجنة المكلفة بإدارة الحوار المتعلق بتعديل المدونة، كان عليه أن يحجم عن تقديم أي مذكرة في الموضوع.

وتضم اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة كلا من الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئيس النيابة العامة، ووزير العدل، ووزيرة الأسرة والتضامن، ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وعضو عن المجلس العلمي الأعلى.

وأوضح التليدي في مقال رأي نشره عبر موقع "القدس العربي"، 7 مارس 2024، أن رئيسة المجلس أمينة بوعياش تحمل قبعتين في هذه اللجنة؛ قبعة الفاعل المدني الضاغط، والفاعل المسؤول عن إدارة الحوار وتوجيه مخرجاته.

واسترسل: "كان المنطق أيضا يفترض إن كان هذا المجلس بالفعل يريد أن ينضج رأيا في الموضوع أن يشمل جميع مكوناته بالاستشارة، ويعمق التداول بالشكل الذي تعبر فيه المذكرة عن رأي مؤسسة دستورية".

واستدرك التليدي، "والحال، أن الطريقة التي خرجت بها مذكرة المجلس، توحي بوجود اختراق معين، أو للدقة، جهة تريد أن تجعل من مؤسسة دستورية ورقة ما لدعم مواقف خاصة ليست بالضرورة محل إجماع مجتمعي".

تفاعل المجلس

لم يصمت المجلس الوطني لحقوق الإنسان على هذه التفاعلات، وخرج على لسان أحد أعضائه، وهو مصطفى المريزق، بمقال نشره موقع "أحداث أنفو"، 3 مارس 2024، عبر فيه عن استغرابه لما صدر عن ابن كيران والبقالي خلال المهرجان الحزبي المذكور.

ورأى المريزق أن كلام ابن كيران فيه تهجم "سافر" على رئيسة المجلس، عادا الادعاء بأن المذكرة تشكل خطرا على تماسك الأمة والأسرة والمجتمع مجرد "كذب".

وقال المريزق، وهو رئيس لجنة النهوض بثقافة حقوق الإنسان وتعزيز البناء الديمقراطي في المجلس، إن نقاش المذكرة استغرق أربع ساعات في 20 يناير/كانون ثاني 2024، إضافة إلى النقاش الأولي الذي شهدته الجمعية العامة للمجلس في 15 يونيو/حزيران 2023.

وذكر المتحدث ذاته أن المجلس عرف نقاشا مستفيضا حول جميع النقاط والقضايا المدرجة في مشروع المذكرة، مشيرا إلى أنه نص على احترم دستور المملكة، ومقاصد الشريعة الإسلامية، والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.

وشدد المريزق أن ليس في المذكرة أي توصية تتناقض مع نصوص قطعية وردت في القرآن الكريم، مبرزا أن كل المقترحات تستهدف معالجة بعض الإشكالات التي يعيشها الناس في الواقع العملي.

ورأى المريزق أن تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، هي "تحريض على العصيان"، متهما إياه بالمس بمصداقية المجلس وتشويه وتبخيس جهود الدولة المغربية ولمكانتها الحقوقية المرموقة، خاصة أن المغرب يرأس المجلس الأممي لحقوق الإنسان.

في المقابل، رد المحامي وعضو لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب السابق رضا بوكمازي على مقال المريزق، قائلا إنه جاء مليئا بالمغالطات.

وشدد بوكمازي في مقال نشره موقع "العدالة والتنمية"، 4 مارس 2024، أن بوعياش ومن معها يريدون تحويل المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى مؤسسة مدنية صغيرة، تدافع عن وجهة نظر أيديولوجية.

وذكر المحامي أن المريزق حاول التدليس وقلب الحقائق بشأن الطريقة والمنهجية التي صادقت بها الجمعية العمومية للمجلس الوطني على هذه المذكرة، منبها إلى أنه كذب على المغاربة بقوله إن المذكرة عرفت نقاشا مستفيضا.

وأردف: "كما أن قوله بأن أعضاء المجلس كان لهم كامل الحق في التعبير والتغيير والإثراء من خلال تقديم المقترحات أمر غير صحيح".

وأشار في هذا الصدد إلى أن اليوم الذي عرضت فيه المذكرة على الجمعية العمومية هو نفسه الذي عُرضت فيه على اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة.

وتساءل بوكمازي عن السبب الذي يمنع المجلس من نشر المذكرة ووضعها تحت تصرف عموم المواطنين إلى الآن، مشددا أن هذا السلوك يتنافى مع قواعد الشفافية والوضوح.

ونبه الناشط القانوني إلى أن المذكرة لم تلتزم بالمرجعية الإسلامية كمرتكز بل تستند إلى مقاصد الشريعة الإسلامية المستندة إلى مبادئ المساواة والعدل والإنصاف، وكأن الأمر يتعلق في المرجعية الإسلامية بمستويات يأخذ منها المجلس الوطني ما يراه صالحا له ويطرح ما يعارض هواه.

وأشار بوكمازي إلى أن المذكرة انتصرت للاتفاقيات الدولية والاعتماد على المرجعية الكونية، مع تهميش المرجعية الدستورية للبلاد والتوجيهات الملكية ذات الصلة بموضوع المدونة.

وبين أن مضامين المذكرة تتعارض في كثير منها مع النصوص القرآنية قطعية الدلالة، كفتحها باب الأسرة على أشكال شاذة، وقولها برابط "الالتزام" في تشكيلها بدل رابط "الزوجية" أو عقد الزواج الشرعي.

إضافة إلى اقتراح المجلس "تخويل صاحـب المال سلطة اختيـار النظـام المطبـق على أموالـه، إمـا الوصيـة أو الميراث"، مشددا أن في هذا المقترح جرأة على النص القرآني وعلى نظام الإرث الإسلامي، وفق قوله.

واسترسل: "اقترحت المذكرة حذف مانع اختلاف الدين في الزواج، بدعوى القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، فضلا عن منع تعدد الزوجات، دون تقديم أي مبرر سليم ومقنع مرتبط بالمرجعية الإسلامية والدستورية للبلاد".

وشدد بوكمازي أن هذه المقترحات وغيرها تتضمن دعوات صريحة لتحريم ما أحل الله، وتدخلا في أحكام شرعية قطعية الدلالة، مبرزا أنها تخضع لمرجعية الاتفاقيات الدولية والغربية، ولا تحترم المرجعية الدينية والدستورية للبلاد.