في مرمى هجماتها.. لماذا تريد مليشيا "العصائب" الإطاحة برئيس الحشد الشعبي؟

8 months ago

12

طباعة

مشاركة

تفجرت أزمة جديدة على الساحة السياسية الشيعية في العراق، بين مليشيا "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، ورئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، إذ طالب على أثرها الأول بإحالة الأخير إلى التقاعد لبلوغه السن القانونية والتفرغ للعمل السياسي.

وبحسب القانون العراقي، فإن سن التقاعد للموظف في مؤسسات الدولة يكون عند الـ60 عاما، لكن هذا الأمر في العادة لا يشمل الوزراء والرئاسات الثلاث، ففي الوقت الذي بلغ فيه الفياض الـ67 عاما من عمره، فإن رئيس البلاد عبد اللطيف رشيد ناهز الـ80 عاما.

"طرد الفياض"

يواجه الفياض حاليا، حملة تقودها "العصائب"، تطالب بـ"طرده" من منصبه، بعد لقائه مطلع مارس/ آذار 2024، بأمير قبيلة الدليم السنية، علي حاتم السليمان في الأنبار، الذي تحمّله قوى موالية لإيران مسؤولية توتر الأمن غرب البلاد عام 2010، ثم دخول تنظيم الدولة للعراق عام 2014.

وفي 6 مارس 2024، قال زعيم "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، خلال حوار "ملتقى الرافدين" ببغداد إنه "من الضروري استمرار فالح الفياض بالعمل السياسي"، مردفا أنه "ليس من الصحيح زج الحشد الشعبي بالعمل السياسي، وإنما بالأمور الأمنية فقط".

وبخصوص لقاء الفياض مع علي الحاتم، قال الخزعلي إن "أي شخص أخطأ يجب عليه الاعتذار من الشعب ومن ثم العمل بالتبعات القانونية بحقه"، نافيا أن تكون الحملة ضد رئيس الحشد الشعبي التي يقودها نواب من كتلته البرلمانية، بتوجيه منه.

من جهته، قال النائب أحمد الموسوي عن "العصائب" خلال تدوينة على منصة "إكس"، في 4 مارس، إنه "إذا كنتم تعتقدون بأن السياسة ليس فيها صديق وعدو دائم فلا يحق لكم التحدث باسم الحشد ورجاله وتضحياته فالدماء لا تسقط بالتقادم وغير قابلة للمجاملة والكسب الشخصي".

وقبل ذلك بيومين، دعا النائب عن "العصائب" علي تركي، عبر منصة "إكس" إلى طرد الفياض من رئاسة الحشد الشعبي، مؤكدا أنه "قانونا هو موظف تجاوز السن القانونية، وهي مخالفة على رئيس الوزراء إنهائها".

وتابع: "هو موظف سخّر كل إمكانيات هيئة الحشد من خلال التعيينات الأخيرة لكسب أصوات الجمهور"، مؤكدا أن "هذه مخالفة يجب أن يحال عليها للنزاهة، خصوصا آخر القوائم بعدد ألف وأربعمائة اسم ولا تنتهي بهذه".

ولفت إلى أن "أكبر الجرائم ارتكبت بيد وتريض من تحتضنون (علي الحاتم)، ومن ترجعونهم اليوم وتلتقون بهم"، مضيفا: "بالصدفة صرت أنت رئيس هيئة الحشد الشعبي، وأصبحت مواردها إرثا لك ولمن يتملق لك. اعزلوا الفياض قبل أن يعزلكم الحشد".

وعلى الوتيرة ذاتها، قال النائب عن الكتلة ذاتها حسن سالم، على منصة "إكس" إنه "عندما يقوم رئيس هيئة الحشد بزيارة علي الحاتم، فماذا يقدّم الفياض من إجابة لعائلات الشهداء. وهل يستحق أن يكون رئيسا لحشدنا المقدس".

رفض الاعتذار

وفي ردّ يخلو من أي اعتذار عن لقائه مع علي الحاتم، قال الفياض خلال مقابلة تلفزيونية في 3 مارس، إن "الحدث كان بسيطا، وأن البعض لا يفقه العادات العشائرية وآداب المضايف بأن تسلم على كل من يستقبلك بهذا المكان بالطريقة التي هو يبادر بها".

وتابع: "أنا سلمت على الموجودين ومن بينهم علي حاتم، ولو تكررت الحادثة لقمت بنفس العمل، لأن ذلك من آداب المضايف. أما السلوك الشخصي، فذلك لا يعني القبول والرضا وإعطاء الموافقة، فهذه شكليات اجتماعية يجب أن تحترم، وأنا من بيئة تحترم هذه الأعراف".

وأكمل الفياض، بالقول: "باعتقادي أن أي شخصية كانت حاليا أو سابقا معارضة للنظام السياسي في العراق وأرادت العودة والانسجام في الوضع السياسي الحالي، أعتقد يجب أن نرحب بها، بعد أن يعرض نفسه على القضاء أولا، فنحن لا نستطيع أن ندافع عن شخص عليه تهم وقضايا".

وشدد على ضرورة "التصرف بعقلية بناء الدولة التي تتكلم عن بناء مستقبل أجيال، العراق يجب أن يفتح ذراعيه لأبنائه، مع المحاسبة. يجب أن نوفر أوسع مساحة من الانسجام بين أبناء البلد لسحب البساط تحت أي مؤامرة على العراق، فيجب التنازل وتقديم شعور المحبة والمودة تجاه الجميع".

 

وختم الفياض حديثه بالقول: "أنا كرئيس للحشد، أريد العراق أن يكون حاضنة لجميع العراقيين من خلال خدمتهم والتنازل لهم، ولا أريد أن أجعل الحشد يبدو في صورة تمثل العنف والقمع، وهذا ما أعمل عليه".

وقبل ذلك بيومين، أوضح إعلام الحشد الشعبي خلال بيان له، أن "زيارة الفياض إلى الأنبار كانت بتوجيه من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إذ التقى رئيس الهيئة بوجهاء وشيوخ عشائر المحافظة، وهذا اللقاء يقع ضمن اللقاءات الطبيعية لتحقيق الانسجام والتعاون لوجها هذه المناطق".

ولفت البيان إلى أنه "إذا كان هنالك من يدعي أن أحدهم متهم بالإرهاب فليقدّم دليلا على ذلك".

وغرّد السياسي والنائب العراقي السابق، مشعان الجبوري في 3 مارس، قائلا إن "الغاضبين من لقاء فالح الفياض، وهو أحد أركان الدولة وقادتها المعنيين بالأمن، بعلي الحاتم، وهو أحد أركان المجتمع العشائري في الأنبار، يعبرون عن موقف متطرف لا يتوافق مع حاجة العراق للاستقرار، الذي لا أشك أنه كان دافع الفياض لهذا اللقاء وبه، أكد أنه يغرد خارج سرب الطائفيين".

معركة صعبة

وعن مدى تمكّن إمكانية "العصائب" من الإطاحة بالفياض من منصبه، قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة في أكتوبر 2025، قال الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي إن "الحملة ضد الرئيس الحالي للحشد الشعبي، لن تنجو  في هذا الوقت الضيق الذي يسبق التحالفات والترتيبات الانتخابية".

ولفت المهداوي إلى أن "زيارة الفياض إلى الأنبار ولقائه بالحاتم وراء الحملة الحالية ضده، لأنه قبل أيام منها لم يظهر عليه أي مشكلة في سن التقاعد أو أعدائه أو غيرها، وربما تكون هذه ذريعة كانت للمطالبة بإبعاده من رئاسة الحشد والسيطرة على المقدرات المالية لهذه الهيئة".

ورأى الباحث أن "العصائب لن تستطيع الإطاحة بالفياض، لكن لو كان نوري المالكي رئيس الوزراء السابق والقيادي الحالي في الإطار التنسيقي، هو من أبدى انزعاجه منه لقلنا إن إزاحته من منصبه أمر حتمي، لأن الأخير لا يزال نافذا في الدولة والقائد المعنوي للحشد الشعبي".

وفي السياق ذاته، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" إحسان الشمري، إن "الخلاف الذي ظهر للعلن ما بين رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض وحركة عصائب أهل الحق، هو جزء من عملية محاولة تمدد الأخيرة داخل مؤسسات الدولة المختلفة".

وأردف الشمري خلال حديث لصحيفة "العالم الجديد" العراقية في 8 مارس، أن "هذا الموضوع ليس بالجديد، فهو يمتد إلى جذور في الحكومات السابقة منذ حكومة عادل عبد المهدي، فكان هناك طموح للعصائب بالسيطرة على هيئة الحشد الشعبي".

ورأى أنه "في ظل التحالف ما بين العصائب ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، على مستوى دعم ترشيحه ودعم حكومته، والذهاب متحالفين في الانتخابات المقبلة، فهنا تجد الأولى بأن الفرصة سانحة لإزاحة وإقصاء الفياض، من جانب كمنافس ومن جانب كإشراف على الحشد والفصائل المسلحة بشكل كامل".

وأشار إلى أن "هيئة الحشد الشعبي تمثل صوتا انتخابيا وبطاقة انتخابية ناجحة، لذا فإن حديث العصائب عن وجود نية لتغيير الفياض، خاصة أن تصريحات زعيمها قيس الخزعلي، العلنية ضده، لم تأت من فراغ، بل تدل على أن الأمور وصلت نقطة الإجراء الفعلي".

ولفت الشمري إلى أن "الأمر لن تكون له تداعيات كبيرة جدا، لكن بقية الفصائل قد لا تسمح للعصائب بأن تأخذ رئاسة هيئة الحشد الشعبي، فهناك حسابات، وإذا ما نجحت بعزل الفياض وكسبت معركة إبعاده، فإن معركة الحصول على المنصب ستكون أصعب بكثير".

منذ اجتياح تنظيم الدولة للعراق عام 2014، وإعلان تأسيس قوات الحشد الشعبي من نحو 67 مليشيا شيعية، قرر رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، تسمية فالح الفياض، رئيسا للتشكيل الجديد بالوكالة، إضافة إلى احتفاظه بمنصبي مستشار الأمن القومي، ورئيس جهاز الأمن الوطني.

الفياض غادر المناصب الثلاثة بقرار من رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، في أغسطس/ آب 2018، بسبب تشكيله حركة سياسية وخاض بها الانتخابات البرلمانية في العام ذاته، لكنه عاد إلى منصبه بعد شهرين، بأمر من رئيس الحكومة الجديدة عادل عبد المهدي.

وفي عام 2020، أصدر رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، قرارا يقضي بتعيين فالح الفياض رئيسا لهيئة الحشد الشعبي بالأصالة بعد أن كان يشغل المنصب بالوكالة، وتسمية شخصيات أخرى بديلة عنه لمستشارية الأمن القومي، وجهاز الأمن الوطني.