"فخ التنافس".. هل ينجح ماكرون في خلق توازن بين المغرب والجزائر؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

مع تعيين سفير مغربي جديد في فرنسا يمكن أن يؤدي إلى ذوبان دبلوماسي بين المغرب وفرنسا، يبدو أيضا أن العلاقات الفرنسية الجزائرية في طريقها إلى الدفء مع نهاية عام 2023.

وسرد موقع "ميديل إيست آي" البريطاني، بنسخته الفرنسية، بالتفصيل العلاقات الفرنسية بكل من المغرب والجزائر، موضحا كيف تحاول باريس الموازنة بين الجانبين "حتى لا تكتسب عداوة الآخر".

بدايات العداء

وفي مارس/ آذار 2023، كانت الدبلوماسية المغربية قد ردت على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قال إنه راض عن حالة العلاقات الثنائية، بأن "العلاقات بينهما ليست جيدة ولا ودية".

ومن الجانب الآخر، في أغسطس/ آب 2023، رد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على الصحفيين الذين سألوه عن استمرار تأجيل زيارته إلى باريس، التي كانت مقررة مبدئيا في مايو/ أيار 2023، قائلا إن "زيارته إلى باريس ليست سياحية".

وقال "ميديل إيست آي" إنه "رغم الاسترخاء الذي لوحظ منذ بداية الخريف، والذي سمح بتعيين سفير مغربي جديد بباريس (في أكتوبر/ تشرين الأول 2023)، فضلا عن انعقاد الاجتماع الأول للجنة المؤرخين الفرنسية الجزائرية، إلا أنها إحدى المرات النادرة في تاريخ فرنسا التي شهدت علاقاتها مع المغرب -مثل علاقتها مع الجزائر- فترة طويلة من عدم الارتياح".

ولفت الموقع إلى حقيقة أن "هاتين العلاقتين قد تميزتا منذ بداياتهما بشيء من العداء".

فبالنسبة للرباط، كان الانفصال عن فرنسا، القوة الحامية السابقة، وديا عام 1956، وفي 28 مايو من نفس العام، أُبرمت اتفاقية المساعدة المتبادلة، والتي بموجبها اتفقت الدولتان على عدم الإضرار ببعضهما بعضا، وعدم اتباع السياسات التي من شأنها تقويض المسار الجيد لعلاقتهما.

وكما نقل الموقع، انعكست الصداقة الفرنسية المغربية على جميع المستويات، السياسية والاقتصادية والإستراتيجية والثقافية.

وطوال النصف الثاني من القرن العشرين وحتى نهاية ولاية فرانسوا هولاند عام 2017، ظلت فرنسا "أفضل حليف" للمغرب.

من ناحية أخرى، ذكر الموقع أن العلاقات الثنائية مع الجزائر بدأت عام 1962، بعد ثماني سنوات دامية من الحرب التي ناضل خلالها الجزائريون من أجل استقلالهم.

ولكن سرعان ما اعترض الجانب الجزائري على اتفاقيات "إيفيان"، والتي هدفت إلى "جعل الجزائر دولة تعتمد على الاستعمار الفرنسي الجديد".

رغبة الظهور

ورغبة منه في الظهور بوصفه الشخص القادر على تهدئة هذه العلاقات بشكل نهائي، يحاول ماكرون بث حياة جديدة في علاقات فرنسا مع الجزائر منذ عام 2017. 

وحتى قبل انتخابه لأول مرة عام 2017، ذكر "ميديل إيست آي" أن ماكرون، المرشح آنذاك لرئاسة الجمهورية، كان قد أعرب عن رغبته في العمل على التقارب مع الجزائر.

ولا شك أن العلامة الأبرز ستظل هي وصف ماكرون للاستعمار بأنه "جريمة ضد الإنسانية" خلال رحلة إلى الجزائر في فبراير/ شباط 2017.

وأشار الموقع إلى أنه خلال هذه الرحلة نفسها، أعلنت الجزائر رغبتها في التحرك نحو "مصالحة الذكريات"، وهو أمر ضروري لفتح فصل جديد في العلاقات الفرنسية الجزائرية.

وفي صيف 2020، سلمت فرنسا 24 جمجمة لمقاومين جزائريين قُطعت رؤوسهم في القرن التاسع عشر، والتي كانت موجودة حتى ذلك الحين في "متحف الإنسان" في باريس. 

واستمرارا لذلك، في أغسطس/ آب 2022، شُكلت لجنة مؤرخين فرنسية جزائرية مكلفة بالعمل المشترك في مجال الذاكرة، وفق الموقع.

وقال "ميديل إيست آي" إن "ماكرون استطاع أن يظهر نفسه بذلك على أنه الرئيس الفرنسي الأكثر طواعية تجاه الجزائر، كونه الأول الذي يتخذ هذه السلسلة من التصرفات التي تجاوزت الخطب البسيطة".  

وأشار إلى أن ذلك "أثار حفيظة قسم من الطبقة السياسية الفرنسية التي تعتقد أنه سيفعل أكثر مما ينبغي".

فبحسب الموقع، "هناك جهات فاعلة، بشكل رئيس في اليمين واليمين المتطرف، ترفض أي شكل من أشكال الندم فيما يتعلق بماضي فرنسا الاستعماري".

انتقادات متزايدة

في غضون ذلك، يرى ماكرون نفسه أيضا يتعرض لانتقادات متزايدة من قِبَل جهات معتدلة تماما، مثل رئيس وزرائه السابق إدوارد فيليب.

وكما نقل الموقع، يعتقد فيليب أن "السلطات الجزائرية لن تكون متعاونة وممتنة للرئيس الفرنسي".

وأوضح الموقع ذلك أكثر قائلا: "إذا كان الجانب الفرنسي ينظر إلى لفتات الرئيس ماكرون على أنها علامة على حسن النية وجزء من الجهود التي يجب أن تكون مشتركة بين الدولتين، فإن الجانب الجزائري ينظر إليها على أنها نتيجة للحس السليم ولا تتطلب أي تعويض أو مقابل".

بمعنى آخر، "عندما تتوقع باريس من الجزائر عددا معينا من الخدمات كشكر على اللفتات التي تقدمها، فإن الجزائر تنتظر من فرنسا أن تسرع عملية الاعتراف بأخطاء الماضي وأن تستجيب بشكل إيجابي لجميع الشكاوى".

وبهذا الشأن، أشار الموقع إلى أنه "من بين الشكاوى التي لم ترد فرنسا عليها بعد، فتح بعض الأرشيفات واستعادة العديد من الأشياء المسروقة مثل مدفع بابا مرزوق، الذي لا يزال معروضا كغنيمة حرب في ميناء بريست العسكري".

ومن الضروري أيضا -من وجهة نظر "ميديل إيست آي"- الأخذ في الحسبان أن "حرب الجزائر لا تشكل في فرنسا سوى ذكرى لفترة تاريخية مؤلمة من بين فترات تاريخية أخرى من القرن العشرين، لكنها بالنسبة للجزائر حرب التحرير التي كانت هي الأساس لثورة جديدة ودولة قومية وُلدت عام 1962".

ورغم أن فرنسا تسعى تقليديا إلى الحفاظ على روابطها مع "الخصمين المغاربيين" في نفس الوقت، إلا أن رؤيتها الساعية لتحسين علاقتها مع الجزائر تثير مخاوف السلطة المغربية، وفق الموقع.

ونوه إلى أن "هذه المخاوف هي التي دفعت الرباط إلى حشد مندوبيها في فرنسا والتقرب من شخصيات معينة معروفة بعدائها للسلطات الجزائرية، بما في ذلك المؤرخ المثير للجدل برنار لوغان".

إضافة إلى ذلك، أعرب كل من عضو البرلمان الأوروبي عن حزب "التجمع الوطني" تييري مارياني والرئيس السابق نيكولا ساركوزي والجمهوريين إريك سيوتي ورشيدة داتي عن "أسفهم لأن فرنسا لم تدفع باتجاه الاهتمام بالمغرب أكبر من الاهتمام بالجزائر".

ويعتقد الموقع أيضا أن "هذه المخاوف هي التي جعلت المغرب -رغم استمرار الرباط في نفي هذه الاتهامات- تتورط في أكبر فضيحة تجسس في السنوات الأخيرة".

ففي عام 2021، كشف العديد من وسائل الإعلام العالمية عن "تجسس أجهزة الاستخبارات المغربية على نحو 30 صحفيا ومسؤولا في مؤسسات إعلامية فرنسية عبر برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي، وسط نفي مغربي لذلك.

الصحراء الغربية

"شبح يلوح في خلفية العلاقات بين المغرب وفرنسا"، هكذا وصف موقع "ميديل إيست آي" الصراع حول إقليم الصحراء الغربية وموقف فرنسا منه.

ويُذكر أن صراع الصحراء الغربية هو صراع مستمر بين جبهة "البوليساريو" و‌المملكة المغربية. 

ومنذ بداية الصراع، تبنت فرنسا موقفا مناهضا لفكرة استقلال الصحراء الغربية.

وذكر الموقع أنه في عام 2007، كان ساركوزي أيضا أول رئيس فرنسي يؤكد "مصداقية خطة الحكم الذاتي التي اقترحتها الرباط منذ عام 2006".

ولكن في عام 2020، حدثت نقطة تحول إستراتيجية كبرى في الشرق الأوسط والمغرب العربي، وفق ما ذكره الموقع.

وحدث ذلك عندما شجع الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب الدول العربية، بما في ذلك المغرب، على المشاركة في عملية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل مقابل "اللفتات" الأميركية تجاههم.

وكانت إحدى ورقات المساومة مع الرباط هي الصحراء الغربية، والتي اعترفت بها إدارة ترامب كأراضٍ مغربية بالكامل، يؤكد "ميديل إيست آي".

ولفت إلى كون "هذه هي المرة الأولى التي قدمت فيها قوة عظمى وعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مثل هذا الدعم القوي للمغرب".

وفي هذا الإطار، قال الموقع: "وجدت فرنسا -التي تواصل دعم الرباط من وراء الكواليس وتعترف بمصداقية خطة الحكم الذاتي المغربية، لكنها تمتنع عن إضفاء الطابع الرسمي على دعمها- أن واشنطن وإسرائيل قد تفوقتا عليها في مسألة كسب ثقة المغرب".

ويرى أن "الدبلوماسية الفرنسية لا تزال تجد نفسها أمام معضلة الانصياع لمطالب المغرب باسم الصداقة التاريخية التي تربط بين الدولتين، وهو ما يعني القطيعة مع الجزائر، أو الحفاظ على حيادها الزائف مع المخاطرة بفقدان نفوذها في المغرب ولكن مع استمرار الأمل في تحسين علاقاتها مع الجزائر".